صحيفة الاتحاد:
2025-05-18@02:34:25 GMT

سقوط مدوٍ لزيف «جماعة البرهان»

تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT

عبدالله أبوضيف (أبوظبي)
جسَّد رفض محكمة العدل الدولية للدعوى المقدمة من القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات انتصاراً مبيناً لمصداقية الدولة وجهودها الإنسانية والسياسية، ما يعزز مكانتها الإقليمية والعالمية، بسبب مواقفها المشرفة الداعمة للسلام والاستقرار في مختلف مناطق العالم، وبالأخص المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة ومآسي دامية.


وفي المقابل، أكد قرار المحكمة الدولية زيف الادعاءات الممنهجة التي تروجها القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات، في ضربة قوية وسقوط مدوٍ لجماعة «البرهان»، التي تسببت في أزمات إنسانية، وأوضاع مأساوية، واضعة مستقبل ملايين السودانيين على المحك، حسبما أكد خبراء ومحللون سياسيون لـ«الاتحاد».
وأوضح خبراء ومحللون، تحدثوا لـ«الاتحاد»، أن قرار محكمة العدل الدولية برفض دعوى القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات، يؤكد أن الدعوى باطلة ولا أساس لها من الصحة، وأن هدفها كان تشتيت الانتباه عما يشهده السودان من فظائع إنسانية، وهو ما كان واضحاً منذ البداية، وقد حذرت الدولة، مراراً وتكراراً، من خطورته.
 وشدد الخبراء والمحللون على التزام الإمارات الراسخ بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتعزيز العمل الجماعي وبناء مستقبل يسوده السلام والازدهار للشعب السوداني.
رسالة واضحة
واعتبر المحلل السياسي الكويتي، خالد العجمي، أن قرار محكمة العدل الدولية برفض الدعوى المقدمة من القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات يمثل انتصاراً جديداً للشرعية الدولية التي ترفض الزج بالقضاء الدولي في خلافات سياسية، عبر اتهامات مرسلة تفتقر إلى الأدلة.
وأوضح العجمي، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن القرار يؤكد أن المجتمع الدولي بات أكثر وعياً بمحاولات بعض الأطراف استغلال المؤسسات القانونية لتحقيق أهداف دعائية أو للتهرب من مسؤولياتها الداخلية، مؤكداً أن الإمارات، المعروفة بدورها الإنساني والدبلوماسي في المنطقة، لطالما دعت إلى التهدئة والحوار والحلول السلمية في السودان، ووقفت إلى جانب الشعب السوداني في محنته دون أي تدخل سلبي في شؤونه الداخلية.
وأشار إلى أن المحكمة الدولية عندما تقر بعدم اختصاصها وتنهي الإجراءات بشكل رسمي، فإنها بذلك تُسقط محاولات تسييس العدالة، وتضع حداً لمحاولات التشويه التي لا تستند إلى حقائق، مشيداً بتعامل الإمارات مع القضية بصبر واتزان يعكس التزامها بالقانون الدولي، وفق قواعد العلاقات الدولية.
وأفاد العجمي بأن قرار محكمة العدل الدولية يعزز جهود الإمارات الإقليمية والدولية كدولة راعية للاستقرار وصانعة للسلام، ويرسل رسالة واضحة بأن الاتهامات غير المبنية على أسس قانونية لن تجد صدى في المحافل الدولية، مشدداً على ضرورة أن يركز الفرقاء السودانيون على الحوار الوطني الحقيقي، بدلاً من تصدير الأزمات للخارج، معرباً عن أمله في أن يكون القرار دافعاً لتعزيز الجهود لإنهاء الأزمة السودانية سلمياً.
