بقلم د. معاوية الفكي يحيى الضو
في ٦ مايو ٢٠٢٥م

في ظل وصول حرب السودان العبثية هذا المنحنى الخطير باستخدام مسيرات استراتيجية تتحكم فيها نظم الذكاء الاصطناعي، والتي تصيب اهدافها بدقة وبكل امان بدون ان تسقطها اي مضادات دفاعية، كما حصل في بورتسودان خلال الثلاثة ايام الماضية، يضعنا امام اسئلة حقيقية، ومثلا دون اي عواطف او دوافع ايدلوجية او أغراض سياسية مسبقة، امام تساؤل هام جدا وهو كالاتي:

*"اذا كان الدعم السريع يملك هذه المسيرات الاستراتيجية، وكان يحاول الايستلاء على مدينة الفاشر ويحاول الانقضاض على القاعدة العسكرية فيها، فلماذا لم يستخدمها في الفاشر واستخدمها الان في مواقع عسكرية واستراتيجية في مدينة بورتسودان!؟"*

وهنالك تساؤل ايضا هام جدا، سوف نطرحه على انفسنا اولا وايضا على طرفي الحرب وعلى كل الاطراف السياسية و العسكرية التي تقاتل اما داعمة للجيش او للدعم السريع، وايضا على الاطراف التي تقف على مسافة واحدة بين الطرفين، وهو كالاتي:

*"ماهي الرسائل المستفادة من وصول هذه الحرب لهذا المستوى، والتي نشهدها عندما قام الدعم السريع باستهدافه للمناطق الحساسة والاستراتيجية في مدينة بورتسودان في هذا الوقت بالذات وماهي الدلائل والمآلات على حرب السودان بعد هذا الاستهداف!؟"*

في اعتقادي الجازم للاجابة على هذه التساؤلات اعلاه لابد ان نكون مسلحين بصفات هامة، ودونها لانستطيع اجابات صحيحة وقاطعة، وايضا لابد ان نستدرك الاحداث القريبة جدا من هذه الاحداث الحالية، التي غيرت من دينماكية الحرب، وهي ببساطة شديدة تتلخص في الاتي:

*"في اعتقادي هنالك صفتين لابد ان نملكهما اولها ان نكون بعيدين وغير متاثيرين بدعم اي طرفي من طرفي الحرب، ثانيهما ان نكون متابعين دقيقين لكل احداث هذه الحرب ومآلاتها منذ يوم ١٥ ابريل، وهنالك حدثين هامين لابد ان ناخذهما في اعتبارنا، اولهما تأخر اعلان الحكومة الموازية وتعثر وجودها بشكل فاعل على الساحة السياسية الحالية، وثانيهما هو المحاولات الاخيرة للجيش السوداني في الهجوم و تحييد مطار نيالا، الذي اتهمت الدعم السريع باستخدامه اذا قامت الحكومة الموازية ضدها.

"*

الان لكل من وهبه الحق سبحانه وتعالى عقل وقلب سليمين، وهو يقرأ هذا المقال ويتصف بالصفتين اعلاه، يستطيع بكل بساطة الوصول والاتفاق معي على هذه الرسائل والدلائل التي سوف اطرحها عليكم ادناه.

اول الدلائل هي وصول الحرب العبثية لمرحلة النضوج، كما يصل الانسان النضوج عند الاربعين، وهذه المرحلة بالطبع سوف تتبعها مرحلة الشيخوخة، التي سوف تقوقع الحرب عند نقطة انتهاء، اما هذه المرحلة التي وصلتها الحرب الان هي مرحلة خطيرة جدا جدا، وهي مرحلة الحرب بمسيرات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة للتصدي لها، اي مرحلة الحرب الجوية، بعد ان كبر الطرفين، من مرحلة الشباب، وهي مرحلة حرب المدن.

