في افتتاح مهرجان كان.. كوستا-غافراس يدعو إلى كسر الصمت أمام "الكارثة الإنسانية في غزة"
تاريخ النشر: 14th, May 2025 GMT
ختم غافراس تصريحاته بالقول: "نقترب من حدود الإبادة الجماعية، ولكن القرار النهائي بيد العدالة الدولية". اعلان
مع انطلاق فعاليات الدورة الجديدة لمهرجان كان السينمائي، وجّه المخرج الفرنسي-اليوناني الشهير كوستا-غافراس نداءً قويًا إلى عالم الفن والثقافة، منتقدًا "صمت السينما الأميركية" إزاء ما وصفه بـ"الكارثة الإنسانية المتواصلة في غزة".
وفي مقابلة له على إذاعة "فرانس إنتر" صباح الثلاثاء، شدد غافراس على أن الوقت قد حان لـ"رد فعل حقيقي من جانب السينما العالمية"، معتبرًا أن "الرد يجب أن يكون بمستوى الحدث، لأنه يتعلق بكارثة إنسانية غير مسبوقة في حجمها وتأثيرها".
وتأتي تصريحاته في سياق عريضة منشورة في صحيفة ليبراسيون الفرنسية، وقّعها مع عدد من الأسماء البارزة في السينما العالمية، من بينهم بيدرو ألمودوفار، أديل إكسارخوبولوس، وريتشارد غير، والتي تدين "الصمت غير المبرر" لجزء من الأوساط الثقافية أمام ما وصفوه بـ"إبادة جماعية جارية في غزة".
Relatedرحلت فاطمة حسونة وبقيت أعمالها.. مقتل مصورة فلسطينية بعد يوم من اختيار فيلمها الوثائقي لمهرجان "كان"مقتل صحفي فلسطيني في غارة إسرائيلية على مستشفى في غزةأوكسفام: غزة على شفا مجاعة وأطفال ينهكهم الجوع حتى البكاءبعد مقتلها بقصف منزلها في غزة... مهرجان كان ينعى المصوّرة الفلسطينية فاطمة حسونةوجاء في العريضة أيضًا إشادة بالصحفية الفلسطينية فاطمة حسونة، التي قُتلت الشهر الماضي في قصف إسرائيلي، بعد يوم واحد من الإعلان عن اختيار الفيلم الذي شاركت فيه، Put Your Soul on Your Hand and Walk، ضمن قائمة الأعمال المشاركة في مهرجان كان.
كوستا-غافراس لم يُخفِ خيبة أمله من زملائه الأميركيين، قائلاً: "زملاؤنا الأميركيون لم يتحركوا كثيرًا، وهذا مؤلم. لطالما كانوا في طليعة ردود الفعل على المآسي الإنسانية، أما الآن، فيبدو أنهم يتركون رئيسهم يتصرّف دون مساءلة."
تزامنت التصريحات مع صدور بيانات جديدة من وزارة الصحة في غزة، تفيد بأن عدد القتلى منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023 تجاوز 52,800 شخصًا، معظمهم من المدنيين، وهو رقم تؤكده تقارير الأمم المتحدة كمصدر موثوق.
وختم غافراس تصريحاته بالقول: "نقترب من حدود الإبادة الجماعية، ولكن القرار النهائي بيد العدالة الدولية".
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثةالمصدر: euronews
كلمات دلالية: دونالد ترامب روسيا أوكرانيا إسرائيل السعودية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دونالد ترامب روسيا أوكرانيا إسرائيل السعودية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دونالد ترامب روسيا أوكرانيا إسرائيل السعودية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فولوديمير زيلينسكي إسبانيا غزة محمد بن سلمان ألمانيا الصين فی غزة
إقرأ أيضاً:
آخر الرجال على الأرض: المثقف بين الصمت والمقاومة
في مشهد خاطف من فيلم إمبراطورية الشمس، يقف الطفل جيم غراهام مدهوشًا وهو يشاهد وهج القنبلة النووية الأولى، ويتمتم:
“كان الأمر كأن الله يلتقط صورة.”
