ليس هيناً على نفسية الإنسان العربي ما يمر به الأشقاء في السودان الجريح من مواجهات وصراعات طاحنة تبدو يوماً بعد آخر معركةَ كسر عظم بين الأشقاء ورفاق السلاح، حيث السكين وصلت للحم الحي في ما تبقى من بقايا الهيكل العظمي لبلد عزيز كان يطلق عليه ذات يوم «سلة غذاء العالم العربي»، لما يتمتع به من أراض زراعية خصبة وموارد مائية وفيرة.


لم تفلح الوساطات ولا المفاوضات ولا مؤتمرات المصالحة الوطنية.. ولا حتى فرض الهدنة، في إيقاف المعارك المدمرة وحقن دماء الأشقاء. إن ما يجري هناك جنوحٌ عن طريق السلام والوفاق والوحدة الوطنية، بل ضرب من الجنون.
فكيف تؤدي المنافسات من أجل النفوذ والخلافات على كرسي السلطة إلى جر بلد، لديه أصلا مشاكله التنموية العصيبة، نحو هذه المواجهات المسلحة المدمرة بين القوى العسكرية المتناحرة، والتي كل واحدة منها تتهم الأخرى بالغدر والخيانة وقتل الأبرياء وعدم الانصياع لرغبة الشعب السوداني ووحدته؟!

إن هذه الأطراف تضر السودان والشعب السوداني في العمق، بإدخاله قواته المسلحة في حرب تكاد تقسم هذه القوات ومن ورائها الشعب السوداني نفسه، حيث أصبح السوداني يحمل السلاح ويقتل أخيه، بأوامر ممن لا تهمهم الدماء السودانية التي أصبحت تسيل هدراً كل يوم بلا ثمن ولا هدف إلا لمصلحة وأهواء ورغبات شخصية لمن يريد الانتصار على خصمه بدماء الشعب وعلى جثث أبناء الشعب الذي ابتلي بمن أعماه الطمع في السلطة وحب التفرد بها.
إن الصراع الحالي بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع السودانية أيضاً، مرشح للاحتدام والتفاقم وصولا إلى مرحلة أكثر قسوة وفتكاً، خصوصاً بعد أن طالب كلُّ طرف بانضمام الشباب السوداني إلى قواته دفاعاً عن رغبة الشعب السوداني كما يزعم!

وللأسف الشديد يبدو أن السودان يوشك أن يلحق بركب الدول المنهكة والممزقة جراء ما يسمى «الربيع العربي» الذي تحول إلى صيف قاحل أكل الأخضرَ واليابسَ، محوِّلا بعضَ الدول إلى حطام وهياكل عظمية متآكلة، يعبث بها الإرهاب ويعيث فيها المرتزقة فساداً وقد أصبحت ساحات للفساد والفقر والجهل والقتل.. بعد أن كانت دولا مرموقةً وناهضةً في مجالات التعليم والثقافة والتجارة والصناعة والزراعة، لكنها بين ليلة وضحاها تحولت إلى كانتونات تخضع للمليشيات المسلحة المتطرفة الطائفية، وتتفشى فيها الأمراض والأوبئة والفقر، وتنعدم الإمدادات والخدمات الأساسية من مياه وكهرباء ودواء وغذاء.. بينما ترتفع نِسبُ الأمية والبطالة والفقر والجوع إلى مستويات قياسية.

باتت هذه الدول عاجزةً حتى عن تنظيف شوارعها من القمامة التي تسد الأنوف، فضلا عن ركام حطام آثارها وتراثها وتاريخها المتناثر! لم تشفع لها أمجادُها الحضارية التليدة ولا أدوارها السياسية والاقتصادية القديمة، فأصبحت مجردة من كل امتيازاتها المادية والمعنوية الكبيرة السابقة بعد أن خسرت الأمنَ والاستقرار. إنه الخراب واليأس البؤس الذي تعمل على نشرها جماعاتٌ تفتقر إلى الضمير الوطني والإنساني، لكن جيوبَ قادتها ملأى بالدولارات الأجنبية، إذ ما عادوا يثقون حتى في عملة بلادهم الوطنية التي سحقوها تحت الأقدام.

