لجريدة عمان:
2025-10-14@23:24:09 GMT

لماذا نحتاج إلى نظام عالمي جديد حقًّا؟

تاريخ النشر: 14th, October 2025 GMT

نحن نعيش بالفعل في إطار نظام عالمي جديد قد بدأ في التشكل بوضوح في عصرنا الراهن باعتباره عالمًا متعدد الأقطاب قام من خلال عملية إزاحة تدريجية للعالم ذي القطب الواحد الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الهيمنة التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية بفعل انتصار الحلفاء في الحرب، وبفعل التراجع التدريجي في نفوذ الاتحاد السوفيتي الذي تبدى بوضوح في مرحلة الثمانينيات وانتهى بتفكيكه في بداية التسعينيات.

دامت هذه الهيمنة طيلة النصف الأخير من القرن الفائت وحتى بدايات الألفية الجديدة.

هذه الهيمنة بدأت الآن في التراجع بفعل صعود قوى عالمية جديدة تشكل عالمًا متعدد الأقطاب، أي: عالمًا متعدد القوى المؤثرة في النظم السياسية والاقتصادية؛ ولعل الصين وروسيا هما أبرز هذه القوى، وإن كانت هناك قوى أخرى صاعدة في العالم الشرقي: لقد كنا نتحدث خلال العقود الثلاثة الأخيرة عن النمور الأسيوية، وأصبحنا ننظر الآن في دهشة إلى المارد الصيني الجديد الذي أصبح يشكل ليس قوة عسكرية نووية منافسة لأعتى القوى العسكرية على مستوى العالم وحسب، وإنما أيضًا قوة اقتصادية مهيمنة على العالم. وها هي روسيا تفيق من كبوتها مدفوعة بروح الإمبراطورية القيصرية لتصبح أضخم قوة عسكرية نووية، وذات اقتصاد قوي استطاع الصمود حتى في أثناء حربها في أوكرانيا، رغم كل العقوبات الأخيرة التي حاصرت إنتاجها وصادراتها. ولذلك أصبح لهاتين القوتين تأثير ملحوظ في موازين السياسة الدولية. وبالإضافة إلى هاتين القوتين، فإن هناك قوى أخرى داعمة لهما أو متعاونة معهما، ومؤثرة في حسابات السياسة الدولية، ومنها: كوريا الشمالية والهند وباكستان وإيران وتركيا.

لا شك في أن هذه القوى تشكل الآن تعدد الأقطاب في ذلك النظام العالمي الجديد من خلال خلق توازنات جديدة في السياسات والصراعات الدولية، ولكن السؤال الذي يبقى ملحًَّا هو: إلى أي حد يمكن أن تحقق هذه التوازنات بين القوى حالة من العدالة؟! ذلك هو السؤال؛ لأن هذه التوازنات إزاء اتخاذ قرار بشأن حالة ما، عادةً ما تكون متأرجحة وفقًا للوضع أو الحالة الكائنة في فترة زمنية ما. وهكذا، فإن هذه التوازنات عندي تبدو أشبة بميزان تتأرجح كفَّتاه صعودًا وهبوطًا بسبب أننا نغير وضعية الميزان على الدوام، فلا تثبت كفتَّاه على قرار أو وضع ما. وبذلك تنشأ حالة من السيولة في المعايير التي تحكم النظام العالمي الجديد، على نحو يشبه تلك السيولة التي نجدها في عالمنا الثقافي الذي يكاد ينكر أصلًا وجود أية معايير. وإذا كان هذا هو ما يحدث في حالة الاختلاف أو التباين أو حتى التضارب في المواقف بين هذه القوى؛ فما الذي يمكن أن يحدث في حالة الصراع الذي يمكن أن يدمر هذا العالم؟ هل يمكن مع ذلك كله أن ننشد العدالة في ضوء هذا النظام العالمي الجديد؟!

هناك شواهد لا حصر لها على أن هذا النظام قد فشل بكل قواه ومنظماته الدولية في إقرار العدالة أو السلام والأمن عبر العالم، حتى في تلك المناطق من العالم التي تعاني شعوبها من الظلم والقهر والاضطهاد والإبادة. حالة الحرب على غزة قد شهدت بوضوح على هذا الفشل من خلال مشاهد مرئية مروعة من القتل الوحشي والإبادة الجماعية، وهي مشاهد ظل العالم يشاهدها لحظيًّا طيلة عامين من العدوان الصهيوني على غزة ومجمل الأراضي الفلسطينية. ولقد تكرر هذا الفشل ولا يزال إزاء الحرب الدائرة في السودان التي لم تكن أقل بشاعة مما جرى في غزة، من دون قدرة أو إرادة من جانب قوى العالم ومؤسساته الدولية في وأد هذه الحروب والصراعات عبر العالم.

