فوضى العالم: عقلانية الدوافع وعشوائية العواقب
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
سؤال بوليسيّ لا سياسة فيه: ما هي علاقة ترامب بأفلاطون؟ بما أن “الأخ القائد” مضى في تطاوله على العلوم الطبيعية والاجتماعية والاستقلالية الأكاديمية إلى حد اتخاذ هارفارد، أعرق الجامعات الأمريكية وأرقاها، “عدّوا مفضّلا”، فقد حق السؤال: ما هي علاقة أبي جهل الأمريكي بأفلاطون؟
والجواب أن العلاقة قديمة وثيقة مثلما سيتضح من القصة التي نروي منها اليوم شطرا ستأتي تكملته الأسبوع القادم.
ولهذا أجرى فيها على لسان سقراط هذه القصة المستوحاة من معركة ديليوم: بينما كان الجندي يرابط على الجبهة مع رفاق السلاح لصد هجوم العدو، خطر بباله أنه إذا كانت الخطة الدفاعية مستوفية أسباب النجاح، فالأرجح أنه لن يكون له دور أساسي في إنجاحها. ولكنه إذا بقي في الجبهة فإنه يجازف باحتمال أن يُقتل أو يصاب، دونما فائدة في ظاهر الأمر. أما إذا كان العدو هو الذي سيكسب المعركة، فإن احتمالات مقتل الجندي أو إصابته ستصير أعلى بكثير، دونما فائدة بكل تأكيد.
فالبادي على أساس هذا التقدير أن الجندي سيكون أفضل حالا لو لاذ بالفرار، بصرف النظر عمّن ستؤول إليه الغلبة. ولكن إذا فكر جميع الجنود بهذه الطريقة، فإن هذا سيفضي إلى الهزيمة حتما.
مثل هذا الخاطر لا يسلّح الجنود بحافز للثبات في مواقعهم. بل على العكس: كلما تزايد خوفهم من الهزيمة كلما تزايد عندهم الحافز للفرار إيثارا للسلامة. وبالمثل، كلما قَوِيَ اعتقادهم بأن المعركة ستؤول إلى النصر، دونما حاجة إلى إسهام مخصوص من شخص معين، كلما وهن لديهم واعز الثبات والاستبسال. وإذا ظن كل جندي أن بقية الجنود يفكرون مثله فإن الجميع سيقعون جراء هذا الظن فريسة للفزع وسيجد قائدهم أن جيشه اندحر من قبل حتى أن تبدأ المعركة.
كلما تزايد خوفهم من الهزيمة كلما تزايد عندهم الحافز للفرار إيثارا للسلامة. وبالمثل، كلما قَوِيَ اعتقادهم بأن المعركة ستؤول إلى النصر، كلما وهن لديهم واعز الثبات
وليس الموقف الذي اتخذه القائد الإسباني كورتيث إبان غزو المكسيك وقبله القائد الأمازيغي المسلم طارق بن زياد إبان فتح الأندلس إلا نوعا من العلاج لهذه الإشكالية التي طرحها أفلاطون. حيث إن حرق المراكب على مرأى من الجند ومن العدو على حد سواء إنما يحقق غايتين: أولا، إلزام الجند بالاستماتة في القتال لأن هذا هو الخيار الوحيد المتاح. ثانيا، وضع العدو على بيّنة من أن التخاذل احتمال غير وارد، بحيث يضطر العدو إلى أن يقول في نفسه إن هذا القائد (طارق أو كورتيث مثالا) ما كان ليحرق مراكبه لو لم يكن لديه موجبات قوية لمثل هذا التفاؤل والتصميم الباعث على الإيمان والاطمئنان. ثم يمضي به الحذر إلى حد الحكم بأنه ليس من الحكمة مهاجمة خصم عنده موجبات قوية (أيّا كانت) لليقين بالنصر.
