أسباب اشتباكات طرابلس وتداعياتها على الشأن الليبي
تاريخ النشر: 17th, May 2025 GMT
طرابلس- تجددت الاشتباكات المسلحة في العاصمة الليبية طرابلس الأسبوع الماضي بين قوات "اللواء 444 قتال"، التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، وقوات "جهاز الردع" بإمرة عبد الرؤوف كارة، التابعة -شكليا- للمجلس الرئاسي منذ عام 2018.
وأعادت هذه الاشتباكات مشهد الفوضى والانقسام الأمني والسياسي في ليبيا إلى الواجهة مجددا، وسط مخاوف شعبية من انزلاق العاصمة إلى دوامة حرب أهلية جديدة، بعد استقرار أمني نسبي شهدته البلاد منذ اتفاق جنيف 2021.
وفي التقرير التالي، نفكك خلفيات هذا الصراع، من خلال قراءة مواقف الأطراف الرسمية والشعبية والمسلحة من الاشتباكات الأخيرة وخلفياتها العميقة.
ما الذي حدث في طرابلس؟اندلعت معارك داخل العاصمة طرابلس حصدت أرواحا وخلفت دمارا، بين قوات "جهاز الردع" بإمرة عبد الرؤوف كارة، المحسوبة على المجلس الرئاسي، وقوات "اللواء 444 قتال"، التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، وذلك بعد إصدار الأخيرة قرارات بإعادة هيكلة بعض الأجهزة الأمنية في العاصمة وإبعاد قادتها.
وتأتي هذه الاشتباكات بعد يوم واحد من مقتل القائد الميداني عبد الغني الككلي (غنيوة) في اجتماع رسمي بمقر "اللواء 444″، وسيطرة الحكومة على جميع مقراته الأمنية.
إعلانويعد الككلي شخصية بارزة تولت قيادة جهاز دعم الاستقرار ومنصب رئيس جهاز الأمن التابع للمجلس الرئاسي، الأمر الذي اعتبره البعض محاولة من رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة لتوسيع سيطرته على المنطقة الغربية بالكامل.
وتمكنت وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية من تنفيذ وقف لإطلاق النار رسميا، مساء أمس الخميس، في جميع محاور التوتر بالمدينة، من خلال نشر وحدات أمنية محايدة في عدد من نقاط التماس، لتجنب المزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات، بعد قتال امتد نطاقه ليطال مناطق حيوية داخل العاصمة طرابلس.
أصدر رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة قرارا بحل ما سمّاها "الأجهزة الأمنية الموازية"، مؤكدا أنه "سيتم الضرب بيد من حديد" على المخالفين، وذلك خلال اجتماع أمني عالي المستوى مساء الثلاثاء (13 مايو/أيار الحالي)، بحضور وزير الداخلية المكلف اللواء عماد مصطفى الطرابلسي، ووكيل وزارة الدفاع عبدالسلام الزوبي، وآمر "اللواء 444 قتال" اللواء محمود حمزة.
وتسعى حكومة الوحدة لبسط نفوذها الكامل على المنطقة الغربية وتقليص صلاحيات تلك الأجهزة، بدعوى إعادة هيكلة المشهد الأمني، ويأتي هذا القرار كخطوة أولى لتنفيذ الخطة الأميركية الجديدة التي قدمتها واشنطن لطرابلس في فبراير/شباط الماضي.
وأكدت تقارير أميركية وتلميحات مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشؤون الأفريقية مسعد بولس، ومبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف، أن الخطة الأميركية تهدف لتشكيل قوة عسكرية تتولى مهام مكافحة الإرهاب والهجرة، تحت مظلة جيش موحد يتبع حكومة الوحدة الوطنية.
كيف رد المجلس الرئاسي الليبي؟أصدر رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي قرارا بتجميد قرارات حكومة الوحدة الوطنية ذات الطابع العسكري، ضمن حزمة قرارات على خلفية النزاع المسلح الحاصل بين قوات الحكومة و"جهاز الردع"، محاولا الحفاظ على استقلالية مهامه بصفته القائد الأعلى للجيش.
إعلانويرتبط جهازا "دعم الاستقرار" و"الردع" إداريا ومن الناحية القانونية بالمجلس الرئاسي، لكنه في الواقع العملي يتمتع باستقلالية كبيرة ولا يخضع لرقابة النيابة العامة ووزارة العدل.
ما موقف الأجهزة المسلحة المحلية كطرف ثالث؟تأسس "جهاز الردع" لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بعد سقوط نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي عام 2011، ومقرّه قاعدة معيتيقة، ويقوده عبد الرؤوف كارة المعروف بانتمائه للتيار السلفي المدخلي (يعرف بتيار الولاء المُطلق للحاكم).
بدأ الجهاز كقوة عسكرية تابعة للمجلس العسكري في سوق الجمعة، ثم تطور إلى "قوة الردع" الخاصة تحت إشراف وزارة الداخلية، قبل أن تعاد هيكلته بموجب قرار المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني عام 2018، ليُصبح جهازا لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة ويتمتع بصفة الضبط القضائي.
