يمانيون../
“لم تعد ترسانة صواريخ ومسيّرات الجيش اليمني، تشكل تهديداً مباشراً لمصالح أمريكا في المنطقة فحسب، بل أصبحت لغزاً استخباراتياً معقّداً فشلت استخبارات الغرب في اختراقه”، وفقاً لقول المحلل السياسي والصحفي الروسي فيتالي أورلوف.
وأضاف: “عجزت استخبارات الـ’سي آي أي’ الأمريكية، و’الموساد الإسرائيلي’، و’إم آي 6′ البريطاني، عن تحديد حجم القدرات التسليحية للجيش اليمني ومصادر إمداده، على الرغم من استمرار عدوان واشنطن ويافا المحتلة ولندن على اليمن مُنذ عامين”.
وتابع المحلل السياسي لصحيفة “سبفودنيا بريسا” الروسية: “وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) قلقة من تعاظم القدرات العسكرية للقوات اليمنية، على الرغم من تنفيذها ألف غارة في عدوان جوي بدأ منتصف مارس الفائت ، لكنه لم نجح في تدمير البنية العسكرية للجيش اليمني”.
وزاد: “على العكس، تصاعدت قدرات قوات صنعاء مُنذ دخولها ساحة الصراع البحري بعد العدوان على غزة في أكتوبر 2023، وقد تمكنت من فرض معادلة ردع أجبرت سفن دول أمريكا وبريطانيا و’إسرائيل’ على مغادرة مياه البحر الأحمر وخليج عدن”.
واستأنفت أمريكا عدوانها الجوي على اليمن، في 15 مارس الفائت، ونفذت في أكثر من شهر أكثر من ألف غارة جوية على المحافظات الحُرة التابعة لحكومة صنعاء، أدت إلى استشهاد 210 مدنياُ، وإصابة أكثر من 400.
قوة غيَّرت قواعد الاشتباك
من وجهة نظر السياسي أورلوف، فإن ما يُقلق البنتاغون ليس فقط امتلاك اليمن صواريخ ‘قاهر-1’ و’بركان-1’، بل تطوير صواريخ مجنَّحة متوسطة وبعيدة المدى، وأنظمة ساحلية متطورة، وصواريخ محلية الصّنع.
تقول صحيفة “سبفودنيا بريسا”: “ما يثير الإعجاب هو قدرة اليمنيين على إخفاء مواقع التصنيع والنقل، هذا الغموض المعلوماتي المحيط في برنامجهم التسليحي يعطّل فعالية البنتاغون، ويقوّض جهوده الاستخباراتية”.
تضيف في التحليل العسكري: “إن ما يزيد قلق واشنطن هو التحوّل الإستراتيجي، وليس التسليحي والمنهجي فقط لقوات صنعاء، بعد أن أصبحت جيشا يمتلك وحدات متخصصة، وقوات صاروخية، وبرية، ووحدات استطلاع إلكترونية، وطائرات مسيَّرة متقدمة تفرض تغييرات مستقبلية في قواعد الاشتباك الإقليمي”.
.. وتكنولوجيا قلبت الموازين
وتؤكد: “إن اليمنيين لا يُرعبون واشنطن بالترسانة العسكرية التي يمتلكونها، بل بما لا يُعرف عنهم، حيث يمثل الفراغ المعلوماتي فشلاً استخباراتياً وعسكرياً خطيراً، يجعل من قوة اليمن خصماً لا يمكن الاستهانة به، أو توقع رده بدقة، في ظل فرض قواته معادلة عسكرية في البحر الأحمر لم تتمكن واشنطن من تغييرها حتى الآن”.
يقول المحلل العسكري الروسي، يوري سيليفانوف: “التكنولوجيا العسكرية اليمنية البسيطة قلبت موازين الردع في المنطقة – الأداء العسكري للقوات اليمنية، وأثبت فعالية استثنائية في ميدان المواجهات التكنولوجية ضد قوى كبرى تمتلك ترسانة تسليحية ضخمة”.
يضيف في مقال نشرته وكالة أنباء “نيوز فرونت” الروسية: “بات الغرب يعترف أن ما يحدث في اليمن يتطلب الدراسة والتحليل العسكري الجاد، بعد نجاح قوات صنعاء في فرض نموذج غير تقليدي في المواجهة بتكنولوجيا منخفضة التكلفة وفعّالة في الوقت نفسه، مثل المسيّرات والصواريخ الدقيقة”.
