العراق وسياسة التوازن بين أطماع الخارج وتحديات الداخل
تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT
مايو 12, 2025آخر تحديث: مايو 12, 2025
محمد حسن الساعدي
في خضم التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، يحاول العراق أن يرسم لنفسه طريقاً واضحاً في السياسة الخارجية، مبنياً على مبدأ “التوازن الإيجابي” والانفتاح على الجميع دون الانحياز لطرف دون آخر. هذه السياسة، التي بدأت تتبلور بشكل أوضح خلال السنوات الأخيرة، تعكس رغبة العراق في تجاوز عقدة الصراعات الإقليمية، وفتح صفحة جديدة في علاقاته مع العالم، لذلك تحاول الحكومة العراقية أن تتبنى موقف “الوسيط الإيجابي” بين الخصوم الإقليميين، وعلى رأسهم إيران والولايات المتحدة او غيرها من دول المنطقة التي تختلف أو تعد جزء من الخلاف فيها ، فالعراق يرتبط تاريخياً وجغرافياً بإيران، لكنه في الوقت ذاته يسعى إلى تعزيز التعاون مع دول الخليج، لا سيما في ملفات الطاقة والاستثمار والأمن الغذائي.
لا تقتصر سياسة العراق الخارجية على المنطقة فحسب، بل تمتد إلى عواصم القرار الكبرى، فعلاقاته مع الولايات المتحدة، رغم التوترات أحياناً، ما زالت قائمة، خصوصاً في ملفات محاربة الإرهاب والتعاون الأمني. وفي المقابل، يفتح العراق أبوابه أمام الصين وروسيا، عبر اتفاقيات اقتصادية كبرى تتعلق بإعادة الإعمار والطاقة والبنى التحتية ، وأن هذا التوجه نحو “تعدد الشركاء” يعكس إدراكاً عراقياً لأهمية تنويع التحالفات وتجنب الارتهان لطرف واحد، في عالم تتغير فيه موازين القوى باستمرار لكن بالرغم من النوايا الطموحة، تبقى السياسة الخارجية العراقية رهينة التحديات الداخلية. الانقسام السياسي، وضعف القرار المركزي، وانتشار الجماعات المسلحة، كلها عوامل تؤثر بشكل مباشر في صورة العراق على الساحة الدولية. يضاف إلى ذلك التحديات الاقتصادية والفساد المزمن، ما يجعل من الصعب تنفيذ رؤى سياسية متماسكة أو عقد شراكات استراتيجية طويلة الأمد.
سياسة التوازن التي يمارسها العراق تُشير إلى النهج الدبلوماسي الذي تتبناه الحكومة العراقية في محاولة الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية، خاصة في ظل موقعه الجغرافي الحساس وتنوعه الداخلي. هذه السياسة تهدف إلى تجنب الانحياز لطرف معين على حساب طرف آخر، وتقوم على عدة محاور رئيسية:
التوازن بين إيران والولايات المتحدة: العراق يسعى للحفاظ على علاقات جيدة مع كل من طهران وواشنطن، رغم التوترات بينهما. فبينما تحتفظ إيران بنفوذ كبير داخل العراق عبر فصائل سياسية ومسلحة، تعتبر الولايات المتحدة شريكاً أمنياً واقتصادياً مهماً. التوازن الإقليمي: يحاول العراق لعب دور محوري في تخفيف التوترات بين دول الخليج، مثل السعودية وإيران، وأحياناً يعمل كوسيط في محادثات بين هذه الأطراف. الحياد الإيجابي: العراق يسعى إلى أن يكون دولة ذات سياسة “الحياد الإيجابي”، أي ألا يكون جزءاً من محاور الصراع، بل طرفاً يسعى لتعزيز الاستقرار في المنطقة. الاستقلالية في القرار السياسي: هناك توجه لتعزيز السيادة الوطنية ورفض تحويل العراق إلى ساحة صراع بالوكالة بين الدول الكبرى. التنوع الداخلي كعامل محفز للتوازن: بسبب التنوع القومي والطائفي في العراق (شيعة، سنة، أكراد، تركمان، وغيرهم)، تسعى الدولة إلى إدارة هذا التنوع بسياسة داخلية متوازنة تعكس هذا التعدد وتمنع الانزلاق نحو الصراع الداخليهناك مؤشرات إيجابية لا يمكن تجاهلها. فقد شهد العراق مؤخراً نشاطاً دبلوماسياً لافتاً، عبر مشاركته في قمم إقليمية، وتوقيع اتفاقيات مع دول مثل الأردن، مصر، تركيا، وفرنسا. كما تعمل بغداد على تفعيل مشاريع استراتيجية، كأنبوب النفط إلى العقبة، وخطوط النقل البري عبر الخليج وأوروبا (طريق التنمية)وكل هذه التحركات تعكس رغبة عراقية جادة في إعادة تموضعه كدولة محورية في المنطقة، بعيداً عن أدوار التبعية والنزاعات.
