لبنان.. الغائب الحاضر في خطاب الشرع
تاريخ النشر: 16th, May 2025 GMT
- دهاليز النظام الجديد وصراع الجغرافيا المقدسة!
- غياب لا يُستهان به.
- نقطة، ومن أول السطر: لبنان.
البلد الذي يعيش على أرضه أكثر من مليون لاجئ سوري، وتتنفس فيه الأزمات بصوت مرتفع، غاب عن خطاب الشرع كما لو أنه لم يكن موجودًا أصلًا. غيابٌ لم يكن بريئًا، ولا عفويًا، بل كان الصمت فيه أفصح من التصريح، وأشد وقعًا من الكلمات.
في زمن تُعاد فيه صياغة خريطة الشرق الأوسط، يصبح الغياب أداةً، والتغاضي رسالةً سياسية بامتياز. إسقاط لبنان من الخطاب ليس مجرد خطأ بروتوكولي، بل انعكاس لتحولات عميقة في فهم النظام القادم، حيث لا مكان للضعفاء، ولا صوت لمن لم يدخل بيت الطاعة.
التحالفات الناعمة.. من منطق السيادة إلى هندسة الولاءالمنطقة تُرسم اليوم ليس وفق إرادة الشعوب، بل بناءً على خرائط خفية تُدار في غرف مغلقة. الخطاب العربي الرسمي يتماهى شيئًا فشيئًا مع مشروع «هندسة الولاء»، حيث يُعاد ترتيب الأوراق وفق منطق التحالفات الناعمة، لا المعارك الصلبة.
لم يعد الصراع بين قوى تقليدية، بل بين من يُسلّم بالشروط الجديدة ومن يرفض. وهنا يتضح أن خطاب الشرع لم يكن موجّهًا للداخل فقط، بل للغرب الذي يرعى «نظام الطاعة الجديد»، حيث تتحول الجغرافيا إلى خدمة المصالح الاقتصادية والعقائدية الملفوفة بخطاب «السلام الإبراهيمي»، ذلك المشروع الذي أعلنه ترامب، لا كنداء حوار حضاري، بل كمنصة لإعادة صياغة المشهد السياسي والديني في المنطقة.
لبنان في مرمى الخرائط الاقتصادية والأمنيةرغم صغره، يشكل لبنان بوابة استراتيجية تمتد من البحر المتوسط إلى الحدود السورية، مرورًا بمخيمات اللاجئين، والمرافئ المعطّلة، والمصارف المُفخخة. وهو بذلك، يشكل محورًا حساسًا في صراع أكبر من حدوده، بين مشروع الغرب ومحور الصين وروسيا الباحثين عن ممرات آمنة لمبادرة «الحزام والطريق».
لم يغب عن عقل صانع القرار الغربي أن لبنان قد يكون ذات يوم منفذًا للصين على المتوسط، أو شريانًا لمشروع روسي في شرق المتوسط، لذا يُدفع به اليوم نحو الانهيار الصامت، والتفكك الداخلي، تمهيدًا إما لترويضه أو استبعاده من المعادلة الجديدة.
اللاجئون: أرقام على هامش الجغرافيا السياسيةاللاجئون السوريون في لبنان، الذين يعيشون هناك منذ سنوات، أصبحوا ورقة مساومة دولية أكثر من كونهم حالة إنسانية. يُستخدم وجودهم كورقة ضغط على الدولة اللبنانية، وورقة تفاوض مع دمشق، كما يتم توظيفهم في الخطابات الأممية بحسب الحاجة.
تجاهلهم في الخطاب لا يعني النسيان، بل هو جزء من لعبة إعادة توزيع الأوراق، في خضم عملية أوسع لإعادة تشكيل الاصطفاف والتحالفات في المنطقة.
التحالف الإبراهيمي: عباءة جديدة لمشروع قديمحين أطلق ترامب خطابه حول التحالف الإبراهيمي، لم يكن يتحدث عن إيمان مشترك، بل عن اصطفاف جيوسياسي تحت غطاء ديني ناعم، يمر عبر تل أبيب ويصل الخليج، ويترك بيروت ودمشق خارج خارطة السلام.
إنه مشروع يؤسس لعالم عربي جديد بلا مقاومة، بلا لاجئين، وبلا دول خارج النسق.
خاتمة: ما بين الغياب والتغييب.. .لبنان مرآة مأزقنا العربيلم يكن تغييب لبنان عن الخطاب إلا انعكاسًا لمأزق أعمق: مأزق الخطاب العربي الرسمي في زمن التحولات الكبرى. ففي لحظة يُعاد فيها رسم خرائط الولاء والهيمنة، يتحول لبنان من ساحة فاعلة إلى ملف مؤجل، ومن أزمة داخلية إلى تفصيل صغير في معادلات كبرى.
