عبء الكمال: محاولة أن نكون مثاليين!
تاريخ النشر: 6th, May 2025 GMT
سعود عبدالله العبيداني **
هناك نوعية من الناس، في كل يوم ينظر إلى المرآة، يكتشف نقصًا جديدًا في شكله، ومهما حاول إصلاح عيوب وجهه وجسده المزعومة، لا يرضى عن شكله أبدًا، ولعله نفس الشخص، الذي مع كل مرة يتعامل فيها مع صديق أو حبيب، يراجع كلامه معهم ألف مرة، يتساءل دائمًا: هل أخطأت معه في كلمة؟ هل أخذ عني الانطباع الفلاني؟ هل ضايقته في شيء؟ هل مازال يحبني؟ إنها حقًا أفكار خانقة، كفيلة أن تعكر حياة أي شخص، وتجعل طريقه صعبًا طويلًا مليئًا بالألغام، كلما تجاوز إحداها خشي أن يقع في اللغم التالي، فإذا كنت تشبه هذا الشخص في ما يراودك من أفكار وأحاسيس، أو عانيت من تجربة مماثلة أو شبيهة، فإن الكلمات التالية أُعدت خصيصًا لك بكل الحب.
يرى الكاتب برينيه براون في كتابه "الجرأة العظيمة" أن شتّان بين السعي إلى الكمال والسعي إلى التميز؛ فَالسعي إلى التميز فضيلة، بينما السعي إلى الكمال رذيلة، ولعل الفارق الحقيقي بينهما، يتلخص في أن الساعي للكمال، يحاول إرضاء من حوله، وكل تركيزه ينصب حول شكله الخارجي وإرضائه لمن حوله، بينما الساعي إلى التميز يمتلك دافعًا داخليًا للتطور واكتساب المزيد من المهارات.
بصورة أخرى يمكن القول إن الساعي إلى الكمال يرى أخطائه عيوبًا شخصية، أما الساعي إلى التميز ينظر إلى أخطائه أنها فرصة للتعلم، وما هي إلا سُلمة، تمكنه من الوصول إلى أهدافه. إذًا الكمالية ما هي إلا فخ، يُعكر صفو حياة الإنسان، لم يرد أن وصل بشر إليها، وما يجعل المرء يشعر برغبة الوصول إليها، هي مخاوفه من فقدان الحب والقبول بين الناس.
في علم النفس، كثير من مشاعرنا، تصرفاتنا وصفاتنا حصيلة طفولتنا، وهكذا أيضًا بالنسبة إلى السعي إلى الكمال. على سبيل المثال، الكثير ممن يعانون من محاولة الكمال، قد تعرضوا إلى طفولة صارمة، يتخللها المديح المشروط، ويبرز هذا جليًا في المقارنات، فنجد الأب أو الأم، يقارن بين ولده والآخرين في المستوى الدراسي، الرياضي، وقد يصل حد المقارنة إلى الشكل الخارجي، فنجد أم تقارن بين بنتها وأخرى في جمال الشعر ونعومته أو غيرها من مقارنات، تُشعر الطفل بالنقص، وتشب معه حتى تتمثل في صورة السعي إلى الكمال، ومع ذلك لا يمكن القول، أن السعي إلى الكمال نتاج للطفولة الصارمة فقط، إنما قد يكون ناتجًا أيضًا عن اضطرابات نفسية أو وسواس معين.
للوهلة الأولى يبدو أن مصطلح "طريق مليء بالألغام" به الكثير من المبالغة، لكن في الحقيقة، صعوبة ما يعانيه الباحث عن الكمال، تفوق صعوبة الألغام، لأنه دائمًا ما يشعر بالقلق والتوتر، ودائمًا ما يسعى إلى إرضاء الناس دون أن يصل إلى ذلك الهدف الوهمي، وقد تظن أن الباحث عن الكمال سيصل إلى أهدافه، ويحقق التميز، وإن كانت حياته لا تخلو من التوتر والقلق، لكن المفاجئة أن الباحث عن الكمال، لا يحقق أي إنجازات على أرض الواقع، ذلك لأنه يخشى الفشل، يخشى أن يخفق أمام الناس، يخشى من ماذا سيقولون عنه؟ وكيف يظنون به؟ إن ضحايا البحث عن الكمال، يعانون من جلد الذات، التوتر، القلق والخوف من الفقدان.
والآن من حقنا عليك، أن نقدم لك المساعدة، وأن نشير لك على الحل، وفي الحقيقة، العلاج أقرب لك مما تتخيل، إنه يكمن في نفسك، كل ما عليك فعله أن تصدق نفسك، وتقتنع أنك لست بحاجة إلى كسب رضا أي شخص مهما كان، أنت بحاجة إلى حب نفسك، وأن تعلم أن علاقة من حولك بك، لا يجب أن تكون مشروطة بماذا سوف تقدم لك؟ فأنت تستحق أن تُحب لذاتك.
