جريدة الرؤية العمانية:
2025-06-03@17:24:57 GMT

عُمان والرسوخ الدبلوماسي

تاريخ النشر: 27th, April 2025 GMT

عُمان والرسوخ الدبلوماسي

حاتم الطائي

 

◄ الدبلوماسية العُمانية ترتكز على العلاقات المتوازنة والطيبة مع الجميع

◄ التوجه شرقًا لا يعني الابتعاد عن الغرب ويعكس رؤية عميقة لواقع العالم اليوم

◄ تسهيل التملك العقاري للأجانب وتيسير التمويل المصرفي بات من الضروريات

 

يقود حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- هذا الوطن العزيز نحو مرافئ المجد والازدهار، ولا أدل على ذلك من الزيارات التاريخية التي يقوم بها جلالة عاهل البلاد المُفدّى لعدد من دول العالم، فضلًا عن الزيارات التي يقوم بها جلالته- أيده الله- إلى الدول الشقيقة، وهي جميعها زيارات تُعزِّز من رسوخ عُمان دبلوماسيًا، وتؤكد النهج السامي باعتماد الدبلوماسية الاقتصادية مسارًا لتطوير العلاقات مع مختلف الدول، وترجمتها بما يعود بالنفع على اقتصادنا الوطني.

لقد نجحت سلطنة عُمان على مدى عقود طويلة، في أن تؤسس لدبلوماسية يُشار إليها بالبنان، تعتمد في جوهرها على العلاقات الطيبة مع الجميع، وترجمة المقولة الخالدة "أريد أن أرى جميع الدول أصدقاء لعُمان"، وهو ما تحقق بالفعل، وما يزال يتطور بصورة تفوق التوقعات. ولقد أتاحت الدبلوماسية العُمانية تحت قيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله- حرية الحركة لدولتنا، شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، ورغم التحديات التي تعصف بالعالم، والاستقطابات الكبرى التي تؤثر على الجميع، استطاعت عُمان أن تتخذ مسارًا فريدًا، ينطلق من سيادتها واستقلالية قرارها الداخلي والخارجي.. مسارٌ يُتيح لها بناء علاقات صداقة مع الجميع، بعيدًا عن التحالفات ذات الصبغة الاستقطابية، أو الاعتماد على دولة أو أخرى في أي مجال من مجالات العمل، اقتصاديًا أو سياسيًا.

وخلال الأسبوعين الماضيين، اتجهت عُمان شرقًا وغربًا في آنٍ واحد، للتأكيد على حُرية الحركة في الفضاء السياسي والاقتصادي في العالم، فكانت البداية بزيارة مملكة هولندا، أحد أقدم الأنظمة السياسية في أوروبا الغربية، ذات الثقل الاقتصادي الرائد في قطاعات الطاقة بالمقام الأول، إلى جانب قطاعات اقتصادية أخرى مثل الموانئ واللوجستيات والقطاعات الزراعية والغذائية، وغيرها. وتُوِّجت الزيارة بالتوقيع على اتفاقية إنشاء أول ممر لوجستي في العالم لنقل الهيدروجين المُسال من سلطنة عُمان إلى أوروبا، بشراكة عُمانية هولندية ألمانية، تضم 11 شركة، وهو ما يعكس بجلاء قدرة شركاتنا الوطنية على تنفيذ أكبر المشاريع العالمية العابرة للقارات، بفضل الكفاءات الوطنية التي تحمل أفضل التخصصات العلمية والخبرات العملية.

النهج الذي اتبعه جلالته- أيده الله- في هذه الزيارة، يؤكد الحرص الشديد على الاستفادة من عمق العلاقات مع مملكة هولندا، وهي العلاقات التي تمتد لأكثر من 400 سنة، تعكس عراقة التاريخ المشترك، وقوة الوشائج التي تربط البلدين الصديقين، وما الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تمخضت عن هذه الزيارة سوى ترجمة صادقة لمعاني الشراكة والصداقة بين عُمان وهولندا، وهي شراكة وصفها جلالة السلطان بأنها "ديناميكية"، وأن البلدين يشتركان في "خصال تشكل أسسًا جوهرية في الهوية الحضارية للبلدين". وتأكيدًا على هذه العلاقات القوية، تبادل جلالة السلطان وملك هولندا أعلى الأوسمة؛ في تقدير مشترك لمكانة البلدين ومستوى الشراكة الذي وصلا إليه.