وهنالك دلالة اخرى هامة جدا، ومرتبطة بشكل مباشر باستمرار الفشل والتعثر في قيام الحكومة الموازية وايضا فشل الموقعين على ميثاق نيروبي اقناع الشعب السوداني بها او اقناع المجتمع الاممي بها، وايضا نجاح الجيش السوداني لحد ما في تحييد مطار نيالا، وهي وصول الدعم السريع مرحلة الحقد على كل ماهو يدعم هذا الفشل والتحيد، فمن الملاحظ انهم بدأوا في تدمير المنشأت الاستراتيجية والعسكرية مثل مطار بورتسودان و مخازن الوقود وحتى الفندق الذي اصابته مسيرة ياتي ضمن هذا الحقد وهذه الرسالة.

وهنالك رسالة هامة جدا مفروض ان تصل في بريد كل الاطراف وخصوصا طرفي الحرب، والاطراف السياسية والعسكرية التي تدعم طرفي الحرب، وهي نفسها الرسالة التي حاولنا توصيلها لهم دون مسيرات ودون تدمير ودون حرق ضمن رؤيتنا التي طرحناها يوم ١٥ ابريل ٢٠٢٥م، وهي بكل ببساطة:

*"انتهى الدرس يا اغبياء ولابد لكم الان من قبول الاخر وايقاف الحرب بينكما، قبل ان تدخلوا في سن الشيخوخة بعد بضع سنوات، ويتدخل الاخرون وانتم شيوخ في السياسة والعسكرية ويجبروكم على التوقف عن هذه الحرب العبثية بينكما كابناء وطن واحد."*  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع طرفی الحرب لابد ان

إقرأ أيضاً:

معركة ما بعد الحرب.. التعافي النفسي والاجتماعي في جنوب لبنان

جنوب لبنان- لم تكن الغارة الإسرائيلية التي استهدفت منزل افتكار عطية مجرد صاروخ أُطلق من طائرة حربية إسرائيلية، بل كانت لحظة بددت سكون صباح بلدة كفر حمام في جنوب لبنان، واقتحمت وجدانها بلا استئذان، واستقرت في أعماقها حتى اليوم.

تروي افتكار للجزيرة نت تفاصيل تلك اللحظة "كان الوقت يقترب من العاشرة صباحا، كنا داخل المنزل، أنا وأمي وأختي، حين باغتنا صوت الانفجار، لم ندرِ ما الذي جرى، أُصبنا جميعا، ومنذ تلك اللحظة تغيّر كل شيء، لم تعد الحياة تُقاس بالأيام بل بما قبل الغارة وما بعدها".

منذ ذلك اليوم، لم تعد افتكار ترى العالم كما كانت، تسلل الخوف إلى يومياتها، وصارت الأصوات العابرة كطرقات الباب أو صوت سيارة كفيلة بإعادتها إلى تلك اللحظة، وكأن الزمن توقف هناك. وبصوت يتهدج تضيف "إذا سمعتُ أي صوت، أرتعب، أخاف وأشعر أن الغارة بدأت من جديد".

بلدة "كفر حمام" جنوب لبنان طالها العدوان الإسرائيلي الأخير (الجزيرة) جراح تتجدد

لم تكن تلك الغارة أول صفعة من هذه الحرب في حياة افتكار، فقبل نحو 20 يوما من بدء العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان فقدت والدها، أما شقيقها فقد استُشهد قبل 36 عاما، جراح تتوارثها الذاكرة وأخرى تنزف كل يوم. وتقول بأسى "ما زلت متأثرة، الجراح لا تزال مفتوحة ولا شيء جميلا في هذه الحياة".

رغم كل شيء، اختارت افتكار العودة إلى منزلها المتضرر لترميمه حجرا فوق آخر، مثل كثيرين من أبناء الجنوب الذين يرممون بيوتهم لعلهم يرممون شيئا من أرواحهم، لكنها تدرك جيدا أن إصلاح الجدران أسهل بكثير من استعادة الطمأنينة.