.. وأربكت حسابات الغرب
وأوضح:”الخبراء العسكريون في الغرب بدأوا الاعتراف علناً بتفوق التكنولوجيا العسكرية اليمنية في الميدان، مؤكدين أن معلومة قدوم الأسلحة من بلد أخر لم تعد مقبولة، بل إن تجربة اليمن باتت تُدرّس داخل المؤسسات العسكرية الغربية”.
برأي الخبير سيليفانوف، فالنموذج اليمني قلب موازين الردع، وأربك الحسابات الغربية، وتمكّن بكل بساطة وكفاءة وإنتاج ضخم وتكلفة أقل من التفوق في الحروب المعاصرة بتلك العوامل الحاسمة، وليس بالتسليح الباهظ الذي تتقيّد فعاليته في الميدان بسبب ارتفاع التكاليف والقيود التقنية.
.. وأحرجت منظوماتها
والمؤكد في عقيدته العسكرية أن ما حققه جيش صنعاء من قدرات تصنيعية إستراتيجية هجومية فعّالة صنعت محلياً أحرجت منظومات العسكرية الغربية باهظة الثمن التي أثبتت ضعفها في المواجهة غير المتكافئة.
وأعلنت القوات اليمنية، في نوفمبر 2023، إسناد مقاومة غزة ضد العدوان الصهيوني بعمليات عسكرية في البحر الأحمر، واستهدفت أكثر من 230 قِطعة بحريَّة تجارية وحربية لدول العدوان الأمريكي – البريطاني – “الإسرائيلي”، وأطلقت أكثر من 1200 صاروخا ومسيّرة على أهداف حساسة في عُمق الكيان.
وأسقطت 24 طائرة أمريكية نوع “إم كيو 9” فوق أجواء المحافظات اليمنية؛ 20 منها في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدّس”، وأربع خلال عدوان التحالف الأمريكي – السعودي، الذي بدأ في مارس 2015، واستمر 8 سنوات.
الخلاصة برأي المراقبين، وفق وكالة “نيوز فرونت”، أن نجاح اليمن في تطوير الأسلحة وتوظيفها يعكس تحولاً في موازين القوة بالمنطقة، وفرض تحدِّيات جديدة على الجيوش التقليدية التي باتت عاجزة عن التصدِّي لمثل هذه الأنماط الجديدة من الحرب الذكية.
السياســـية – صادق سريع
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: أکثر من
إقرأ أيضاً:
«مجهول» الكندي ولغز «موسى» المحيّر
شهدت السينما العمانية حضورا لافتا في المهرجانات السينمائية الدولية، وقد توِّج هذا الحضور بفوز فيلم «المجهول» للمخرج محمد الكندي بجائزة أفضل فيلم روائي دولي قصير، وقد أتاح لنا المهرجان السينمائي الخليجي فرصة مشاهدة هذا الفيلم الذي أنتجه صندوق الدعم والإنتاج التابع للجمعية العُمانية للسينما، وبالشراكة مع شركة أكشن للأفلام للمنتج يوسف البوسعيدي، إلى جانب دعم مبادرة سكرين عمان، وقد ساهم في كتابة القصة وأحداثها الكاتب شايلش ميندو وأشرف على الإنتاج ماني إس، ومثّله عدد من الفنانين العمانيين من بينهم: محمد الكندي ويوسف البلوشي.
تدور أحداث فيلم (المجهول) حول (البحث عن موسى) كما يشير العنوان الثانوي للفيلم، وتجري في قرية من قرى عُمان في السبعينيات، وتبدأ عندما يختفي شاب يُدعى موسى، ويشكّل هذا الاختفاء لغزا، تعجز الجهود عن حلّه، وتكثر الروايات، والتأويلات، وتنطلق التساؤلات التي تظلّ تدور في حلقة مفرغة، فسكّان القرية منذ انتشار الخبر، يبذلون كلّ ما بوسعهم للعثور على (موسى)، ولكن دون جدوى، فيتساءلون: يا ترى هل قُتل موسى؟ أو أكله حيوان مفترس؟ ولكن للقتيل جثة، فلم يجدوا أثرا لجثّته، ولم تكن له عداوات، هل غرق في البحر؟ بحثوا في البحر فلم يجدوا أثرا لغريق، هل سرقه القراصنة؟ تلك القرية كانت آمنة، ولم يسمع كبار السن عن قراصنة وصلوا إليها !