ولم يمض أسبوع، حتى توجهت بوصلة الطائرة العُمانية "صحار" صوب الشرق، وتحديدًا في المنطقة الأوراسية؛ حيث تمتد واحدة من أعرق الإمبراطوريات في العالم، إنِّها روسيا الاتحادية، إحدى القوى العظمى في العالم، والتي فتحت أبوابها على مصراعيها لاستقبال الضيف الكبير جلالة السلطان المُعظم- أعزه الله- في مشهد أسطوري يمزج تقاليد روسيا القيصرية مع مراسم الاحتفاء الرئاسي بسلطاننا المُفدّى؛ ما يُؤكد الأهمية التاريخية لهذه الزيارة في توقيت لافت للغاية، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي العالميين.

والتوجه شرقًا لا يعني الابتعاد عن الغرب؛ فالعلاقات المُتوازِنة سِمة عُمانية خالصة، وتعكس رؤية عميقة لواقع العالم اليوم، عالم لم تعد أحادية القطبية هي المُهيمنة عليه، كما كان الوضع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي تعمق بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي. وهذا التنويع في مستوى العلاقات، بين الشرق والغرب، يُؤكد أنَّ عُمان تعي تمامًا حجم المتغيرات العالمية، وحاجة المجتمع البشري الإنساني لعلاقات أساسها التعادل في ميزان القوى العالمية، حتى لا تجور واحدة على الثانية، ولا تُهيمن إحداها على الأخرى.

وحرصًا على ترجمة هذه العلاقات المتنوعة إلى واقع يُستفاد منه في تحقيق الأهداف، ولا سيما الاقتصادية منها، كان لزامًا أن تُترجَم إلى فرص ومشاريع ثنائية، مع تذليل المُعوقات بأنواعها، وهو ما تحقق جانب منه خلال الزيارة، فقد وقعت عُمان وروسيا على اتفاقية الإعفاء المتبادل من التأشيرات لمواطني البلدين، وهي خطوة تاريخية من شأنها أن تنهض بالقطاع السياحي في عُمان، خصوصًا وأن الطقس في عُمان، من أكثر أنواع الطقس تفضيلًا لدى السائح الروسي، الذي يعشق أجواء المياه مع الشمس، ويستمتع بالطبيعة الخلابة، وهذه كلها مقومات عُمانية تتوافر طيلة العام في مختلف الولايات. كما أثمرت الزيارة عددًا من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبروتوكولات، بما يحقق المنافع المُتبادلة لكلا البلدين، لا سيما في جوانب الاستثمار والقطاعات الاقتصادية، التي تمثل الركيزة الكبرى لانطلاقتنا نحو المستقبل.

لكن في المقابل، لا بُد من اتخاذ خطوات جريئة تدعم جذب المزيد من الاستثمارات، وتحديدًا الروسية منها، منها ضرورة تبسيط إجراءات التملك العقاري للأجانب، بهدف الاستفادة من زخم هذه الزيارة وجذب المستثمرين الروس وغيرهم الذين يبحثون عن ملاذات آمنة لاستثماراتهم، وأُجزم أنه لا بلد أكثر أمنًا من هذا الوطن العزيز عُمان. ومثل هذه الخطوة ستساعد على إنعاش القطاع العقاري الذي يُعاني حاليًا من حالة ضعف نخشى أن تتحول إلى ركود، ومن ثم تتراجع جاذبيته محليًا وإقليميًا ودوليًا، خاصةً وأنَّ تملك الأجانب محصور بصورة ضيقة للغاية على مناطق تُعد على أصابع اليد الواحدة في مسقط مثلًا، وأماكن محدودة بشدة في ولايات أخرى.

إننا في حاجة ماسة إلى مواكبة التوجهات السامية في تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل، لا سيما على مستوى التشريعات وتحديثها بشكل مُستمر بما يتوافق مع احتياجات السوق والمواطن والمستثمر. علاوة على ضرورة تيسير إجراءات التمويل المصرفي بين عُمان وروسيا، بعيدًا عن نظام "سويفت"، لأنَّ ذلك سيفتح أبوابًا كبيرة من التدفقات الاستثمارية إلى عُمان.

