زوكربيرغ في قفص الاتهام: ماذا حدث في محاكمة ميتا التاريخية؟
تاريخ النشر: 15th, April 2025 GMT
خضع الرئيس التنفيذي لشركة ميتا مارك زوكربيرغ لمحكمة قضائية في واشنطن بسبب اتهامات لجنة التجارة الفيدرالية "إف تي سي" (FTC) للشركة بأنها أنفقت مليارات الدولارات للاستحواذ على إنستغرام و واتساب بهدف التخلص من منافسي فيسبوك. وفقا لتقرير نشرته رويترز.
وتسعى لجنة التجارة الفيدرالية لإجبار ميتا إما على إعادة هيكلة الشركة أو بيع إنستغرام و واتساب، وتعد هذه القضية بمثابة اختبار لوعود الرئيس الأميركي دونالد ترامب فيما يخص مواجهة شركات التكنولوجيا الكبرى، وبالمقابل فإن هذه القضية تشكل تهديدا وجوديا لشركة ميتا، إذ إن نصف إيراداتها الإعلانية في الولايات المتحدة تأتي من إنستغرام.
وظهر زوكربيرغ في المحكمة مرتديا بدلة داكنة وربطة عنق زرقاء فاتحة، وأجاب بهدوء على الأسئلة ساعيا لدحض الادعاءات بأن ميتا اشترت الشركتين قبل عقد من الزمن للقضاء على المنافسة بين منصات التواصل التي يستخدمها الناس للتواصل مع الأصدقاء والعائلة، وأكد أن مشاركة المحتوى مع الأصدقاء والعائلة كانت إحدى أولويات التطبيق إلى جانب اكتشاف محتوى آخر.
وقال زوكربيرغ "إن قرارا اُتخذ عام 2018 لتحديد أولويات محتوى فيسبوك الذي يشاركه أصدقاء المستخدمين فشل في استيعاب تحول المستخدمين نحو مشاركة هذا المحتوى عبر الرسائل بدلا من نشر تحديثات حياتهم في صفحاتهم الرئيسية"، وهنا يحاول تبرير بعض القرارات السابقة التي قد تُفهم على أنها محاولة للسيطرة على السوق، ولكنها كانت مبنية على فهم خاطئ لسلوك المستخدمين.
إعلانوأضاف "أعتقد أننا أسأنا الفهم في طريقة تطور التفاعل الاجتماعي عبر الإنترنت، إذ إن الناس استمروا في التفاعل مع المزيد والمزيد من الأشياء التي لم تكن من اهتمامات أصدقائهم"، وبحسب التقديرات فإن 20% من المحتوى في فيسبوك و10% في إنستغرام يُنتج بواسطة أصدقاء المستخدمين وليس من الحسابات التي يتابعونها بناءً على اهتماماتهم.
استندت لجنة التجارة الفيدرالية إلى رسائل بريد إلكتروني مشيرة إلى أن زوكربيرغ اقترح شراء إنستغرام كوسيلة لتحييد منافس محتمل لفيسبوك، وأعربت اللجنة عن قلقها من تحول واتساب إلى شبكة تواصل اجتماعي أخرى.
وتدعي شركة ميتا بأن استحواذها على إنستغرام عام 2012 و واتساب عام 2014 عاد بالفائدة على المستخدمين، وأن تصريحات زوكربيرغ السابقة لم تعد ذات صلة في ظل المنافسة من تيك توك ويوتيوب وتطبيق المراسلة الخاص بشركة آبل، وستكون طريقة قضاء المستخدمين لوقتهم على وسائل التواصل والخدمات التي يعتبرونها بدائل لبعضها البعض أساسية في القضية.
وقد تستخدم ميتا أحد أوراقها وهي أن زيادة حركة المرور إلى إنستغرام وفيسبوك خلال فترة حظر تيك توك القصيرة في يناير/كانون الثاني الماضي أظهرت منافسة مباشرة، ولكن لجنة التجارة الفيدرالية تزعم أن شركة ميتا تحتكر المنصات المستخدمة لمشاركة المحتوى مع الأصدقاء والعائلة، حيث أن منافسيها الرئيسيين في الولايات المتحدة هم "سناب شات" (SnapChat) و "مي وي" (MeWe) وهو تطبيق صغير للتواصل الاجتماعي يركز على الخصوصية أُطلق عام 2016.
وأكدت لجنة التجارة الفيدرالية بأن المنصات التي يبث فيها المستخدمون محتوى مخصص للعامة بناءً على اهتمامات مشتركة، مثل "إكس" وتيك توك ويوتيوب و"ريديت"، فهي ليست بدائل لبعضها البعض، وهذا يعني أن كل منصة من هذه المنصات تقدم تجربة فريدة للمستخدم، ولا يمكن اعتبارها بديلا مباشرا للمنصات الأخرى.
