«القصيد السيمفوني: أحمد بن ماجد» .. عرض موسيقي يحتفي بالهوية الحضارية لعُمان
تاريخ النشر: 19th, May 2025 GMT
شهدت قاعة المحاضرات بمتحف عُمان عبر الزمان، على مدار يومين، تقديم العرض العالمي الأول للعمل الموسيقي الجديد «القصيد السيمفوني: أحمد بن ماجد»، الذي قدّمته الأوركسترا السيمفونية السلطانية العُمانية بقيادة المايسترو حمدان الشعيلي والمايسترو الضيف جان بوغاني، فـي أمسية موسيقية احتفت بالسرد الموسيقي لتاريخ الملاح العُماني الشهير، بحضور معالي نصر بن حمود الكندي، أمين عام شؤون البلاط السلطاني، وسعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني، رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وعدد من أصحاب السمو والسعادة والضيوف المشاركين فـي المؤتمر.
العمل الموسيقي «القصيد السيمفوني: أحمد بن ماجد» من تأليف الدكتور ناصر بن حمد الطائي، مستشار مجلس إدارة دار الأوبرا السلطانية مسقط، واستمر لأكثر من ساعة، وتوزع العمل على ثلاث قطع موسيقية، تصدّرتها السيمفونية الرئيسية «أحمد بن ماجد» التي امتدت على مدى 45 دقيقة، مقدّمة سردًا دراميًّا موسيقيًّا يتناول حياة الملاح العُماني، منذ لحظة وداعه لعائلته، مرورًا بتحديات البحر، وتأمله فـي النجوم، ووصولًا إلى لحظة الانتصار والخلود فـي ذاكرة الموروث البحري الإنساني.
ويُعد هذا العمل أحد أبرز الأعمال الأوركسترالية العُمانية المعاصرة، إذ ينتمي إلى نوع «القصيد السيمفوني» (وهو قالب موسيقي عالمي يستلهم السرد الأدبي أو الرمزي ويوظّفه موسيقيًّا عبر تنويعات هارمونية وإيقاعية تعكس المشهد الدرامي)، حيث تفاعل المؤلف مع الهوية الثقافـية العُمانية، وقدمها بصوت موسيقي ينتمي إلى العالم دون أن يُغادر جذور التاريخ العُماني العميق. ونقل العرض المستمع بمقاطع موسيقية بين مشاهد وجدانية وبحرية وثقافـية، تُبرز أحمد بن ماجد لا كملاح فحسب، بل كرمز للمعرفة والانتماء والتأمل الكوني، مصحوبًا بلوحات فنية تم توليدها بتقنية الذكاء الاصطناعي، التي قدّمت للمتلقي بُعدًا بصريًّا تعبيريًّا إلى الأمسية الموسيقية التي عكست تقاطع الفن مع التكنولوجيا فـي إطار الحداثة العُمانية.
تجدر الإشارة إلى أن هذا العمل الفني الموسيقي يأتي فـي سياق التزام المؤسسات الثقافـية فـي سلطنة عُمان بتقديم نماذج إبداعية تحتفـي بالرموز التاريخية والفكرية، وتوظّف الفن كأداة فاعلة لتعزيز الهوية والانفتاح على التجربة الإنسانية المشتركة، وقد عبّر الدكتور ناصر الطائي، فـي تقديمه للعمل، عن سعيه لفتح نافذة للفن العُماني على التعبير العالمي، وجعل من أحمد بن ماجد رمزًا يُستعاد بالموسيقى ليُجسّد أبعاد الشخصية العُمانية فـي سعيها نحو العلم، واكتشاف المجهول، والتواصل مع الكون.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أحمد بن ماجد الع مانیة الع مانی
إقرأ أيضاً:
الإنسان العُماني.. سلوكٌ مُتّزن يعكس حكمة التاريخ
سلطان بن خلفان اليحيائي
في عالمٍ يعلو فيه الضجيج، يقدِّم الإنسانُ العُماني نموذجًا فريدًا لقوة السكينة واتّزان السلوك. لا يبحث عن الصدارة بالصوت المُرتفع، بل يترك أثره بالفعل الهادئ والموقف المتوازن. هذا النمط من الحضور ليس حالة طارئة أو استجابة ظرفية؛ بل سمة أصيلة تشكّلت على مدى قرون، تفاعلت فيها القيم مع الدين، والتاريخ مع البيئة.
