غطرسة الاستكبار تتحطم على صخرة إرادة شعب الإيمان
تاريخ النشر: 11th, May 2025 GMT
يمانيون
في ميدان السبعين الشامخ، ساحة الحرية والجهاد، وفي أكثر من ألف ساحة تنضح بحناجر الأحرار في ربوع اليمن الحر، ارتفعت أصوات الجماهير المؤمنة بالتكبير لله ، معلنة فجرًا جديدًا ينبلج بوعد الحق، وتهاوت فيه أسطورة القوة الأمريكية الزائفة.
كان المشهد مهيبًا، لوحة فنية تتجسد فيها عظمة سنوات من الصمود الأسطوري، والتضحيات الجسام، والثقة الراسخة بنصر الله العزيز، كأن التاريخ يعيد صياغة سطوره على هذه الأرض الطيبة، ليكتب صفحات المجد والفخار بأحرف من نور.
في زخم هذه المسيرات المهيبة، استعاد اليمنيون كلمات القائد الملهم، السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، التي صدحت منذ بواكير المواجهة، كأنها نبوءة تتجلى اليوم بكل تفاصيلها: “قلت لكم من أول يوم وجدتكم، أن الله سبحانه وتعالى سيمكننا من رقاب أولئك الأغبياء الفجرة، أولئك الذين لا يستحون من الله ولا من خلقه.” “وها هي الأيام تشهد صدق هذه الكلمات، حيث رأى العالم بأم عينه كيف تحطمت غطرسة قوى الاستكبار على صخرة إرادة شعب مؤمن، وكيف تجلت قوة فتية آمنت بنصر الله، فكان لها ما أرادت”.
غزة في القلب.. صرخة مدوية في وجه المتخاذلين
في هذا المشهد المهيب لم تغب قضية الأمة المركزية، فلسطين وغزة الصامدة، بل كانت حاضرة بقوة في قلوب ووجدان اليمنيين. الرسائل التي ارتفعت في الميدان كانت واضحة وقوية، تحمل في طياتها غضباً مقدساً: “إن كانت غزة لا تهمهم، فويل لهم من الله سبحانه وتعالى، الله ينتقم منهم دنيا وآخرة.” مشيرين إلى أن البعد الإنساني والأخلاقي العميق لهذه المعركة بات يتجلى في أن القضية لم تعد مجرد صراع مع عدو غاشم، بل هي انتصار للحق على الباطل، وللمظلوم على الظالم، وامتداد لمعركة الأمة ضد قوى الشر التي تسعى لتمزيق وحدتها وكرامتها.
ومن تلك الساحات التي اكتظت بالملايين من اليمنيين، خرجت صرخة الثقة بالله، السلاح الأمضى، والإيمان الراسخ الذي لا يتزعزع: “أما نحن، فنحن على ثقة بالله عز وجل وبقيادتنا الرشيدة. واليوم نحتفل بانتصارنا على أمريكا يا رجل.” كلمات واثقة، يعكس من خلالها الشعب اليمني عمق إيمانه بنصر الله، وثقته بحكمة قيادته التي قادت المعركة ببصيرة وثبات، محققة نصراً مدوياً، مثل زلزال استراتيجي هز أركان الهيمنة الأمريكية في المنطقة، وأعاد رسم خرائط النفوذ.