منح هذا القرار الجهاز شرعية قانونية كاملة زادت من نفوذه وسطوة أعماله، لكنه يُعد من أبرز الأجهزة المثيرة للجدل، من حيث طبيعة ممارساته وسجونه، خصوصا سجن "معيتيقة".
ومن المفترض أن تخضع معتقلات الجهاز لرقابة قانونية من النيابة العامة ووزارة العدل، لكن الواقع مختلف تماما؛ حيث يحتجز "الردع" آلاف الأشخاص بشكل تعسفي، ولم تتمكن النيابة العامة من زيارة السجن بشكل منتظم أو مراقبة الأوضاع داخله، بحسب تقارير منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" وبعثة تقصي الحقائق الأممية.
ما أسباب هذا التصعيد؟تُعتبر الضغوط الدولية لإعادة تشكيل الخارطة الأمنية أحد أبرز الأسباب، حيث تحاول حكومة الدبيبة إعادة توزيع النفوذ الأمني في العاصمة لصالحها قبل أي استحقاق سياسي قادم، في ضوء تسريبات عن خطة أميركية لدعم قوة نظامية موحدة في غرب ليبيا.
كما تخشى "قوات الردع" فقدان شرعيتها ونفوذها ومواقعها التي حصلت عليها منذ سنوات الثورة، فضلا عن خوفها من تعرضها لمحاكمات دولية بشأن الانتهاكات الإنسانية التي تتهَم بها، خاصة بعد مطالبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان النيابة العامة بحكومة الوحدة بتسليم آمر جهاز الشرطة القضائية ورئيس سجن معيتيقة أسامة نجيم للمحاكمة الدولية.
إعلانوعبّر غالبية المواطنين عن رفضهم القاطع لتجدد الاشتباكات في طرابلس، معتبرين أن هذا الصراع يعكس عمق الأزمة السياسية وغياب دولة المؤسسات.
ما تداعيات الاشتباكات على التوازن السياسي؟كشفت الأزمة هشاشة الوضع الأمني في العاصمة، وأكدت مجددا أن هذا المشهد لا يزال رهينة المجموعات المسلحة، إلى جانب تعميقها لحالة الجمود السياسي، وتعطيل جهود الأمم المتحدة المتعثرة لاستئناف المسار الانتخابي المتوقف، وذلك وفق تقرير البعثة الأممية في ليبيا الصادر 10 مايو/أيار 2025.
ويرى المحلل السياسي حازم الرايس في حديث للجزيرة نت، أن هذه الاشتباكات زادت من المخاوف الشعبية من عودة سيناريو الحرب الشاملة داخل العاصمة، خاصة في ظل حالة الانقسام السياسي بين الشرق والغرب، حيث يهدد استمرارها بانهيار كل المساعي لإيجاد حل سياسي سلمي، مما ينذر بانفجار الوضع الأمني في طرابلس مجددا وجر البلاد إلى صراع طويل الأمد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات حکومة الوحدة الوطنیة المجلس الرئاسی النیابة العامة اللواء 444 قتال جهاز الردع فی العاصمة
إقرأ أيضاً:
الدبيبة يستهدف جهاز الردع بعد الككلي.. هل ينجح في هزيمته أم تنتهي حكومته؟
أثار قرار رئيس حكومة الوحدة الليبية، عبد الحميد الدبيبة إعلان عملية عسكرية ثانية ضد قوات جهاز "الردع" بعض الأسئلة عن مدى نجاحه في هزيمة هذه القوات المنظمة والمسيطرة على أغلب مؤسسات الدولة في طرابلس، مقابل قدرة هذا الجهاز على هزيمة الحكومة وإنهاء وجودها.
وأعلن الدبيبة خلال بيان متلفز أن حكومته "ستضرب بيد من حديد أي قوة خارجة عن شرعية الدولة، وأنه لا مكان إلا لقوات الجيش والشرطة وأي مجموعة خارجة عنهما سيتم استهدافها".
"قرارات حل وتسريح"
ولم يكتف الدبيبة بتهديد قوات الردع؛ بل أصدر حزمة من القرارات بصفته وزيرا للدفاع يحل فيها جميع الأجهزة التابعة لهاز ويسرح جنودها، بل أعلن رسميا انطلاق عملية عسكرية للهجوم على مقرات الردع والاستيلاء عليها واعتقال قادة الجهاز.
لكن المفاجأة أن "هذه القوات كانت متوقعة للخطوة ومستعدة لها، فقامت بالاشتباك مع القوات التابعة للحكومة وقتل عددا منها واعتقال آخرين، بل نجحت قوات الردع أيضا في حشد متظاهرين في أغلب أحياء طرابلس ضد حكومة الدبيبة متهمة الأخير بأنه يريد تمكين قوات مصراتة" (مسقط رأسه).
"تراجع ووقف العمليات"
وبالفعل خرجت مظاهرات عدة مازالت تهتف بإسقاط الدبيبة وحكومته ومحاكمته على ما حدث في طرابلس وطرد قوات "مصراتة" من العاصمة، ما أجبر الدبيبة على وقف إطلاق النار ووقف العمليات.