ونتيجة لعجز الأهالي والعقل عن حلّ اللغز، يركنون للخرافات، والغيبيّات، والحكايات الشعبيّة، والجنّ، فيجدون فيها الجواب المريح لسؤال اختفاء الشاب موسى، وفي حقيقة الأمر أن هذا الحدث جعل كلّ شخص في القرية يراجع نفسه وقناعاته، ويقرأ محيطه باحثا عن نفسه، فسؤال الاختفاء يجعل سكّان القرية يشعرون بالخطر، خشية تكرار الاختفاء، فيهدّد حياتهم، ومن هنا تنطلق المخاوف، وتكثر الأسئلة، التي يطرحها المخرج محمد الكندي في فيلم يمزج بين الواقع والخيال، مستفيدا من الموروثات الشعبية، ويأتي ذلك في إطار تشويقي، حيث نجح في شدّ أنظار الجمهور للشاشة، وتلاعب بزمن الفيلم، فلم يخضع للوحدات الزمنية التقليدية، حيث قسّم الفيلم من الناحية الزمنية إلى ثلاثة أقسام بدأها بمقدمة قصيرة،
فيعرف المشاهد خبر اختفاء موسى، لتظهر على الشاشة كلمات تقول (ثلاثون يوما بعد اختفاء موسى)، وفيها يستعرض المخرج محاولات البحث عن (موسى) التي باءت بالفشل، فلم يستطع أحد حلّ لغز اختفاء موسى، ثم تظهر لافتة ثانية هي (ثلاثون يوما قبل اختفاء موسى)، في التفاتة استرجاعيّة، وفيها يتعرّف المشاهد على الشاب (موسى)، ويقترب من شخصيته الجريئة، حيث تتشكّل خيوطها، فهذه الشخصيّة تضيق ذرعا بالواقع، فلا يخضع لرغبة والده الذي يريده أن يكون مزارعا مثله، وهو خارج محيط الأسرة، لا يؤمن بالخرافات، ففي أحد المشاهد يسير أحد أصدقائه في بستان، وفجأة يطلق صرخة، فيلتفت موسى ويسأله: ما بك؟ فيجيبه: أنّ جنّيّا أمسك بثوبه من الخلف، فوقف بكلّ ثبات، ونظر خلفه، فشاهد غصنا صغيرا علق به ثوبه، فيرفعه، ويطلق ضحكة، يفهم المشاهد منها أن (موسى) يمتلك قلبا قويا لا يعرف الخوف إليه سبيلا، ونتعرّف أكثر على شخصيته؛ حيث كان يمضي ساعات ينظر إلى البحر، ويتوق إلى مغامرته، وقبل ختام الفيلم يظهر الجزء الثالث (الحاضر) وفيه تتجمّع الخيوط، ويضع المخرج مفاتيح حلّ لغز اختفاء موسى، أمام المشاهد، الذي يتابع اعتلاء موسى ظهر سفينة.
هذه الأحداث جاءت في فيلم قصير بزمن لم يتجاوز العشرين دقيقة و44 ثانية، وخلال ذلك اختزل الكثير من الأحداث، بحبكة عالية، ومشاهد سريعة، سلّطت الضوء على حياة قرية، كانت تعيش هادئة قبل اختفاء الشاب موسى، الذي جاء ليكون نقطة مفصليّة في تاريخ القرية، وقد وفق المخرج في اختيار الأمكنة، حيث أظهر جماليات القرية العمانية، فأثّث الصورة جماليا بالكثير من المناظر الطبيعية التي تشتهر بها البيئة العمانية، من خلال حركة الكاميرا التي نجحت في التقاط هذه الجماليات (مدير التصوير أبهي مانيو دانج)، وتمّ توظيفها توظيفا فنيا، لتكون مشاهد عضويّة تنقل الرؤيا إلى مديات أبعد، وقد ساعدت الموسيقى التصويرية التي وضعها (ديب سي)، في تعزيز هذه المشاهد، التي نقلتنا إلى أجواء قرية ساحليّة هيمن عليها لغز حيّر رجالها طوال زمن الفيلم الذي يبشّر بسينما عمانيّة تنطلق من معطيات البيئة، وموروثاتها إلى فضاءات دوليّة أكثر رحابة.