نزاهة الإمارات
من جهتها، أوضحت ميرة زايد، الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، أنه في خطوة تاريخية تؤكد التزام الإمارات الراسخ بالعدالة والشفافية، أصدرت محكمة العدل الدولية قراراً حاسماً برفض دعوى القوات المسلحة السودانية، مؤكدة أن القرار يعكس نزاهة الدولة وسياستها القانونية المتزنة.
وذكرت زايد لـ «الاتحاد» أن قرار المحكمة الدولية يؤكد مكانة الإمارات كرمز عالمي للسلام والاستقرار، ويعكس أيضاً غياب أدلة موثوقة تدعم الادعاءات التي تروجها القوات المسلحة السودانية، ما يبرز فشل محاولات تسييس المنصات القضائية الدولية.
وأشارت إلى أن القضية بدأت عندما قدمت القوات المسلحة السودانية اتهامات للإمارات، مدعية أن دعمها المزعوم لقوات الدعم السريع يشكل انتهاكاً لالتزاماتها الدولية. لكن المحكمة، بعد فحص الأدلة بعناية، خلصت إلى أن هذه الادعاءات تفتقر إلى الأسس القانونية والإثباتات الملموسة. وقد لعب التحفظ القانوني الذي سجلته الإمارات عند انضمامها إلى الاتفاقية دوراً محورياً، إذ يمنع النظر في النزاعات المتعلقة بتفسير الاتفاقية أو تطبيقها، ما أكد التزام الدولة بالإطار القانوني الدولي مع حماية سيادتها. 
ضربة موجعة
بدوره، قال المحلل الأمني، ياسر أبو عمار، إن قرار محكمة العدل الدولية برفض الدعوى المقدمة من القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات، وشطب القضية لعدم الاختصاص، يمثل ضربة موجعة لمحاولات تسييس القضاء الدولي وتوجيهه لخدمة أجندات ضيقة لا تخدم الاستقرار الإقليمي.
 وأضاف أبو عمار لـ «الاتحاد» أن الحكم جاء ليؤكد نزاهة المنظومة القضائية الدولية، ورفضها الانجرار خلف اتهامات غير مدعومة بأدلة، مشدداً على أن الإمارات كانت وستظل دولة ملتزمة بالقانون الدولي، وتتمسك بسياسات واضحة تقوم على دعم السلم والأمن في المنطقة.
وأشار إلى أن ما جرى يؤكد فشل محاولات التشويش على الدور الإنساني والدبلوماسي الذي تلعبه الإمارات في عدد من الملفات الإقليمية، وعلى رأسها الملف السوداني، حيث حرصت القيادة الإماراتية منذ بداية الأزمة على دعم جهود التهدئة، وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوداني بعيداً عن أي انحياز أو تدخل في الشؤون الداخلية.
وأوضح أن القضية كانت مجرد محاولة لصرف الأنظار عن أزمات داخلية يُعانيها السودان، ومحاولة لتصدير الفشل السياسي والأمني إلى الخارج، لكن المحكمة تعاملت معها بمهنية تامة، ورفضت الدخول في تفاصيل لا تدخل ضمن نطاق اختصاصها.
وأكد أبو عمار أن مثل هذه المحاولات الفاشلة لا تؤثر على صورة الإمارات الدولية، بل تزيد من مصداقيتها أمام العالم، داعياً الأطراف السودانية كافة إلى تغليب لغة الحوار والمسؤولية الوطنية، والابتعاد عن استخدام مؤسسات العدالة الدولية كأداة للصراع السياسي.