على سبيل المثال، قد يستخدم شخص ما "إكس" لمتابعة الأخبار الرسمية، بينما يستخدم تيك توك لمشاهدة مقاطع فيديو قصيرة، ويستخدم يوتيوب لمشاهدة محتوى أطول، ويستخدم "ريديت" للمشاركة في نقاشات مع مجتمعات مُحددة.
إعلانوقال القاضي جيمس بواسبرج في حكم صدر في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي "إن لجنة التجارة الفيدرالية تواجه أسئلة صعبة حول ما إذا كانت ادعاءاتها قادرة على الصمود أمام اختبار المحاكمة"، وقد تمتد المحكمة إلى شهر يوليو/تموز القادم، وفي حال ربحت لجنة التجارة الفيدرالية القضية فسوف يتعين عليها إثبات ادعاءاتها بأن إجبار ميتا على بيع إنستغرام و واتساب سيعيد المنافسة.
ورغم أن ميتا لا تصدر أرقام إيرادات خاصة بالتطبيقات فإن شركة أبحاث الإعلانات "إيماركتر" (Emarketer) توقعت في ديسمبر/كانون الأول أن يحقق تطبيق إنستغرام 37.13 مليار دولار هذا العام، وهو ما يزيد عن نصف إيرادات الإعلانات في الولايات المتحدة، على عكس واتساب الذي لا يسهم سوى بجزء ضئيل من إجمالي إيرادات ميتا.
علاقة ترامب بالقضيةتُعد هذه القضية جزءا من حملة أوسع لمكافحة الاحتكار ضد شركات التكنولوجيا الكبرى والتي بدأت خلال ولاية ترامب الأولى، وقد حاولت الشركة التقرب من ترامب منذ انتخابه من خلال إلغاء سياسات تعديل المحتوى التي اعتبرها الجمهوريون رقابة والتبرع بمليون دولار لحفل تنصيبه، كما أن زوكربيرغ زار البيت الأبيض عدة مرات في الأسابيع الأخيرة.
ومن الجدير بالذكر أن ميتا ليست الشركة التكنولوجية الوحيدة التي تواجه دعوة قضائية بتهمة الاحتكار، فإن كل من أمازون وآبل وغوغل مروا بنفس التجربة من قبل الجهات التنظيمية الأمريكية.
وقد قامت العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى بتغيير سياساتها لتتماشى مع سياسة ترامب مثل التراجع عن مبادرات التنوع وإجراء اتصالات مباشرة بين المديرين التنفيذيين والبيت الأبيض، كل ذلك بهدف استرضاء إدارة ترامب لتجنب المزيد من التدقيق والملاحقة القانونية، ورغم تغير موقف الشركات من المواجهة خلال ولاية ترامب الأولى إلى التعاون، فإن هذا لم ينجح في تراجع قضايا مكافحة الاحتكار التي تستهدف شركات التكنولوجيا.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات لجنة التجارة الفیدرالیة شرکات التکنولوجیا إنستغرام و واتساب تیک توک
إقرأ أيضاً:
بقال.. يدخل (الجمهورية الحرة) ويفضح أزمة النُخبة السودانية
أحمد عثمان جبريل
“إذا كان الكلام من فضة، فإن السكوت من ذهب؛ ولكن السكوت عندما يغدو جريمة، فالكلام يصبح ضرورة.”
— جبران خليل جبران
1
السودان الذي مزقته الحرب، لا تكون المعارك دوماً على أطراف مدنه، بل قد تدور رحاها في قلب الهاتف الذكي، داخل غرفة محادثة صغيرة، بين نخبٍ اعتادت أن تعتبر نفسها صوت العقل في زمن الضجيج.
هكذا كان المشهد مساء أمس الأحد في قروبنا مجموعة “الجمهورية الحرة” حين ظهر اسم إبراهيم بقال سراج فجأة بين عشرات الصحفيين والسياسيين منهم قادة أحزاب ووزراء سابقين ومهنيين ومثقفين.
لم يكن ظهوره عادياً، بل كاشفًا، لا عن موقف فردي، بل عن حالة وطنية تتخبط بين الغفران والرفض، بين الذاكرة والإنكار، بين الحكاية التي نريد أن نصدقها، والواقع الذي يرفض أن يُروى بلغة واحدة.
2
مجموعة “الجمهورية الحرة” ليست مكاناً عابراً. إنها واحدة من تلك الدوائر الرقمية التي تُنظَر إليها كمرآة للوعي العام السوداني، حيث تتجاور أسماء من تيارات متناقضة: من يرفض الحرب، ومن يبررها؛ من كان في قلب القرار، ومن ظل يكتب عنه من بعيد؛ من غنّى للثورة، ومن صمت عنها.
