شرح صلوات الأسبوع العظيم في الكنيسة الأرثوذكسيّة
تاريخ النشر: 13th, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تبدأ صلوات الأسبوع العظيم في الكنيسة الأرثوذكسيّة مساء أحد الشعانين، وتمتد حتى قدّاس أحد الفصح. لكن اللافت أن ترتيب هذه الصلوات لا يتم بحسب التوقيت المعتاد، بل وفق ترتيب رمزي وروحي خاص:
صلاه الختن (العريس) مساء الأحد والإثنين والثلاثاء تمثّل صلاة السَّحر لليوم التالي
صلاه الزيت مساء الأربعاء تعود فعليًا لسَحر يوم الخميس
اناجيل الآلام مساء الخميس هي من خدمة سحر الجمعة
انزال المصلوب صباح الجمعة تقام وقت غروب الجمعة
قداس سبت النور صباح السبت يُعدّ قدّاس السهرانية الذي كان يُحتفل به مساء السبت-الأحد.
هذا الترتيب يُظهِر أن الكنيسة تعيش في هذا الأسبوع الزمني المقدّس بتركيز روحي عميق، يهدف إلى مرافقة المسيح في طريق الآلام والقيامة.
صلاة الختن: لقاء العريس والاتّحاد بالمسيح
تُعرف الصلوات المسائية لأيام الأحد والإثنين والثلاثاء باسم “صلاة الختن”، وهي مشتقّة من الكلمة السريانية التي تعني “العريس”. ويستند هذا الاسم إلى مثل العذارى العشر، حيث يأتي العريس (المسيح) في منتصف الليل وتكون العذارى الحكيمات مستعدّات للقائه، فيما تُغلق الأبواب في وجه الجاهلات.
ترتّل الكنيسة في هذه الصلوات:
“ها هو ذا الختن يأتي في نصف الليل، فطوبى للعبد الذي يجده مستيقظًا…”
خدمة الختن تُشكّل سَحر اليوم التالي، وهي دعوة للسهر الروحي والتهيئة للقاء العريس الإلهي، المسيح. يُشبّه الربّ نفسه بالعريس، والكنيسة بالعروس، وكلّ مؤمن يُدعى ليرتدي لباس العرس، كما في الترتيلة:
“إنني أشاهد خدرك مزينًا يا مخلّصي، ولست أمتلك لباسًا للدخول إليه، فأبهج حلة نفسي يا مانح النور وخلّصني.”
وترتبط صورة الختن أيضًا بإشارة لآلام المسيح، إذ نجد أحيانًا على أيقونة الختن عبارة:
“هوذا الإنسان” (Ὁ Ἄνθρωπος)، وهي نبوءة نطق بها قيافا بعد إقامة لعازر من الموت، حين قال:
“خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها!” (يو 11: 50).
المسيرة الروحية للصلوات: عبور مع المسيح من الموت إلى الحياة
تشكل صلوات الأسبوع العظيم مسيرة جلجلة روحية، تبدأ من إقامة لعازر وتبلغ ذروتها في القيامة. إنها عبور من أورشليم الأرضيّة إلى السماويّة، من الألم إلى المجد، من الصليب إلى الحياة.
يقول أحد التراتيل التي تُرتّل يوم أحد الشعانين:
“أيّها المسيح ، لمّا أقمت لعازر من بين الأموات قبل آلامك، حقّقت القيامة العامّه”
في هذه الصلوات، يعيش المؤمنون درب الآلام خطوة بخطوة مع المسيح، فيتأملون في رموز الكتاب المقدّس، ويتّحدون بآلامه وقيامته.
البعد الكتابي والرمزي للصلوات
القراءات التي تُتلى خلال صلوات المساء مأخوذة من سِفرَي الخروج وأيّوب، وذلك لما تحمله من رمزية واضحة:
سفر الخروج يروي عبور شعب الله من عبودية مصر إلى أرض الميعاد، رمزًا للعبور من الموت إلى الحياة عبر آلام المسيح وقيامته
سفر أيّوب يُظهر مثالاً عن الصبر والثقة بالله وسط الألم، حيث يصبح أيّوب صورةً مسبقة للمسيح المتألّم والمنتصر، وللخلاص الشامل الذي يتجاوز حدود شعب معيّن.
