أنقرة- في منعطف قد يُعيد رسم توازنات السياسة والأمن في تركيا، أعلن حزب العمال الكردستاني، الجمعة، عقد مؤتمره الثاني عشر في جبال قنديل شمالي العراق، استجابة لدعوة زعيمه المعتقل عبد الله أوجلان، لاتخاذ ما وُصفت بأنها "قرارات تاريخية" تمهد لحل الحزب وإنهاء تمرده المسلح المستمر منذ 4 عقود.

ويُنظر إلى هذا التطور، الذي جاء في بيان نشرته وكالة "فرات" المقربة من الحزب، على أنه فرصة نادرة لفتح صفحة جديدة في علاقة الدولة التركية مع المكون الكردي، بعدما أودى الصراع بحياة أكثر من 40 ألف شخص منذ اندلاعه عام 1984.

ووصف البيان الختامي مخرجات المؤتمر بأنها "قرارات ذات أهمية تاريخية"، مؤكدا أنها ستنشر قريبا بعد دمج نتائج اجتماعين متزامنين عقدا في منطقتين مختلفتين.

وكانت تساؤلات قد أُثيرت عما إذا كان أوجلان قد شارك فعليا في أعمال المؤتمر، لا سيما بعد مطالبة الحزب سابقا بمنحه فرصة لرئاسة المؤتمر. ورغم عدم صدور بيان رسمي يؤكد أو ينفي حضوره، رجحت برفين بولدان، النائبة عن حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، إمكانية أن يكون الزعيم الكردي شارك عبر "اتصال فني".

من جهته، صرح رمزي كارتال، الرئيس المشارك لمؤتمر المجتمع الكردستاني، لوسائل إعلام مقربة من الحزب، بأن أوجلان شارك في المؤتمر من خلال مكالمة هاتفية.

إعلان

ترقب حذر في أنقرة

رغم غياب إعلان رسمي من الحكومة بشأن قرارات المؤتمر، تعكس المؤشرات السياسية متابعة دقيقة لما يجري واستعدادا لتحرك محسوب إذا تأكدت نوايا الحزب.

وفي اجتماع لحزب العدالة والتنمية الخميس، قال رجب طيب أردوغان "تغلبنا على العقبات، وسيلقي حزب العمال الكردستاني سلاحه اليوم أو غدا، وسيُحل التنظيم. وبعد ذلك، سيبدأ عهد جديد لنا جميعا".

ورغم الأجواء الإيجابية، بدا المسؤولون الأتراك حذرين في التعاطي مع إعلان المؤتمر. وأشار وزير الخارجية هاكان فيدان، في مقابلة تلفزيونية الجمعة، إلى أن أنقرة لا تزال تنتظر موقفا رسميا من قيادة الحزب، مضيفا أن التخلي عن السلاح، وإن كان ضروريا، لا يكفي ما لم يُرفق بتفكيك كامل لبنية التنظيم، بما في ذلك نشاطاته الأمنية والاستخباراتية. وأوضح "قيل إن الإعلان سيكون اليوم، لكن يبدو أننا سننتظر أكثر لسماع الرد الرسمي".

وقال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، حسن بصري يالتشين، إن البيان المنتظر من الحزب يجب أن يتجاوز الشعارات، ويترجم في خطوات واضحة تبدأ بالتفكيك التام وإنهاء الصراع المسلح.

في المقابل، رحب حزب "الديمقراطية والمساواة للشعوب" بمخرجات المؤتمر، واعتبرها خطوة نوعية نحو إنهاء الصراع، مطالبا باستثمار اللحظة في تأسيس مسار تفاوضي دائم، يقوم على الحوار والاعتراف المتبادل بالحقوق.

وعلى الجبهة المعارضة، تُبقي أحزاب كبرى مثل حزب الشعب الجمهوري على موقف متحفظ، إذ لم تصدر حتى الآن مواقف رسمية داعمة أو معترضة على المسار الجاري.