د. علي القحيص – كاتب سعودي
أين يتجه السودان؟!
صحيفة الاتحاد الإماراتية

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الشعب السودانی

إقرأ أيضاً:

بالفيديو.. ياسر مدخلي لـ"ياهلا بالعرفج": مسرح الخشبة هو الحياة الموازية التي نتمناها ونبحث عنها ونصلح فيها ما نعجز عن إصلاحه في الحياة!

استعرض عامل المعرفة في برنامج "ياهلا بالعرفج" من خلال فقرة "مزايين الكتب"، كتاب "مسرح كيف" الذي ألفه الأستاذ "ياسر مدخلي" وهو كتاب يفيد أي مسرحي في أي تساؤل أو إيجابيات يتأكد منها مع الجمهور أو أدوات العرض سواء كان ممثل أو نص أو إخراج.

كما عرض فيديو لـ"لعامل المعرفة" مع الأستاذ "ياسر" وهو يتحدث عن الكتاب حيث قال: "مسرح الخشبة هو الحياة الموازية التي نتمناها ونبحث عنها ونصلح فيها ما نعجز عن اصلاحه في الحياة!".

جاء ذلك أثناء استضافة "عامل المعرفة" في البرنامج الأسبوعي "ياهلا بالعرفج" على شاشة "روتانا خليجية" مع الإعلامي "مفرح الشقيقي" وذلك في تمام الساعة الثامنة مساء.

ومن خلال فقرة المشي مع "العرفج" عرض مقطعاً مرئي مع البروفيسور "عبد الرزاق الصاعدي" تحدث عن علاقته القديمة مع المشي فهو حريص عليها منذ الطفولة، كما أنه يستمتع بالتفكير العميق أثناء المشي ويحل أصعب مشاكله.

وفي فقرة "البرواز" استعرض البرنامج مقطعاً مرئياً بعنوان: الدكتور "علي صالح الشهري" يتحدث عن مسجد "السقا" الذي بني في العهد الأموي.

وأخيراً؛ وفي فقرة "سيرة وتر"، الأستاذ "أحمد صادق دياب" يروي قصة أغنية: "لا بكا ينفع ولا شكوى تفيد" التي غناها "طلال مداح" رحمه الله.

ياسر مدخليالمسرحبرنامج ياهلا بالعرفجقناة روتانا خليجيةقد يعجبك أيضاًNo stories found.

مقالات مشابهة

  • ماذا يجري في حضرموت؟.. كاتب سعودي يهاجم المجلس الإنتقالي ويحمله المسئولية
  • هل قتلت قوات الدعم السريع الصحفي السوداني معمر إبراهيم؟
  • ما الدول التي يفضل «ترامب» استقبال المهاجرين منها؟
  • الجامعة العربية: قضايا الإرهاب والتطرف أصبحت ورقة في أيدي الساعين لتشويه هويتنا
  • “التحالف الإسلامي” يوقّع مذكرة تعاون مع الصندوق السعودي للتنمية
  • السوداني:شهداء الحرب ضد داعش لهم منزلة عظيمة عند الله
  • بالفيديو.. ياسر مدخلي لـ"ياهلا بالعرفج": مسرح الخشبة هو الحياة الموازية التي نتمناها ونبحث عنها ونصلح فيها ما نعجز عن إصلاحه في الحياة!
  • السوداني: واهم من يتخيل أن تدينس أرض العراق يمكن أن يمر بلا عقاب
  • بوغالي: مظاهرات 11 ديسمبر أصر فيها الشعب الجزائري على درب الحرية والسيادة
  • ناصري: مظاهرات 11 ديسمبر أكد فيها الشعب إلتحامه بثورته