تفكيك خطاب العدو وسخرية التاريخ
لم يفت اليمنيين استحضار سخرية التاريخ من قادة قوى العدوان، فبينما كانوا يطلقون تهديداتهم الفارغة، كان الرد اليمني يزلزل الأرض من تحت أقدامهم. “إذا كان المتكلم مجنون فالمستمع بعقله”، بهذه الحكمة الشعبية، أشارت الجماهير إلى ترامب بنبرة ساخرة “هذا رجل مهفوف، رجل تجاري مادي يريد الدولارات”، محللة ومفككة الخطاب العدواني للعدو، وكاشفة عن دوافعه المادية الرخيصة، لتظهر بوضوح زيف ادعاءاته وشعاراته البراقة. والمفاجأة كانت في الشهادات التي كشفت عن تحول جذري في موقف قوى العدوان، فـ “بشهادة العمانيين الذين شهدوا أنه جاء اليوم يطالبهم بالصلح مع الحوثي، ولأنه يعلم أن الحوثي له رجال صادقون ما عاهدوا الله عليه.” هذه الشهادة الصادقة من وسيط محايد، تكشف عن مدى الوهن الذي أصاب قوى الاستكبار، واعترافها الضمني بقوة الحق وإرادة الصمود اليمنية.
لا استجداء للأعداء
في هذا السياق، برزت قوة الإيمان العميق المتجذر في نفوس اليمنيين، جيلاً بعد جيل تربى على قيم العزة والكرامة. “والله يا ولدي، إنني قد تمنيت – وأنا في هذا العمر سبعين سنة – أن يأخذني السيد إلى فوق تلك البارجة. والله الذي لا إله إلا هو، لا أخشى شيئاً. لأن هذه إرادة وهذا دين وهذه قيم عشنا عليها وتربينا عليها، وربانا آباؤنا وأجدادنا من أجل هذا.” هذا العمق الروحي هو سر الصمود الأسطوري، جيل لا يخشى الموت في سبيل الله والعزة، بل يعتبره شهادة في سبيل الحق. بل والرسالة كانت قوية وواضحة: “فهل يعقل أننا نستجدي من تلك العاهرة التافهة؟ هل نخاف الموت؟ والله لا أحد في هذا الشعب يخاف الموت إلا أولئك الرعاة الفجرة الحقراء المرتزقة اللصوص.” رسالة صارخة مدوية تتجلى، من خلالها، عزة النفس اليمنية، ورفض الاستسلام أو الخنوع لقوى الباطل، بل التأكيد على أن الخوف هو صفة الجبناء والمرتزقة الذين باعوا ضمائرهم وأوطانهم بثمن بخس.
تحدي الصمود والعزة في وجه قوى النفاق
الغضب في وجه تلك الأبواق المأجورة التي سعت لبث الفرقة واليأس، والأصوات النشاز التي حاولت النيل من صمود الشعب اليمني هو الآخر، كان حاضراً : “الذي يحزنني منهم عندما أسمع كلامهم في تلك القنوات التابعة لأولئك المنافقين المتملقين، ذلك الرجل الفاجر الذي قال: ’24 مليون يموتوا’. كان فرحاً أن ترامب سيأتي ليأكلنا”. غضب حضر في الكلمات التي تعكس مدى الازدراء الذي يكنه الشعب اليمني للمنافقين والعملاء الذين تمنوا له الهزيمة والهلاك. غضب يضاف إليه التحدي الحاضر وبقوة: “فالآن قولوا لأبناء النفاق، هيا ليأتوا. وعيب زنادكم، لن يلاقوا منا إلا ما يسوؤهم.” تحد صارخ يعكس الثقة بالنفس والقوة، والإصرار على مواجهة قوى العدوان بكل بسالة وعزة.
دعوة للوحدة ونبذ الفرقة
وفي ميادين النصرة، كانت الرسالة واضحة للعملاء والمدجنين الذين ارتموا في أحضان قوى العدوان: “وأنا أنصح من كان في قلبه ذرة كرامة من أولئك العملاء، أولئك المدجنين في دهاليز آل سعود وفي أسطنبول وفي العمارات وفي السجون السعودية، أن يتقوا الله ويخجلوا على أنفسهم. اليوم صنعاء تقول لهم: أرض اليمن لنا جميعاً، لا داعي للتمزق، لا داعي، عدونا معروف، لقد حطمه الله عز وجل، عدونا معروف وهم اليهود.” الدعوة للوحدة ونبذ الفرقة كانت حاضرة بقوة، مصحوبة بدعوة إلى السلام والأخوة: “ارجعوا إلى طاولة الإخاء واتقوا الله، لكي لا تزجوا بأنفسكم في الخاتمة المخزية، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.” هذا التحذير الأخوي يهدف إلى إنقاذ ما تبقى من ضمائر أولئك الذين انحازوا إلى صف العدوان، وتذكيرهم بعاقبة الخيانة.
