الإعيسر مبعوث الكيزان لرجم الشيطان!

بثينة تروس

في مشهد لا يخلو من مفارقة تثير العجب، وزير الإعلام في حكومة بورتسودان العائد من بريطانيا حيث التمدن والمؤسسات والنهج الديمقراطي ليُفاجئنا بخطاب أقرب إلى طقوس “رجم الأوثان”، بدلًا من تقديم خطاب دولة يليق بتجربته وخبراته.

الوزير خالد الأعيسر الذي سبق أن سوق لنفسه بسيرة معرفية ومهنية محترمة، تمتد من جامعة بولتون في المملكة المتحدة إلى أروقة الإعلام العربي في كبريات الصحف والقنوات، شارك مؤخرًا في فعالية نُظمت تحت عنوان (رجم الشيطان)!! حدثنا (خاطبت اليوم مسيرة (حماة الوطن) التي نظمتها منظمة عتاب الثقافية تحت شعار (رجم الشيطان) وشاركت فيها جماهير غفيرة من مدينة بورتسودان.

جاءت المسيرة بهدف رجم دمية تمثل رمزية قائد المليشيات المتمرد، والتأكيد على رفض الشعب السوداني لعودة ميلشياته بأي شكل من الأشكال إلى الحياة السودانية. لقد انتهى عهد المليشيات وأعوانها ورعاتها بلا رجعة)!

وانتشر مقطع مصور للوزير وهو يفتتح مشهد “الرجم”، وسط مجموعة من المؤيدين الذين يعلو صوت تكبيرهم وزغاريدهم، في لحظة بدت وكأنها مسرحية شعبوية ساخرة لا تليق بمقام رجل دولة، لكنها تشبه حالات وزراء حكومة الحركة الإسلامية، أمثال الشهير (اللمبي) الجنرال عبد الرحيم محمد حسين لصيق المخلوع البشير ووزير الداخلية الأسبق، وبدعة خطة وزارته (الدفاع بالنظر)! لكن السؤال الجوهري هنا، أما كان الأجدر بوزير يحمل الجنسية البريطانية، ويحمل إرثًا من الخبرات الإعلامية الدولية، بدل التهافت في التمكين في السلطة، أن يوجه خطابه ومجهوده نحو رفع الوعي، لا الانزلاق في استعراضات لا تحل أزمة ولا توقف حربًا، ألم يكن من أولى أولوياته أن يُذكّر منظمي هذه الفعالية بخطورة انتشار السلاح وتعدد المليشيات، وأن يضع في مقدمة حديثه أهمية بناء السلام، وترسيخ العدالة، والتأسيس لخطاب يواجه جذور الأزمة، بدل هذه الجهالات؟ إن تشبيه “حميدتي” بالشيطان، وتجسيده في دمية، قد يبدو متنفسًا عاطفيًا، لكنه لا يعالج الدماء المسفوكة، ولا يعيد المهجّرين، ولا يُصلح الخراب الممتد على أرض الوطن، وأكثر من ذلك شيطنته وإجرام ميلشياته مفهومة في اللحم والدم لدى من أُخرجوا من ديارهم، وأُريقت دماؤهم، وانتهُكت أعراضهم. وفي رجم دمية لن يجدوا المواساة.

والوزير بحكم موقعه وخبراته الإعلامية الراقية!  يفترض أن يُسهم في إعداد الرأي العام المستنير ببرامج ترفع من شأن العدالة وحقوق الإنسان، وأن يُحذّر من أخذ المواطنين بالشبهات، وأن يُسلّط الضوء على القضايا الكبرى، بحكم خبراته في المعيشة في بلدان المواطنة ذات الحقوق المتساوية، مثل الاختفاء القسري للمواطنين، وفيات المعتقلين، والتقارير التي وثّقت أسباب الوفيات داخل معتقلات الدعم السريع في سوبا، توثيق الشهادات الطبية، والكشف عن الكوادر التي أُجبرت على العمل تحت التهديد، والمعلومات التي انتشرت في وسائل الإعلام حول وفاة 78 شخصًا داخل المعتقل، كلها قضايا تمسّ جذور الأزمة وتهم إنسان السودان، وتُعنى بما يحفظ دماء الناس وكرامتهم. فها هو الوزير، صاحب العلوم المتعددة، يجمع في خطابه ما بين مفاهيم العوالم الحضرية… وعصور الجاهلية! بينما كان يُنتظر منه أن يُعلّم وأن يستبدل منصة الوعي بمنصة الرجم. فهل يعقل أن تتحول وظيفة الإعلام، لا سيما من موقع وزاري، إلى أداء تعبوي سطحي رجعي مهووس؟ أم هي سخرية الأقدار على يد وزارة الإعيسر أعادتنا إلى هذا المشهد الكاريكاتوري… لنرجم الدمى بدل أن نرجم الفساد والعنف والجهل ونوقف الحرب.