رسالة الأسبوع العظيم: الاستعداد الدائم والرجاء
تتمحور صلوات هذا الأسبوع حول الاستعداد الروحي، والرجاء باللقاء مع المسيح المنتصر على الموت. العِبَرُ والتّراتيلُ والقراءاتُ تسلط الضوء على تاريخ الخلاص، وتُهيّئ النفس للدخول إلى سرّ القيامة.
إنه أسبوع الرجاء، حيث كلّ مؤمن يُدعى أن يصير عروسًا للعريس الإلهي، وأن يلبس لباس العرس ليدخل إلى خدره الأبدي، هاتفًا في الفصح.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أقباط أقباط الإرثوذكس الأسبوع العظیم
إقرأ أيضاً:
دان براون يعود ليسأل: ماذا بعد الموت؟ قراءة في سر الأسرار
بعد غياب دام 8 سنوات، يعود الروائي الأميري دان براون -سيد شيفرات التاريخ وألغاز الفن- ليطرح سؤاله الأكبر حتى الآن: ماذا يحدث عندما نموت؟
في روايته الجديدة "سر الأسرار"، وهي السادسة ضمن مغامرات أستاذ الرموز الخيالي روبرت لانغدون، يخوض براون في رحلة لاهثة عبر أزقة براغ، في سباق لكشف "مفتاح الحكمة القصوى" المتمثل في سر ما بعد الموت، مراهنا -كما اعتاد- على أن القراء يحبون الشعور بأنهم يطّلعون على أسرار أو حقائق ممنوعة.
صدرت الرواية في التاسع من سبتمبر/أيلول 2025، بـ16 لغة حول العالم في الوقت نفسه، مع طبعة أولى أميركية بلغت 1.5 مليون نسخة، لتتصدر فورا قوائم الكتب الأكثر مبيعا، في شهادة على الترقب الهائل من قبل ملايين القراء الذين أدمنوا خلطته السحرية من التشويق والمعرفة، حتى وإن كانت الحوارات بين شخصياته مختزلة وسطحية أحيانا ولا ترقى إلى عمق أدبي كبير (كبناء نفسي وإنساني).
واللافت أن هذا السؤال الوجودي لم يغير شخصيات الرواية فحسب، بل غير الكاتب نفسه، فبراون -الذي بدأ رحلة البحث متشككا- يعترف اليوم بأنه "لم يعد يخشى الموت"، مما يضفي على هذا العمل بعدا شخصيا وإنسانيا عميقا، فهل يحاول براون أن يخلع معطف كاتب الإثارة ليكون أديبا حقيقيا مسكونا بأسئلة الصنعة الأدبية الكبرى؟ ونتساءل هنا هل جنس الرواية البوليسية وخفة وسرعة إيقاع فصولها تناسب تلك الأسئلة الكبرى؟
اختار براون عاصمة جمهورية التشيك ومملكة بوهيميا القديمة مسرحا لأحداثه، ولم يكن الاختيار اعتباطيا، فبراغ، بتاريخها وسمعتها الفانتازية، كانت توصف بأنها "عاصمة أوروبا الصوفية" منذ عصر الإمبراطور رودولف الثاني، الذي جمع فيها العلماء والسحرة والخيميائيين، وذلك بفضل أزقتها السرية الملتوية وأديرتها وقلاعها العتيقة وأجوائها التي تعج بالأسرار، الأمر الذي جعل من المدينة شخصية قائمة بذاتها في الرواية.
إعلانيصل البروفسور روبرت لانغدون إلى براغ في قلب الشتاء، برفقة حبيبته الجديدة، الدكتورة كاثرين سولومون، العالمة المتخصصة في علم النويطيقا (علم الوعي والفكر).
كانت كاثرين قد قدمت ليلة وصولهما محاضرة مدهشة في قلعة براغ، طرحت فيها فرضية جريئة قلبت تصورات الجمهور رأسا على عقب: الوعي البشري ليس نتاج الدماغ، بل هو موجود في الكون بشكل مستقل، "كأنه خدمة سحابية" تحيط بنا، وما الدماغ إلا جهاز استقبال يلتقط إشاراته.