وتهمس بكلمات أثقلها التعب "ننام ونصحو على خوف، هذه ليست لحظة عابرة بل معاناة يومية"، وهي تعاني من أكثر من إصابات جسدية، فالغارة خلفت فيها ما تصفه بـ"الكسور الداخلية" التي تنخر حياتها اليومية، وتشير إلى أن القلق يرافقها في كل لحظة حتى تلك التي يُفترض أن تكون آمنة، وأن النوم أصبح ترفا بعيد المنال.

إعلان

وتشرح بصوت خافت "أشعر أنني لست بخير، أبكي كثيرا، أتشتت من دون سبب، أنسى ما كنت أريد فعله أو قوله حتى صوتي تغير، ونظرتي للحياة تغيرت". وتلقت زيارات دعم نفسي، لكنها ترى أنها لم تكن كافية، "ربما أحتاج إلى وقت طويل أو إلى معجزة، كي أستعيد شيئا من نفسي".

ورغم كل هذه الخسارات، ما زال في قلبها حيز صغير للأمل، وتقول "أتمنى من الله أن يخفف عنا، وأن يأتي جيل لا يرى ما رأيناه نحن من ألم ورعب وبشاعة لحظات لا توصف"، وتتقاطع مشاعرها بين الامتنان والخذلان، وتضيف "الحمد لله أننا خرجنا من البيت أحياء، لم تُقطع أيدينا ولا أرجلنا، وهذه نعمة".

ثم تسكت لحظة، قبل أن تتابع "لكن الحياة فقدت طعمها، ماذا يمكنني أن أقول أكثر من ذلك؟ من الصعب على الإنسان أن يعبّر عن ألمه، الأمر بالغ الصعوبة".

افتكار عطية تعاني أزمة نفسية حادة بعد انتهاء الحرب على جنوب لبنان (الجزيرة) حطام داخلي

لم يكن نبيل عيسى (45 عاما) يتوقع أن يغادر منزله في بلدة عيترون الجنوبية من دون وداع، لا لذكرياته ولا لجدران بيته، لكنه اضطر إلى الرحيل على عجل بعدما غطى الدخان سماء البلدة، وتحول بيته إلى كومة من الركام.

رغم أن جسده لم يصب ولم يفقد أحدا من أفراد أسرته المباشرة، إلا أن شيئا عميقا تحطم في داخله، ويقول للجزيرة نت "أشعر وكأن سمعي لم يعد كما كان، ليس في أذني خلل بل في رأسي، أسمع الناس وكأنهم بعيدون وكأن بيني وبينهم مسافة لا تُقاس".

ثم يضيف بصوت متهدج "بات الهدوء يرعبني أكثر من الضجيج وعندما تختفي الأصوات ينتابني شعور بأن الصمت ليس إلا مقدمة لصاروخ قادم".

منذ توقف القصف تغيّر نبيل، صار قليل الكلام، كثير الشرود. زوجته وأطفاله لاحظوا ذلك، لكنه يتجنب الحديث عن مشاعره، ويقول "لم أعد أثق بالكلام، الحرب علمتنا أن نكتم، أن نحمل أوجاعنا بصمت، لأن لا أحد يفهم حجم هذا الألم".

صار القلق رفيق يومياته، لا يغيب عن باله، ولا يترك له لحظة سكينة، ويؤكد "لم أعد أحتمل الأخبار، كل شيء فيها يعيدني إلى تلك الأيام: الأصوات، والتحليلات، والصور، أشعر أنني ما زلت عالقا هناك، لا أستطيع الخروج".

قبل شهر فقط، عاد نبيل إلى عيترون ليتفقد أرضه، وقف أمام أنقاض بيته وراح يتأمل بقاياه بصمت، ويقول "حاولت أن أشعر بشيء، حزن، غضب، حتى حنين، لكني شعرت فقط بالفراغ، كأن قلبي تُرك تحت الركام".