لحظة دمار شاملة تحوّلت في عينه إلى مشهد جمالي مبهر. لم يكن يدرك أن ما رآه هو موت خاطف في ومضة نور، يختلط فيها الرعب بالدهشة
اليوم، يبدو المثقف العربي كجيم: يرى الضوء، يدرك الكارثة، لكنه عاجز عن تحويل الرؤية إلى فعل جماعي أو صرخة واعية.
منذ أن أصبح العالم أحادي القطب، تراجع الدور الذي كانت تلعبه الأخلاق ، وتفوقت القوة على العدالة، وصارت إسرائيل تُرعى كطفل مدلل، بينما خسر العربي صوته وتوازن رؤيته.
تحوّلت الحروب إلى سرديات، والردع صار ناعمًا، تكنولوجيًا، يتسلل ويضرب الوعي لا الجسد.
وفي ظل تفكك النظام العربي، وانحياز العالم لمن يملك القنبلة لا القضية، يظهر سؤالنا الجوهري:
ماذا بقي للمثقف العربي؟ وهل يمكن للكلمة أن تصمد أمام ضوء يُبهر حتى الضمير؟
من الحرب التقليدية إلى الحرب المركّبة – انفجار مزدوج في الجغرافيا والوعي
مقالات ذات صلة عمتي “أم غالب الغرير” مدرسة في الإستقلال الإقتصادي 2025/06/28لم تغب الحرب التقليدية عن المشهد كما قد يُخيّل للبعض. فالمواجهة الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة جاءت لتؤكّد أن الأسلحة التقليدية ما تزال في قلب المعادلة، بل أصبحت أكثر فتكًا وتطورًا.
فقد شهدنا قصفًا متبادلًا بين الطرفين، شاركت فيه الولايات المتحدة بدورها، مستخدمة أحدث طائراتها وأقوى قنابلها التدميرية، في عمليات عسكرية صاخبة ومدروسة.
لكن رغم ضجيج القنابل، لم تكن هذه الحرب صراعًا عسكريًا صرفًا. لقد أصبحت الحرب اليوم هجينة، تتجاوز ميدان المعركة إلى الفضاء السيبراني، والمنابر الإعلامية، وحتى داخل اللاوعي الجمعي.
إسرائيل تمارس القصف بالصواريخ حين تشاء، لكنها تمارس أيضًا الردع الناعم:
تفاوض لتخدير خصمها، تُطبّع لتُشرعن وجودها، وتُنتج سرديات ثقافية تشوّه المقاومة وتُلبس الاحتلال ثوب ملاك.
وهكذا، يتحوّل الصراع من حرب على الأرض إلى حرب على الإدراك.
في هذا السياق، لم يعد المثقف العربي في منأى عن القصف، بل صار بدوره هدفًا رمزيًا لحرب تُعيد تشكيل الحق والحقيقة، حتى دون رصاصة واحدة.
الاستشعار المشلول: حين يعرف العقل ولا تتحرك الإرادة
في معظم العواصم العربية، الخطر الإسرائيلي مفهوم، لكنه غير مُعالَج. تدرك الأنظمة والنخب أن إسرائيل لم تعد فقط “دولة”، بل مشروعًا وظيفيًا للتفوق، والتفكيك، والهيمنة الإقليمية. لكن هذه المعرفة لا تتحوّل إلى فعل.
بعض الدول ترى إسرائيل شريكًا أمنيًا، وأخرى تتعامل معها بمنطق الضرورة. وبين هذه وتلك، ضاع الموقف الجماعي، وتآكلت فكرة الردع العربي.
منذ سقوط المشروع العربي المشترك، غابت استراتيجية المواجهة، وحلّت مكانها حسابات ضيقة:
– “ما دامت لا تمثل تهديدًا مباشرًا، فإن كثيرًا من الدول تُرجئ المواجهة أو تُفضل إدارة العلاقة معها بمنطق الضرورة”.
– أو “الخطر الحقيقي هو إيران، لا تل أبيب”.
وهكذا، تحوّل العدو إلى شريك اقتصادي أو استخباري، وتراجع الإجماع القيمي الذي كان يُوحد العرب على مستوى الوعي الشعبي.