وعندما تصل إلى هذه النقطة، سوف تستشعر حلاوة الإنجازات حتى البسيط منها، لأنك الآن تسعى للإنجاز من أجل ذاتك، وحتى إذا كنت تسعى إلى الإنجاز من أجل الآخرين، هذا سوف يكون لأنك ترغب بمساعدتهم حقًا، لا لأنك ترغب أن ترضيهم وتسمع منهم المديح.
أنت بشرٌ، لا مشروع استثماريًا يجب أن يكون متكامل الأركان، ويجلب أكبر العوائد، فنحن لسنا بحاجة إلى الكمال، فقط نحتاج الحُب، والحُب لا يكون حُبًا إذا كان مشروطًا ومرهونًا بماذا سوف نُقدِّم لمن نُحِبُ؟
** محامٍ بولاية صحار
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«الأسلحة الفتاكة» تمنح الشارقة صك التميز الآسيوي
عمرو عبيد (القاهرة)
أخبار ذات صلةبرزت بعض الإحصاءات الرقمية الفنية، خلال رحلة الشارقة نحو اللقب الآسيوي، لعل أهمها يتمثّل في امتلاك الفريق جبهة يُسرى «فتّاكة»، برعت في المساهمة بتسجيل وصناعة الأهداف، خاصة في المباراة النهائية، وقدّمت للفريق طوال البطولة، 9 أهداف، تُمثّل نسبة 45% من إجمالي حصاده الهجومي، مقابل 6 أهداف عبر الطرف الأيمن، و5 من العمق. وغلبت السُرعة المُعتادة في «تكتيك كوزمين» على الصورة الفنية العامة لأداء الشارقة في البطولة الآسيوية، حيث أسهمت الهجمات والتحولات السريعة، سواء عبر الهجوم المُنظم أو المُرتدات، وكذلك الضغط العالي المتقدم، في تسجيل 9 أهداف من إجمالي أهداف «الحركة» الـ17، بنسبة 53%، مقابل 47% لأهداف الهجمات هادئة الإيقاع نسبياً، وكانت الركلات الثابتة قد أهدت الفريق 3 أهداف في تلك البطولة. «الملك» امتلك تركيزاً ذهنياً وبدنياً لافتاً في المعركة الآسيوية، بدليل أنه أحرز النسبة الأكبر من أهدافه بين الدقيقتين، 61 و75، بإجمالي 7 أهداف تُمثّل 35% من الحصاد الإجمالي، ولم يغب الفريق عن هز شباك منافسيه في أي من فترات المباريات، حيث سجّل 13 هدفاً في الأشواط الثانية، مقابل 7 في الأولى، مُقسّمة بنسب مقبولة عبر فتراتها، كان أقلها في ربع الساعة الأول، بواقع هدف وحيد. وتؤكد الإحصاءات الفنية على قدرات لاعبي الشارقة الهجومية المتميزة، التي مكنتهم من اختراق دفاعات أغلب المنافسين، وتسجيل 18 هدفاً داخل منطقة الجزاء، منها 6 في أقصى نقاط العمق الدفاعي، الـ6 ياردات، ولم يمنع ذلك إحراز هدفين بعيدي المدى من خارج منطقة الجزاء، أحدهما من ركلة حُرة مُباشرة بواسطة كايو، بجانب «صاروخ مُتحرك» من لوان بيريرا. الشارقة سجّل أغلب أهدافه عبر أقدام لاعبيه، بواقع 12 باليُمنى، و6 باليُسرى، مقابل هدفين بالرأس، وكان اللافت بشدة في تكتيك الفريق، حالة التناغم والثنائيات الهجومية الرائعة، المتنوعة، بعدما صنع اللاعبون 13 هدفاً عبر التمريرات البينية والقصيرة والألعاب الثُنائية، بنسبة 65% من الحصاد الهجومي، الذي شهد أيضاً تسجيل الأهداف بواسطة التمريرات الطولية في مرتين، و5 أهداف من الكرات العرضية. وظهر كايو لوكاس في نُسخة «خارقة» غير عادية، مكنته من الحصول باستحقاق على جائزة أفضل لاعب في البطولة، وساهم كايو في تسجيل وصناعة 9 أهداف، بنسبة 45% من حصاد الفريق الإجمالي، وتساوى مع لوان بيريرا فوق قمة الهدافين بـ5 أهداف، وكذلك الأمر مع خالد الظنحاني فوق قمة الصُنّاع بـ4 تمريرات حاسمة، لكن كايو تفوّق بالمشاركة المُباشرة في 4 من 6 أهداف حاسمة، خلال مسيرة الشارقة نحو اللقب، أبرزها صناعة هدف التتويج ولُعبة الهدف الأول أيضاً، وقبلها صناعة هدف التأهل القاتل إلى النهائي، كما سجّل هدف الفوز خارج الديار على الحُسين الأردني في دور الـ16، وكذلك هدف التعادل أمام شباب الأهلي في رُبع النهائي.