وفي السياق، تواصلت الجزيرة نت مع قيادة حزب الشعب الجمهوري للحصول على تعليق رسمي، إلا أن الحزب اختار عدم الإدلاء بأي موقف في هذه المرحلة.

 

حزب العمال الكردستاني أعلن تنظيم مؤتمره استجابة لدعوة زعيمه بحل نفسه وتسليم السلاح (غيتي) تفاهم غير معلن

في غياب إعلان رسمي عن اتفاق مكتوب بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني، تتقاطع مؤشرات سياسية وأمنية لترسم ملامح تفاهم غير معلن بين الجانبين، بدأت تتبلور خلال الأشهر الماضية عبر وساطات حزبية وقنوات أمنية.

إعلان

وحددت الدولة التركية منذ البداية موقفا رافضا لأي تواصل مباشر مع حزب العمال الكردستاني، معتبرة أن التنظيم لا يملك شرعية، وأن ما يُسمى بالقضية الكردية لا يُناقش خارج إطار مكافحة الإرهاب.

والموقف عبر عنه تحالف "الجمهور" الحاكم مرات عديدة، كان أبرزها خطاب زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي في البرلمان في أكتوبر/تشرين الأول، إذ أكد أن الحوار مع من وصفهم "بالإرهابيين" غير وارد.

لكن اللافت أن بهتشلي ألمح في الخطاب نفسه إلى إمكانية دراسة "تسهيلات قانونية" لأوجلان، أو عفو مشروط، إذا أعلن حل الحزب ووقف التمرد، في إشارة فُسرت باعتبارها أول تليين للخطاب القومي تجاهه منذ سنوات.

وزير الخارجية التركي: نود أن نرى بيئة تمنح حقوقا متساوية لكل المكونات الإثنية والدينية للشعب السوري، وننتظر أن يلبي حزب العمال الكردستاني النداء لإلقاء السلاح ويتوقف عن زعزعة أمن المنطقة#الأخبار pic.twitter.com/w4gb57jBbw

— قناة الجزيرة (@AJArabic) April 27, 2025

وطرحت أنقرة شروطا أمنية صارمة منذ بدء العملية السياسية، تمثلت في:

تفكيك التنظيم، وتسليم السلاح، وإغلاق معسكرات قنديل، ووقف أي نشاط مسلح داخل تركيا وخارجها، خاصة في شمال العراق وسوريا.

وعلى الأرض، تحركت أنقرة بالتنسيق مع بغداد وأربيل لتحجيم وجود الحزب، في تحرك تُوّج بإعلان الحكومة العراقية إدراج "العمال الكردستاني" ضمن المنظمات المحظورة لأول مرة.

لكن حزب العمال الكردستاني لم يُبد قبولا غير مشروط، ففي تصريحات للقيادي جميل بايك في أبريل/نيسان الماضي شدد على أن القيادة مستعدة للعودة إلى تركيا وإنهاء الصراع، بشرط رفع "العزلة المشددة" عن أوجلان، والسماح له بلعب دور سياسي. وقال إن "العودة من دون ضمانات تعني السجن، ولا أحد يقبل بذلك".

ووفق مصادر كردية، فإن مطالب الحزب تشمل:

إعلان السماح لأوجلان بلقاء محاميه وممثلي الأحزاب الكردية بانتظام، وهو ما بدأ جزئيا منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، مع استئناف زيارات وفود حزب "ديم" إلى سجن إمرالي. تحسين شروط اعتقاله أو منحه وضعا قانونيا خاصا. ضمانات للعناصر العائدة من قنديل، من خلال برنامج عفو أو دمج مدني، خاصة لمن لم يتورطوا في أعمال عنف. إصلاحات قضائية تعيد النظر في ملفات المعتقلين بتهم الانتماء للحزب. حماية الحريات الثقافية والسياسية، خصوصا ما يتصل باللغة الكردية في التعليم. وقف عزل رؤساء البلديات المنتخبين من أحزاب مؤيدة للأكراد.

