11 مايو، 2025

بغداد/المسلة:

وليد الطائي

خور عبد الله ليس مجرد ممر مائي ضيق يفصل العراق عن الكويت، بل أصبح رمزًا لملف معقّد تتداخل فيه السيادة الوطنية، والتنازلات السياسية، والتوازنات الإقليمية. فمنذ عام 1993، حين صدرت قرارات مجلس الأمن التي أعادت ترسيم الحدود بين العراق والكويت بعد غزو 1990، بقيت هذه المنطقة بؤرة للجدل، والغضب الشعبي، والإحساس العميق بالغبن.

في عام 2013، فجّر تصديق البرلمان العراقي على اتفاقية “تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله” غضبًا واسعًا في الشارع العراقي. شعر الكثير من العراقيين، وخاصة في البصرة، أن جزءًا من السيادة قد تم التنازل عنه تحت ذرائع “التعاون الدولي” و”حسن الجوار”. فالاتفاقية، بحسب المنتقدين، ثبّتت واقعًا جائرًا رسمته قرارات دولية في ظل ظروف كان العراق فيها ضعيفًا ومجروح السيادة.

أين كانت السيادة عندما تم إقرار الاتفاقية؟ لماذا لم تُطرح للنقاش الوطني الحقيقي؟ لماذا تُسلَّم المواقع البحرية والموانئ تدريجيًا دون مقاومة تُذكر؟ أسئلة كثيرة ظلّت دون أجوبة، وسط صمت رسمي وتبريرات دبلوماسية لا تقنع الشارع، الذي يرى في كل خطوة كهذه تنازلًا يكرّس حالة الضعف والتبعية.

الكويت، من جانبها، لعبت أوراقها بذكاء وبدعم دولي، مستفيدة من الشرعية التي وفّرها لها مجلس الأمن. بينما العراق، المثقل بالفساد والانقسام والضعف السياسي، وجد نفسه يعاني من سوء التفاوض وضياع الملفات الوطنية الكبرى.

ليس الجُرم في الاتفاقية بحد ذاتها، بل في الطريقة التي تم تمريرها بها، والسكوت المخجل عنها. فلو كانت الحكومة العراقية قوية، وذات إرادة تمثل فعليًا مصالح العراقيين، لكان من الممكن التفاوض على ترتيبات أكثر عدالة تحفظ الحقوق ولا تفرّط بالسيادة.

الشارع العراقي لا يحتاج إلى مزيد من الخطب، بل إلى وقفة حقيقية لاسترجاع ما يمكن استرجاعه، أو على الأقل وقف مسلسل التنازلات الذي لا يبدو له نهاية. فخور عبد الله ليس نهاية الطريق، بل هو محطة من سلسلة طويلة من قضايا لم تُحسم لا بالعدل ولا بالقانون، بل بميزان القوى السياسية والدولية.

وفي النهاية، خور عبد الله لم يُسرق فقط من الجغرافيا العراقية، بل من ضمير ممثلي الشعب، ومن عزيمة الحكومات التي نسيت أن من لا يحمي حدوده، لا يحمي كرامته.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

المصدر: المسلة

كلمات دلالية: خور عبد الله

إقرأ أيضاً:

اقتصادي: القروض في العراق ضمن قائمة القروض غير المنتجة

9 مايو، 2025

بغداد/المسلة: كشف المختص بالشأن الاقتصادي منار العبيدي ان اجمالي الائتمان النقدي الممنوح من قبل المؤسسات المصرفية العاملة في العراق بلغ نحو 73 تريليون دينار عراقي، توزعت على عدة أنشطة اقتصادية.

وقال العبيدي في تدوينة، ان القروض الشخصية والخدمات المجتمعية استحوذت على الحصة الأكبر بنسبة 45%، تليها قروض قطاع البناء والتشييد بنسبة 22%، ثم قروض تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 18.5%..

وفي المقابل، لم تتجاوز القروض الموجهة إلى القطاع الصناعي نسبة 5.5%، بينما لم يحصل القطاع الزراعي سوى على 2.5% من إجمالي التسهيلات الائتمانية، ما يعكس اختلالًا واضحًا في أولويات التمويل المصرفي، بحسب العبيدي.

وأضاف ان هذا التوزيع يكشف أن ما يقارب نصف القروض المصروفة تندرج ضمن فئة القروض غير المنتجة، والتي تصنف غالبًا كقروض استهلاكية لا تسهم في خلق قيمة اقتصادية مضافة، بل تثقل كاهل المقترضين دون جدوى اقتصادية حقيقية.

وفي المقابل، لا تتجاوز نسبة الائتمان الممنوح للقطاعات الإنتاجية، كالصناعة والزراعة، 8% من إجمالي القروض، ما يعكس ضعفا مقلقا في دعم الاقتصاد الحقيقي، بحسب العبيدي الذي بين ان هذا الاتجاه يعود جزئيا إلى تركيز المصارف، خصوصا الحكومية منها، على منح قروض استهلاكية مضمونة بكفالات موظفي القطاع العام، ما يكرس ثقافة الاستهلاك ويزيد الضغط على فاتورة الاستيراد.

وتابع إن استمرار هذا النهج في التخصيص الائتماني يهدد بتعميق الهشاشة الاقتصادية، ويقلص فرص خلق تنمية مستدامة. ولذلك، يتطلب الأمر من المصارف “وخصوصا الحكومية” إعادة توجيه استراتيجياتها التمويلية نحو دعم القطاعات الإنتاجية، بما يعزز النمو، ويخفف من الاعتماد المزمن على القطاع الحكومي المثقل أصلًا بالأعباء.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • اعتراف ايراني: التهريب مستمر الى العراق بعيدا عن الإحصاءات الجمركية
  • الهوة الطبقية تنهش مجتمع العراق
  • الأسترالي أرنولد يصل إلى بغداد لقيادة منتخب العراق
  • الأمراض التي قد يشير إليها الطفح الذي يصيب أكبر عضو في الجسم
  • نائب يدعو رشيد والسوداني إلى حماية السيادة والعراق ليس للبيع
  • السوداني يوجه بإعادة فوج المتدربين من باكستان إلى العراق
  • ماأسباب انخفاض الدولار في العراق؟
  • انتخابات العراق تحت وطأة الإنفاق المنفلت
  • اقتصادي: القروض في العراق ضمن قائمة القروض غير المنتجة