أخبار ذات صلة الإمارات تنتصر.. «العدل الدولية» تشطب القضية المرفوعة ضد الدولة ممثلة الدولة أمام محكمة العدل الدولية لـ «الاتحاد»: القضية انتهت والإمارات تدعم السلام

ضرر مباشر
من جانبه، قال المدير التنفيذي لمنصة برفليكس العربية، الباحث الاستراتيجي في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ناصر محمد، إن محكمة العدل الدولية أصدرت حكماً نهائياً برفض طلب القوات المسلحة السودانية إصدار تدابير مؤقتة ضد دولة الإمارات في القضية التي رفعتها بدعوى التواطؤ في النزاع الدائر في السودان.
وأضاف محمد، في تصريح لـ «الاتحاد»، أن قرار المحكمة الدولية لا يمثل مجرد انتصار قانوني للإمارات بل يؤسس لآثار أعمق على مستوى العلاقات الدولية، ويفتح الباب أمام تحركات قانونية ودبلوماسية جديدة.
وأوضح أن الأحكام المتعلقة بالتدابير المؤقتة أمام محكمة العدل الدولية تُعد نهائية وغير قابلة للاستئناف أو التفنيد، وفقاً للنظام الأساسي للمحكمة الذي يربط اتخاذ القرار بتوافر خطر وشيك على حقوق الطرف المدعي وقبول الدعوى شكلاً، مشدداً على أن رفض المحكمة لإصدار تدابير حماية مؤقتة يعني عملياً أن الطلب لا يستوفي الحد الأدنى من الشروط القانونية، ما يشكل ضربة قاصمة لمحاولات إعادة طرح الادعاءات نفسها لاحقاً بصيغة مختلفة.
ولفت إلى أن قرار المحكمة يقوض بشكل مباشر موقف القوات المسلحة السودانية التي حاولت استغلال القضاء الدولي كأداة للضغط السياسي على الإمارات، موضحاً أن سقوط الطلب بهذه السرعة والوضوح يكشف عن ضعف الأساس القانوني الذي بُنيت عليه الادعاءات، ويهدم أي مصداقية للقوات المسلحة السودانية أمام المجتمع الدولي، ويطرح تساؤلات حول نواياها وخطابها السياسي.
وأكد الباحث الاستراتيجي أن عدم اقتناع المحكمة بزيف ادعاءات القوات المسلحة السودانية يعزز الموقف الإماراتي الذي يقوم على احترام القانون الدولي، ويزيد من عزلة خطاب القوات المسلحة السودانية داخل المحافل الدبلوماسية، موضحاً أن الانتصار القانوني يفتح أمام دولة الإمارات المجال للنظر في خيارات قانونية إضافية، منها إمكانية رفع دعوى مضادة ضد القوات المسلحة السودانية.
حجة قانونية
من جهته، أكد الأستاذ المشارك في الأكاديمية الرئاسية الروسية، مدير مركز خبراء رياليست، الدكتور عمرو الديب، أن رفض محكمة العدل الدولية للقضية المرفوعة ضد الإمارات من قبل القوات المسلحة السودانية يُعد حجة قانونية لعدم جدية الدعوى الباطلة، والتي لا تخرج عن كونها انتهازاً سياسياً من أجل الحصول على مكاسب سياسية.
وأوضح الديب، في تصريح لـ «الاتحاد»، أن الدعوى الباطلة التي أقامتها القوات المسلحة السودانية ضد الإمارات مبنية على أساس قانوني باطل، وهي مجرد ادعاء سياسي قائم على الاختلاف في الأهداف التي تسعى القوات المسلحة السودانية إلى تحقيقها.
وأشار إلى أن الإمارات مستمرة في تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السوداني الشقيق، رغم الإساءات التي وجهت إليها، ورغم الادعاءات الباطلة التي روجت لها القوات المسلحة السودانية أمام محكمة العدل الدولية، مشدداً على أن القرار يؤكد صحة جميع الحقائق والمستندات والأدلة التي قدمتها الدولة للمحكمة.
عدالة دولية
قالت ميرة زايد الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، إنه من الناحية التحليلية، يبرز قرار محكمة العدل الدولية كدليل على استراتيجية الإمارات الدبلوماسية المتقنة التي تمزج بين حماية المصالح الوطنية والالتزام بالمعايير الدولية. وأشارت إلى أن التحفظ القانوني لم يكن مجرد إجراء شكلي، بل يعكس رؤية استباقية تهدف إلى تعزيز السيادة مع الحفاظ على انخراط فعّال في النظام العالمي. كما يؤكد القرار أهمية دعم الاتهامات بأدلة قوية، لتفادي استغلال المنصات القضائية لأغراض سياسية، ما يعزز مصداقية المحكمة كمؤسسة عدالة دولية.
وأضافت زايد أن الإمارات تتجلى في هذا السياق كنموذج يُحتذى به، فهي ليست فقط دولة ملتزمة بالقوانين الدولية، بل رمز للسلام يمد يد العون للجميع. 
ومن خلال مساعداتها الإنسانية السخية التي تصل إلى ملايين المحتاجين حول العالم، وجهودها المستمرة في الوساطة لإنهاء النزاعات، تثبت الدولة التزامها ببناء عالم أكثر استقراراً وإنسانية، سواء في إغاثة المتضررين من الكوارث أو في دعم التنمية المستدامة.
وأكدت أن قرار محكمة العدل الدولية يمثل انتصاراً قانونياً وسياسياً للإمارات، وشهادة على رؤيتها الحكيمة في التعامل مع القضايا الدولية، موضحة أن القرار ليس مجرد رفض لادعاءات غير مدعومة، بل تأكيد على مكانة الإمارات كدولة رائدة تجمع بين النزاهة القانونية والالتزام الأخلاقي، وتكرّس جهودها لخدمة البشرية وتعزيز قيم السلام والعدالة في عالم يتطلع إلى الاستقرار والازدهار، مشددة على أن الدولة ستظل قوة إيجابية تسعى لنشر الأمل وتعزيز التعاون العالمي.