لكن هذا التنوع، الذي يُفترض أن يكون مصدر ثراء، أصبح هشّاً عند أول اختبار حقيقي: دخول شخص يُعدّ من رموز الطرف الآخر.
تحول القروب من مساحة للنقاش إلى ساحة للاشتباك، وانكشف مرة أخرى عجز النخبة عن أن تصير في طليعة المصالحة، لا في ذيل ردود الأفعال.
3
لم يكن الجدل حول بقال في جوهره عن بقال نفسه، بل عمّا يمثله.
هل هو عائد نادم؟ أم مُطرود يبحث عن مأوى؟ هل يُمثل اختراقاً ناعماً للوعي العام؟ أم هو ببساطة سوداني يريد أن يقول شيئاً في مكانٍ ما؟.
هنا برزت المعضلة الحقيقية: ليس عن من “يأتي”، بل من “يُسمح له بأن يتكلم”..
في زمن الحرب، صار للكلام ثمن، وللصمت دلالة، وللانضمام إلى قروب واتساب معنى سياسي، وأحياناً خيانة موصوفة.
4
لم تعد ساحات القتال تُرسم على الخرائط فقط، بل تُرسم في المجموعات المغلقة، على الشاشات الصغيرة. ما يعني أن المعارك تقدمت من الخنادق إلى الحروف، ومن البنادق إلى المواقف.
وإذا كانت “الجمهورية الحرة” نموذجاً، فهي تُثبت أن الفضاء الرقمي ليس أكثر تحررًا من الواقع، بل أحيانًا أكثر ضيقًا، لأنه يحبس الآراء داخل مربعات صغيرة، ويقذفها في دوائر مغلقة من التقييم والتخوين.
لقد تحوّلت أدوات التواصل إلى أدوات قصف رمزي، لا تقل ضراوة عن الرصاص، لكنها تصيب الروح لا الجسد.
5
السودان اليوم بلا سردية جامعة.. كل فريق يملك حكايته، وشهيده، وجراحه، وخارطته الأخلاقية الخاصة.
العودة لم تعد فعلاً سياسياً فقط، بل اختبارًا أخلاقيًا معقدًا: من يمكنه أن “يعود”؟ ومن يملك مفاتيح الغفران؟ ومن يقرر شروط التوبة؟
أمام هذه الأسئلة، بدا النقاش حول بقال اختصارًا مصغرًا لما هو أكبر بكثير: وطن بكامله عاجز عن تخيّل مشهد يُفتح فيه الباب أمام المختلف دون أن يتهمه بالخيانة أو النفاق أو الانتهازية.
وإذا لم نقدر على استيعاب المختلف داخل مربع نص، فكيف سنستوعبه في شارع أو حي أو مستقبل؟
6
الديمقراطية الرقمية التي تمنح الجميع الحق في الظهور، لا تضمن بالضرورة القبول.
وعندما عُرضت قضية بقال، قفز الى ذهني في ان الموضوع لم يكن السؤال فقط: “هل نقبله في المجموعة؟”، بل: “إذا كنا نرفض عودته إلى الوطن، فهل نقبله في قروب واتساب؟”
وهذا هو بيت القصيد: هل يُفترض على مجموعة واتساب أن تكون أكثر رحابة من وطن جريح؟
هل مجرد الانضمام إلى مساحة افتراضية يُفسر كتطبيع؟ أو قبول غير مشروط؟
أم أننا أمام تمثيل رمزي لمأزق أكبر: لا توجد آلية للعودة، لا سياسية ولا وجدانية، تجعل من خرج عن “السردية الكبرى” قادرًا على العودة دون أن يظل متهماً إلى الأبد.
وفي غياب هذه الآلية، تظل “الجمهورية الحرة” مجرد نسخة رقمية من وطن مغلق، لا تقبل الغريب، ولا تسامح القريب الذي تغيّر وجهه.
7
قد تكون مجموعة واتساب مجرد شاشة صغيرة في هاتف، لكن في السودان، الشاشة تُكمل المشهد: وطن تتنازع فيه الحكايات، وتنهار فيه السرديات الواحدة لصالح مشهد رمادي لا يعرف النور ولا الظل.
في “الجمهورية الحرة”، كما في شوارع الخرطوم ونيالا وبورتسودان، لا أحد يسمع الآخر.
لا أحد يصدق الآخر. لا أحد يسامح الآخر.
المشكلة لم تعد في الحرب وحدها، بل في الخطاب، في الذاكرة، في الحق الحصري بالكلام.
وحتى يعود الوطن، يجب أن نحرر الكلمة قبل الأرض، والضمير قبل العَلم، والمجموعة الصغيرة قبل الدولة الكبيرة.. إنا لله ياخ.. الله غالب.