إن رعونة الوزير وفرحته الطفولية برجم الدمية تؤكد، فعلاً، أن الإعلام والأقلام قد آلت إلى غير أهلها. فالشيطان الحقيقي لا يسكن في مجسّم بلاستيكي، بل يتجسّد في عبادة المناصب، والتشبّث بالكراسي على جماجم الضحايا، والخضوع لبطانة السلطة. وهي ذات المغريات التي استخدمتها الحركة الإسلامية لصناعة (حميدتي)، ولاتزال تصنع في المزيد من الميليشيات، وهي الاَن سوف تدفع بوافد بلدان الحضارة إلى أن ينحني أمام الرعاع، فقط ليؤكّد ولاءه لحكّام بورتسودان.

يا سعادة الوزير في النهاية، لا تُقاس قيمة المسؤول بما يردده من شعارات أو بما يستعرضه من ماضٍ مهني، بل بما يقدمه من مواقف تتسم بالحكمة والرؤية والمسؤولية، لقد تعب الشعب السوداني طوال حكوماته المتعاقبة من الرموز والتجسيدات والدمى، والتكبير والتهليل الأجوف، وهو اليوم في أمسّ الحاجة إلى خطاب عقلاني، يُعيد للناس ثقتهم في مؤسساتهم، وفي رجالات دولتهم. أما أن يُختزل الصراع في دمية، وتُختزل العدالة والقصاص في رجم، فذلك ليس سوى محاولة يائسة لذرّ الرماد في العيون، والهروب من الأسئلة الحقيقية!

الوسومالحركة الإسلامية السودان الكيزان بثينة تروس بريطانيا جامعة بولتون حكومة بورتسودان حميدتي خالد الإعيسر

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الحركة الإسلامية السودان الكيزان بريطانيا حكومة بورتسودان حميدتي خالد الإعيسر

إقرأ أيضاً:

مبعوث ترامب للرهائن يكشف كواليس اتصالاته مع حماس وضغوطه على قادة العالم

كشف أور شاكيد، مراسل صحيفة "إسرائيل اليوم" في الولايات المتحدة، عن تفاصيل موسعة حول الدور الذي يؤديه آدم بوهلر، أحد المقربين من دوائر صنع القرار في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والذي عين مبعوثا رئاسيا لشؤون الأسرى. 

ويشير شاكيد في تقريره إلى أن بوهلر، الذي كان جزءا من الفريق الذي روج لاتفاقيات إبراهیم، بات الآن في موقع "يرتبط حرفيا بالحياة والموت"، حيث يمكن لأي كلمة أو قرار أن تغير مصير محتجز في "سجن أو قبو مظلم" حول العالم.

من اجتماع مع الرئيس الصيني إلى منصب هام
وبحسب شاكيد، فإن دخول بوهلر هذا المجال لم يكن مخططا له. فقد بدأت القصة قبل سنوات خلال اجتماع بين إدارة ترامب الأولى والرئيس الصيني شي جين بينغ، حين شاهد بوهلر مستشار الأمن القومي لاحقا روبرت أوبراين يطالب بكين بإطلاق سراح مواطنين أمريكيين. يوضح بوهلر أنه تأثر حينها بالدور الإنساني الذي يلعبه مبعوث شؤون الرهائن، واعتبره "أمرا قادرا على تغيير حياة الناس".

ويشير بوهلر، وفق شاكيد، إلى أن فوز ترامب الجديد بالانتخابات كان "لحظة ارتياح كبيرة"، خاصة بعد ما وصفه بـ"تدهور حاد" في السياسة الخارجية الأمريكية خلال فترة بايدن. ويذكر أنه تلقى أول عرضٍ لشغل المنصب من مورغان أورتاغوس، قبل أن يلتقي لاحقا بروبرت أوبراين الذي وجد أنه "مناسب تماما" لهذه المهمة.

ترامب كلفه بمهمة تتجاوز الأمريكيين
وفي لقائه الأول مع ترامب، يؤكد بوهلر –كما ينقل شاكيد– أنه اختار التركيز على ملف الرهائن بدلا من ملفات الشرق الأوسط التقليدية، قائلا: "هناك العديد من الأمريكيين، والكثير من الحلفاء، ومنهم الإسرائيليون، في الأسر." ويشير إلى أن ترامب أعجب بإجابته وأخبره: "إذا كان هذا ما تريده فلا مشكلة".
ويؤكد شاكيد أن ترامب أوضح لبوهلر لاحقا أن تفويضه يشمل "جميع الرهائن الإسرائيليين"، وليس الأمريكيين فقط.

ووفق التقرير، يصف بوهلر ليلة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر بأنها كانت "صدمة كبرى" له كيهودي أمريكي، قائلا إنه تابع التطورات منذ اللحظة الأولى، وشعر بإحباط لأن "ما حدث لم يكن ليقع في عهد الرئيس ترامب".