 

اختبار جديد

يرى المحلل السياسي محمود علوش أن الخطوة التي اتخذها حزب العمال الكردستاني، إذا أُتبعت بخطوات متبادلة، قد تشكل لحظة مفصلية في العلاقة بين الدولة التركية والمكون الكردي، وفرصة نادرة لمعالجة أزمة أمنية مزمنة استنزفت تركيا طوال عقود.

ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذه المرحلة قد تُحدث تحولا جوهريا في البيئة الأمنية، لكنها لا تعني نهايتها، في ظل استمرار تحديات أمنية متجذرة في الداخل والخارج.

ويُحذر علوش من التعويل المفرط على الخطوة الراهنة، مستشهدا بانهيار عملية السلام السابقة بعد عامين من إطلاقها، ومؤكدا أن نجاح المسار الجديد يعتمد على ما إذا كان سيحدث تحولا حقيقيا في العلاقة بين الدولة والأكراد.

ويضيف أن مشكلة "إرهاب حزب العمال" لم تكن عبئا داخليا فقط، بل أثرت أيضا على علاقات تركيا الإقليمية، وأن الظروف الحالية -داخليا وخارجيا- توفر مناخا داعما نسبيا لمسار السلام. ولكنه يشدد على أن الغموض لا يزال يكتنف المسار السياسي المتوقع، وأن تعقيدات الحالة الكردية في الإقليم، خاصة في العراق وسوريا، تبقي التأثيرات الخارجية حاضرة ومربكة في معادلة الداخل التركي.

جنود حزب العمال الكردستاني في معسكر تدريب عسكري (غيتي) تحول حذر

من جانبه، يرى المحلل السياسي التركي ماهر أوتشبونار أن التوافق الظاهر داخل قيادة حزب العمال الكردستاني بشأن دعوة أوجلان لنزع السلاح يعكس نضجا غير مسبوق، لكنه لا يعني أن مسار السلام سيكون سهلا، مشيرا إلى احتمال وجود تيارات داخل التنظيم قد تعرقل العملية.

وأضاف أوتشبونار، في حديث للجزيرة نت، أن وقف إطلاق النار المستمر منذ مارس/آذار الماضي بدأ ينعكس إيجابا على الأوضاع الأمنية في جنوب شرقي البلاد، وقد يمهد لجذب استثمارات وتنمية اقتصادية شاملة.

وحذر من أن تفكيك البنية العسكرية للحزب وتسوية أوضاع مقاتليه يتطلب ترتيبات قانونية دقيقة، لتفادي أي انتكاسة أمنية. كما أشار إلى أن الحكومة ستواجه ضغوطا من الأوساط القومية الرافضة لأي تنازلات، مقابل مطالب كردية متزايدة برفع القيود عن العمل السياسي.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات حزب العمال الکردستانی الدولة الترکیة

إقرأ أيضاً:

الهدف الحقيقي لأمريكا ليس طهران بل بريكس والصين

بقلم: جوني أوزتورك

أنقرة (زمان التركية) – إن الصواريخ التي أُطلقت على إيران استهدفت في الواقع قلب مجموعة بريكس. تريد أمريكا تعطيل النظام متعدد الأقطاب عن طريق تفتيت خط الطاقة والتجارة بين روسيا وإيران والصين. وترى واشنطن أن بريكس، التي تؤسس لاقتصادات خارج سيطرة الدولار وشبكات بديلة لصندوق النقد الدولي، تمثل تهديدًا. والهجوم على إيران هو الفصل الثاني من هذه المواجهة العالمية، بعد أوكرانيا.