والمنطق الجامع بين معركة ديليوم وفتح الأندلس وغزو المكسيك يتمثل في اكتشاف حقيقة أن ما يَجْدُر أو يَصْلُح بكل جندي أن يفعله إنما يتوقف على ما يجدر أو يصلح بالآخرين أن يفعلوه. أي إن أي جندي شجاع قد يقرر الهرب بدل أن يموت ببطولة، ولكن بلا جدوى، في محاولة الصد الفردي لهجوم جيش بأكمله. ولهذا يمكن أن نتصور، بدون تناقض، حالة جيش كل جنوده شجعان ولكنه يلوذ بالفرار بأقصى سرعة من قبل حتى أن يبدأ العدو في التحرك.
وإذا كان الجنود شجعانا بحق فالأكيد أن هذه ليست العاقبة التي يريدها أي منهم، بل إن كلا منهم يفضل أن يثبتوا جميعا ويصمدوا فيكونوا صُدُقا عند نزال العدو. فهذه إذن حالة يؤدي فيها التفاعل بين عدد كبير من القرارات العقلانية الفردية إلى نتيجة لم يكن يقصدها أحد! وبما أن لهذه الحالة نظائر متنوعة في السلوك الاجتماعي فإن النظر المنهجي فيها قد أفضى إلى محاولة نَمْذَجة الحالات التي يؤدي تفاعل القرارات الفردية أو تضارب المصالح فيها إلى نتائج غير مقصودة. فكان هذا هو منشأ ما يعرف في الاقتصاد، والعلوم الاجتماعية عموما، بـ«نظرية الألعاب».
هنا بالضبط يدخل ترامب إلى الملعب. إذ يرى الباحثون المختصون أن الفوضى الناجمة عن الحرب التجارية التي شنها ترامب، بأسلوب الخلط والخبط العشوائي المعتاد، إنما تُنزل بكثير من الدول محنةَ ما تسميه نظرية الألعاب هذه بـ«معضلة السجين». معضلة محيّرة ينطوي التزام أي طرف فيها بالتعاون على خطر وقوعه ضحية لخيانة الآخرين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه ترامب الفوضى الحرب التجارية العالم فوضى ترامب الحرب التجارية مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ما کان
إقرأ أيضاً:
صعدة .. مسيرات ووقفات طلابية في شدا وغمر والظاهر نصرة لغزة
الثورة نت /
شهدت مديريات الظاهر وشدا وغمر بمحافظة صعدة اليوم مسيرات ووقفات طلابية، تضامنا مع غزة، وتنديدا بجرائم الإبادة في غزة وسياسة التجويع الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني.
وأدان المشاركون بشدة، استمرار كيان العدو الصهيوني، الأمريكي في ممارسة أعمال القتل وجرائم الإبادة الجماعية وسياسة القتل بالتجويع والتهجير الممنهج لأبناء غزة والشعب الفلسطيني أمام مرأى ومسمع العالم.
واستنكروا صمت وخذلان الأنظمة العربية والإسلامية وتجاهل المجتمع الدولي تجاه جرائم حرب مكتملة الأركان وتبث على الهواء مباشرة.
وأكد بيان صادر عن المسيرات والوقفات الطلابية، أن الصمت والتخاذل العربي والإسلامي على مستوى الأنظمة والشعوب هو ما شجع العدو الإسرائيلي الإجرامي على الاستمرار في ارتكاب الجرائم الوحشية بحق الأطفال والنساء في غزة وفلسطين.
ودعا البيان طلاب المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية والأكاديمية في دول العالم العربي والإسلامي وكل أحرار العالم إلى الخروج عن حالة الصمت المعيب وتبنى المواقف العملية ضد العدو المجرم.
وجدد الوقوف الكامل مع قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي والقوات المسلحة في استهداف العدو الإسرائيلي وكل الجهات التي تساند العدو في حرب وإجرامه بحق الشعب الفلسطيني.
وشدد البيان على ضرورة تفعيل سلاح المقاطعة للمنتجات الأمريكية والإسرائيلية كموقف عملي يساهم في تضييق الخناق على العدو ليوقف جرائمه الوحشية.