في المقابل، تغلغلت إسرائيل في الإعلام، والتعليم، والتكنولوجيا، ونجحت في فرض سردية جديدة تُظهرها كواحة استقرار وسط “عالم عربي فوضوي”.
الاستشعار موجود، لكنّه استشعار مشلول: كمن يرى الحريق ولا يُطفئه، أو كمن يعرف طريق النجاة لكنه مشغول بالركون إلى السراب.
والمثقف؟
إن لم يكن صوته في هذه اللحظة تحريضًا على الاستفاقة، فهو شاهد زائف على زلزال أخلاقي لم تُرصد شدته بعد.
“وإذا كانت الأنظمة قد اختارت الصمت أو الحذر، فإن السؤال يتوجه إلى من بقي له ضمير الكلمة: المثقف.
موقع المثقف العربي في 2025
في مشهد من فيلم Empire of the Sun، يقف الطفل جيم غراهام مذهولًا أمام وهج القنبلة النووية، ويهمس:
“كان كأن الله يلتقط صورة.”
هكذا تتحول الإبادة، حين تُقدَّم من موقع القوة، إلى حدث جمالي.
وفي 2025، قال وزير الأمن القومي الأمريكي عن الضربة على مفاعل فوردو:
“لقد كانت ضربة رائعة.”
وكأن المشهد العسكري لا يُقاس بالخسائر، بل بجودته التقنية ودهشة الصورة.
هنا يأتي دور المثقف. فوظيفته ليست فقط أن يكتب، بل أن يفضح الزيف الجمالي للسرديات المهيمنة، ويعيد تعيين البؤرة الأخلاقية في عالم تُعاد فيه كتابة القتل بلغة الضوء، والتطبيع بلغة المصالح، والتبعية بلغة الواقعية.
في زمن فقدت فيه الدول العربية بوصلتها، وتحول كثير من الإعلاميين والخبراء إلى مروّجين لخطابات القوة، يصبح المثقف مطالبًا بأن يكون ضميرًا ناقدًا لا تابعًا، وموجهًا لتوجه وطني عاقل لا منفعلًا ولا انعزاليًا.
المثقف ليس حليف سلطة، ولا خصمًا تلقائيًا لها، بل صاحب مسافة نقدية، حارس للمعنى حين تغيب المعايير، وراصد لما يُقال نيابةً عن “الوطن”، بينما الوطن في مكان آخر.
قد لا يحمل طائرات أو نفوذًا، لكنه يحمل ما تخشاه قوى الردع:
السؤال، والتحليل، والقدرة على إيقاظ الوعي الجماعي.
ما تبقّى من المقاومة… ضوء لا يُرى، وكلمة لا تُقصف
في زمنٍ تغيّرت فيه وجوه الحروب، لم تعد المقاومة سلاحًا يُشهر، بل وعيًا يتماسك.
تراجعت الشعارات الكبرى، وصمتت المنابر التي كانت تهتف باسم “التحرير”، وامتلأت الساحة بأصوات عالية، لكنها تخلو من الصدى الحقيقي.
ثمة نوع من الخطاب يُحب أن يُسمي نفسه “مقاومة”،
لكنه في كثير من الأحيان لا يتجاوز بلاغة العتب، أو نبرة الغضب التي لا تهز ساكنًا.
وما يُخشى اليوم، هو أن تتحوّل “الممانعة” إلى أداء لغوي جميل، يعزف خارج التاريخ، بينما الأرض تتغير والخرائط تُرسم بأدوات أخرى.
هذا ما وصفه بعض المفكرين بـ “بلاغة المقاومة”: كلمات أنيقة، لكن دون جذر أو أثر؛
تُشبه غيمة لا تمطر، أو صرخة لا تُفزع.
وفي المقابل، ما أحوجنا إلى مقاومة ناعمة لكن عميقة، صامتة لكن صادقة، تُعيد ترتيب الحواس قبل أن تطلب الفعل.