وربما يُقال إن حرب غزة قد انتهت الآن، ولكن هذا القول يتناسى أن هذا قد تحقق فقط بعد أن تم تدمير غزة وإبادة قطاع واسع من شعبها؛ كما أن هذا القول غافل عن أن اتفاقات إنهاء الحرب التي يجرى توقيعها الآن ليست ضامنة حقيقية لعدم تجدد الحرب، طالما أنه لا تُوجد منظمات دولية ضامنة لها. ولذلك، فلا غرابة أن نجد الإدارة الأمريكية تصرح مؤخرًا بأن الرئيس ترامب هو الضامن الوحيد لهذا الاتفاق! هكذا تُدار الأمور الجسام في نظامنا العالمي الراهن الذي تحكمه توازنات القوى، ولكنها توازنات زائفة لا تخضع لمنطق العدالة، وهذا الأمر عندي يبدو(إن جاز التشبيه) كما لو أن إحدى القوى تخاطب غيرها قائلة: سأترك لك إدارة هذه القضية مقابل أن تتركي لنا إدارة غيرها! ولذلك، فإننا ينبغي أن نتساءل عما يحتاجه هذا النظام العالمي الجديد؛ كي يضبط عملية توازناته، ويتجاوز فشله. وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال تعديل في ميثاق جديد للأمم المتحدة وهيئاتها أو أجهزتها، سواء من حيث آلية عملها أو من حيث القدرة على إنفاذ قرارتها.

وليس ببعيد عنا أن قرارات هذه الأجهزة ـ ومنها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ـ يُضرب بها عُرض الحائط من دون قدرة على تنفيذها، بل يتعرض بعض أعضائها للتشهير والملاحقة من جانب إدارة الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن مجلس الأمن نفسه ـ الذي يأتي على رأس هذه الأجهزةـ لا يستطيع أن يتوخى العدالة في اتخاذ القرارت الكبرى المتعلقة بمصير الشعوب، طالما أنه لا يزال يعمل وفقًا لآلية «حق النقض» الذي هو بالتأكيد حق غير مشروع، كما سبق أن تناولت هذا الأمر في مقالي بهذه الجريدة الرصينة بعنوان «حق النقض غير المشروع». وذلك قليل من كثير مما يمكن أن يُقال في هذا الصدد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النظام العالمی الجدید من خلال یمکن أن

إقرأ أيضاً:

من الحرب إلى ما بعدها.. غزة في الميزان

يمانيون| بقلم: أحلام الصوفي

غزة اليوم تقف على مفترق طرق، لا يقل خطورة عن أيام القصف والنار, من جبهات النار إلى جبهات السياسة، تبرز خطة ترامب كخريطة طريق محتملة لإنهاء الحرب، لكن الأسئلة الكبرى لا تزال معلقة: هل توقف القتال يعني حقًا انتهاء الحرب؟ وهل تقود هذه الخطة إلى سلام دائم أم إلى هدنة مفخخة يعقبها انفجار جديد؟

خطة ترامب، وإن ظهرت بوصفها مبادرة لإعادة الإعمار وتهدئة طويلة، تحمل بين سطورها بنودًا تجعل من التهدئة صفقة مؤقتة أكثر من كونها حلًا نهائيًا,تبادل الأسرى، وقف القتال، وترتيبات انتقالية، تبدو في ظاهرها منطقية، لكن الواقع في غزة لا يُقرأ فقط من الورق. فالتاريخ القريب مليء بالاتفاقات التي تم نقضها، والوعود التي ذهبت أدراج الرياح.

ما يُثير القلق أن وقف الحرب قد يكون مشروطًا بإخراج الأسرى، وبعدها يُستأنف القصف بذريعة جديدة، أو يُعاد تشكيل الصراع بوجه آخر: خنق اقتصادي، تحكم بالمعابر، إدارة غير محلية, وهذا بحد ذاته يُبقي غزة في حالة لا حرب ولا سلم، بل في دائرة الترقب والضغط.

من الجانب الإقليمي والدولي، لا يبدو أن هناك إجماعًا حقيقيًا على ضمان سلام دائم, القوى الراعية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تتعامل مع غزة كملف أمني لا كقضية إنسانية أو سياسية عادلة. وبهذا المفهوم، فإن الضمانات لا تتجاوز حدود المصلحة، وسرعان ما تتبخر حين يتغير التوازن.

اللافت أيضًا أن القوى الإقليمية، بما فيها بعض الأطراف العربية، تتعامل مع الخطة بتحفظ، وتخشى من أن تُستغل لفرض حل يُقصي المقاومة ويُعزز النفوذ الخارجي في إدارة القطاع.

في المحصلة، التوقف الحالي للقتال لا يمكن اعتباره نهاية للحرب ما لم يُرافق بخطوات جذرية: رفع الحصار، تمكين الشعب الفلسطيني من قراره، وضمانات دولية حقيقية تُلزم الجميع بعدم العودة إلى العنف, أما دون ذلك، فكل ما يُقال ليس سوى فصل جديد من صراع قد يرتدي قناع “السلام”، لكنه يخبئ في داخله عاصفة أخرى.

مقالات مشابهة

  • أبوظبي تطلق «الحكومة الذاتية».. أول نظام ذكي عالمي يدير الخدمات تلقائياً!
  • مستشار حكومي:أرتفاع أسعار الذهب لكونه ملاذ آمن في نظام عالمي مضطرب
  • تقرير عالمي يكشف ما الذي يسيطر على مشاعر الأردنيين
  • مجلس كنائس مصر يهنئ العالم باتفاق السلام الذي ينهى الحرب في غزة
  • يويفا: مباراة افتتاحية وحفل عالمي في ثوب جديد لدوري الأبطال 2027
  • من الحرب إلى ما بعدها.. غزة في الميزان
  • الإمارات تؤكد أهمية التنسيق الدولي لتحقيق نظام تجاري عالمي متوازن
  • هل يمكن الجمع بين الاشتراك الاختياري والإلزامي في التأمينات؟.. توضيح من الهيئة
  • لماذا غابت الفيديوهات التي توثق ما يجري في الأقصى؟