اليمن في كفة والمال العربي في كفة
تاريخ النشر: 21st, May 2025 GMT
لو كان رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا بلا شروط لكان إنجازاً عربياً كاملاً، يعبِّر عن مكانة العرب والخليج خصوصاً لدى واشنطن، التي تملك قرار فرض العقوبات ورفعها، والتي يعود رئيسها محملاً باتفاقيات والتزامات بحجم ثلاثة تريليونات من الدولارات، أما وأن رفع العقوبات مشروط بالتزامات سورية تكفلها السعودية وتركيا، بما يتصل بأمن “إسرائيل” وفق سلم يتدرج من ملاحقة المقاومة الفلسطينية إلى الانضمام لاتفاقات التطبيع، وما بينهما التغاضي عن ضم الجولان والتوغل والتمدّد الإسرائيلي في محافظات سوريا الجنوبية واستباحة أجواء سوريا ومنعها من بناء جيش قويّ، فإن رفع العقوبات إنجاز يستحق الشعب السوري التهنئة عليه، خصوصاً المرضى الذين سوف يحصلون على الأدوية الممنوعة عن سوريا بسبب العقوبات، لكنه عبء وقيد يعادل ما فعله كامب ديفيد في حال مصر، لكونه أعاد سيناء مقابل أخذ مصر كلها، والآن يستطيع الرئيس الأمريكي القول إنه حقق أهداف العقوبات التي كانت تطال النظام السابق كعقبة أمام هذه الأهداف، وجوهرها أمن “إسرائيل”، ولأنها حققت أهدافها بات رفعها ممكناً مع وضع سوريا تحت الرقابة وتحميل السعودية وتركيا مسؤولية ضبطها وتذكيرها بموجباتها، ومنها إعادة فك وتركيب بنية الدولة لصالح تعدّدية تكون نواتها ثنائيّة حزبيّة بين هيئة تحرير الشام وقوات قسد بعد إعلان حل حزب العمال الكردستاني، وزوال القيود التركيّة على دور قسد، ولعل هذا التعدّد يكون مصدر راحة للمكوّنات السورية التي عانت من أحادية حكومة هيئة تحرير الشام.
– يبقى المعيار الحقيقي لمكانة العرب الدوليّة والخليج بصورة خاصة، في القدرة على إنجاز وقف الحرب على غزة، حيث القرار الفعلي بيد الرئيس الأمريكي الذي يموّل ويسلّح ويرعى “إسرائيل” ويحميها، ولم يستخدم هذا التأثير الهام لفرض إنهاء الحرب، وهو في الخليج يحصل على ما يشكل حاجات حيوية لنظام حكمه واقتصاد بلده، لأن أمريكا في أصعب أوضاعها الاقتصادية وحكومتها في أسوأ أحوالها المالية، والأموال التي حصل عليها الرئيس الأمريكي من دول الخليج هي الأوكسجين الذي يحتاج لإنعاش الاقتصاد وشركاته المتعثرة، وضخّ الأموال في شرايينه، وتمكين الدولة من رفع عائداتها بما يسهم في تخفيض عجز الميزانية من الواردات الضريبية لهذه الصفقات والاستثمارات، ومقابل هذا الأوكسجين سعى الخليج وقادته لدى ترامب لمنحهم إنجازاً موازياً هو إعلان انهاء الحرب على غزة، وبعد مضي يومين يمثلان أهم أيام الزيارة، لم يظهر ما يشير إلى أن إنهاء الحرب على غزة سوف يبصر النور بنهاية الزيارة التي وصفت بالتاريخيّة، وهي كذلك بالنسبة لأمريكا، فهل هي كذلك بالنسبة للعرب، رغم المديح المبالغ به الذي ألقاه الرئيس الأمريكي على قادة الخليج طولاً ووسامة وأدواراً وشراكة في حل النزاع الروسي الأوكراني؟
– على مرمى حجر من الخليج يقع بلد فقير اسمه اليمن، أتعبته الحروب المتلاحقة، التي أفرغ خلالها العرب والخليج خصوصاً نيران أسلحتهم وأنفقوا مليارات الدولارات لإخضاعه، وهذا اليمن خاض مفاوضات من نوع آخر مع الرئيس الأمريكي، موضعها حرب غزة أيضاً، حيث قام اليمن رغم الحصار والفقر والجوع والدمار بإعلان فتح جبهة إسناد لغزة بمنع سفن كيان الاحتلال من عبور البحر الأحمر واستهداف عمق الكيان إلى حين توقف الحرب على غزة ورفع الحصار عنها، وقررت واشنطن على لسان رئيسين متعاقبين هما جو بايدن ودونالد ترامب تأديب اليمن ومعاقبته وإعادته إلى حظيرة الصمت العربي، فردّ على النار بالنار، وبعد سنة ونصف قررت واشنطن التفاوض الثنائي، وفق معادلة تخرج فيها واشنطن من جبهة بإسناد “إسرائيل” في البحر الأحمر، ويبقى فيها اليمن جبهة إسناد لغزة، وخلال القمم الخليجية مع الرئيس الأمريكي وتدفق أرقام الصفقات على الموائد، كان اليمن يلقم كيان الاحتلال صواريخ تسقط على مطار بن غوريون وتتسبب بإقفاله مراراً، ويهرّع المستوطنون بالملايين إلى الملاجئ في اليوم أكثر من مرة، وترتفع الأصوات في داخل الكيان مطالبة بوقف الحرب تفادياً لمواصلة الإسناد اليمني، وحكومة الكيان التي تعاند رغبة أمريكية لتلبية طلب قادة الخليج بوقف الحرب على غزة، تجد نفسها تحت ضغط متزايد من مستوطنيها لوقف هذه الحرب لتفادي مواصلة تساقط الصواريخ اليمنية، ويشعر الفلسطينيون أنه إذا أفلحت مساعي وقف الحرب فإن ذلك سوف يكون بفضل صواريخ اليمن قبل أي شيء آخر.