لقاء مباشر مع حماس.. وانتقادات إسرائيلية
وينقل شاكيد أن واحدة من أكثر الخطوات إثارة للجدل في عمل بوهلر كانت إجراء لقاء مباشر مع ممثلي حركة حماس، وهو ما أثار غضبا كبيرا داخل الاحتلال الإسرائيلي خشية عقد صفقات بمعزل عنها.

لكن بوهلر شدد –بحسب شاكيد– على أن "كل شيء منسق بالكامل مع البيت الأبيض"، مؤكدا: "لا يمكن أن نتجاوز إسرائيل… ولن أبرم صفقة مقابل ثمن. القرار النهائي لإسرائيل."

وأوضح أن الهدف من اللقاء كان تسريع عملية إنقاذ الرهائن بعد أن تبين أن العمل عبر وسطاء "يستغرق وقتا أطول".

كما يشير شاكيد إلى أن كبار مسؤولي إدارة ترامب، وبينهم جاريد كوشنر وستيف ويتكوف، أجروا هم أيضا اتصالات مباشرة مع ممثلي حماس خلال الجولات الأخيرة من المفاوضات.

بين الغضب الشخصي والواجب الرسمي
وينقل شاكيد عن بوهلر قوله إن لقاء أعضاء حماس، بصفته يهوديا، كان أمرا صعبا عاطفيا، لكنه كان يفصل بين مشاعره ودوره: "أنا أمثل بلدي. الهدف هو إطلاق سراح الرهائن، وليس التعبير عن الغضب."

ويشير التقرير إلى أن الاجتماعات مع حماس كشفت أن هناك إمكانية لاتفاق شامل يعتمد على مبدأ "الكل مقابل الكل"، رغم أن الكثيرين اعتبروه مستحيلا.

ويبرز شاكيد أن بوهلر كان يحمل صورة الرهينة عيدان ألكسندر معه دائما، وقد حضر بنفسه عملية إطلاق سراحه، ورافقه في المروحية التي أعادته إلى الاحتلال الإسرائيلي، واصفا اللحظة بأنها "من المشاهد التي يشعر فيها الإنسان بعظمة الله".

ضغط علني على رئيس الوزراء العراقي
كما يعرض شاكيد قصة الباحثة الإسرائيلية الروسية إليزابيث تسوركوف، التي اختطفتها كتائب حزب الله في العراق. ويشير إلى أن بوهلر تبنى نهجا غير مسبوق حين شن هجوما علنيا على رئيس الوزراء العراقي، متهما إياه بـ"الوعود الكاذبة" ومهددا بإقالته.

وينقل شاكيد عن بوهلر قوله: "لم أقبل منه أي أعذار. كانت تلك إهانة للرئيس. وعندما أدركوا جديتي… بدأوا بالتصرف."

ونتج عن الضغوط، وفق التقرير، إطلاق سراح تسوركوف، وتسليم جثة أمريكي آخر كان محتجزا لسنوات.


"العشرات" ما زالوا محتجزين حول العالم
ويؤكد بوهلر –كما ينقل شاكيد– أن عشرات الأمريكيين ما زالوا محتجزين في دول مثل أفغانستان وروسيا وإيران، مشددا على أن فريق ترامب ملتزم بإعادتهم جميعا: "سنواصل الضغط حتى يعودوا جميعا."

ويوضح شاكيد أن العدد المتبقي من رهائن 7 تشرين الأول/أكتوبر انخفض إلى رهينة واحد، هو ران غويلي، ولم تستعد رفاته بعد. ويؤكد بوهلر أنهم ملتزمون بإعادته أيضا.

أما عن "اليوم التالي" في غزة، فينقل شاكيد عن بوهلر تفاؤله بأن يقود كوشنر وويتكوف المرحلة المقبلة، معتبرا أن لديهم القدرة على "إعادة تشكيل المنطقة"، كما فعلوا في اتفاقيات إبراهيم.

مقالات مشابهة

  • مصدر يكشف لـCNN عن لقاء قريب بين مبعوث ترامب وزيلينسكي مع قادة أوروبيين
  • مبعوث ترامب يزور بيلاروسيا ويجري مباحثات جديدة مع لوكاشينكو
  • أشار إلى سقوط صدام وهزيمة داعش.. مبعوث ترامب يوجه رسالة إلى حكومة العراق
  • مبعوث ترامب: العراق يقف مجدداً أمام لحظة حاسمة
  • مبعوث ترمب يحذر من انزلاق العراق نحو التفكك وعزلة دولية: الحل بأيديكم
  • صورة من بورتسودان..!
  • مبعوث ترامب للرهائن يكشف كواليس اتصالاته مع حماس وضغوطه على قادة العالم
  • فيديو متداول لـسقوط طائرة إليوشن في بورتسودان.. ما حقيقته؟
  • تحطم طائرة عسكرية تابعة للجيش ومصرع طاقمها
  • عاجل .. سقوط طائرة شحن إليوشن بمدينة بورتسودان