ويبقى القول.. إنَّ التحركات الدبلوماسية لعُمان شرقًا وغربًا من شأنها أن تُعزز من سعيها الحثيث لتحقيق الأهداف الطموحة، وفي مقدمتها مُستهدفات رؤية "عُمان 2040"، لكن لا بُد من أن يُواكب المسؤولون والجهات المعنية بالتشريع وسن القوانين تلك التحركات، وأن يستلهموا من الحكمة السامية ما يساعدهم على تقديم الأفضل لعُمان وشعبها.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: جلالة السلطان هذه الزیارة فی العالم ع مانیة

إقرأ أيضاً:

تسميم الأفلاج العُمانية؟!

 

 

مدرين المكتومية

 

يعي الجميع أنَّه في عُمان، ومنذ مئات السنين، كان الإنسان العُماني يعتمد اعتمادًا كبيرًا وتامًا على الأفلاج، وهي منظومتنا الوطنية التاريخية التي تُعد العمود الفقري للحياة الزراعية والاقتصادية والاجتماعية، ليس فقط في المناطق الزراعية؛ بل في كل شبر من أرض وطننا العزيز.

والحقيقة أنني ومنذ صغري، وفي قريتي خضراء المكاتيم، تعلمتُ من جدي- رحمه الله- ومن أبي وأعمامي، أنَّ الفلج في ثقافتنا المحلية ليس مجرد قنوات مائية؛ بل شرايين حياة نابضة، تسقي الأرض والزرع، وتحمل في جريانها عبق التاريخ وهمّة الأجداد الذين واجهوا الظروف الطبيعية القاسية، فابتكروا نظامًا مائيًا عبقريًا، يُدهش العالم حتى يومنا هذا.

الأفلاج ليست فقط مصدر ماء، بل تراث ثقافي وروحي يعكس علاقة الإنسان العُماني بالطبيعة. ولكن، وفي خضم التحولات المتسارعة، وتعاقب الأجيال، وتغيُّر أنماط الحياة، بدأنا نلحظ غيابًا واضحًا للوعي بأهمية هذه المنظومة البيئية الدقيقة. وكأننا نغض الطرف عن هذه الجوهرة المائية التي حافظت على حياتنا لقرون.

ما يبعث على القلق، أننا اليوم نشاهد مُمارسات لا مسؤولة تنتهك هذه القنوات المائية؛ فمثلًا نرى البعض يستحم في الفلج، والبعض يستخدم الصابون والمعجون والمنظفات الكيميائية، وكأنهم في حمام خاص، غير مدركين لمدى خطورة ما يقومون به. وهذه المواد التي تبدو بسيطة على السطح، تتحول إلى سموم تدخل في عروق النخيل والزرع، فتؤدي إلى تلوث المحاصيل، وتحول الغذاء النقي إلى مصدر للداء. ومثل هذه المواد الكيميائية تخترق التربة، وتتسبب في ملوحة الأرض، وربما تراكم مواد ملوثة في الثمار، ويُحتمل أن يكون أحد أسباب تفشي الأمراض المزمنة، وعلى رأسها السرطان، الذي بدأ يظهر في مناطق لم تكن تعرفه بهذا الشكل من قبل. وقد تواصلت مع خبراء في موارد المياه، وأكدوا لي أنَّه عندما يصبح ماء ري المزروعات ملوثًا، فإنَّ دورة الحياة كلها تتأثر، من التربة إلى الشجرة، ومن الثمرة إلى الإنسان.

ولا ريب أنَّ غياب الوعي مشكلة خطيرة، لكن الأخطر من ذلك هو غياب القوانين الرادعة؛ إذ لا يكفي أن نكتب مقالات نتحسر فيها ونتذمر على ما يجري؛ بل نحتاج إلى تشريعات صارمة تُنظِّم استخدام الأفلاج وتُحافظ على نظافتها، مع تفعيل دور الجهات الرقابية، وتكثيف التوعية المجتمعية، لا سيما في القرى والمناطق الزراعية، وهذه التوعية ضرورية لا سيما بين العمالة الوافدة الذين قد لا يعلمون مخاطر ما يقومون به، وأن تكون التوعية بلغاتهم لتأكيد وصول الرسالة التوعوية.