 

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: محكمة العدل الدولية الإمارات السودان القوات المسلحة السودانية لاهاي القوات المسلحة السودانیة ضد الإمارات أن قرار محکمة العدل الدولیة المحکمة الدولیة قرار المحکمة أن الإمارات أن القرار على أن إلى أن

إقرأ أيضاً:

عليّ وعلى أعدائي.. ما منطق حرب المسيرات عند حميدتي؟

مع بداية ربيع هذا العام، وتحديدا في مارس/آذار الماضي، كان الجيش السوداني قد دحر قوات الدعم السريع التابعة لمحمد حمدان دقلو (حميدتي) من الخرطوم. استعادت القوات المسلحة السودانية القصر الجمهوري، وكان هذا تكليلا لسلسلة من هزائم قوات حميدتي، والتي استمرت حتى بعد استعادة السيطرة على الخرطوم.

لكن هذا لم يعن أن حميدتي اعترف بالهزيمة بعد، فعلاقاته الإقليمية وتحالفاته القبلية العابرة لحدود السودان، والموارد التي يسيطر عليها وتمنحه قدرة مالية غير عادية، كلها مكنته من نقل الحرب في السودان إلى مرحلة جديدة وخطيرة، يمكن عنونتها بحرب الطائرات المسيرة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2عدوى الانفصال.. لماذا ينقسم أرض الصومال إلى كيانين؟list 2 of 2تسجيل نادر يهز الأسطورة.. متى فاوض عبد الناصر إسرائيل في السر؟end of list

فقد شرعت قوات الدعم السريع، التي هُزمت على الأرض، في استخدام الطائرات المسيرة في هجمات مكثفة غير مسبوقة على مناطق كانت تُعد آمنة سابقًا، الأمر الذي قد يغير من شكل الحرب الحالية، أو ينقلها لمرحلة جديدة، ربما تكون الأخيرة على الأرجح.

فما بين 4 و7 مايو/أيار الجاري، استمرت قوات الدعم السريع في قصف بورتسودان يوميًّا بالطائرات المسيرة. وقد أصابت هذه الطائرات أهدافًا في الشرق البعيد عن معاقلها، مستهدفةً مواقع إستراتيجية تتضمن خزانات وقود، ومستودع ذخيرة، وقاعدة عسكرية، ومحطة الكهرباء الرئيسية في المدينة، إضافة إلى المطار. تعد بورتسودان العاصمة الفعلية للحكومة السودانية على ساحل البحر الأحمر.

إعلان

وقد تسببت بعض هذه الهجمات في حرائق هائلة وانقطاع في التيار الكهربائي في جميع أنحاء المدينة، مما أجبر السلطات على تعليق  الرحلات الجوية لبعض الوقت كإجراء احترازي، مما اثار صدمة وسط السكان.

توسع الهجوم

لم يقتصر استخدام قوات الدعم السريع للطائرات المسيّرة على بورتسودان. ففي الأشهر الأخيرة، ومع إنهاء القوات المسلحة السودانية نفوذ قوات حميدتي وسط السودان، وجّهت تلك القوات مسيّراتها بشكل متزايد إلى البنية التحتية الحيوية التي تخدم السودانيين، فضلًا عن الأهداف العسكرية في العديد من المناطق التي استعادتها أو يسيطر عليها الجيس السوداني.