لكن على الجميع أن يدرك أن الشعار الذي وحد اليمنيين في وجه العدوان: “الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام.” ظل وسيبقى ليعكس جوهر المعركة والصراع ضد قوى الاستكبار والصهيونية، وليكون نبراساً للأجيال القادمة.
قمة التضحية والفداء..
عمت الفرحة بالانتصار أرجاء اليمن، لتتجلى في كلمات التهنئة الصادقة التي عبرت عن التحام الشعب بالقيادة: “أهنئ الشعب اليمني، وأهنئ قيادتنا الرشيدة، السيد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي، لأنني أثق ثقة عمياء أن الرجل مع الله، وأنه مخلص لله ومخلص لهذا الشعب، وأن الله سيأخذ بيده.” وتتجلى قمة التضحية والولاء للوطن في كلمات بسيطة وعميقة، كلمات صادقة عبرت عن عمق الانتماء والارتباط بهذه الأرض المباركة، والاستعداد للتضحية بالنفس في سبيل عزتها وكرامتها: “لكن أسأل الله أن أموت بزي هذا الوطن، وزي الراية المنصورة المظفرة بإذن الله تعالى.”
البشرى القرآنية الموجزة “جاء نصر الله” تختزل كل المعاني، وتعلن عن تحقق الوعد الإلهي، وبداية مرحلة جديدة من العزة والكرامة لليمن والأمة. من ميدان السبعين، ميدان الحرية والجهاد، صدحت الأصوات مجدداً بالدعوة إلى الوحدة والجهاد، مهنئة القائد والجيش: “أولاً. من ميدان السبعين، ميدان الحرية، ميدان الجهاد، نهنئ أولاً السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، روحي له الفداء، ونهنئ رجال الرجال في القوات المسلحة وقوات الصواريخ والبحرية.” وثانياً، نشير إلى أن الوقائع -لا الفبركات الإعلامية- أكدت أن الانتصار اليمني كان مدوياً لدرجة أن العدو الأمريكي نفسه اعترف بالهزيمة: “وقد اعترفت قيادتهم رئيساً وجيشاً بهذه الهزيمة، الذين زجوا بأنفسهم في حرب ما هم أهل لها، إنما هي حسبة ليل صهاينة، وهو ما يعلمونها اليوم.”
وأشارت الجماهير اليمنية إلى أن هذا الاعتراف الصريح يكشف عن مدى الحماقة والتقدير الخاطئ لقوى العدوان، وكيف أن إرادة الحق تنتصر في النهاية. والآيات القرآنية كانت حاضرة لتؤكد حتمية النصر: “إِنَّ نَّصْرالله َقَرِيبٌ”, مؤكدين” وغداً بإذن الله، وفي المعركة الفاصلة، سننتصر على إسرائيل الشيطان الأكبر، وسنحرر القدس، وسيدخل هؤلاء الرجال من اليمن مكبرين كما وعد الله في كتابه الحكيم.” الوعد الإلهي الذي بشر الله المؤمنين فيه بتحرير القدس الشريف، قضية الأمة المركزية.
