تنعقد القمة العربية الرابعة والثلاثون غدا السبت في بغداد، وسط أجواء سياسية إقليمية مشحونة، وأزمات عربية متفاقمة، تتراوح بين الحروب، والانقسامات الداخلية، والانهيارات الاقتصادية، في مشهد يبدو أنه يعيد طرح سؤال "البيت العربي": هل يمكن ترميمه من جديد؟

وتأتي قمة بغداد بينما لا يزال الدم الفلسطيني يسيل في غزة، مع تفاقم المجاعة في القطاع المحاصر، ووسط عجز عربي عن وقف المأساة، ما يضيف على أعمال القمة طابعاً إنسانياً ضاغطاً، يختبر صدقية التعهدات والمواقف الرسمية.



كما تنعقد القمة بعد زيارة تاريخية للرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى عدد من دول الخليج، التقى خلالها بالرئيس السوري أحمد الشرع، في تطور يعكس رغبة أميركية في إعادة تدوير العلاقة مع دمشق. لكن المفارقة أن الشرع نفسه لم يُقبل حضوره في بغداد من قِبل الدولة المضيفة، ما اضطر دمشق إلى إيفاد وزير خارجيتها أسعد الشيباني لترؤس وفدها، في تسوية سياسية حذرة تجنّباً لتفجير الخلافات العراقية الداخلية.

"نموذج خليجي ملهم" في مواجهة الفوضى الإقليمية

في خضم مشهد الاصطفافات المتبدلة، برزت تغريدة لافتة للمستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي أنور قرقاش، علّق فيها على زيارة ترمب قائلاً: "الأموال في غياب الرؤية والحكمة وحسن التدبير لا تبني نهضة الدول ولا تضمن رفاه الشعوب، فكم من موارد أُهدرت دون أن تثمر. تجربة الخليج والإمارات، تثبت أن النجاح يتطلب القيادة الخيرة الحكيمة ومنظومة متكاملة من السياسات الرشيدة، والاستثمار في الإنسان، والتخطيط طويل المدى."

وأضاف: "زيارة الرئيس ترمب بزخمها الإعلامي والسياسي، عرضت أمام العالم نموذجاً عربياً ناجحاً يجمع بين الطموح الاقتصادي والهوية الحضارية، وأكدت أن الخليج قادر على تقديم قصص نجاح تُلهم المنطقة والعالم."

الأموال في غياب الرؤية والحكمة وحسن التدبير لا تبني نهضة الدول ولا تضمن رفاه الشعوب، فكم من موارد أُهدرت دون أن تثمر. تجربة الخليج والإمارات، تثبت أن النجاح يتطلب القيادة الخيرة الحكيمة ومنظومة متكاملة من السياسات الرشيدة، والاستثمار في الإنسان، والتخطيط طويل المدى.

زيارة… — د. أنور قرقاش (@AnwarGargash) May 16, 2025

هذا التوصيف يُقارن ضمنًا بين المسارات الخليجية المستقرة، وبين مسارات عربية أخرى تعصف بها النزاعات والتخبطات السياسية، ما يعيد طرح سؤال النموذج العربي القابل للتصدير.

الإعلام في قلب القمة.. إشادة بالتنظيم ورسائل تضامن من بغداد

في سياق التحضيرات اللوجستية والإعلامية التي سبقت قمة بغداد، أشاد الأمين العام المساعد، رئيس قطاع الإعلام والاتصال في جامعة الدول العربية، أحمد رشيد خطابي، بالإجراءات التنظيمية المتخذة من قبل السلطات العراقية، مؤكداً أن "العراق اتخذ ترتيبات محكمة لتسهيل التغطية الصحفية للقمة، في أجواء احترافية تعكس الاهتمام الإعلامي العربي والدولي الكبير بهذا الحدث."

وقال خطابي إن انعقاد القمة فوق أرض العراق يحمل دلالة عميقة، بحكم وزن العراق في المحيط العربي ودوره الأساسي في تعزيز التضامن والتنسيق بين الدول الأعضاء، لأجل مواجهة كل التحديات المطروحة بروح من المسؤولية.

وأشار إلى أن الجميع يستشعر الظرفية الاستثنائية التي تمر بها المنطقة، وأن القمة تمثل منصة لاستشراف رؤية مستقبلية تتناول القضايا السياسية والتنموية، مبرزاً أهمية انعقاد القمة الاقتصادية التنموية عقب القمة الدورية، باعتبارها فضاءً لمناقشة مشاريع تنمية الإنسان العربي والنهوض بالمنطقة في المشهد العالمي.

كما نوّه إلى أن اللجنة العليا العراقية، بإشراف مباشر من رئيس الوزراء، وفرت كل التسهيلات الممكنة لتمكين الصحفيين من تغطية أعمال القمتين بأفضل الظروف، في خطوة لاقت ترحيباً واسعاً في الأوساط الإعلامية العربية.



حضورٌ كثيف ورسائل سياسية

تؤشر قائمة القادة العرب الذين أكدوا حضورهم على رغبة العديد من الدول في دعم المبادرة العراقية، ومن بينهم:

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان

أمير قطر الشيخ تميم بن حمد

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي

الملك الأردني عبد الله الثاني

الرئيس الإماراتي محمد بن زايد

الرئيس الفلسطيني محمود عباس

رؤساء، ليبيا، جيبوتي، جزر القمر، وموريتانيا

كما يُشارك رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز كـ "ضيف شرف"، في إشارة لتعزيز الانفتاح العربي الأوروبي عبر البوابة العراقية.