لقد تفككت السرديات الكبرى، تلك التي كانت تُغذي الحلم الجماعي:
حكاية التحرر الوطني، ونداء القومية، وحتى مشروع النهضة الإسلامية.
ولم يبقَ للمثقف إلا أن يتحرك بين الشظايا، باحثًا عن سردية جديدة لا تُخدر، بل تُنير.
لا نحتاج إلى أوهام جديدة، بل إلى وعي يقظ، يُقاوم من داخل اللغة، ومن داخل الضمير.
المثقف المقاوم اليوم ليس بالضرورة ثائرًا،
لكنه من يحفظ للكلمة معناها، وللموقف ظلاله، وللذاكرة طهرها.
هو من يعيد ترتيب الأبجدية في زمن نُزعت منه المعاني، ويقول لا دون أن يصرخ،
ويصمد دون أن يحمل سلاحًا، لأن ما يملكه لا يُقصف: المعنى، والكرامة، والأسئلة التي لا تموت.
الخاتمة:
في عالمٍ تتساقط فيه الأقنعة، ويتراجع فيه أثر الكلمة أمام وقع المدافع وأرقام الأسواق، لم يعد المثقف العربي ذلك “النبي” الذي يقود الأمة، بل بات في كثير من الأحيان شاهداً حائراً، أو صوتاً مكسوراً في منفى داخلي أو خارجي. وكما تُظهر زينة حلبي في كتابها “تقويض المثقف العربي”، فإن صورة المثقف قد تآكلت بفعل الهزائم المتراكمة، وانكسارات الحلم الجماعي، حتى غدت وظيفته اليوم أقرب إلى الرثاء منها إلى التبشير.
وفيما تنشغل قوى إقليمية قريبة كتركيا وإيران بتكريس مشاريعها القومية في قلب عالم تحكمه المصالح وتغيب عنه العاطفة، لا تزال القوى الصاعدة، شرقية كانت أم جنوبية، تحاول أن تُعيد إنتاج ذاتها في مواجهة التهديدات الوجودية. وفي ظل هذا المشهد، لا يبقى أمام العربي إلا أن يلتفت إلى الداخل، لا استسلاماً، بل بحثاً عن جذورٍ تؤسس لنهضة حقيقية، وأن يعيد بناء مشروعه الوطني بعيداً عن الشعارات الموروثة، معتمداً على ذاته، وعلى وعيه بتاريخ طويل من المحن والفرص الضائعة.
ربما آن أوان الخروج من حالة الانتظار الطويل — انتظار المنقذ، أو القوة الخارجية، أو الإجماع المستحيل — نحو تأسيس وعي جديد، ينبت من الأرض، ويخاطب العصر لا أوهامه.
كما قال جيم غراهام، الطفل الناجي في إمبراطورية الشمس:
كان الأمر كأن الله يلتقط صورة…
لم يكن الله غائبًا، ولا لاهيًا عن آلام البشر،
بل ترك لنا المبادرة بالفعل، وجني الثمرة، وتذوق حلاوتها، وربما مرارتها.
نحن من لا يفهم حكمته في لحظة الألم.
فهل يا ترى سنقوم بدورنا، كما أراد لنا أن نقوم به؟
في لحظة الخوف، ومع تصاعد القنابل، لم يرَ جيم مجرد انفجار، بل لحظة كثيفة بالمعنى، لحظة لا يفهمها إلا من يحدّق في قلب المأساة.
كان جيم يرى النور ولا يعرف أنه موت، أما المثقف اليوم، فيراه ويعرف… لكنه يواجه السؤال الأثقل: ماذا بعد المعرفة؟
كذلك هو المثقف: لا يملك طائرات ولا نفوذ، لكنه يملك ما لا يُقصف: السؤال، الذاكرة، والموقف.
الصورة التي يلتقطها ليست ضوءا عابراً، بل كشفًا أخلاقيًا.
وما دامت هناك عينٌ تُسمي الضوء وتكشف مصدره، فثمة أمل في استعادة الرؤية.
لأن المثقف، وإن كان آخر الواقفين، لا يزال يرفع الكاميرا في وجه المدفع.
سعيد ذياب سليم