تتصرف قوات الدعم السريع باعتبارها مليشيا متمردة تستهدف مقدرات السودانيين إلى جانب نقاط قوة الجيش فقط. ومن أبرز الحوادث التي تدلل على ذلك ما حصل في سد مروي في يناير/كانون الثاني الماضي حينما قصفت مسيرات تابعة لقوات الدعم السريع أكبر سد كهرومائي في البلاد، مما أدى إلى إتلاف المحولات وانقطاع التيار الكهربائي في مناطق واسعة من شمالي السودان.

يُنتج سد مروي ما بين 40% و60% من كهرباء السودان، لذا كان لتعطيله آثار فورية على المستشفيات ومحطات المياه والحياة المدنية في المناطق.

وبالمثل، في 25 أبريل/نيسان الماضي قصفت طائرات مسيرة محطة كهرباء عطبرة الفرعية في ولاية نهر النيل، وتسبب ذلك في اندلاع حريق كبير وقطع للتيار الكهربائي عن ولايتي نهر النيل والبحر الأحمر، وقد زاد ذلك من إجهاد السكان الذين يعانون بالفعل.

وبين أواخر عام 2024 ومارس/آذار 2025، سُجل ما يقرب من 50 هجومًا بطائرات بدون طيار على البنية التحتية والمواقع اللوجستية في شمالي السودان، وركز نحو نصف هذه الغارات على سد مروي ومطار دنقلا ومطار عطبرة.

قوات من الجيش السوداني من داخل القصر الجمهوري (الجزيرة) أهداف إستراتيجية

تُسلط كل حادثة من هذه الحوادث الضوء على إستراتيجية قوات الدعم السريع الناشئة المتمثلة في استخدام الطائرات المسيرة لضرب مقدرات السودانيين والقوات المسلحة حتى تكون أقل جاهزية، ولإفقاد السودانيين الثقة في الجيش وقدرته على حمايتهم.

إعلان

فمن خلال مهاجمة البنية التحتية الحيوية، مثل شبكات الكهرباء ومستودعات الوقود والقواعد النائية، تسعى قوات الدعم السريع إلى تقويض قدرة الحكومة المركزية على الحكم وشن الحرب، أو بمعنى أوضح، فإن الهدف هو جعل المناطق الامنة غير قابلة للحياة.

ومن ثم تهدف قوات الدعم السريع إلى إثبات أنه حتى لو سيطرت القوات المسلحة السودانية على مدن مثل الخرطوم أو بورتسودان، فإنها لا تستطيع تأمينها بالكامل من هذه الهجمات.

إذن، نحن أمام صورة من صور الحرب النفسية التي تهدف لزعزعة استقرار شرقي وشمالي السودان، وبالتالي تحاول قوات الدعم السريع أن تقول إنه حتى لو خسرت الخرطوم، فإن القوات المسلحة السودانية لا يمكنها الادعاء أنها انتصرت في الحرب.

أضف إلى ذلك جانبا آخر مهما، فبضرب المطارات والمستودعات البعيدة عن خطوط المواجهة، سعت قوات الدعم السريع إلى استنزاف دفاعات القوات المسلحة السودانية، وتقويض قدرتها على تعزيز أو إعادة إمداد القوات.

إلى جانب ذلك، تتناسب حرب المسيرات مع الوضع الحالي لقوات الدعم السريع. فبعد طردها من وسط السودان إلى قاعدتها الغربية، قد تجد صعوبة في شن عمليات تقليدية واسعة النطاق في الشرق. ولذلك تُتيح الطائرات المسيرة وسيلة لمواصلة العمل الهجومي عن بُعد، وبالتالي دخل السودان بالفعل مرحلة حرب المسيرات.

في النهاية، يُعدّ اعتماد قوات الدعم السريع على الطائرات المسيّرة اعترافًا بمحدودية قوتها البشرية وقدرتها الجوية مقارنةً بالجيش الوطني، في سعي لتوظيف التكنولوجيا لتحقيق التوازن في الصراع.

حطام مسيرة استهدف بها الدعم السريع مواقع للجيش السوداني (الجزيرة) مسيرات متنوعة

في الواقع، تُعطي المسيرات قوات الدعم السريع ضربةً بعيدة المدى لتعويض خسارتها للأرض، مما يسمح لها بإلحاق أضرار إستراتيجية، ونشر الخوف إلى ما هو أبعد من خطوط المواجهة التقليدية.

