الجزيرة:
2025-07-07@19:28:44 GMT

الإسلاموفوبيا حين تقتل

تاريخ النشر: 4th, May 2025 GMT

الإسلاموفوبيا حين تقتل

تُعدّ الجريمة الشنيعة التي ارتكبها متطرف في 25 أبريل/ نيسان، وذهب ضحيتها الفتى "أبوبكر سيسي"، من أصول مالية، داخل مسجد في قرية جنوبي فرنسا، من أبشع فصول الإسلاموفوبيا، إذ تكشف الحقيقة المقيتة لهذه الظاهرة.

تُذكّر الجريمة بسابقة مجرم دخل على المسلم من أصول مغربية، محمد المعقولي، في شقته بالقوة، عقب جريمة شارلي إيبدو، في يناير/ كانون الثاني 2015، وطعنه على مرأى من زوجته وأبنائه الصغار، وبتر سبابته لما رآه يقوم بالشهادة وهو يحتضر.

وتُذكر كذلك بجريمة ليتل كريستشرتش (Little Christchurch) في أبريل/ نيسان 2019 في نيوزيلندا، عندما أقدم مجرم على اقتحام مسجد وأطلق النار على مرتاديه يوم جمعة.

وجه المقارنة ليس فقط في بشاعة الأفعال، ولكن في دواعي الجريمة، لأنها تستند إلى مرجعية. لم تكن الحالات الثلاث مجرد جرائم فظة، بل رسائل سياسية، تكشف طبيعة الإسلاموفوبيا. ولذلك لا ينبغي التعامل مع جريمة الفتى "أبوبكر سيسي" كأي جريمة من الجرائم، أو كحالة منفصلة، أو رقمٍ يُضاف إلى أعمال العنف ضد المسلمين.

إلى ذلك، تُنَبّئ الجريمة عن تحوُّل في سياق ملتهب جراء تداعيات الحرب على غزة، وتوتر العلاقات بين الجماعات من خلفيات ثقافية مختلفة، في فرنسا، وفي أوروبا عمومًا.

إعلان

أدان الخطاب الرسمي في فرنسا الجريمة، على اعتبار أنه لا مكان للعنصرية والكراهية في فرنسا، ولكن هل الإسلاموفوبيا مجرد تعبير عن العنصرية والكراهية؟

المسألة أعمق وأخطر من أن تُرَد إلى العنصرية والكراهية. فالعنصرية شعور يوجد لدى شرائح مجتمعية، وحالات شخصية، قد يكون دافعها الجهل والأحكام المسبقة، والكراهية زيغ نفسي، ويمكن التعايش معها ما دام أصحابها يتسترون عليها. أما الإسلاموفوبيا، وبما أظهرته في حالة "أبوبكر سيسي" وحالات أخرى، فهي تُفضي إلى القتل، وهي لذلك جريمة، أو يتوجب تجريمها.

كان عميد مسجد باريس، حفيظ شمس الدين، محقًا في دعوته إلى حوار فرنسي- فرنسي؛ لأن الجريمة المقترفة في حق الضحية "أبوبكر سيسي" تمثل تحولًا في مسار الإسلاموفوبيا، وقدحت شعور الخوف لدى مسلمي فرنسا من الأسوأ، وقد تحمل نذر التوتر بين الجاليات. وكان العميد محقًا كذلك بشجبه لما أسماه بالكيل بمكيالين، أو اختلاف التعامل كلما تعلق الأمر بأعمال معادية للسامية، وأعمال معادية للمسلمين.

الإسلاموفوبيا ليست مجرد شعور عداء للمسلمين، والتوجس منهم، ولكنها عنف تختلف أشكاله، من احتقار وازدراء وميز وتحرش، وتضييق إلى عنف مادي صرف. وهي تتأرجح ما بين شعور وسلوك وفعل.

والإسلاموفوبيا ليست مجرد عنصرية، لأنها تستند إلى مرجعية أيديولوجية وعمل مؤثرين، كما أبان الباحثان الفرنسيان من أصول مغربية عبدالعالي حجات ومروان محمد في كتابهما الصادر بالفرنسية: "كيف تصنع النخب الفرنسية (المشكل الإسلامي)".

