لجريدة عمان:
2025-12-12@10:44:43 GMT

فقر البحث الأكاديمي

تاريخ النشر: 13th, May 2025 GMT

من المعلوم بالبداهة أن مستوى جودة التعليم العالي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بترتيب مستوى الجامعات والمعاهد العليا وفقًا للمقاييس العالمية المعترف بها. ومن المعلوم أيضًا وفقًا للإحصائيات أن الجامعات العربية تحتل- بدرجات متفاوتة- مكانة متدنية وفقًا لهذه المقاييس. ولا شك في أن سبب ذلك يرجع في المقام الأول إلى تدني مستوى البحث العلمي والأكاديمي عمومًا في الجامعات العربية.

حقًا إن تصنيف الجامعات وتحديد مستواها يعتمد على عوامل عديدة يُقاس كل منها على حدة؛ ولكن لا مراء في أن مستوى البحث العلمي يُعد عاملًا أساسيًّا في تحديد مستوى هذه الجامعات. ذلك أن قوام الجامعة الأساسي هو الأستاذ والطالب، أما ما بينهما وما خلفهما إنما يكون عوامل مساعدة في خدمة العملية التعليمية بين الأستاذ والطالب.

ولكن العملية التعليمية لا ينبغي فهمها على أنها مجرد عملية تدريسية لمقررات تؤهل الطلبة لخدمة مجتمعهم في شتى المجالات، وإنما هي عملية ينبغي أن تُنتج أو تصطفي طلابًا مؤهلين للإبداع في البحث العلمي الأكاديمي الذي به تنهض الدول ويرتفع شأنها في مصاف الدول المتقدمة، فالجامعات الكبرى حول العالم هي معاقل للبحث العلمي الأكاديمي، وهي تخصص لهذا البحث أموالًا طائلة.

وعلى هذا يمكن القول إن أحد الأسباب الرئيسية لتدني مستوى الجامعات العربية هو تدني مستوى البحث فيها. ولكن السؤال الذي يطرأ على الأذهان مباشرةً هو: ما الشواهد على تدني مستوى البحث؟ وما أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟ هذا هو ما سوف أحاول إيضاحه بإيجاز فيما يلي:

ينبغي التأكيد منذ البداية على أنني عندما أستخدم تعبير «ظواهر تدني مستوى البحث العلمي في عالمنا العربي»، فإنني أعني بالظاهرة هنا الحالات العامة السائدة، وليس الحالات الاستثنائية هنا وهناك، وهي الحالات التي لا تشكل ظاهرة عامة. تتمثل ظاهرة فقر البحث العلمي في الافتقار إلى البحث عن موضوع أو فكرة جديدة، أو الافتقار إلى رؤية خاصة أصيلة في تناول موضوع أو فكرة ما مطروحة من قبل. وعلى هذا يمكن القول إن البحث وإن لم يطرح موضوعًا أو فكرةً جديدة؛ فإنه لا يجوز أن يتطرق إلى نفس الفكرة بنفس الرؤية المطروحة من قبل؛ لأن البحث بذلك سيكون مجرد تجميع لاقتباسات مما هو معروف ومتاح للمعرفة، أو سيكون مجرد كتابة فيما هو مكتوب من قبل أو تصديق على ما سبق إقراره من قبل.

الافتقار إلى الرؤية في إعداد البحث هو افتقار إلى المنهج الذي يمكن أن ننظر من خلاله إلى شيء ما. ومن الضروري هنا أن ننبه إلى سوء استخدام أدوات البحث العلمي في العلوم الإنسانية خاصةً، كما هو الحال عندما يلجأ الباحثون إلى استخدام استبيانات إحصائية في كل مجال بهدف القياس الإحصائي لموضوع ما من دون معرفة أوفهم لطبيعة الموضوع ذاته الذي قد يتطلب أدوات ومقاربات منهجية مختلفة في البحث؛ ناهيك عن أن هذه الاستبيانات نفسها كثيرًا ما تكون مصممة بطريقة سطحية ساذجة؛ وبالتالي فإنها لا تعد شاهدًا أو دليلًا، وهذا ما يُعرَف في فلسفة العلوم بمصطلح «الافتقار إلى الدليل الكافي» أو «عدم كفاية الدليل»underdetermination . ومن هنا فإني أرى أن تدريس «مناهج البحث في العلوم الإنسانية» ينبغي أن يكون متطلبًا دراسيًّا عامًا لدارسي العلوم الإنسانية أيًّا كان مجال تخصصهم الأكاديمي؛ تمامًا مثلما أن مناهج البحث في العلوم الدقيقة والتطبيقية ينبغي أن تكون متطلبًا عامًا لدارسي تلك العلوم.