العراق يقف اليوم عند مفترق طرق. فإما أن يستثمر موقعه وثرواته لتعزيز علاقاته الدولية وبناء مستقبل مستقر، أو أن يبقى رهينة للصراعات الداخلية وتدخلات الخارج. والسياسة الخارجية، كما هي الآن، قد تكون مفتاح العودة إلى دوره التاريخي كجسر بين الشرق والغرب، بشرط أن تترافق مع إصلاح داخلي حقيقي يعيد الثقة بمؤسسات الدولة ويضمن استقلالية القرار العراقي.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
إقرأ أيضاً:
زيلينسكي : الولايات المتحدة اقترحت إنشاء منطقة حرة في دونباس
أكد الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي، يوم الخميس أن أوكرانيا لن تقبل بحل وسط لا يضمن الأمن في منطقة دونيتسك ويجب أن يكون الحل عادلاً.
انسحاب أوكرانيا من دونيتسكوقال زيلينسكي خلال حديثه لوسائل الإعلام: "إنهم يرون أن القوات الأوكرانية تنسحب من أراضي منطقة دونيتسك، ويبدو أن الحل الوسط هو عدم دخول القوات الروسية إلى هذه المنطقة، إنهم لا يعرفون من سيدير هذه المنطقة التي يسمونها بالفعل "منطقة اقتصادية حرة" أو "منطقة منزوعة السلاح".
المنطقة الاقتصادية الحرة في دونباسوأشار الرئيس الأوكراني إلى وجود تساؤل مشروع حول هذه "المنطقة الاقتصادية الحرة": إذا كان الجيش الأوكراني ينسحب كما هو مطلوب، فلماذا لا يُطلب من الطرف الآخر الانسحاب بنفس المسافة في الاتجاه المعاكس؟ تُثار أيضًا تساؤلات حول إدارة هذه المناطق وقضايا أخرى. لذا، لا يزال الحوار جاريًا في هذا الشأن.
وأوضح: "استمعتُ إلى جميع مقترحات الجانب الأمريكي، ومن خلاله، إلى مقترحات الجانب الروسي بشأن منطقة دونيتسك، وأكدتُ أن ذلك لا يصبّ في مصلحة أوكرانيا قطعًا. لكننا بحاجة إلى مواصلة الحوار ومحاولة إيجاد إجابات لجميع التساؤلات حتى يكون الوضع أكثر ملاءمة".
وأشار إلى أنه إذا انسحبت أوكرانيا مسافة 5 أو 10 كيلومترات من منطقة دونيتسك، فعلى روسيا الانسحاب المسافة نفسها. وكما هو الحال في الحروب الأخرى، يجب مراقبة هذا الأمر.
منطقة منزوعة السلاحوتساءل الرئيس: "إذا كان الأمر كذلك، فما الفرق بين "المنطقة الاقتصادية الحرة" وهذا المبدأ؟ إنه مبدأ التكافؤ"، مضيفا "إذا انسحب الجيش الأوكراني وبقي الجيش الروسي في هذه "المنطقة منزوعة السلاح"، فما الذي سيمنع موسكو من التقدم أكثر؟" أو، على سبيل المثال، من خلال التسلل إلى هذه المنطقة تحت غطاء "المدنيين" والسيطرة عليها.
وأكد قائلاً: "هذا أمرٌ في غاية الخطورة. ليس من المؤكد أننا كأوكرانيين سنقبل بهذا، ولكن عندما تُعرض علينا تسوية، يجب أن تكون تسوية عادلة".
وفي 11 ديسمبر، أفادت صحيفة فايننشال تايمز بأن الولايات المتحدة اقترحت في خطة سلام عدم سحب روسيا لقواتها من المنطقة المنزوعة السلاح في دونباس، بينما كان ينبغي على أوكرانيا أن تفعل العكس.
ووفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال، فقد قدمت الولايات المتحدة بالفعل خطتها إلى الأوروبيين بشأن عودة روسيا إلى الاقتصاد العالمي.