والإسلاموفوبيا ليست مجرد أعمال عنف اعتباطي، لأنها تستند على ما يسمى صناعة الإسلاموفوبيا، أي قولبة الرأي العام وتوجيهه. وهي ليست قارّة، بل متطورة، حسب السياقات الزمنية، إذ هناك ما أسماه الباحث الفرنسي فانسان جيسر بـ"الإسلاموفوبيا الجديدة"، عقب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول، التي تستند إلى مرجعية أكاديمية، وتتجاوز التصرفات العنصرية.

إعلان

ما فتئت الإسلاموفوبيا تأخذ أشكالًا جديدة، وصورًا محتدمة، تنتهز وقوع أحداث مروعة، كما في جريمة شارلي إيبدو، أو مقتل الأستاذ صامويل باتي(2020).

 بيد أن الإسلاموفوبيا تلتقي في عنصر ثابت، وهو ما أسماه الباحثان المشار إليهما بـ"المشكل الإسلامي"، وهو من صنع نخب إعلامية وأكاديمية، ومداره الحكم بعدم قابلية المسلمين للاندماج، أو أن المسلمين يطرحون مشكلًا ويتعارضون مع قيم الجمهورية.

والحال أن المسلمين الفرنسيين أظهروا أنهم مواطنون فرنسيون، يَدينون بالولاء لبلدهم، وقيمه ومؤسساته، وشجبت الهيئات التمثيلية كل سعي لإدراجهم في مرجعية طائفية، وكانت حاضرة في كل اللحظات الحاسمة والمؤلمة منها، بإدانتها كل أعمال العنف التي تعرضت لها فرنسا.

هل تتعامل السلطات الفرنسية مع حالات الزيغ التي يتعرض لها المسلمون كما تتعامل مع الأعمال المعادية للسامية؟ وهل يمكن للهيئات التي ترصد زيغ الإسلاموفوبيا، أن تشتغل في نفس الظروف التي تشتغل فيها الهيئات التي ترصد زيغ الأعمال المعادية للسامية؟

المسألة ليست في توازي التعامل مع طوائف مختلفة، بل في إشعار المواطنين المسلمين بأنهم مواطنون كاملو المواطنة، وليسوا مواطنين من الدرجة الثانية، أو مواطنين تَرين عليهم الشبهة إلى أن يثبت العكس.

تعيش فرنسا، وأوروبا عمومًا، سياقًا جديدًا أفرزته تداعيات الحرب على غزة، واحتدام التوتر بين الجاليات، وهو ما يستلزم مقاربة جديدة لإطفاء الفتيل، أو وضع حد لما يسميه البعض بـ"الحرب الأهلية الباردة" التي تتغذى من مرجعيات، منها الاستبدال الكبير، والأكزنوفوبيا، والإسلاموفوبيا، وأحداث مؤلمة، وتوظيفها.

يتوجب حوار بين المؤسسات التمثيلية للمسلمين في فرنسا، والفعاليات الدينية والفكرية، مع مؤسسات الجمهورية، من أجل طمأنة مسلميها أولًا، وثانيًا إفراز آليات قانونية لحمايتهم من الإسلاموفوبيا، وذلك من خلال تجريمها وتجريم ما يرافقها، سواء أكان عنفًا رمزيًا، أو ماديًا.

إعلان

وينبغي أن يسود الاتزان في الإعلام، وبخاصة الإعلام المرئي، إذ تنفث بعض أدواته الكراهية وتشيع الخوف لدى الساكنة الأصلية، الأمر الذي يتولد عنه الحذر من الغرباء أو الأكزنوفوبيا.

وينبغي أن تتوقف الممارسات التفتيشية، التي تلظّى منها كثير من مسلمي فرنسا، أيًا كانت مواقعهم، في الأحياء، من خلال التعامل الفظ للأمن، أو الميز في بلوغ المرافق العمومية، أو في الحصول على الشغل أو السكن، مما يدفع كثيرًا من الأطر إلى الاغتراب.

ينبغي توقف الحالة التي عبّر عنها لفيف من الباحثين، في كتاب "تحب فرنسا، وتغادرها مع ذلك"، لأنها لا تفتح صدرها لبعض بنيها، مما يضطرهم لمغادرتها، لأنهم يكتشفون أنهم فرنسيون في الوثائق فقط.