إعلان

وبشكل أساسي، تستخدم قوات الدعم السريع ما يُعرف بالذخائر المتسكعة في هذه المعارك، وهي مسيرات صغيرة الحجم نسبيا، تحلق فوق منطقة الهدف، وحينما تجد فرصة تُوجّه إليه ضربة وكأنها قذيفة. هذه الطائرات بدون طيار منخفضة التكلفة نسبيًا، ويمكن استخدامها في أسراب منسقة.

وُصفت المسيّرات الانتحارية التي تستخدمها قوات الدعم السريع بأنها طائرات ذات أجنحة دلتا مزودة بمحركات مكبسية وهياكل صندوقية، وهو تصميمٌ مُحسّن لمهام الهجوم في اتجاه واحد، ولاحظ المحللون أن الإصدارات الحديثة من هذه الطائرات المسيرة المتسكعة تبدو ذات أشكال أو ميزات مُحسّنة (مثل بصمات رادار أصغر أو سرعة أعلى) تجعلها أكثر قدرة على اختراق الدفاعات الجوية.

تحمل كل طائرة مسيرة حمولة محدودة، لكن السرب المنسق يمكن أن يلحق أضرارًا جسيمة، كما حدث في هجمات بورتسودان والتي أشعلت النيران في خزانات الوقود وألحقت أضرارا بالبنية التحتية.

وإلى جانب ذلك، تستخدم هذه المسيرات بتكتيك عسكري واضح. في بورتسودان، على سبيل المثال، أطلقت قوات الدعم السريع موجةً أولى من 11 طائرة مسيرة انتحارية في هجومٍ سربي على قاعدة عثمان دقنة الجوية ومواقع أخرى.

أُسقطت معظم هذه الطائرات الصغيرة من قبل قوات الجيش، لكنها كانت بمثابة تشتيت تكتيكي، لأنه بينما كانت الدفاعات الجوية منشغلة بالتصدي للسرب، انطلقت هجمة ثانية بطائرةٍ مسيّرةٍ واحدة "إستراتيجية" أكبر حجمًا، والتي استطاعت اختراق التحصينات، وضربت الهدف ذا القيمة العالية في القاعدة العسكرية.

يسلّط هذا التكتيك، المتمثل في إغراق الدفاعات بمسيرات انتحاريةٍ متعددة قبل إرسال مسيرة أكثر فتكًا، الضوء على إستراتيجية الطائرات المسيّرة المتطورة نسبيا لقوات الدعم السريع.

إلى جانب المسيرات الانتحارية، رصدت طائرات مسيّرة قتالية أكبر حجمًا وبعيدة المدى يُعتقد أنها صينية الصنع، حيث كشفت صور الأقمار الصناعية في أواخر عام 2024 وأوائل عام 2025 عن وجود طائرات مسيّرة متطورة في مطار نيالا، الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع في جنوب دارفور.

إعلان

وحدّد محللو الدفاع من مؤسسة "جاينز" هذه الطائرات المسيّرة، ووجدوا على الأرجح أنها من طراز "سي إتش-95" (CH-95) التابعة لشركة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية، وهي طائرات متطورة قادرة على المراقبة والضربات الدقيقة على مسافات تصل إلى 200 كيلومتر أو أكثر، مع مدة تحليق من 6 إلى 12 ساعة، ومدى ارتفاع أقصى 7 آلاف متر، وسرعة الانطلاق أكثر من 200 كلم/ساعة.

يعني ذلك أن المسيرة متوسطة الارتفاع وطويلة الأمد، ويبلغ طول جناحيها حوالي 12 مترًا، وقادرة على حمل أنظمة استطلاع كهروضوئية نهارية وليلية، ورادار متخصص، وذخائر موجهة بدقة، ووسائل اتصالات، ومعدات حرب إلكترونية.

من الناحية الفنية، يمكن لهذه الطائرات المسيرة الأكبر حجمًا أن تحلق على ارتفاعات عالية لفترات طويلة وتحمل حمولة أثقل بكثير من ذخائر قوات الدعم السريع الانتحارية. على سبيل المثال، يمكن لطائرة بدون طيار من طراز "سي إتش-95" إطلاق قنابل موجهة أو صواريخ جو-أرض ضد أهداف نقطية، أو حتى استخدامها كقاذفة متسكعة لتنفيذ هجوم انتحاري بحد ذاتها.