إضافة إلى ذلك، فإن هناك ظاهرة أخرى تشهد على تدني مستوى البحث الأكاديمي وهي الاهتمام بالكم لا الكيف، وهي ظاهرة شائعة تأصلت في جامعاتنا العربية بفعل نظام عقيم يربط الترقي في الحصول على الألقاب أو الدرجات العلمية باستيفاء الباحثين لعدد معين من البحوث التي تتطلبها الشروط الشكلية للنشر. بل إن الاهتمام بالكم يتمثل أيضًا في بنية البحوث نفسها: فالبحث الجيد أو الذي تتم إجازته هو ذلك الذي يعتمد على وفرة كبيرة من المصادر والمراجع التي اعتمد عليها الباحث! في حين أننا لو دققنا النظر في عمق الأمر سنجد أن هذا قد يكون دليلًا على ضعف البحث عندئذ؛ لأن البحث يكون معتمدًا على كثرة من الاقتباسات أو العنعنات؛ وبالتالي لا يكون هناك مجال واسع يكشف عن رؤية الباحث نفسه. ويكفي في هذا الصدد أن نتأمل كتابات المبدعين والفلاسفة لنجد أنها قلما تعتمد على مصادر ومراجع إلا عند الضرورة! والفقرة التالية الواردة في كتاب المفكر عبد الوهاب المسيري في كتابه «رحلتي الفكرية» تعبر بوضوح وبساطة عما أفصحت عنه هنا:

«الدراسة الأكاديمية هي الدراسة التي يكتبها أحد المتخصصين الأكاديميين دونما سبب واضح ولا تتسم بأي شيء سوى أنها «صالحة للنشر» لأن صاحبها اتبع مجموعة من الأعراف والآليات البحثية (من توثيق ومراجع وعنعنات علمية موضوعية) تم الاتفاق عليها بين مجموعة من المتخصصين والعلماء. والهدف عادة من مثل هذه الكتابات (التي يُقال لها «أبحاث» مع أنها لا تنبع من أية معاناة حقيقية ولا تشكل «بحثًا» عن أي شيء) هو زيادة عدد الدراسات التي تضمها المسيرة العلمية للأكاديمي صاحب الدراسة. فتتم ترقيته، فالصالح للنشر هو عادة ما يؤهل للترقية. قد تقوم الدنيا ثم تقعد وقد يُقتل الأبرياء وينتصر الظلم وينتشر الظلام، وصاحب «البحث» لا يزال يكتب ويوثق ويعنعن وينشر...، ويخرج المزيد من الكتب. ثم يذهب صاحبنا إلى المؤتمرات التي تُقرأ فيها أبحاث أكاديمية لا تبحث عن شيء... - وهو - يتحرك في عالم خالٍ من أي هموم إنسانية حقيقية - عالم خالٍ من نبض الحياة: رمادية كالحة هي هذه المعرفة الأكاديمية، وذهبية خضراء هي شجرة المعرفة الحية».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الافتقار إلى البحث العلمی من قبل

إقرأ أيضاً:

مؤشرات إيجابية تعكس تطور البحث العلمي في مصر

كشف الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، عن مؤشرات إيجابية مهمة تعكس تطور البحث العلمي في مصر. 

ورشة عمل تأهيلية للتوظيف بكلية طب الأسنان جامعة عين شمس قرارات جمهورية بتعيين قيادات جامعية جديدة حصاد شامل للأنشطة الطلابية في جامعة الدلتا التكنولوجية انطلاق مهرجان الإسماعيلية الأول لطلاب كلية تجارة عين شمس حفل تخريج دفعة جديدة في كلية التمريض جامعة القاهرة وزير التعليم العالي يطلق خريطة وطنية للتحول نحو اقتصاد المعرفة حتى 2030 قرار جمهوري بتعيين أمل يوسف عميدًا لكلية علاج طبيعي جامعة القاهرة الجامعة الأمريكية تحتفل باختتام برنامج قيادة التغيير في المنظمات الديناميكية عميد قصر العيني: أعمال التطوير تواكب المعايير العالمية وزير التعليم العالي يعلن وضع الخريطة البحثية الابتكارية لمصر

جاء ذلك على هامش انطلاق فعاليات المعرض الدولي لتسويق مخرجات البحوث والابتكار IRC EXPO 2025، والجمعية العمومية للمؤتمر الثلاثي السنوي للشراكة بين الأكاديميات برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، وبتشريف الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء. 