ليس هناك تبرير للإرهاب، ولا تغاضٍ عنه، ولا عن مرجعياته، وآمريه ومقترفيه، ولكن لا يسوغ أن يُستغل الإرهاب ذريعة للإسلاموفوبيا، أو كوَقود لها.

ولا شيء من شأنه أن يبرر المعاداة للسامية، رأيًا وسلوكًا وفعلًا. ينبغي التصدي لما من شأنه أن يهدّد سكينة المجتمع، ولكل أعمال العنف، أيًا كان مصدرها ومرجعيتها، ومنها العنف اللفظي، الذي يستهدف المواطنين، بغض النظر عن عقيدتهم، وأصولهم.

مسلمو فرنسا ليسوا فوق القانون، ولا يسوغ أن يكونوا أدنى من القانون، أو يُطبق عليهم بشكل اختزالي.

ليست من مصلحة مسلمي فرنسا أن يعيشوا حالة مستمرة من التوتر، وليس من مصلحة مؤسسات الجمهورية أن يستمر ما تنعته بالطائفية، أو النزوع الانفصالي. وليس من مصلحة فرنسا أن توصم بالعداء للمسلمين. وأي دور يمكن أن تضطلع به على مستوى العلاقات الدولية، وهي تجر معرّة الإسلاموفوبيا؟

مقتل الفتى "أبوبكر سيسي"، لحظة مفصلية من أجل حوار هادئ، في فرنسا، وخارجها، للتصدي لآفة الإسلاموفوبيا. الإسلاموفوبيا ليست رأيًا أو وجهة نظر، أو زيغًا، وإنما جريمة تقتل.

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی فرنسا

إقرأ أيضاً:

ضربة قاضية على أوكار الجريمة في شرق النيل

تابعات ـ تاق برس- نفذت قوات الطوف المشترك بمحلية شرق النيل حملة منعية كبرى لإزالة الظواهر السالبة، وضبط الوجود الأجنبي غير المقنن بدائرة الإختصاص؛ تحت إشراف اللواء شرطة عبد السلام عبد الله الزين مدير شرطة محلية شرق النيل وقيادة العقيد شرطة مكاوي عبدون إدريس.

 

الحملة استهدفت أوكار الجريمة ومصانع الخمور البلدية في منطقة الحاج يوسف الشقلة وشارع واحد.

 

وبحسب المكتب الصحفي للشرطة السودانية فقد أسفرت الحملة عن ضبط كمية من الخمور البلدية وإزالة عدد من العشوائيات والقبض على “34” متهما  من الأجانب بينهم “9” نساء وضبط كميات كبيرة من الخمور البلدية.

 

وأضاف أن الحملة استهدفت منطقة المايقوما القادسية بشرق النيل ونجحت في إزالة سكن عشوائي يستخدم لصناعة الخمور البلدية مع ضبط وإبادة كميات كبيرة منها.

 

وتشير متابعات المكتب أن الطوف المشترك عمد إلى إظهار القوة وبسط هيبة الدولة بتمشيط منطقة شارع واحد والوحدة والإرتكاز الأمني بمنطقة لفة إثنين. حيث تمت مراجعة أوراق الركشات والمركبات والدراجات النارية، وتم ضبط عدد ركشتين بدون أوراق تثبت الملكية.

وتم تسليم المعروضات لقسم شرطة دائرة الإختصاص.

الشرطة السودانيةحملات منعيةمحلية شرق النيل

مقالات مشابهة

  • من أولويات ما بعد الحرب مجلس وزاري أعلى لمكافحة الجريمة
  • زوجة تقتل زوجها بمساعدة عشيقها
  • متفجرات إسرائيلية تقتل عنصرين من الحرس الثوري
  • «قويرب» يبحث مع سفير فرنسا القضايا التي لها علاقة بدول البحر الأبيض المتوسط
  • الإعدام شنقا لقاتل شقيقته / تفاصيل الجريمة
  • ضربة قاضية على أوكار الجريمة في شرق النيل
  • الجزيرة تبث مشاهد حصرية لكمينين نفذتهما القسام ضد الاحتلال في خان يونس
  • الجزيرة: توفير سكن آمن وصحي وفق خرط موجهة لكل مواطن
  • بينهم أطفال وطبيب.. إسرائيل تقتل 47 فلسطينيا بغزة السبت
  • بينهم طبيب و4 من أبنائه.. إسرائيل تقتل 26 فلسطينيا بغزة السبت