وهكذا، تُغيب الدول كما تُغيَّب القضايا، لا لأن حضورها غير مهم، بل لأن وجودها يُربك الصفقات.
لبنان، في صمته وتهميشه، يختزل حال أمة تعيش على هامش الخرائط الدولية، أمةٍ ما زالت تبحث عن صوت في زمن تُكتب فيه اللغة بلغة المصالح، لا المبادئ.. .!!
اقرأ أيضاًوزير الزراعة يبحث مع نظيره اللبناني تعزيز التعاون المشترك بين البلدين
مايا مرسي تلتقي وزيرة الشؤون الاجتماعية بلبنان
القاهرة الإخبارية: غارة الاحتلال على منطقة «الحدث اللبنانية» كانت مباغتة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: لبنان الشرع الحدود السورية خطاب الشرع الخرائط الاقتصادية لم یکن
إقرأ أيضاً:
تحذيرات أمريكية لحزب الله.. لا تُغضبوا ترامب وانزعوا السلاح فوراً
“Hezbollah has to be gone” بهذه الكلمات اختصر السفير الأميركي في تركيا، والمبعوث الرئاسي إلى سوريا، توم باراك في مقابلة تلفزيونية ما تريده الولايات المتحدة من لبنان بالنسبة لـ “حزب الله”. ففي زيارته الأخيرة إلى لبنان، حمل باراك ملفات عديدة ملحّة تمحورت حول ديناميات وأولويات واشنطن المتعلقة بالسيادة اللبنانية، والنزاعات الحدودية جنوبًا وشرقًا، ونزع سلاح “حزب الله”. وهذه الملفات تزامنت مع “تحذير واضح وحازم” للمسؤولين اللبنانيين من العواقب الكارثية على لبنان في حال استمرار عملية “التمييع” لملف “حزب الله” وتسليم سلاحه وبسط سلطة الدولة وإنجاز الإصلاحات لا سيما منها القضائية والمالية وليس فقط إحداث بعض التغييرات في الوجوه في هذا المنصب أو ذاك.
ورغم أن باراك كان حازمًا، ولكن بدبلوماسية، إلا أن المراقبين في واشنطن اعتبروا أنه ترجم نظرية “madman” (الرجل الذي لا تتوقع ردة فعله) التي ينتهجها رئيس البيت الأبيض من خلال سياسة “الضغط القصوى” في المنطقة عمومًا، وهو ما حصل من خلال تعامل ترامب مع الملف الإيراني الإسرائيلي، أو ملف حلف شمال الأطلسي. من هنا، لا أحد يريد مجادلة الرجل – أو فريقه – الذي يصوّر نفسه بأن أفعاله غير متوقعة، “لأنك لست متأكدًا مما سيفعله في حال حصول أزمة”. وينقل مقربون من البيت الأبيض، أن فريق ترامب واضح في مطالبه من لبنان. فهو يحث المسؤولين اللبنانيين على تكثيف جهودهم، وتحملهم مسؤولية أكبر بكثير، في موازاة تعبير واشنطن عن استيائها مرارًا وتكرارًا. وبحسب مصدر في وزارة الخارجية الأميركية قال حرفيًا إن نزع السلاح يجب أن يتم فورًا وبشكل كامل. وتلفت هذه المصادر إلى أن أحدًا في لبنان لا يريد أن يرى مفاعيل تحوّل فريق البيت الأبيض من سياسة الـ madman إلى سياسة الـ angry man.
في هذا الإطار، قالت كبيرة الباحثين في معهد واشنطن، حنين غدار، إنه على الجانب اللبناني أن يعي أن الوضع في المنطقة تغيّر بشكل جذري، وأن باراك يعبّر في كلامه عن السياسة الحالية للإدارة الأميركية. وأضافت غدار لـ “نداء الوطن” أن المنطقة انتقلت الآن إلى مرحلة “قصقصة جوانح إيران” وبالنسبة للبنان هذا يعني الانتهاء من حل ملف سلاح “حزب الله” وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيه.