الأفلاج ليست فقط موروثًا ثقافيًا؛ بل هي شريان حياة، وإذا تلوثت ماتت الأرض، ولذلك لا بُد من تدخل حازم، وحملة وطنية تُعيد للأفلاج هيبتها، وتربي الأجيال الجديدة على احترامها، لأنها ليست فقط مجرد قنوات مائية كما ذكرت؛ بل هوية وانتماء، ومرآة لحضارة ضاربة في القدم.

وبالتوازي مع تلوث الأفلاج نجد أيضًا تلوث آبار المياه، لا سيما بعد الأنواء المناخية، وقد اطلعت على إحصائيات بعض الجهات في أعقاب الحالة المدارية "شاهين"؛ حيث أظهرت نتائج فحص 50 بئرًا في ولايات السويق والخابورة وصحم أنها جميعا، باستثناء واحدة، غير صالحة للاستخدام البشري؛ بسبب التلوث بمخلفات الأودية والكائنات الحيَّة التي نفقت في تلك الأثناء.

ومن أجل الحفاظ على الموارد المائية، على الجهات المعنية البحث عن حلول مُبتكرة، وليس فقط الاكتفاء بحملات تنظيف هنا وهناك ولا يجب أن يكون الأمر معتمدًا فقط على التوعية؛ إذ لا تكفي وحدها. ومن بين الحلول المُبتكرة التي يمكن تطبيقها:

تغطية الأفلاج بالكامل لضمان حمايتها من التلوث وسوء الاستخدام، وكذلك الحفاظ عليها من التبخُّر. وضع مرشحات عضوية في مجرى الفلج، يما يحافظ على نقاء المياه واستدامتها. الاستفادة قدر المُستطاع من مياه الأمطار في مختلف المواسم، لا سيما في فترات الهطول الشديد. ابتكار أساليب نوعية تسمح بنقل جزء من مياه السدود بعد معالجتها وتنقيتها، إلى قنوات الأفلاج، لزيادة المنسوب المائي فيها.

وبالتوازي مع هذه الجهود، يجب تعميم آلية إعادة تدوير مياه الصرف الصحي في ري المساحات الخضراء التجميلية، مثل الحدائق العامة، والدواوير، والأشجار التي تُزرع على جانبي الطرق أو في منتصفها.

وبعد كل ما سبق، عرضه، علينا أن نؤمن جميعًا بأنَّ المياه فعلًا مصدر الحياة، وأن هذا الشريان الحيوي، أي الأفلاج، نعمة كبيرة طوّرها الإنسان العُماني منذ القدم، وعلينا نحن الأحفاد أن نُراعي ونحفظ ما اخترعه الأجداد والآباء.

ويبقى السؤال المُلِح: أين الجهات المختصة من كل هذا التلويث والتسميم لأفلاجنا ومواردنا المائية؟!

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • تسميم الأفلاج العُمانية؟!
  • الوزير الشيباني: عدنا للتو من زيارة رسمية إلى العاصمة القطرية الدوحة وهذه الزيارة تأتي في إطار سياسية الانفتاح الإيجابي لسوريا الجديدة وبحثنا العلاقات الثنائية بين البلدين
  • الأردن وسوريا يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون الدبلوماسي والتدريبي
  • محادثات إسطنبول وصعود تركيا الدبلوماسي
  • 3 فرق عُمانية تفوز بجوائز "المعرض الدولي للاختراع والابتكار" في ماليزيا
  • ضبط 3 مواطنين لنقلهم 108 وافدين من حاملي تأشيرات الزيارة مخالفين لأنظمة وتعليمات الحج
  • كيف يمكن تعديل وقت الزيارة الميدانية لمستحقي حساب المواطن؟.. البرنامج يوضح
  • حساب المواطن.. ما هي شروط الزيارة الميدانية للأفراد المستقلين؟
  • اشتراطات متبادلة تعقّد فرص الحل الدبلوماسي بين روسيا وأوكرانيا
  • ضبط مقيم لنشره إعلانات موجهة لحاملي تأشيرات الزيارة ليوهمهم بالحج