تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

مع محاولات رئيس الولايات الولايات المتحدة، دونالد ترامب، بإغلاق أسواق بلاده أمام تجارة العالم عبر فرض رسوم تجارية علي الواردات كأداة لحماية مصالحها الاقتصادية المباشرة، وخلق حواجز جديدة لإعاقة تدفق بعض السلع الحساسة من وإلى الصين، يبدو أن زمن العولمة الاقتصادية يعيش أيامه الأخيرة، وأننا بصدد الانتقال إلى عالم جديد متعدد الأقطاب.

وفي الماضي، كانت العولمة محركا أساسيا للتقدم الاقتصادي والاجتماعي بكثير من دول العالم، وطورت التعاون الدولي، وعززت التبادل التجاري والثقافي بين الشعوب، وفتحت أسواقا جديدة رغم تأثيراته السلبية علي الهويات الوطنية والحضارية وسيادة الدول.

وخلال العشر سنوات الأخيرة من القرن الماضي وعشر سنوات أخري في القرن الحالي، عاشت العولمة الاقتصادية عصرها الذهبي فقد زاد النشاط الاقتصادي، وارتفعت حركة البضائع والسلع ورؤوس الأموال بعد انخفاض تكاليف النقل، والمواصلات والإتصالات كذلك، فضلا عن قلة الرسوم الجمركية، وتطور وتحرر التعاملات المالية الدولية ونقل الأموال، وارتفع حجم التجارة الدولية في  عام 2023  الي 33 ترليون دولار بما يعادل 59% من الناتج المحلي العالمي بعد أن كان 58 مليار دولار فقط في عام 1950 لتصبح التجارة الدولية وحركة السلع والخدمات أساسا لتحقيق الرفاه الاقتصادي للدول، وكان لواشنطن الدور الأكبر في حماية العولمة عبر ضمان تأمين طرق التجارة ونقل رؤوس الأموال.

واعتمدت العولمة الاقتصادية على الاندماج بين الاقتصادات الدولية وتحجيم دور الدول والهيئات الرقابية وفتح اقتصاد السوق الحر، وكانت العولمة قوة دافعة للسلام العالمي والرخاء وانخفاض التضخم، فالإقتصاد العالمي هو أحد نتائج الحرب العالمية الثانية بدءا بنظام بريتون وودز 1944، وانتهاء بمنظمة التجارة العالمية، مرورا بالأذرع النقدية والمالية كالبنك الدولي 1945وصندوق النقد الدولي 1944، ومع انهيار أوروبا الشرقية عام 1989 تم تعميم النموذج الغربي في الاقتصاد الحر طوعا أو كرها، ووفي عام 1947 اقرت الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة "GATT"، لتصبح مظلة كبري تدار من خلالها التجارة الدولية، لكن في الفترة الأخيرة زادت موجات الانكفاء علي الذات وانتشار الشعبوية واليمين المتطرف في كثير من دول العالم وعلي رأسها أمريكا وأوروبا، وأصبح الصراع على الهويات الوطنية والابتعاد عن العولمة وتراجع دور المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والتجارة العالمية، وحاول الشعبويين تصوير العولمة علي أنها ليست وسيلة لتبادل الأفكار والسلع بل تهديد للهوية والسيادة، ومع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الحكم في أمريكا عام 2016، وعودته مرة أخري في بداية العام الجاري،  عادت فلسفة "الحمائية" مصحوبة بمصطلح "القومية الاقتصادية"، بمعني الانعزال عن العالم تحت شعار "أمريكا العظمي أو أمريكا أولا"، فقرر الخروج من العديد من الاتفاقيات التجارية الثنائية ومتعددة الأطراف، بل وحتي منظمات الأمم المتحدة، ومع تشييد الجدران وغلق الحدود، تفقد المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية، والتجارة الدولية أهميتها ما سيؤثر سلبا على النمو والرفاه الاقتصادي.