وأكدت أن التركيز على لبنان سيتزايد من جانبين: الأول سياسي، يتولاه باراك “كمبعوث de facto للبنان”، وهو يعمل على ترجمة سياسة البيت الأبيض المتعلقة بتوسيع ملف الاتفاقات الابراهيمية، مشيرة إلى أن العمل جار على تحقيق السلام بين سوريا وإسرائيل، وملف لبنان هو ضمن ذلك. أما الجانب الثاني، فهو “تلزيم” إسرائيل مهمة الانتهاء من مسألة السلاح في حال تم طرح أفكار تؤدي إلى المماطلة أكثر منها إلى الحل. من هنا، تقول مصادر دبلوماسية أميركية إن واشنطن لا تأبه للدينامية اللبنانية الداخلية، بل جلّ ما يهمها هو النتيجة السريعة والنافذة، وعلى المسؤولين اللبنانيين التحرر من متلازمة ستوكهولم والتوقف عن إيجاد أعذار لـ “أفكار كاسدة”.
وتشير المصادر في واشنطن إلى أن الجانب اللبناني أبلغ الأميركيين بإنجاز الخطة التي كانت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس قد طلبتها، لافتين إلى أن كلام باراك والبنود التي يتم التداول بها على أنها الورقة التي قدمها في بيروت يعكسان بعض بنود الخطة التي حصل تعديل طفيف على بعض بنودها من قبل واشنطن. غير أن المصادر شددت على أن الفريق الأميركي سجّل استياء كبيرًا من الإطار الزمني (timeframe) الذي تلحظه الخطة ووضعوه في إطار كسب الوقت. وما مقارنة باراك بين سرعة تقدّم الملف السوري في مقابل تباطؤ الملف اللبناني إلا ترجمة لهذا الاستياء. وتعتبر مصادر قريبة من الإدارة الأميركية أن استراتيجية المماطلة وشراء الوقت غير مجديين لا بل مؤذيين للبنان.
وينقل عدد من اللبنانيين الأميركيين الذين زاروا بيروت مؤخرًا أن الخطة اللبنانية أو ما يسمونه “خطة الرئيس جوزاف عون” تلحظ مهلة تمتد إلى أواخر العام الحالي وقد يتعدى بعض بنودها بضعة أشهر من العام 2026. غير أن “تأخير المهل” إلى السنة المقبلة غير وارد في أوساط الفريق الأميركي، لا بل يصر الجانب الأميركي على تنفيذ الشطر الأمني على كامل الحدود اللبنانية من الجنوب إلى الحدود الشرقية “البارحة قبل اليوم”.
في هذا الإطار، شدد السفير الأميركي السابق ورئيس مجموعة العمل الأميركي من أجل لبنان، إد غبريال، على أن “توقيت نزع السلاح وترسيم الحدود والإصلاحات الاقتصادية أمور بالغة الأهمية”، مشيرًا إلى أنه تمت مناقشة التوقعات/التوقيت المحدد بوضوح مع الجانب اللبناني خلال زيارة باراك الأخيرة. وقال لـ “نداء الوطن” إن المماطلة وتجاهل الجداول الزمنية وعدم الالتزام بالتنفيذ أمور ينتج عنها تراجع في الدعم الأميركي، أي أنه يصبح الحصول على الدعم الأميركي أكثر صعوبة. من هنا تلفت غدار بإيجابية إلى قراءة وليد جنبلاط الأخيرة للأحداث، وتدعو إلى تلقف رسالة التغيير بعد سقوط كل التركيبة الداعمة لطهران في المنطقة.
كذلك، دق غبريال ناقوس الخطر، قائلًا “لقد أحرز لبنان تقدمًا هامًا وفي الوقت المناسب، يستحق الإشادة عليه، بقيادة الرئيس عون ورئيس الوزراء سلام وحكومتهما”، إلا أنه “في ضوء حركة الإصلاح السريعة الجارية في سوريا والاهتمام الذي تحظى به دمشق من دول الخليج والحلفاء الآخرين في المنطقة، حيث يقومون بتسريع الإصلاحات الأمنية والاقتصادية، فإن تأخير تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وإقرار إصلاحات اقتصادية رئيسية سيُحوّل اهتمام الولايات المتحدة إلى سوريا وأولويات أخرى”.
ودعا غبريال إلى ضرورة أن تشمل الإصلاحات الحكومية الرئيسية حل مشكلة المصارف وإعادة هيكلتها، بما في ذلك إقرار قانون الفجوة، وإصلاح القضاء، والخدمة العامة، وغيرها من الإصلاحات ذات الصلة التي تعزز الشفافية والحوكمة الرشيدة. والأهم من ذلك، لفت إلى أن العمل على تسوية ترسيم الحدود مع سوريا وإسرائيل سيوفر دفعة دعم قوية من الولايات المتحدة للبنان