هذا التفسير الميتافيزيقي، الذي وجده لانغدون في البداية أشبه بـ"الهراء العلمي"، سرعان ما ينقلب إلى حقيقة خطيرة، فمن جهة، هناك جهات خفية نافذة لن تسمح بنشر هذه الاكتشافات الثورية (وهي ثيمة متكررة في أعمال صاحب شيفرة دافنشي).
ومن جهة أخرى، تتحول مدينة الحروب الدينية الأوروبية القديمة إلى مسرح لمطاردة محمومة إثر جريمة قتل وحشية واختطاف كاثرين نفسها، وسرقة مخطوطة كتابها العلمي.
ويظهر في الصورة كيان غامض يدعى "الغولم"، وهو مخلوق طيني أسطوري من الفلكلور التشيكي، يتقمص شخصيته قاتل مجهول ليلف شوارع براغ ويصفي حساباته.
يجد لانغدون نفسه مطاردا من هذا الكائن، ومنظمة سرية دولية تدعى "كيو" (Q)، وحتى من أجهزة الاستخبارات التشيكية، في خضم سلسلة من جرائم القتل وحوادث إطلاق النار التي لا تتوقف.
وللطرافة كتب معلق في صحيفة تشيكية أن براغ، التي تعاني أصلا من اجتياح السياح و"ترفيهية مفرطة" في مركزها التاريخي، ابتليت الآن بآفة جديدة هي رواية دان براون التي ستجلب مزيدا من السياح المتعطشين للغرائب.
تشريح الخلطة البراونيةيحافظ دان براون في "سر الأسرار" على الخلطة السحرية التي صنعت شهرته، بل ويصفها البعض بأنها أكثر رواياته طموحا وتعقيدا، حتى ولو اعتبر آخرون أنه بلغ سقف السخف في سبيل الإثارة.
أولى هذه الملامح هي الحبكة ذات الإيقاع اللاهث، فالفصول القصيرة التي تنتهي بلحظة ذروة أو كشف مباغت يترك القارئ متلهفا للصفحة التالية، كما هي عادة براون في أعماله السابقة، فلا يكاد القارئ يلتقط أنفاسه حتى يفاجأ بمنعطف جديد، مما يجعل الرواية -حسب وصف صحيفة واشنطن بوست- "600 صفحة صاخبة تعج بالقتل والفوضى".
ثانيا، الألغاز والرموز التي لا يتخلى عنها براون، فالقارئ مدعو للعب دور المحقق، متتبعا الشيفرات المبثوثة في معالم براغ، ومخطوطة شيطانية غامضة تعرف بـ"إنجيل الشيطان المقدس"، وأسطورة الغولم التي تصبح لغزا محوريا، والغولم كائن أسطوري في العهد القديم والتلمود ويصور عادة من الطين ويبعث للحياة بواسطة السحرة أو العلماء.
ثالثا، الخليط المعرفي الموسوعي، فالرواية تمزج الترفيه بالمعلومات، وتستفيض في وصف تاريخ ثالث أكبر مدينة في أوروبا في القرن الـ14 وفنونها، وتتطرق إلى علوم معاصرة كنظريات الوعي وفيزياء الكم، وحتى مشاريع واقعية مثل شريحة "نيورالينك" لإيلون ماسك. هذا الأسلوب، الذي وصفه ناقد في "نيويورك تايمز" مازحا بأنه يوفر على القارئ "بعض مهام البحث في جوجل"، يراه آخرون حشوا للمعلومات أشبه بمقالات ويكيبيديا، وإن كانت "واشنطن بوست" قد لاحظت أن براون أصبح أكثر ضبطا في إيقاف الحركة من أجل تقديم محاضرات تاريخية.
