قال الأكاديمي والخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى إن الحراك الداخلي المتصاعد ضد الحرب في قطاع غزة تجاوز المطالب الإنسانية بإعادة الأسرى، ليعكس انقساما أعمق يتعلّق بطبيعة إسرائيل وهويتها المستقبلية، مشيرا إلى أن ما يدور في الداخل الإسرائيلي هو صراع بين رؤيتين متناقضتين حول شكل الدولة.

وأضاف في حديثه للجزيرة أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يعمل على استدامة الحرب في قطاع غزة، لأنها تمثل بالنسبة له ركيزتين لبقائه السياسي: الأولى مرتبطة بمحو آثار فشله الأمني في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والأخرى تتعلّق ببقاء حكومته الحالية في السلطة.

وأوضح أن نتنياهو يفتقر اليوم إلى مخرج سياسي آمن يضمن له الاستمرارية من دون أن يدفع ثمن الإخفاق الكبير الذي وقع في بداية الحرب، ولذا يسعى إلى إطالة أمد المعارك لتغطية هذا الإخفاق، وفي الوقت نفسه يعزز بذلك تماسك تحالفه الحكومي القائم على أطراف يمينية متطرفة.

ويأتي هذا في وقت تصاعدت فيه حدة الضغوط الداخلية على الحكومة الإسرائيلية، مع تزايد التوقيعات العسكرية والمدنية المطالِبة بوقف فوري للحرب مقابل الإفراج عن المحتجزين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

إعلان

وبرز من بين هذه التحركات توقيع مئات من جنود لواء "غولاني" المسرحين على عريضة تطالب بإنهاء القتال، إلى جانب توقيعات من طيارين حربيين ومدنيين، وفنانين، وأكاديميين، وأفراد من القطاع الصحي والتعليمي، في مشهد يعكس عمق الانقسام المجتمعي داخل إسرائيل.

ويرى مهند مصطفى أن الحراك المدني رغم زخمه واتساعه لم يصل إلى مستوى الضغط الكافي لتغيير سياسات الحكومة، موضحا أن تأثيره يبقى محدودا طالما لم يترافق مع خطوات مثل العصيان المدني أو الإضرابات الاقتصادية التي قد تُلزم الحكومة بدفع ثمن سياسي مباشر.

في المقابل، أكد أن الحراك داخل المؤسسة العسكرية له تأثير فعلي، خاصة في ما يتعلق بنسبة التزام جنود الاحتياط، مشيرا إلى أن هناك نسبة تقارب 70% من عدم الالتحاق بوحدات الاحتياط، وهو ما ينعكس سلبا على أداء الجيش وعلى شرعية العمليات العسكرية الجارية في غزة.

نقطة ضعف الحراك

لكنه نبه إلى نقطة الضعف الجوهرية في هذه التحركات، قائلا إن العرائض الصادرة حتى الآن لم تصل إلى الدعوة الصريحة للعصيان العسكري، وهو ما يجعل تأثيرها على القرار السياسي محدودا رغم أثرها النفسي والمعنوي الكبير على القوات المسلحة.

وأضاف أن قراءة عميقة لخطابات العرائض والمحتجين تكشف أن الموضوع لم يعد يتمحور فقط حول قضية الأسرى، بل تحوّل إلى ما وصفه بـ"حرب حول هوية إسرائيل"، مشيرا إلى أن نتنياهو يصف الحرب على غزة بأنها "حرب الاستقلال الثانية"، بينما يصف المحتجون تحركهم بأنه معركة لتحرير إسرائيل من الحكومة الحالية.

وتابع قائلا إن هناك تيارا واسعا داخل المجتمع الإسرائيلي يرى أن ما يجري هو محاولة من اليمين لاحتلال الدولة من الداخل، ليس عسكريا وإنما سياسيا وأيديولوجيا، عبر تقييد الحريات، وإضعاف المؤسسات السياسية، والقيام بانقلاب دستوري تدريجي تحت غطاء الحرب.

وشدد على أن هذا التيار يرى أن استمرار الحرب يصبّ في مصلحة اليمين المتطرف، لأنه يمنح نتنياهو مساحة كبرى لإعادة تشكيل بنية الدولة وهويتها، من دون معارضة فعالة، مستغلا مناخ الطوارئ والحرب لتمرير مشاريع تهدد الطابع الديمقراطي والمؤسساتي لإسرائيل.

إعلان

ويرى الخبير في الشأن الإسرائيلي أن المفارقة الكبرى تكمن في أن المحتجين يعتبرون أن وقف الحرب ضرورة ليس فقط من أجل إنقاذ المحتجزين، بل لإنقاذ إسرائيل ذاتها من خطر التحول إلى دولة محكومة بشكل دائم بمنظومة يمينية تسعى لفرض رؤيتها الأحادية على الجميع.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

الحرب تُطيل عُمر نتنياهو

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

يعتقدُ الكثير من المتابعين للأوضاع في وطننا العربي، أنَّ العربدة الصهيونية ومسلسل القتل والدمار في غزة ولبنان واليمن وسوريا نتاج قوة الكيان الصهيوني وضعف الآخر وعظم خسائره، بينما الحقيقة تقول إنَّ استمرار الحرب من قبل الكيان يخدم حزب الليكود ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وحلفاءه من اليمين المُتطرِّف بكيان العدو؛ لأنَّ إعلان وقف الحرب من طرفهم يعني تقليب صفحات يومياتها ونتائجها، وبالنتيجة زوال "النتن" واليمين من المشهد، وعرضهم على المحاكم، مثلما كان مصير إيهود أولمرت رئيس حكومة العدو بعد حرب يوليو 2006؛ حيث حُوكم بتهم فساد وأودع السجن، بينما كان مصير الصقور في طاقمه الحكومي العزل والوفاة السياسية؛ حيث غابوا عن المشهد نهائيًا.