وصدمت رسوم ترامب الجمركية الاقتصاد العالمي، وتسببت في خسائر للأسواق المالية بلغت 10 تريليونات دولار قبل أن يتراجع ترامب عنا مؤقتا ويعلقها لـ  90 يوما لدول العالم ما عدا الصين، وبدا ترامب وكأنه منكفأ على نفسه مغلقا نوافذه، منسحبا من مشهد القيادة العالمية، ما أدي الي اجتياح موجة من عدم اليقين للأوساط الاقتصادية، وزادت المخاوف من حدوث ركود تضخمي ستكون له عواقب وخيمة، وخاصة على الاستثمارات، فالرسوم الجمركية ليست مجرد أرقام تضاف إلى فاتورة الاستيراد لكنها أداة تعيد رسم ملامح الاقتصاد العالمي، فمع إعلان ترامب لحرب الرسوم الجمركية يبدأ كتابة الفصل الاخير لسنوات تحرير التجارة، وعودة الأسوار الجمركية والإجراءات الحمائية.

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر اعتبر أن العولمة كما كانت معهودة انتهت\، بعدما فرضت واشنطن زيادة على الرسوم الجمركية تثير تداعياتها المحتملة على الاقتصاد العالمي، مخاوف واسعة النطاق، كما اعتبر أن العالم كما عرفناه قد انتهى.. والعالم الجديد تحكمه بشكل أقل قواعد راسخة، وبشكل أكبر اتفاقات وتحالفات.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: العولمة الاقتصادیة التجارة الدولیة

إقرأ أيضاً:

د. علي عبدالحكيم الطحاوي يكتب: القوى العظمى في العالم إلي أين ..!!

لا يزال العالم يعيش حالة من التحول في موازين القوى الدولية فبعد عقود من الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، خصوصًا منذ نهاية الحرب الباردة في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات، تحديدًا بين عامي 1980 و1990 تغيرات جذرية في السياسة العالمية، مع انهيار الاتحاد السوفييتي وتوحيد ألمانيا وانسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان وأوروبا الشرقية، وتراجع الصراع الأيديولوجي والجيوسياسي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي.

وأرى بعد نهاية الحرب الباردة بدأت ملامح تعددية قطبية تلوح في الأفق، مع بروز قوى أخرى تسعى لتأكيد حضورها العالمي، وإعادة تشكيل التوازنات السياسية والاقتصادية والعسكرية.

 الولايات المتحدة الأمريكية حتى اليوم هي القوة الأعظم من حيث التأثير العالمي، بما تمتلكه من أدوات تفوق على جميع المستويات: اقتصاد متنوع وضخم، نفوذ عسكري غير مسبوق، هيمنة تكنولوجية، وسيطرة نسبية على المؤسسات المالية الدولية ولكن هذا التفوق بات يواجه تحديات داخلية وخارجية واضحة فمن جهة هناك انقسامات داخلية حادة تؤثر على السياسة الخارجية، ومن جهة أخرى، تتصاعد قوة الصين وروسيا بشكل قوي مؤثر يصعب تجاهله.

لذلك الصين في المقابل، لا تسعى إلى الهيمنة بالشكل التقليدي في القرن الماضي، بل تتقدم باستراتيجية هادئة تعتمد على الاقتصاد والتكنولوجيا والاستثمار طويل الأمد، كما نرى في مشروع الحزام والطريق الذي يربط الصين بقارات آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهذا الصعود لا يقتصر على الاقتصاد فقط، بل يمتد إلى القوة العسكرية التي تشهد تطورًا لافتًا، والتأثير السياسي المتزايد في المنظمات الدولية، بل ومحاولات خلق نظام عالمي موازٍ يحدّ من تفرد الغرب بقيادة العالم.

أما بالنسبة لدولة روسيا، فتعتمد في إعادة بناء مكانتها على الإرث السوفييتي من حيث النفوذ الجيوسياسي والقدرات النووية ومن خلال التدخلات العسكرية في مناطق مثل أوكرانيا وسوريا قبل ذلك، تحاول فرض نفسها كلاعب لا يمكن تجاوزه في المعادلات الدولية رغم ما تواجهه من عقوبات اقتصادية وعزلة غربية نسبية، فإن موسكو تراهن على تحالفاتها الجديدة وعلي مجموعة البريكس، وعلى استثمار التناقضات الدولية لإعادة تثبيت نفوذها.