غيابات لافتة وتوازنات دقيقة

في المقابل، يغيب عدد من القادة عن القمة، لأسباب متعددة سياسية أو لوجستية، من أبرزهم:

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

الملك المغربي محمد السادس

الرئيس السوري أحمد الشرع (حيث سيرأس الوفد وزير الخارجية الشيباني، بعد جدل داخلي عراقي حول مشاركته)

السلطان العُماني هيثم بن طارق

الرئيس التونسي قيس سعيد

رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان

هذه الغيابات لا تعني بالضرورة عزوفًا عن القمة، لكنها تعكس حساسيات داخلية أو تحفظات دبلوماسية، وسط مساعٍ حثيثة من الجامعة العربية لتقريب المواقف، وتخفيف حدة التوترات الثنائية، خصوصًا بعد الأزمة الإماراتية ـ السودانية الأخيرة، وملف عودة سوريا.

جدول حافل.. وملفات شائكة

تتناول القمة ملفات محورية، أبرزها:

القضية الفلسطينية، مع تأكيدات عراقية بصدور "إعلان بغداد" المتعلق بدعم غزة والمطالبة بوقف إطلاق النار وفتح المعابر.

الشأن السوري، مع مسودة قرار قيد النقاش لدعم الشعب السوري ورفع العقوبات.

مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وإنشاء مراكز عربية متخصصة.

دعم التكامل الاقتصادي، والربط الكهربائي والمشاريع المشتركة بين العراق، مصر، والأردن.

قمة اختبار النوايا

تمثل قمة بغداد اختبارًا حقيقيًا لما تبقى من إرادة جماعية في العالم العربي. حضور شخصيات وازنة، مقابل غيابات مؤثرة، يعكس تباينًا في الرؤى والتوجهات. ومع ذلك، يبقى الاجتماع العربي في حد ذاته مكسبًا، في ظل عالم مضطرب يبحث فيه العرب عن موقف موحد، ولو من باب الحد الأدنى.


المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية القمة العربية العراقية العراق قمة تقرير عرب المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قمة بغداد

إقرأ أيضاً:

قادة العالم يتعهدون بدعم التنمية في قمة إشبيلية بغياب ترامب

بدأت في إشبيلية الإسبانية اليوم الاثنين قمة -تعقد مرة كل عشر سنوات- مع زيادة الضغوط على قادة العالم لتسريع وتيرة إحراز تقدم بشأن الحد من الفقر ومكافحة تغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهي قضايا يزداد خطر الفشل في تحقيقها.

ومن المقرر أن يحضر القمة أكثر من 50 من قادة دول العالم، لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أبرز الغائبين بعد أن انسحبت الولايات المتحدة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم منها، ورفضت دعم خطة عمل وُضعت العام الماضي.

وشملت الموجة الأولى من الإعلانات خطة تاريخية لفرض ضرائب جديدة على الطائرات الخاصة ورحلات الدرجة الأولى من باربادوس وكينيا وفرنسا وإسبانيا وعدد من الدول الأخرى.

وتضمن اتفاق "مخرجات" وضع قبل القمة زيادة قدرة الإقراض متعدد الأطراف إلى ثلاثة أمثال وتخفيف أعباء الديون والدفع باتجاه تعزيز نسب الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 15 بالمئة على الأقل وتحويل حصص خاصة من صندوق النقد الدولي إلى الدول الأكثر احتياجا إليها.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن الهدف من القمة هو "إصلاح وتنشيط" منظومة التعاون في ظل "تلاشي الثقة وتوتر العلاقات متعددة الأطراف".

وأضاف غوتيريش في الجلسة الافتتاحية للقمة المنعقدة في وقت تتعرض فيه المنطقة لموجة حر شديد إن "وثيقة التزام إشبيلية هي وعد عالمي بإصلاح الطريقة التي يقدم بها العالم الدعم للدول الأكثر فقرا".

وبالإضافة إلى مساعدة الدول على جمع المزيد من الضرائب لإنفاقها على التنمية، قال غوتيريش إن من الضروري تكثيف إصلاح بنوك التنمية العالمية حتى تتمكن من إقراض أموال أكثر وجذب رؤوس الأموال الخاصة.

بدوره، انتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره الأميركي دونالد ترامب، واصفا قرار بدء حرب تجارية في وقت يشهد فيه العالم ضغوطا هائلة بأنه "غريب".

إعلان

وطالب ماكرون البنك الدولي وبنوك التنمية الكبرى الأخرى بأن تكون مستعدة للتضحية بتصنيفاتها الائتمانية العالية إذا لزم الأمر من أجل تحقيق تلك الأهداف.

مقالات مشابهة

  • نائبة وزيرة التضامن الاجتماعي تترأس وفد مصر في الاجتماع العربي التحضيري لقمة التنمية الاجتماعية بتونس
  • "رئيس البريد" تترأس أعمال الاجتماع الـ47 للجنة العربية الدائمة للبريد
  • بدعم إقليمي ودولي.. أطراف سياسية تدفع لتأجيل الانتخابات العراقية
  • قادة العالم يتعهدون بدعم التنمية في قمة إشبيلية بغياب ترامب
  • الرئيس العراقي يؤكد عمق العلاقات مع مصر.. ومدبولي يشيد بدور بغداد في دعم القضية الفلسطينية
  • غسان سلامة: الشعوب العربية تخاذلت عن نصرة غزة
  • القنصل الإيراني: التبادل التجاري بين العراق وإيران لم يتوقف خلال القصف الإسرائيلي
  • آلا طالباني: أزمة رواتب الإقليم سياسية ومالية والاتفاق مع بغداد بات وشيكاً
  • عاجل.. حريق ضخم في وسط العاصمة العراقية بغداد
  • العراق رابعاً في نمو الاقتصاد بين الدول النفطية العربية لعام 2025