بالطبع لا يُمكن مُقارنة ما أحدثه أولمرت بالكيان في حرب يوليو 2006 بما أحدثه نتنياهو اليوم في "طوفان الأقصى"؛ حيث بدَّد عناد وإصرار "النتن" على مواصلة الحرب سرديات العدو التي تسلَّح بها وتستر خلفها طيلة أكثر من 7 عقود من الصراع، من قوة عسكرية لا تُقهر وقوة استخبارية لا يُمكن مواجهتها، وتطور تقني يفوق دول المنطقة ويجعلها تحت رحمة الكيان المؤقت، ولم يكتفِ "النتن" وطاقمه المتطرف بذلك؛ بل أحرق جميع أوراقه العسكرية والأمنية دفعة واحدة في ميدان المعركة؛ لتحقيق جاه شخصي ونصر استراتيجي واحد، لكنه فشل في جميع مساعيه!

والأدهى والأمرّ من كل ذلك، هو عجزه التام عن إزالة خطر فصائل المقاومة وقادتها وسلاحها، رغم كل ما فعله، وهنا مقتله ومقتل من أيَّده ودعمه وتحالف معه.

إصرار "النتن" اليوم على المزيد من القتل والدمار في غزة ولبنان واليمن لم يُظهر عجزه وضعفه وكذبه في الداخل فحسب؛ بل ألَّب عليه الرأي العام العالمي كمجرم حرب سيدفع ثمنها وسيدفع بالكيان نحو حالة تصنيف عالمي جديد لم يكن مُصنَّفًا فيها قبل "طوفان الأقصى" نتيجة تستُّره خلف سرديات ومبررات سوَّقتها اللوبيات المُناصِرة له في الغرب للتغطية على جرائمه واحتلاله.

الرأي العام الغربي وفي شرق وجنوب الكرة الأرضية اليوم، لم يعد بحاجة إلى وسيط، كما لم يعد مُجبرًا على تصديق كل ما يُسكب في عقله من مخدرات عقلية وسرديات إعلامية لا تنتمي الى الحقيقة بشيء، في ظل تفشِّي ظاهرة التقنية والإعلام الاجتماعي في العالم والذي أصبح يغطي الحدث ويصنعه وينقله حول العالم في ثوانٍ معدودة.

أعود الى التذكير بمسلمات من واقع يوميات "طوفان الأقصى" المُبارك، وهي أن المُنتصِر يُملي شروطه ولا يدخل في مفاوضات مُطلقًا، وأنَّ الخطر الداهم على العدو والمتمثل في فصائل المقاومة وسلاحها، ما زال باقيًا، وسيكون للفصائل الكلمة الفصل وبجدارة في المشهد القادم، وأن الأهداف المُعلنة والضمنية التي خاض من أجلها العدو هذه الحرب والمتمثلة في التهجير من قطاع غزة والقضاء على فصائل المقاومة ونزع سلاحها في لبنان وغزة لم تتحقق.

وتبقى الحقيقة الكبرى وهي، لو أنَّ العدو تمكن حقيقةً من القضاء على "خطر" فصائل المقاومة وسلاحها، لكان اليوم على أرض غزة وجنوب لبنان مُنفِّذًا لمخططاته، ومُحقِّقًا لأهدافه دون مشاورة أو استئذان من أحد كأمر واقع.

قبل اللقاء:

وقد يُمزقنا غدر الرصاص هنا... أو هاهنا // فنروع القتل إصرارًا

لأننا ما ولدنا كي نموت سُدىً // بل كي نُعمر بعد العمر إعمارًا

نصفر كالخوخ كي نندى جنى وشذى // كالبذر نُدفن كي نمتد إثمار

لكي نعي أننا نحيا نموت كما // تفنى الأهلة كي تنساب أقمار

شعر: عبدالله البردوني.

وبالشكر تدوم النعم.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • كاتب إسرائيلي: نتنياهو سيغرق إسرائيل ثم يفر إلى ميامي
  • حالة غضب وإرهاق داخل جيش الاحتلال الإسرائيلي وسط مطالبات بإسقاط نتنياهو
  • بين التصعيد الأوكراني والصمت الروسي| هل اقترب شبح الحرب العالمية الثالثة؟ خبير يوضح السيناريوهات المحتملة
  • خبير يمني يحذر من بيع تمثال برونزي نادر في صنعاء وسط تصاعد نهب الآثار
  • الحرب تُطيل عُمر نتنياهو
  • هذا ما تخطط له إسرائيل بديلاً عن الحرب
  • عبدالمولى: على المجتمع الدولي تحمّل مسؤولياته ومنح الحكومة المقبلة غطاء سياسيًا 
  • محلل سياسي إسرائيلي كبير: “إسرائيل” فقدت شرعيتها الدولية لمواصلة الحرب
  • صحف عالمية: دعوات أوروبية لمواصلة التظاهر رفضا لحرب إسرائيل على غزة
  • حرب 1812.. صراع ناري على الهوية والسيادة بين الولايات المتحدة وبريطانيا