وذكر وزير التعليم العالي أن مصر احتلت المركز الـ25 عالميًا في تصنيف SCImago من حيث عدد الأبحاث التي تم الاستشهاد بها، بإجمالي يقارب 41,897 بحثًا مستشهدًا به، كما تحتل مصر المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تصنيف سيماجو للمنطقة.

وأشار وزير التعليم العالي إلى التقدم النوعي في جودة النشر، حيث إن 53.5% من الأبحاث المصرية منشورة في المجلات المدرجة ضمن الربع الأول Q1 الأعلى جودة عالميًا، و78% منها منشورة في مجلات (Q1 + Q2). 

ولفت وزير التعليم العالي إلى أن الموضوعات البحثية المنشورة في قواعد البيانات بالجامعات والمراكز البحثية جاءت في الترتيب 44 عالميًا بمؤشر المعرفة العالمي من بين 195 دولة، وكانت أبرز التخصصات: العلوم الطبية والبيطرية، والعلوم الهندسية، والعلوم الزراعية، وعلوم الحاسب الآلي.

ونوّه وزير التعليم العالي بإنجاز دخول القاهرة الكبرى ضمن أفضل 100 تجمع علمي وتكنولوجي عالميًا (المركز 83)، لتكون الممثل الوحيد لقارة إفريقيا والشرق الأوسط في هذا التصنيف.

وفي ملف ريادة الأعمال، أوضح وزير التعليم العالي أن مصر تصدرت القارة الإفريقية وجاءت في المركز الثالث بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث حجم استثمارات الشركات الناشئة، والتي بلغت حوالي 2 مليار دولار خلال السنوات الأربع الأخيرة.

إنجازات تدويل التعليم العالي 

وعلى صعيد تدويل التعليم، أشار وزير التعليم العالي إلى نجاح الوزارة في جذب استثمارات لإنشاء أفرع لجامعات أجنبية، حيث صدرت قرارات جمهورية لـ 9 أفرع.

واستعرض وزير التعليم العالي النقلة النوعية في تطور بنك المعرفة المصري (EKB) وتحوله من مجرد منصة للاطلاع إلى مؤسسة مصدِّرة للمعرفة والخدمات لعدة دول عربية وإفريقية، ونقل خبرات البنك عربيًا ودوليًا من خلال توقيع عقود تدويل خدماته مع مجموعة من الناشرين الدوليين، إضافة إلى توقيع اتفاقيتين استراتيجيتين مع اتحاد الجامعات العربية واتحاد مجالس البحث العلمي العربية.

وتطرق وزير التعليم العالي إلى تطور العلاقات الدولية، معلنًا انضمام مصر كشريك كامل في برنامج هورايزون أوروبا (Horizon Europe)، مما يمنح الباحثين المصريين فرصًا متساوية مع نظرائهم في دول الاتحاد الأوروبي.
 

وأوضح وزير التعليم العالي أبرز الإنجازات التي حققها البحث العلمي والباحثون المصريون خلال الفترة الماضية في مختلف المؤشرات الدولية، إذ أشارت نتائج مؤشر المعرفة العالمي لعام 2025 إلى أن مصر تمتلك 853 باحثًا لكل مليون مواطن، وهي بذلك في الترتيب الـ55 عالميًا من حيث عدد الباحثين لكل مليون مواطن، كما أشار المؤشر إلى 140,230 باحثًا نشروا أبحاثًا مدرجة في سكوبس خلال الفترة من 2022–2025.

وتصاعد عدد الباحثين المصريين المدرجين ضمن أفضل 2% من العلماء بقائمة ستانفورد من 396 باحثًا في عام 2019 إلى 1106 في تقرير القائمة لعام 2024.

مقالات مشابهة

  • مؤشرات إيجابية تعكس تطور البحث العلمي في مصر
  • جامعة المنوفية الأهلية تشارك بالمعرض الدولي لتسويق مخرجات البحوث (IRC EXPO 2025)
  • رئيس الوزراء: الحكومة تضع دعم البحث العلمي والابتكار على رأس أولوياتها
  • وزير التعليم العالي: نسعى لتفعيل رؤية تكاملية طموحة تربط بين الجامعات والمراكز البحثية
  • جينا الفقي: أكاديمية البحث العلمي تدعم كل جسور التعاون مع المؤسسات البحثية
  • يأبى الدكتور ربيع
  • مؤتمر في جامعة نزوى يناقش دور الدراسات العليا في تجويد الإنتاج العلمي
  • إنجاز علمي جديد في جامعة القاهرة لعلاج الفيبروميالجيا
  • أزمة المنهج في الدراسات الإسلامية.. حين يتحوّل البحث إلى تقنيات بلا رؤية
  • جامعة عين شمس تفوز بجوائز محمد ربيع للبحث العلمي في العلوم الطبية