بقلم : سمير السعد ..

في عمق الجنوب العراقي، حيث تنبت الكلمات من تراب الوفاء وتورق الأشعار من صبر الناس، وُلد الشاعر غازي ثجيل، ابن قضاء شيخ سعد في محافظة الكوت، ليكون واحدًا من أولئك الذين كتبوا للألم بلغة المحبة، وللوطن بأغنيات من دمع وحنين.

برحيله المفجع إثر إعدامه في زمن النظام السابق، خسر العراق صوتًا شعريًا فريدًا، لكنه بقي حيًا في ضمير الشعب، تردده الأصوات، وتبعثه الأغاني من بين أوجاع الذاكرة.

“مسافرين وعيني مشدودة لدربكم”
بهذه العبارة التي افتتح بها واحدة من أجمل ما كتب، غرز غازي ثجيل اسمه في ذاكرة الطرب العراقي. أغنية “مسافرين” التي أداها الفنان ياس خضر ليست مجرد عمل فني؛ بل تجربة شعورية عميقة، تختصر معاناة العراقي مع الوداع، والشتات، والحنين الذي لا يهدأ.

تُصور الأغنية واقع الفقد بلغة شاعرية آسرة:
“واحنا طرزنا الستاير للشبابيك العبر منها الضوه
واحنا علمنا الخلگ طبع الوفا بدرب الهوى”

في هذه الأبيات، ينقلنا الشاعر إلى مناخ بصري ووجداني، نرى فيه الشوق منسدلاً على ستائر البيوت، والوفاء مرسومًا على طريق المحبة، كأنما هو جزء من جغرافيا العراقيين الروحية.

العيون، الضوء، والسفر… رموز شعرية لا تموت
في مقاطع أخرى، تشرق بصمته الشعرية الخاصة:
“رموشهم ليل الطويل اليشرب عيون الضوه وباهدابه تغفى”
جمالية الصورة هنا لا تقتصر على التوصيف، بل تتعداها إلى فلسفة كاملة عن الحب والرحيل، عن الضوء الذي يُحتجز في ليل العيون، وعن الانتظار الأبدي.

كما يقول:
“وروحي مثل الگاع لو مرها المطر .. تمطر وفا وخير ومحبة”
وهو بذلك يُجسّد الروح العراقية المعطاءة، التي مهما اشتدت عليها المصائب، تبقى تُمطر خيرًا، وتزرع الحب في دروب الحياة.

أغاني أخرى وحياة منفية في سطور
لم تكن “مسافرين” الوحيدة في سجل غازي ثجيل. فقد كتب أيضًا “حلوين ويدرون نحبهم” التي أدتها الفنانة مائدة نزهت، إلى جانب العديد من الأعمال التي نُسجت بروح العاشق الحالم، والمواطن المهموم، والإنسان الذي أحبّ كل شيء بصدق.

رحلته… ووصيّته الشعرية
في زمنٍ لم يكن يُسامح الصوت الحر، دُفع غازي ثجيل إلى المصير الحزين، لكنه لم يرحل بصمته. ترك قصائد كانت وما زالت مرآةً لعراق لا يموت، عراقٍ يعرف كيف يزرع الجمال في الرماد.

اخيرا ..
نم قرير العين يا شاعر المسافرين،
يا من طرّزت الوداع بدمع القصيدة،
وغنّيت للمحبين درب الهوى…
نمْ، فما زالت عيوننا مشدودة لدربك،
وما زالت قلوبنا تهتف:
“النحبهم ما نسيناهم… نسونا وسافروا.

سمير السعد

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات

إقرأ أيضاً:

كركوك.. الجيش العراقي يكمل تطهير أحد الوديان الناشطة إرهابياً

كركوك.. الجيش العراقي يكمل تطهير أحد الوديان الناشطة إرهابياً

مقالات مشابهة

  • مفيش خلاف.. أحمد السقا: مها الصغير ست فاضلة وأم أولادي بس أنا سنجل
  • ربت أولادنا بأفضل شكل.. أحمد السقا يوجه رسالة لطليقته مها الصغير
  • غازي عنتاب تطلق موسم تجفيف الخضروات.. الأسعار تبدأ من 150 ليرة
  • إلهام شاهين تكشف كواليس لقائها بقرينة الرئيس العراقي
  • عمليات البحث ما زالت مستمرة.. فيضانات عارمة بجنوب أفريقيا تقتل 49 شخصًا على الأقل
  • مساعد وزير الخارجية الأسبق: مصر ما زالت مستمرة في جهود الوساطة مع قطر من أجل غزة
  • “هناك أجزاء من هذا العالم ما زالت بكر”.. مصور فلكي يرصد جمال سقطرى اليمنية
  • كركوك.. الجيش العراقي يكمل تطهير أحد الوديان الناشطة إرهابياً
  • صوفان: وجود شخصيات على غرار فادي صقر ضمن هذا المسار له دور في تفكيك العقد وحل المشكلات ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد.. نحن نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة
  • هل ما زالت الدولة السودانية تقاتل بعقلية (كرري) تحدث عن رجال كالأسود الشامخة؟