يمنح مداها وقدرتها على التحمل؛ قوات الدعم السريع القدرة على ضرب البنية التحتية الإستراتيجية مثل مستودعات الوقود في بورتسودان أو شبكة مروي، دون الحاجة إلى وجود فعلي في مكان قريب. ومع ذلك، فإن تشغيل مثل هذه الطائرات المسيرة المتطورة يتطلب تدريبًا ودعما لوجستيا وربما خبرة خارجية، وهي عوامل تشير إلى التدخل الأجنبي في تعزيز برنامج الطائرات المسيرة لقوات الدعم السريع.

رد فعل الجيش

يتعيّن على الجيش السوداني الآن تحويل وحداته المضادة للطائرات وأنظمة المراقبة لحماية البنية التحتية في قلب البلاد، مما قد يحد مما يمكن توفيره لهجمات الخطوط الأمامية في كردفان أو دارفور، وقد يُؤخّر هذا خطط شنّ هجوم كبير في غربي السودان الذي تسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من غرب السودان، وهو هدف القوات المسلحة السودانية بعد استعادة الخرطوم.

إعلان

في مواجهة تهديد مسيرات قوات الدعم السريع، لجأت القوات المسلحة السودانية بالفعل إلى التكيّف مع هذا التهديد من خلال دفاعات وتكتيكات خاصة بها لمواجهة الطائرات المسيرة.

على المدى القريب، ردت وحدات القوات المسلحة السودانية حول بورتسودان على هجمات مايو/أيار الجاري باستخدام نيران مضادات الطائرات لاعتراض وإسقاط العديد من الطائرات المسيرة القادمة.

ويرجح أن القوات المسلحة السودانية قد أعادت نشر أنظمة دفاع جوي قصيرة المدى (مثل المدافع المضادة للطائرات ووحدات الصواريخ المحمولة) في مواقع مُستهدفة مُحتملة في الشمال والشرق لتعزيز قدراتها على اعتراض الطائرات المسيّرة.

كما تُشير تقارير إلى أن الجيش يستخدم تدابير الحرب الإلكترونية، مثل تشويش الإشارات وأجهزة كشف الترددات الراديوية لتعطيل توجيه الطائرات المسيّرة.

إلى جانب الدفاعات الميدانية، اتخذت القوات المسلحة السودانية خطوات أوسع للتخفيف من خطر الطائرات المسيّرة. ومن بين هذه الخطوات توجيه ضربات استباقية لقواعد الطائرات المسيّرة التابعة لقوات الدعم السريع، إذ قصف سلاح الجو السوداني مرارا مطار نيالا الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع في جنوب دارفور، والذي يُعتقد أنه نقطة إطلاق أو تخزين بعض طائرات الدعم السريع الأكبر حجمًا.

وتُظهر صور الأقمار الصناعية أن مطار نيالا تعرض لقصف متكرر في أوائل عام 2025، حيث أدت الغارات الجوية إلى تدمير مدارج الطائرات وحظائر الطائرات المبنية حديثًا والتي يُعتقد أنها تحتوي على مسيرات.

وفي أوائل فبراير/شباط الماضي، أفادت التقارير بأن غارة جوية شنتها القوات المسلحة السودانية على نيالا أسفرت عن مقتل العشرات وتدمير جزء كبير من البنية التحتية للمسيّرات الخاصة بالدعم السريع. ويُعد القضاء على الطائرات بدون طيار على الأرض أو اعتراضها قبل وصولها إلى أهدافها جزءًا أساسيا من إستراتيجية القوات المسلحة السودانية.

إعلان

كما تستخدم القوات المسلحة السودانية أسطولها الخاص من الطائرات المسيرة في مواجهة التهديدات. وبفضل تزويدها بطائرات بيرقدار التركية، وربما طائرات مسيرة أخرى، يُمكنها إجراء عمليات مراقبة جوية لرصد أنشطة إطلاق طائرات الدعم السريع، بل ومحاولة إسقاطها أثناء تحليقها بصواريخ دقيقة يُمكن استخدامها ضد أهداف جوية بطيئة الحركة، مع أن دورها الرئيسي كان ضرب الأهداف الأرضية.

