الثقافة الاستهلاكية بين الوعي المجتمعي والنمط السلوكي
تاريخ النشر: 12th, May 2025 GMT
يعد التوازن في الاستهلاك غاية يسعى الفرد إلى تحقيقه عبر عدة سلوكيات وممارسات يومية منها تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التوازن في الاستهلاك وانتهاج نمط سلوكي استهلاكي كفؤ لتكريس الثقافة الاستهلاكية الفاعلة من خلال التوجه نحو ثقافة الاحتياج في الشراء بدلا من ثقافة الشراهة في إشباع الرغبات أثناء الشراء، وارتياد الأسواق والمحال التجارية لن تتحقق إلا بنية صادقة نابعة من الفرد وتخطيط فاعل وتنفيذ محكم، إلا أن عامل الارتباط الوثيق بين الاستهلاك من جهة ونمط الحياة المتمثل بالعادات والتقاليد من جهة أخرى بات يمثّل تحديا لكثير من الأسر لتبني ثقافة استهلاكية فاعلة، ما أربك المساعي لتحقيق التوازن بين ارتفاع مستوى الإنفاق الاستهلاكي للأفراد كثيرا وبين الاستهلاك المبني على توجهات استثمارية وعوائد اقتصادية على مستوى الفرد والمجتمع والاقتصاد عموما، مما يتطلب جهودا أكبر لتوجيه أفراد المجتمع في غرس ثقافة الإنفاق بهدف الاستثمار من خلال الاشتغال على تفعيل أدوات الاقتصاد السلوكي لتحقيق هيكل اجتماعي مبني على الاستهلاك المستدام.
رغم أن ارتفاع الإنفاق عموما مؤشر إيجابي على مستوى الازدهار الاقتصادي والسعادة والقبول الاجتماعي، إلا أن اختلال التوان بين الاستهلاك والإيفاء بمتطلبات الحياة الاجتماعية اليومية أوجد أنماطا استهلاكية غير صحية أدت إلى التأثير على الهيكل الاجتماعي من حيث التوجه نحو اقتناء الكماليات أكثر مقارنة بالاحتياجات.
وحيث إنَّ النشاط الاقتصادي ربما يقود إلى نمو اقتصادي إلا أنه لا يضمن وجود ثقافة استهلاكية صحيحة لدى أفراد المجتمع؛ لأنه يعكس مستوى الازدهار الاقتصادي الناتج عن مستوى الإنتاج والاستهلاك، وأرى أنه من الجيد الاشتغال على دراسة أثر التوجهات الاجتماعية مثل المناسبات الاجتماعية التي تستنزف الأموال وتثقل كاهل الأسر في ديمومة الرفاه الاجتماعي للأفراد رغم المساعي لرفعه عبر استحداث منافع اجتماعية مادية داعمة، مع الوضع في الحسبان بعض العوامل المؤثرة على استقراء الرفاه الاجتماعي مثل مستوى الإنتاج المعرفي غير المادي والحاجة إليه من خلال تأطير العلاقة بين الاستهلاك والرفاه الاجتماعي عبر الاهتمام بوضع آليات متسقة للاستهلاك والإنتاج المادي وغير المادي.
انتشر في الآونة الأخيرة مفهوم الاستهلاك الترفيهي وهو أحد أنواع الإقبال على شراء الكماليات لكنه بشراهة مرتفعة، ويؤدي إلى إنهاك المحفظة المالية للأسرة مما يعرضها للإفلاس أو مواجهة تحديات مالية لسنوات قادمة. وبلا شك سيؤثر على الجيل القادم من ناحية ضعف الأساس المالي لوضع خطط استثمارية وتنمية الأموال، ومن ناحية أخرى أن الجيل القادم ربما ينتهج نفس الأسلوب في الاستهلاك الترفيهي مقتديا بالسلوك المجتمعي للجيل الحالي، وبالتالي ليس غريبا أن تتحوّل ممارسة دائمة ما لم يتم وضع حدٍ للاستهلاك الترفيهي.
في سلطنة عُمان يبدو أن الوعي المجتمعي بأهمية الثقافة الاستهلاكية بدأ يرتفع منذ سنوات مع إدراك المجتمع بالمتغيرات المحيطة به؛ خصوصا مع التحديات المالية التي تفرضها الأزمات العالمية وتحدث صدمة اقتصادية مفاجئة، مما شجّع الأفراد على إعادة النظر في التخطيط المالي من خلال إعطاء أولوية الشراء من المتاجر للمواد الأساسية الضرورية، مع الانتباه لإعلانات المشاهير في وسائل التواصل الاجتماعي من تسببها في إرباك أنماط المستهلكين، فيؤدي ذلك إلى شراء الأفراد لسلع لا يحتاجون إليها رغم ارتفاع أسعارها، وأرى من الجيد الانتباه لهذا السلوك المجتمعي من خلال تكثيف الحملات التوعوية عبر مؤسسات المجتمع المدني وعبر تنظيم حملات توعوية في وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الاستفادة من الفاعلين والمؤثرين في المنصات الإلكترونية لتوجيه الرأي العام نحو الاعتدال والتوازن في الشراء والتسوق؛ خصوصا في مختلف المناسبات والفعاليات المجتمعية مثل الأعياد والأعراس واللقاءات المجتمعية وغيرها من المناسبات.