إهداء النصر لأهل غزة المظلومين
مع التأكيد الجماهيري على وحدة المصير مع الأشقاء في غزة، كان الجوهر الذي حضر بقوة في حناجر من ملأوا ساحات المسيرات العظيمة على امتداد الربوع السعيدة: “وكذلك نهدي هذا النصر العظيم لنا ولأهل غزة المظلومين، للمجاهدين في غزة”، حضر التقدير لقوى الصمود التي صنعت هذا النصر: “نهدي هذا النصر العظيم لسيدي ومولاي عبد الملك بدر الدين الحوثي، يحفظه الله. ونهدي كذلك هذا النصر العظيم للقوة الصاروخية وللقوة الجوية المسيرة. ولرجال الرجال في الجبهات، في الميدان. وكذلك نهدي هذا النصر العظيم لرجال الأمن البواسل.”
هذا الشعور الفياض بوجوب الانتصار لمظلومية غزة هو الذي يعكس البعد القومي والإنساني للمعركة، يصاحبه تأكيدات جماهيرية على أن النصر هو من عند الله، ودعوة للأمة للتحرك: “هذا نصر من الله. أولاً أقول لهم أيها العرب، أيها المسلمون، اتقوا الله، تحركوا، ولا تخافوا إلا من الله. والله هو الذي سينصركم، وهو الذي أهان أمريكا وإسرائيل على أيديكم بقوة الله سبحانه وتعالى.”
وكلمات التقدير لقائد الثورة كانت صادقة ومعبرة: “ونقول بيض الله وجهك مثل ما بيضت وجوهنا. ونبارك للقوات المسلحة اليمنية هذا الانتصار الكبير على كل طواغيت الأرض، على هذا الطاغوت الأمريكي بكل عنجهيته، الذي قبر في أرض اليمن الطاهرة.” كما تم التأكيد على البعد الاستراتيجي لهذا الانتصار وتأثيره على القضية الفلسطينية: “ونبارك لإخواننا في غزة هذا الانتصار وفصل أمريكا عن إسرائيل بفضل الله سبحانه وتعالى.”
خلاصة: فجر جديد يبشر بعزة الأمة وكرامتها
إن ما يحدث في اليمن هو تحول استراتيجي عميق، لا يزلزل أركان الهيمنة الأمريكية والصهيونية في المنطقة فحسب، وإنما العالم بأسره. إنه انتصار للإرادة الصلبة، والإيمان الراسخ، والقيادة الحكيمة. إنه فجر جديد يبشر بعزة الأمة وكرامتها، ونصر مؤزر من الله لعباده المؤمنين. هذه الحقيقة التي نقلتها حناجر الجماهير اليمنية بكل أبعادها وتأثيرها، لتكون نبراساً للأحرار والمستضعفين في كل مكان، وشاهداً على أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه.
– نقلاً عن موقع أنصار الله
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: الله سبحانه وتعالى هذا النصر العظیم بدر الدین الحوثی الشعب الیمنی قوى العدوان عبد الملک من الله فی وجه فی هذا على أن
إقرأ أيضاً:
نور على نور
#نور_على_نور
د. #هاشم_غرايبه
لعل ما أحاق بالأمة في العصر الحديث، يفوق كثيرا ما لاقته عبر تاريخ صراعها الطويل مع المتربصين بها والطامعين بقهرها، فقد غزاها المغول واستباحوا حماها زمنا ثم زالوا، وهاجمها الأوروبيون في حملات صليبية متعددة ثم ارتدوا عنها خائبين في كل مرة.
لكن ما حصل منذ أواخر القرن العشرين من تحالف عالمي لكل قوى الشر المعادية، واستهداف المسلمين علانية في سلسلة حروب متتالية، وبذرائع واهية بدءا من الحفاظ على حق تعليم الفتيات في أفغانستان، ثم تحرير الكويت، ثم منع العراق من تصنيع أسلحة الدمار الشامل، ثم محاربة الإرهاب، وآخرها التي تجري الآن على ساحة القطاع لاجتثاث فكرة المقاومة الجهادية.