تدخلت أمريكا أمس في الصراع الإسرائيلي الإيراني. لكن هذا الصراع هو جزء من حرب أكبر بكثير: حرب أمريكا لوقف بريكس. تأسست مجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) في عام 2006. واعتبارًا من عام 2024، وصل عدد أعضائها إلى 10 دول: بما في ذلك مصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وتمثل المجموعة إجمالي 40% من سكان العالم و30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

لكن ما يزعج الغرب حقًا ليس هذا. فمجموعة بريكس تسعى إلى كسر هيمنة الدولار، وإنشاء آليات مالية بديلة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وإبرام اتفاقيات مباشرة للطاقة والتجارة، وإنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب. هذا هو بالضبط ما تعتبره واشنطن “تهديدًا وجوديًا”.

إن سعي واشنطن لإضعاف روسيا أولاً عبر أوكرانيا، والآن إيران عبر إسرائيل، ليس من قبيل المصادفة. فكلا البلدين يشكلان، جنبًا إلى جنب مع الصين، العمود الفقري لمجموعة بريكس بما يمتلكانه من موارد الطاقة والعناصر الأرضية النادرة والمواقع الجغرافية الاستراتيجية. تحاول الولايات المتحدة، من خلال إضعاف هذه الدول، قطع أمن الطاقة الصيني وخط “الحزام والطريق” (المشروع الصيني الذي بدأ عام 2013 لربط الصين بالعالم كله عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا من خلال شبكات الطرق والسكك الحديدية والبحرية والطاقة).

حتى الدائرة المقربة من ترامب تقول علانية إن هذه الحرب لا تتعلق بالبرنامج النووي، بل بتغيير النظام. إخضاع إيران، عزل الصين، إثارة الفوضى في روسيا: هذا هو “الثالوث المقدس” للاستراتيجية الإمبريالية.

تعد إيران ذات أهمية بالغة في جانب الطاقة لهذا النظام. فهي مفتاح أمن النفط الصيني عبر مضيق هرمز، والتعاون النووي مع روسيا، وممرات آسيا الوسطى. وتعطيلها يعني إضعاف بكين. وروسيا بالفعل تتعرض لضغوط بسبب حرب أوكرانيا.

تركيا ليست عضوًا في بريكس، لكنها قدمت طلبًا للانضمام. ويحضر الرئيس رجب طيب أردوغان جميع اجتماعات المجموعة. لأن أنقرة أيضًا ترحب بالشبكات الاقتصادية الجديدة التي لا تعتمد على صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي.

وبالنظر إلى هذا المشهد، فإن الهجوم الصاروخي الإسرائيلي ليس مجرد جزء من أزمة إقليمية، بل هو جزء من صراع نظام عالمي جديد. فالأسلحة تنفجر في إيران، لكن خريطة الأهداف أوسع بكثير: موسكو، بكين، وربما يومًا ما… أنقرة.

 

Tags: أمريكاالصينالولايات المتحدةبريكسواشنطن

مقالات مشابهة

  • هل يعود كليتشدار أوغلو إلى رئاسة حزب الشعب الجمهوري؟
  • أنا كمال.. أنا قادم! أزمة المؤتمر تتصاعد في حزب الشعب الجمهوري
  • جيف بيزوس ولورين سانشيز يحتفلان بـ"زفاف القرن" في البندقية: تفاصيل الحدث المرتقب
  • هل يعود كيليتشدار أوغلو لرئاسة حزب الشعب الجمهوري؟
  • أردوغان وترامب يجتمعان اليوم على هامش قمة الناتو
  • مشجعة حسناء تحدق بسالم الدوسري برومانسية والجماهير: نسى الكأس وشاف شي أحلى.. فيديو
  • الهدف الحقيقي لأمريكا ليس طهران بل بريكس والصين
  • مدير مكتب الجزيرة بطهران يوضح.. لماذا تأخر رد إيران وما شكله المرتقب؟
  • المحكمة تنظر ثالث جلسات محاكمة “أنوسة كوتة” بتهمة الإهمال
  • بغداد تطالب أنقرة بالإطلاقات المائية واستئناف تصدير النفط والأخيرة تطلق وعداً