وفي السياسة الخارجية، أثبت العُماني أن التوازن ليس حيادًا سلبيًا، بل فعلٌ نابع من وعيٍ ناضج. حين يُدعَى للوساطة، يحضر بخطابٍ رصين، يعالج التعقيد دون أن يقطع الخيوط، ويبني الجسور بدل أن يهدمها. من هذا السلوك الهادئ، اكتسبت عُمان مكانتها كصوت موثوق في محيطٍ يموج بالتقلبات.
الإنسان العُماني لا ينجرف خلف الشعارات، ولا تُغريه الاصطفافات المؤقتة. يتحرك بثقة نابعة من احترامه لذاته ومبادئه، ما أكسبه احترام الداخل والخارج. يتجنّب التدخّل في شؤون الآخرين، مؤمنًا بأن الاستقرار لا يُبنى بالضغط؛ بل بالحوار، وبأن القوة الحقيقية تكمن في حفظ التوازن لا في فرض السيطرة.
داخليًا.. يجسّد العُماني تجربة نادرة في التعايش المذهبي والوحدة الاجتماعية. يعيش الإباضي والسنّي والشيعي في بيئة تحتفي بالتنوّع وتُقدّر الاحترام، بعيدًا عن الاستقطاب. وتبقى القبائل متماسكة بفضل وعي مشترك، لا تُحرّكها العصبيات؛ بل يجمعها الضمير الوطني وروح المسؤولية.
هذا الانسجام ليس مظهرًا اجتماعيًا عابرًا؛ بل ركيزة أساسية في بناء السِلم الأهلي؛ فالعُماني لا يرى في الاختلاف تهديدًا، وإنما فرصة للإثراء. يجنح إلى العقل عند الانفعال، ويحتكم للحكمة في زمن المزايدات، ما كوّن شخصية مدنية قادرة على حماية هويتها الجامعة دون إقصاء أو انغلاق.
في حضن الطبيعة الصارمة، تشكّلت ملامح الإنسان العُماني؛ فمن الجبال اكتسب الثبات، ومن شجرتَيِ السُّمُر والغاف تمرّس على الصبر والصمود، ومن اللُّبان فهم أن العطاء لا يصدر إلا بعد الخدش. وكانت الأرض والمناخ، بصمتهما العميق، يشكّلان وعيه، ويزرعان فيه القيم، ويُهذّبان سلوكه بعيدًا عن ضوضاء التلقين.
دينيًا.. دخل العُمانيون في الإسلام طوعًا، دون قتال أو إكراه، وساهموا في نشره في شرق إفريقيا وجنوب شرق آسيا بالأخلاق لا بالسيف. لم يكونوا غزاة، بل دُعاة بالحكمة والسلوك، يقدّمون النموذج بالفعل قبل القول، ما رسّخ صورتهم كرسل سلام واحترام.
ومع سرعة التحوّلات في العالم، ظل الإنسان العُماني وفيًّا لتاريخه، متفاعلًا مع الحداثة دون أن يفقد جوهره. لم يكن ردّ فعله حياديًا؛ بل فاعلًا، يبحث عن الاتزان ويعيده حين يختل. هذا الحضور المتوازن ليس موجّهًا أو مصطنعًا، بل خُلقٌ متجذّر يظهر في الأزمات كما في الحياة اليومية.
إنه سلوك لا يُصنع؛ بل يُولد مع الإنسان العُماني، وينمو معه، ويتجلّى في تفاصيله اليومية قبل مواقفه الكبرى. هو يعلم أن الحكمة لا تحتاج إلى صوتٍ عالٍ؛ بل إلى وعيٍ عميق وإرادة راسخة، وهذا ما يجعل أثره باقٍ وإن لم يكن صاخبًا.