في رأيي نحن بحاجة إلى ابتكار طرق وأساليب جديدة للتعامل مع عدم الموازنة بين الاستهلاك والإنفاق مع الإبقاء على الجهود الحالية المتمثلة بتعزيز الوعي المجتمعي بالثقافة الاستهلاكية المؤدية إلى أنماط سلوكية كفؤة تضمن استدامة الاستهلاك والإنفاق، بحيث يتم الاستفادة من مبادرات الاقتصاد السلوكي والجهود الحكومية والمجتمعية التوعوية كمدخلين اثنين في معالجة عدم التوازن بين الإنفاق والاستهلاك، أيضا هناك فهم مغلوط لدى أفراد المجتمع بشأن أهميته وإدارته حيث يعتقد كثير من الأشخاص بأن المال وسيلة للإنفاق فقط، بينما توجد أكثر من جانب للاستفادة من المال مثل الاستثمار، ودعم جهود التنمية بمختلف أنواعها لا سيما الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية والثقافية والسياحية؛ لذلك من المهم أن توجّه الجهود نحو التوعية بخطورة الإسراف والبذخ ومآلات ذلك على مستقبل الفرد وأهمية الإنفاق المستدام المبنى على استهلاك وفق الحاجة بعيدا عن الإفراط في التسوق غير المدروس؛ لنصل إلى غرس ثقافة استهلاكية بنمط سلوكي صحيح ووعي مجتمعي راسخ.
راشد بن عبدالله بن محمد الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الوعی المجتمعی بین الاستهلاک من خلال
إقرأ أيضاً:
ثقافة القاهرة تحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو بفعاليات فنية وثقافية متنوعة
في إطار احتفالات وزارة الثقافة بذكرى ثورة 30 يونيو، نظّمت الهيئة العامة لقصور الثقافة، برئاسة اللواء خالد اللبان، سلسلة من الفعاليات الثقافية والفنية المتميزة، من خلال فروعها المختلفة بالقاهرة، تأكيدًا على الدور الحيوي للثقافة في تعزيز قيم الانتماء الوطني، واستعادة روح الثورة في وجدان الشعب.
احتفالية بقصر ثقافة مصر الجديدة
شهد قصر ثقافة مصر الجديدة انطلاقة مميزة للفعاليات، حيث أحيت فرقة كورال روض الفرج لذوي الاحتياجات الخاصة، بقيادة المايسترو عادل بولي، احتفالية وطنية قدمت خلالها مجموعة من الأغنيات التي تمجد الوطن وتعزز الانتماء، مثل: يا حبيبتي يا مصر، يا بلادي، قادرين نعملها.
كما استضافت المكتبة العامة لقاءً مفتوحًا ألقت خلاله ثناء غالي، أخصائي الثقافة العامة، محاضرة عن ثورة 30 يونيو، مشيرة إلى أنها ثورة شعبية حقيقية أعادت للدولة المصرية هويتها وقرارها السيادي، ورفضت الاستبداد والتقسيم المجتمعي.
وفي السياق نفسه، تم عرض فيلم وثائقي بعنوان "30 يونيو.. ثورة إنقاذ" بنادي السينما بالقصر، قدم سردًا تفصيليًا للأحداث التاريخية، مدعومًا بشهادات من شخصيات سياسية وثقافية بارزة، مع إبراز دور القوات المسلحة في دعم إرادة الشعب.
أمسية شعرية وندوة فكرية
وتحت إشراف د. شرقاوي حافظ، أقيم لقاء ثقافي بنادي أدب مصر الجديدة بعنوان "الثورة وأثرها على المجتمع"، تناول فيه الأدباء والمثقفون الأبعاد الاجتماعية والسياسية لثورة 30 يونيو، وتخللت اللقاء فقرات شعرية وطنية احتفت بالثورة وتضحيات المصريين.
كما أُقيمت ورش فنية متنوعة بقسم الفنون التشكيلية، منها ورشة رسم عن الثورة، ومعرض فني يضم لوحات تذكارية للفنانتين سمر أسامة وديانا منير.
فعاليات للأطفال بمكتبة جمعية مصر للثقافة والتنمية
وفي إطار اهتمام الهيئة بثقافة الطفل، نُظم يوم ثقافي فني بمكتبة الطفل بجمعية مصر للثقافة والتنمية بمنطقة السلام، قدّمت خلاله د. جيهان حسن، مدير عام ثقافة الطفل، لقاءً عن أهمية ترسيخ حب الوطن والانتماء في نفوس الأطفال، وربط مفاهيم التنمية والتقدم بمكتسبات ثورة يونيو، لا سيما في مجالات الصحة والتعليم والقضاء على العشوائيات.
كما أكدت الكاتبة الصحفية فوزية الباز، عضو اتحاد كتاب مصر، في كلمتها، أن صمود الشعب وتكاتفه يشكلان السند الحقيقي لقواتنا المسلحة في مواجهة التحديات.
وتضمنت الفعاليات أيضًا تنفيذ عدد من الورش الإبداعية مثل ورشة تنورة تراثية، ورسم على الوجوه، وأشغال يدوية للأطفال، إضافة إلى حوار توعوي حول "أهمية المياه"، بالتعاون مع شركة مياه السلام.
برنامج شامل في جميع المحافظات
تواصل الهيئة العامة لقصور الثقافة تنفيذ برنامج وطني شامل يستمر لمدة أسبوع ويستهدف مختلف الفئات العمرية في جميع المحافظات، من خلال أكثر من 200 فعالية، تشمل معارض كتب، وورش إبداعية، وأمسيات شعرية، وعروض فنية تراثية، وأنشطة موجهة للأطفال.
ويأتي هذا البرنامج تعزيزًا لدور الثقافة في ترسيخ الهوية الوطنية، وتوثيق ذاكرة ثورة 30 يونيو، واستعادة لحظة التلاحم الشعبي حول هدف بناء دولة مدنية حديثة.