رابعا، الشخصيات التي تمزج الواقع بالخيال، فيعود في هذه الرواية وجهان مألوفان: كاثرين سولومون، التي ظهرت أول مرة في "الرمز المفقود"(2009)، وجوناس فوكمان، محرر لانغدون، وهو في الواقع انعكاس ساخر لمحرر دان براون الحقيقي، جيسون كوفمان، الذي أدخله براون في قلب الأحداث وجعله يتعرض للاختطاف، حتى أنه يصرخ في لحظة طريفة: "هذا مجرد نشر كتب يا جماعة!". أما لانغدون نفسه، فلا يزال -كما في الروايات السابقة- ذلك البروفسور المثقف الهادئ، الذي يعتمد على ذكائه أكثر من عنفه، وإن لاحظ بعض النقاد أنه بدا في هذه الرواية متواريا قليلا لصالح شخصية كاثرين.
إعلانويلاحظ في روايات دان براون ذلك الصراع الأزلي بين الدين والعلم وبالرجوع لأصل دان براون نرى أنه قد ترعرع وسط أسرة من أب يعمل أستاذ رياضيات وأم محترفة موسيقى دينية، وهذا ما يرخي بظلاله على رواياته، كما أن عشقه للترميز والألغاز جعل جميع رواياته مبنية على ألغاز يفكها روبيرت لانغدون، هذا العشق يمتد حتى لبيته، فمنزل دان براون مصمم على شكل متاهة كبيرة، كما دوّن الصحفي المغربي أيوب واجا.
إشادة ونقد لاذعكما هي عادة أعمال دان براون، أثارت "سر الأسرار" طيفا واسعا من الآراء. فمن جهة، رحب كثيرون بعودة الكاتب وأشادوا بالجرأة الفكرية للرواية. واعتبرتها مجلة كيركس ريفيوز "محطة بارزة في السلسلة"، وكتبت واشنطن بوست أن متعة براون في كتابة الرواية "معدية"، وتوفر وجبة تسلية ضخمة تدفع القارئ لالتهام صفحاتها.
على الجهة الأخرى، لم تسلم الرواية من النقد اللاذع، إذ وصفتها صحيفة غارديان البريطانية بأنها "هراء من العيار الثقيل من البداية إلى النهاية"، لكنها اعترفت في الوقت نفسه بأنها ممتعة جدا لمن يتقبل هذا النوع من القصص.
وانتقدت الصحيفة أسلوب براون السردي الذي لم يتغير، لكنها تساءلت بذكاء: ما الذي يفعله براون صحيحا ليستمر في جذب ملايين القراء؟ الجواب كان براعته الفائقة في نسج حبكة شديدة الجاذبية ومليئة بالمنعطفات تجعل القراءة تجربة لا يمكن مقاومتها.
كما جاءت اعتراضات من علماء اعتبروا أن براون يروج لعلوم زائفة تحت غطاء روائي مشوق (وهو بالتأكيد لا ينضبط بالصرامة العلمية)، لكن هذه المآخذ، وإن كانت جدية، لم تمنع الرواية من تحقيق مبيعات مليونية وتصدر قوائم الأكثر مبيعا، حيث وجد فيها محبو براون كل ما ينتظرونه منه: ألغاز مثيرة، معلومات جديدة، ومغامرات في مدن قديمة.
في "سر الأسرار"، يحفظ دان براون مكانته بوصفه أحد أبرز رواة التشويق في العصر الحديث، رغم أن روايته بالتأكيد لا ترضي جميع الأذواق نقديا، وقد تفتقر إلى الجماليات الأسلوبية الرفيعة، لكنها تنجح ببراعة في تقديم تلك "الخلطة" التي صنعت نجاحه عبر مزيج من الغموض والتشويق والمؤامرات، مطعم بأسئلة فلسفية كبرى (بدون إجابات!)، ومرصع بجولات سياحية تاريخية (ترفيهية إن جاز التعبير).
وبالتأكيد الرواية -وسلسلة دان براون كلها- هي تأكيد على أن الإنسان يستهويه فك الغموض وحل الألغاز وتتبع قصص الجرائم، ويعتقد كاتب هذه السطور أن الثيمة الأهم التي ينبغي للنقاد والروائيين التقاطها هي أن المستقبل الروائي سيكون لمزج الترفيه بالمعارف الموسوعية والعلوم المعاصرة، فملايين القراء لا يشترون رواياته لأجل البلاغة، بل لأجل الإثارة والمعرفة الممتزجتين ببراعة.