وخلال هجمات بورتسودان، أوقف الجيش مؤقتًا حركة الطيران المدني، وفرض مناطق حظر طيران لتجنب أي تصادمات عرضية ولإطلاق العنان للدفاعات الجوية في التصدي للطائرات المسيرة. يُؤكد هذا الإجراء التفاعلي على مدى جدية القوات المسلحة السودانية في التعامل مع التهديد فور ظهوره.

تطور قدرات الجيش

يعني ذلك أن الجيش يطور من قدراته على مواجهة حرب السلاح المسير، والتي تعد بالأساس أحد اعترافات الدعم السريع بالهزيمة (عن طريق الضرب من بعد).

ومن الناحية الإستراتيجية، تخاطر حملة الطائرات المسيرة بتوسيع البعد الإقليمي للصراع، حيث لاحظ جيران السودان والداعمون الدوليون قدرة قوات الدعم السريع على ضرب مدينة ساحلية على البحر الأحمر.

ويحذر المحلل العسكري آلان بوسويل قائلاً لواشنطن بوست إن هذا تصعيد دراماتيكي يُوسّع النطاق الجغرافي والإستراتيجي للحرب، مضيفًا أن مثل هذه الضربات تعمّق التوترات الإقليمية بنقلها الحرب حرفيا إلى أبواب دول مثل المملكة العربية السعودية ومصر عبر البحر الأحمر.

في أسطورة شمشون الجبار، يقف البطل التوراتي على حافة الخراب أسيرًا بين أعدائه بعد أن سُلبت منه قوته. لكنه في لحظة غضب ويأس أخيرة، يستجمع آخر ما تبقى من جبروته ويدفع أعمدة المعبد ليسقطه فوق رؤوس الجميع.

هل تشبه قوات الدعم السريع في السودان، في جانب من سلوكها اليوم، شمشون وقد فقد بوصلته؟ ربما يمثل ذلك جانبًا من حرب قوات الدعم السريع بالمسيرات، فجزء مهم منها يضغط عن عمد على حياة السودانيين أنفسهم، وبعد أن تشكّلت قوات الدعم السريع، وبدأت الحرب قبل عامين بدعوى حماية الدولة والهوية، ها هي تضرب المدن والقرى.

إعلان

وكأنها، بعد أن هُزمت واستُبعدت من مركز السلطة ويئست من العودة، قررت أن لا تبقي شيئًا ولا تذر، وكانت المسيّرات هي السلاح الذي استخدمته قوات حميدتي في محاولة منها لهدم المعبد على رؤوس الجميع، لكن سلوك الجيش السوداني في المقابل من ذلك يتطوّر بالتوازي مع شكل المعركة، ويتكيّف مع متغيراتها على الأرض، مما يعني أنه يدرك نوايا الدعم السريع، ويعمل على تحييدها.

مقالات مشابهة

  • القمة العربية: تاكيد مصري سعودي على أمن الملاحة الدولية وابو الغيط يقول: ''جماعة الحوثي فاقمت معاناة اليمنيين''
  • عليّ وعلى أعدائي.. ما منطق حرب المسيرات عند حميدتي؟
  • مساعد قائد الجيش السوداني إبراهيم جابر يبلغ غوتيريش أمر مهم عن “مسيرات الإمارات” ويشارك في قمة بغداد بدلًا عن البرهان
  • فرنسا تقاضي إيران أمام محكمة العدل الدولية
  • شكوى فرنسية ضد إيران أمام محكمة العدل بشأن مواطنيها الموقوفين
  • الخارجية الفرنسية: سنقاضي إيران في محكمة العدل الدولية
  • مفاوضات الضعين
  • محكمة سيدي امحمد.. تفاصيل مثيرة حول قضية تهريب قرابة 2 مليون كبسولة بريڨابالين
  • محكمة سيدي امحمد.. تفاصيل مثيرة حول قضية تهريب 1.900.000 كبسولة بريڨابلين
  • في بريد السيد الرئيس