وتسارعت الأحداث في العاصمة الليبية طرابلس بعد إطلاق حكومة الوحدة هناك عملية عسكرية لإنهاء الميليشيات الخارجة عن القانون لإعادة هيبة الدولة وردع المخالفين.
وانتهت الأحداث بمقتل رئيس جهاز الدعم والاستقرار، التابع للمجلس الرئاسي الليبي، عبدالغني الككلي المشهور بـ"غنيوة" وسط حالة ذهول من الجميع كونه الرجل الأقوى في غرب ليبيا وكان يسيطر حتى على الحكومة ورئيسها، ما طرح تساؤلات حول دلالة الخطوة ورمزيتها.
فهل أجبرت قوات "الردع" الدبيبة على التراجع ووقف عملياته؟ أم هو الهدوء الذي يسبق العاطفة؟
"قائمة أمريكية للتصفية"
من جهته، أكد وزير الدفاع الليبي السابق، محمد البرغثي أن "استمرار سيطرة الميليشيات المسلحة غير النظامية على الوضع الاقتصادي والسياسي والعسكري في غرب ليبيا يمثل ظاهرة خطيرة خاصة أن هذه المجموعات تحولت إلى قوة مهيمنة تعيق تحرير العاصمة طرابلس واستعادة الاستقرار فيها.
وقال في تصريحات لـ"عربي21": "الحكومة متورطة في صناعة وتقوية هذه الميليشيات خاصة حكومة الدبيبة فهي مثلا خصصت لميليشيات غنيوة الككلي ميزانية سنوية تصل إلى 180 مليون دينار ليبي، ومكنته من السيطرة على منطقة بوسليم ثم مؤخرا قتلته".
وتابع: "تصفية قادة هذه الميليشيات ليست أمرا حكوميا من الدبيبة بل توجد قوائم بأسماء عناصر ميليشياوية مطلوبين للعدالة، إما بالاعتقال أو التصفية، حيث تسلم وكيل وزارة الدفاع بحكومة الدبيبة "عبد السلام زوبي هذه القوائم من الإدارة الأمريكية خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، فما يتم هو بضوء أخضر أمريكي"، بحسب معلوماته.
"بقاء قوة الحكومة"
في حين قال عضو المجلس الأعلى للدولة، أحمد لنقي إنه "أصبح من المؤكد أن قرار إنهاء الميليشيات المسلحة ودمج أفرادها منفردين في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية للراغبين أمرا واقعا، وذلك من أجل عودة هيبة الدولة والحفاظ على وحدتها واستقلالها".
وأوضح في تصريح لـ"عربي21" أن "الخطة والبداية تكون بإنهاء المليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس ثم تتبعها باقي المليشيات في باقي المدن، وإحالة مرتكبي جرائم يعاقب عليها القانون إلى القضاء، فلن تكن هناك قوة فوق قوة القانون الممثلة في السلطة التنفيذية"، وفق قوله.
وأضاف: "المجتمع الدولي والإقليمي يبحث عن سلطة تنفيذية جديدة للبلاد قادرة على تحقيق التنمية والاستقرار وتوحيد مؤسسات الحكم الأمنية والعسكرية والتنفيذية ووجود رأس للدولة يمكن التفاوض معه، ولن يتأتى ذلك في ظل وجود مليشيات مسلحة تهدد استقرار الأمن وتخل بكيان الدولة وتقسيمها إلى متنازعة، ولعل هذه المواقف الدولية والإقليمية كان لها تأثير كبير على الاستمرار في تنفيذ خطط الحكومة للتخلص من المليشيات المسلحة"، كما رأى.
"حسابات خاطئة للدبيبة"
الناشط السياسي المقيم في طرابلس، موسى تيهو ساي قال من جانبه إن "الدبيبة أخطأ في الحسابات بشكل كبير وتحمس عقب مقتل زعيم جهاز الاستقرار غنيوة، وظن أن تطبيق نفس السيناريو ممكن في منطقة سوق الجمعة، وذلك لأن جهاز الردع وضعه يختلف تماما عن دعم الاستقرار، كون على جهوزية، ولديه حاضنة اجتماعية كبيرة في طرابلس ومشهود بانضباطه لدى عامة الناس، وهو ما يجعل الإطاحة به أمر صعب للغاية ثم ماذا سيكون البديل هل لدى الدبيبة أجهزة أخرى منضبطة؟.
وأضاف: "إذا نظرنا إلى الأجهزة الأمنية التي نراها الآن مثل الأمن العام وغيره، فهي أجهزة غير منضبطة أبدا بل وقبلية أيضا ولن يسمح أهالي سوق الجمعة لها بأن تكون بديلا للأجهزة التي عرفها الناس منذ سنوات بغض النظر عن التجاوزات والخروقات التي تحصل منها أحيانا"، وفق قوله.
وختم حديثه: "إنهاء وجود التشكيلات المسلحة ليس بهذه الطريقة التي انتهجها الدبيبة بل يحتاج إلى حكمة وتدرج وإرادة وليس تحركا غير مدروس ومدفوع بتوظيف سياسي ضيق"، وفق تعبيره وتصريحه لـ"عربي21".