وفي نهاية الحديث، تنزلق الكلمات من فمه كأنها تخرج من جرح "لا أريد شيئا كبيرا، فقط أن أنام ليلة واحدة من دون أن أرى بيتنا يُقصف، أو أن أركض حافيا في الشارع وأنا أبحث عن أطفالي". يصمت لبرهة، ثم يختم "كنا نظن أن الحرب تنتهي حين تتوقف الصواريخ لكننا كنا مخطئين، هناك حرب أخرى تبدأ بعد الهدنة".

بلدة عيترون شيعت 104 شهداء سقطوا خلال العدوان الإسرائيلي الأخير (الجزيرة) رعاية نفسية

وتؤكد رئيسة جمعية "هَنا للتنمية" في لبنان نوال محمود، للجزيرة نت، على أهمية تقديم الدعم النفسي للعائلات النازحة من الجنوب اللبناني خصوصا للأطفال الذين يعانون من آثار الصدمة.

وتوضح أن الجمعية نفذت عدة أنشطة ضمن برنامج الدعم النفسي والاجتماعي، استهدفت الأطفال والأسر لمساعدتهم على تجاوز الصدمات النفسية والتكيف مع الظروف الصعبة الناتجة عن النزوح.

ولاحظت الجمعية -وفقا لها- التأثيرات السلبية العميقة للأزمات النفسية كالهلع وفقدان الأحبة على حياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية، والتي تجلّت في مظاهر مثل العزلة الاجتماعية، وصعوبات في التواصل، إلى جانب مشاكل صحية كاضطرابات النوم، ومشاكل في الهضم، وضيق في التنفس.

إعلان

وساهمت أنشطة الدعم النفسي -حسب محمود- في تعزيز الصحة النفسية لدى النازحين والمجتمع المضيف، كما ساعدت على تقوية العلاقات الاجتماعية، وأصبح بعض المستفيدين من هذه البرامج قادة ومتطوعين في الجمعية، يقدّمون بدورهم الدعم للآخرين، بعد أن اكتسبوا القدرة على مواجهة التحديات.

وترى أن هذه البرامج يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من خطط التعافي والتنمية، إذ إن الأزمات التي يواجهها السكان، ولا سيما الأطفال وذوو الإعاقة، تترك آثارا نفسية عميقة يجب أخذها بعين الاعتبار عند وضع السياسات والخطط المستقبلية.

وتؤكد الناشطة نوال محمود أن أنشطة وبرامج الدعم النفسي تلعب دورا حيويا في تعزيز قدرة الأفراد على التكيف مع التحديات وتحقيق الإنجازات.

مقالات مشابهة

  • تحركات مثيرة لعناصر الدعم السريع في دولة مجاورة للسودان
  • الجيش السوداني يؤكد استقرار الأوضاع بالفاشر.. ويدعو لعدم مغادرة المدينة
  • تحرير 35 مخالفة خلال حملة تموينية على مخابز بالغربية
  • انقلاب ميداني في إقليم كردفان: الجيش السوداني يعلن التقدم والسيطرة على مناطق جديدة وهروب قوات الدعم السريع
  • تركوا جثثهم وهربوا.. درموت يسرد تفاصيل معركة الجيش السوداني ضد الدعم السريع
  • إعتقال صحفي سوداني في معبر أرقين بتهمة التعاون مع الدعم السريع
  • ضبط وإحضار شخصين من طرفي مشاجرة عين شمس.. والنيابة تواصل التحقيقات
  • تحرير 10 محاضر ضد أصحاب المخابز المخالفة بالغربية
  • معركة ما بعد الحرب.. التعافي النفسي والاجتماعي في جنوب لبنان
  • الجيش الاسرائيلي يعلن استهداف عشرات المنشآت العسكرية الإيرانية بالغارات الأخيرة