بالنسبة للاتحاد الأوروبي لا يكتمل الواقع الجديد دون النظر إليه لإنه يمتلك قوة اقتصادية هائلة وقدرة تأثير دبلوماسي، لكنه يفتقر للوزن العسكري الموحد، ويعاني من تشتت في القرار السياسي، ما يُضعف من قدرته على لعب دور مستقل كقوة عظمى مكتملة الأركان ومع ذلك يظل فاعلًا مهمًا، وخاصة في ملفات حقوق الإنسان والتنمية المستدامة.

وهنا في خضم هذا المشهد الدولي المعقد للقوي العظمى تتأثر منطقة الشرق الأوسط تأثرًا مباشرًا بتحركات هذه القوى الولايات المتحدة، رغم تقليص وجودها العسكري، لا تزال تملك نفوذًا واسعًا عبر تحالفات استراتيجية مع دول كالسعودية ومصر.

أما روسيا، فقد عززت من موقعها الإقليمي من خلال تدخلها في سوريا سابقا.

 بينما تسعى الصين إلى التغلغل الاقتصادي في المنطقة دون الدخول في صراعات مباشرة. 

أما أوروبا، فتبقى حاضرة في القضايا الإنسانية والتنموية، ولكن بفعالية محدودة سياسيًا.

لذلك أرى بوضوح أن ما يمكن استنتاجه هو أننا نشهد تفككًا تدريجيًا لفكرة "القطب الواحد" وبداية مرحلة جديدة من تعددية القوى، حيث لا توجد دولة واحدة قادرة على فرض إرادتها منفردة، بل باتت المعادلات الدولية تقوم على التفاوض، توازن المصالح، وتقاطعات النفوذ هذا التحول يخلق تحديات وفرصًا في آن واحد، ويضع الدول الصغرى والمتوسطة أمام خيارين: إما التبعية لأحد الأقطاب، أو محاولة لعب دور مستقل يعتمد على التوازن والمرونة مثل مصر في ظل قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي.

في النهاية، فإن صراع القوى العظمى ليس مجرد تنافس على النفوذ، بل هو معركة على شكل العالم القادم: هل سيكون عالمًا تعدديًا متوازنًا، أم سيعيد إنتاج أنماط الهيمنة بشكل جديد؟ هذا ما ستكشفه السنوات القليلة المقبلة.

ولكن أرجح التعددية القطبية لأنها أصبحت قوى لا يستهان بها.

طباعة شارك القوى العظمى التعددية روسيا الصين

مقالات مشابهة

  • أخبار العالم| شرط مشاركة أوكرانيا في مفاوضات روسيا.. رد إسرائيل على مقترح ويتكوف لا يلبي مطالب حماس.. وترامب ينتقد قرار محكمة التجارة بشأن الرسوم الجمركية
  • خاطئ ومسيس.. ترامب ينتقد قرار محكمة التجارة الدولية بشأن الرسوم الجمركية
  • ترامب قد يلجأ الجمعة للمحكمة العليا الأميركية لوقف حكم تجميد الرسوم الجمركية
  • د. علي عبدالحكيم الطحاوي يكتب: القوى العظمى في العالم إلي أين ..!!
  • المستشار الاقتصادي بالبيت الأبيض: سيتم إلغاء القرار القضائي بعدم قانونية الرسوم الجمركية
  • إيران تدعو عُمان إلى ربط الموانئ والمسارات الاقتصادية
  • محكمة أمريكية تمنع تنفيذ رسوم ترامب الجمركية
  • الدولار يرتفع بعد أن أوقفت محكمة أميركية رسوم ترامب الجمركية
  • شكل جديد للعولمة - وجهة نظر صينية
  • تراجع طفيف في سعر الذهب العالمي وسط تفاؤل حذر بالهدنة الاقتصادية