الحب أخلاق قبل أن يكون مشاعر
تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT
محفوظ بن راشد الشبلي
mahfood97739677@gmail.com
كم من الحُب الذي يهديه المُحب لمن أحبه بصدق المشاعر التي تُساوي مقدارها كمية أحاسيسه الجيّاشة التي يكنّها له في قلبه وبين أضلعه والتي لا يُمكن قياسها بأي تعبير وشرح وتفصيل، بل بالفعل الصادق منه والمصحوب بكمية زخم الاندفاع تجاهه، التي لا يُمكن خلطها بازدواجية مع حُب آخر مهما كانت الأسباب المُبررات، لأن سيكولوجية الحُب بمفهومها المُطلق هي تبقى أخلاق وكرامة وعزّة نفس قبل أن تكون مشاعر نُعبّر بها ظاهريًا ونخفي خلفها وجه آخر غير الوجه الذي تُقابل به من أحببت.
وفي زماننا الحالي الذي اختلطت فيه المشاعر الزائفة بتلك الصادقة منها ظهرت فيه ما يُسمى بمفهوم الحب الاحتياطي الذي تُعزف فيه سيمفونية اللحن الظاهري المُزيّف عن اللحن الحقيقي لسيمفونية المشهد التمثيلي في الحب، والذي جعله مُمتهنوه للأسف لوقت الحاجة متى ما احتاج له مال به وضعه الهش الذي يعيشه إلى ذلك القلب وأفرغ فيه من الكلام المعسول والمغلّف بغلاف من البلاستيك أو القرطاس الهَش الذي تُغلّف به الهدايا لتُقدم في المناسبات، وهو ما يُسمى بالحب الفوضوي العاري من الأخلاق الحقيقية في عالم الحُب السطحي الغريب والعجيب في زمان الفوضى الحقيقية لمفهوم الحب المنزوع من صدق المشاعر والأحاسيس والأخلاق الكريمة فيه، وكأن ذلك الإنسان قد جعلوه محطة عبور وانتظار يمرون به في طريقهم وهم عابرون إلى حبهم الذي يعيشونه مع غيره للأسف ثم أُكررها للأسف.
إن الأخلاق في الحب لا يحملها الشخص العادي أو بالمفهوم الآخر العابث بالحب، لأن الأخلاق هي أخلاق والحُب يبقى حُباً لا تُدنّسه المشاعر الزائفة ولا يُمكن جعله بأي شكل من الأشكال أو بأي لون من الألوان ولا بأي لغة من اللغات بمعنى الحُب الزائف أو بالحب الفوضوي أو الاحتياطي، متى ما اختلفت به مع شخص اتجهت به لشخص آخر توهمه به وتجعله كالأهبل في حبه لك أو كالغبي أو كالأطرش في الزفّة بحبك الذي ادعيته له وأوهمته بأنك تُشاطره إياه وأنت في حقيقتك أوقعته في هشاشة حب تُبادله غيره وتعزف لحنه الهزيل معه وهو المسكين أفنى عمره في حبك، فأين هي أخلاقك في الحب أيها المدعي له.
في منظومة الحب ليكن في مفهومك لن يُطبّع معك ولن يقبل ولن يرضى منك صاحب الحب الحقيقي بأن يكون محطة انتظار أو عبور لك مهما لمّعت له زيف مشاعرك وأهديت حقيقتها لغيره، إن كانت هي أصلاً حقيقية معك ومع غيرك، إلا إذا كان هو كذلك يحمل لك في قلبه حُباً زائفاً خالياً من المشاعر والأحاسيس، أما الكريم في الحب فيبقى كريمًا عزيزًا وفيًا مُخلصًا.
الخلاصة.. إنَّ قلوب البشر ليست محطات عبور متى ما شاءت لها أقدار العابثين نزلوا فيها وغادروها متى ما شاءوا؛ بل هي مكنونة أخلاق ومنبع كرامة وموطن عِزة لمن يفهمها ويُقدّر حُبها، أما وإن تجعلوها محطات عبور وتسلية ومهزلة فالأحرى أن تحترم أشخاصها أولًا قبل أن تحترم حبهم الذي يحملونه لك في مُهجهم أيها العابثون بأخلاق الحُب ومفاهيمه ومعانيه الحميدة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حين صمتَ الحب ونطقت الأنا
في الزمن القديم، كان الفن ينبض بما تختزنه الأرواح من حنين، توق، وشغف صادق نحو الآخر.
كان الحب في الأغنية يمثل الامتلاء العاطفي، والتعلُّق بالمحب كركنٍ من أركان الطمأنينة الإنسانية.
ففيروز تُغني: “بكتب اسمك يا حبيبي عالحور العتيق”، وشادية تتوسل الزمن: “إن راح منك يا عين، هيروح مني فين؟”، أما نوال الزغبي فكانت “على بالها تقعد بجانبه”…
كلها أصوات تصوغ الإنسان ككائن يتكامل بالمحبّة، ويجد اكتماله في الآخر.
لكن شيئًا ما تغيّر!
الفن، بإعتباره مرآة المجتمع، بدأ يعكس صورة مختلفة للإنسان المعاصر.
لم يعد صوت الحب هو الغالب، بل حلَّت محله نغمة باردة من الإستقلالية المؤلمة، وأحيانًا العدائية.
تُغني أحلام: “ابعد عن دروبي، خلك في غيظك موت مالك أمل صوبي”، وتقول مايلي سايرس في أغنيتها الشهيرة Flowers:
“I can buy myself flowers… I can love me better than you can”.
وكأن الرسالة: “أنا لست بحاجة لأحد، حتى الحب… أستغني عنه بنفسي”.
هذه التحوّلات في الأغنية ليست مجرد تغير في الكلمات، بل هي انعكاس لتحوّل أعمق في وعي الإنسان، وخصوصًا في رؤيته للعلاقات.
لقد تحوّل من الكائن المتعلِّق بالجماعة، إلى فردٍ يقدّس إستقلاله، ويخشى الإرتباط كما لو كان تهديدًا لحريته.
يشرح المفكر البولندي زيغمونت بومان هذا التحول في كتابه “الحب السائل”، حيث يرى أن الحداثة المتسارعة حولت العلاقات إلى أنماط “سائلة” لا ثبات فيها، لا إلتزام طويل، ولا رغبة في التورط العاطفي الكامل.
أما إريك فروم فيقول في “فن الحب” إن الحب مهارة تحتاج النضج، لا إنفعالاً عابرًا أو رغبة في الإمتلاك أو الإنسحاب.
وبين هذين التفسيرين، نجد أن الأغنية اليوم صارت تصرخ بما يخفيه قلب الإنسان المعاصر: أنا موجوع، لكنني لن أظهر ضعفي… وسأحب نفسي إن أضطررت.
فما بال الإنسان؟
لقد تغيَّر.
لم يعد يرى العلاقة ملاذًا، بل قيدًا.
لم تعد الحميمية أولوية، بل مسؤولية قد تُعيقه عن ذاته.
ويبقى السؤال الكبير مطروحًا:
هل نضج الإنسان فأستغنى؟
أم
خاف فأنعزل؟
في الحالتين، فإن الفن يُجيبنا دائمًا بوضوح:
صوت الإنسان تغيَّر… وصدى قلبه كذلك.