ذلك كله جعل المتمسكين بجمر الصبر على الشدائد التي أحاقت بالأمة طوال القرن الماضي، وهم ينتظرون النصر الموعود، جعلهم يتساءلون بقلق: ما الذي أخر وعد الله الحق بنصره أمته؟
لا شك أن الله ما أنزل هذا الدين لكي يهزمه الضالون، ولا كرّم هذه الأمة بحمله وتقديمه الى الناس جميعا، ليجعل النيل منها متاحا للغزاة، وديارها مباحة لكل طامع، إنما هنالك سنن كونية عامة وضعها الله لتحقيق النصر، لا محاباة فيها لمن أطاعه ولا لمن عصاه وهي الغلبة للأقوى، ولكنه حماية لدينه أوجد سننا خاصة بمن اتبعه، إن أوفى بها المؤمنون تلغي ذلك الشرط.
إن نزول الدين للبشر أصلا كان تنفيذا لكلمة الله يوم أن أخرج آدم وذريته من الجنة وأسكنهم الأرض: “قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” [البقرة:38]، فقد وعد بني آدم أن يهديهم سبيل الرشاد، وهو معرفته واتباع منهجه، فمن تبع هذا الهدى واتبع ما جاء به المرسلون نجا، وكان جزاؤه الجنة، ومن تبع هواه (إبليس) وانقضت مدة حياته على الضلال، فقد اختار سوء العاقبة التي بينها الله: “قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا” [الإسراء:63].
وأكمل الله نعمته على البشر بإنزاله آخر الرسالات السماوية مكملا بذلك الدين، ومبينا أركانه وتشريعاته في القرآن، ليبقى مرجعا مرشدا لمن ابتغى الفلاح واستعد للقاء ربه وفق ما يرضيه: “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ” [التوبة:33].
إن الله يعلم أن المتمسكين بدينه سينالهم الضيم، ولن يتركهم الظالمون من جند الشيطان حتى يردوهم عن دينهم: “يُرِيدُونَ لِيُطْفِئوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهم وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ” [الصف:8]، لكنه أرشد المؤمنين الى سبيل النجاة من كيد هؤلاء الضالين المضلين: “وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ” [المائدة:56]، كما طمأنهم الى أنهم إن صدقوا عهدهم مع الله فإنه ناصرهم: “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” [الروم:47]، ولا قوة في الكون يمكنها أن تبطل وعد الله، فقد جعل سنة النصر لصراع بين باطلين تحققه القوة والغلبة فقط والتي هي بيد البشر، لكنه حماية لمن يتبعون منهجه جعل النصر خارج هذه المعادلة، ويحققه لهم مهما كانت قوة الباطل المعادية: “وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” [الأنفال:10]، ويقدر الله هذا النصر وفق سننه وحسب تحقق متطلباته: “وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” [الحج:40].
كانت مرحلة إنشاء الدولة الإسلامية، تطبيقا عمليا لتلك السنن والأسباب، وقد أراد الله تصريف أحداثها والصراعات العسكرية فيها لتكون دروسا وعبراً للمسلمين لكل الأزمنة القادمة.
وأهمها كان هزيمة المسلمين في موقعتي أحد وحنين، رغم أن المعركتين كانتا بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون متمسكين بدين الله وموالاة الله ورسوله وعدم موالاة من يحادون الله ورسوله، فلماذا لم ينصرهم الله؟.
نلاحظ أنه في “أحد” كانت هنالك مخالفة لأمر القائد، وفي “حنين” كان هنالك اغترار بالكثرة واعتقاد بأن التفوق العددي هو أساس النصر.
لذلك فكان رفع الله النصر عنهم مؤقتا، ليتعلموا أن نصر الله لا يمنح إلا باكتمال كل متطلباته.
ولعل ذلك يجيب على السؤال: لماذا تأخر نصر الله لأمته الآن، فهو موقوف الى حين الإيفاء بثلاث متطلبات أساسية: الحكم العادل بما أنزل الله، وإخلاص النية لدين الله، وعدم موالاة أعدائه.