– حال أمريكا التي تنفصل عن “إسرائيل” في مفاوضاتها مع إيران في اتفاقها مع اليمن، لأنها مجبرة على ذلك لا تنفصل عن “إسرائيل” ولا تضغط عليها لإنهاء حرب غزة لأنها هنا غير مجبرة، رغم كل الحوافز والمكاسب، هو حال “إسرائيل” ذاتها التي كانت تسعى ليل نهار لإخراج إيران وقوى المقاومة من سوريا، لكنّها لا تحفظ للحكم الجديد أنه قام بذلك، لأنها غير مجبرة، بل تطلب منه المزيد، وتدخل مناطق لم تكن تجرؤ على دخولها في أيام النظام القديم، الذي يفترض أنه بنظرها أشدّ عداء من النظام الجديد، لكنها كانت مجبرة.
* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
من اليمن إلى السودان.. كيف تغذي الإمارات نار تفتيت العالم العربي؟
ترجمة وتحرير “يمن مونيتور”
المصدر: صحيفة لوموند الفرنسية/ جان-بيير فيليو، أكاديمي في معهد العلوم السياسية بباريس.
تتميز “إسبرطة الشرق الأوسط”، كما وُصفت الإمارات، منذ أكثر من عقد بسياسة خارجية عسكرية للغاية وعدوانية بشكل خاص. تحمل هذه الاستراتيجية بصمات محمد بن زايد، الرئيس الحالي لاتحاد الإمارات، وتحركها عداء مهووس تجاه “الربيع العربي”، تلك الموجة من الاحتجاجات الشعبية التي هزت الديكتاتوريات في المنطقة عام 2011.
قد تكمن قوة هذه الاستراتيجية في اتساقها الثوري المضاد، إلا أنها تقود الإمارات في العديد من الساحات إلى دعم حركات انفصالية، مما يزيد من تفتيت الدول المعنية بدلاً من ضمان شكل من أشكال الترميم السلطوي فيها.
المختبر الليبي
بعد الحرب الأهلية التي أدت في ليبيا إلى الإطاحة بالعقيد القذافي في سبتمبر 2011، قررت الإمارات العربية المتحدة المراهنة على اللواء حفتر، الذي كان محافظًا لطبرق في عهد معمر القذافي من عام 1981 إلى عام 1986، قبل أن ينشق إلى الولايات المتحدة. لم تشجع أبوظبي خليفة حفتر على إشعال حرب أهلية ثانية في مايو/آيار 2014 فحسب، بل شاركت طائرات إماراتية في قصف طرابلس بعد ثلاثة أشهر. ومع ذلك، لم يتمكن أنصار خليفة حفتر من الاستيلاء على العاصمة، مما أدى إلى تقسيم البلاد بين حكومتين، إحداهما معترف بها من قبل الأمم المتحدة في طرابلس، والأخرى يسيطر عليها خليفة حفتر في بنغازي. وعلى الرغم من حظر الأمم المتحدة لتوريد الأسلحة، استفاد خليفة حفتر من تدفق مستمر للأسلحة الإماراتية، بما في ذلك طائرات هليكوبتر من أصل بيلاروسي.
ورفضًا لأي تقاسم للسلطة في ليبيا موحدة، دفعت الإمارات خليفة حفتر إلى شن حرب أهلية ثالثة في أبريل/نيسان 2019، لم تسفر إلا عن دفع حكومة طرابلس إلى أحضان تركيا، دون إنهاء الاستقطاب بين غرب وشرق ليبيا. أقر الشيخ محمد بن زايد بهذا الفشل الذريع ويستخدم الآن بنغازي ومنطقتها كمختبر لتعاونه العسكري مع روسيا، التي يدعم غزوها لأوكرانيا بشكل سري أو علني. تعزز هذا البعد الروسي منذ سقوط الديكتاتور الأسد في دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2024، وانسحاب المنشآت الروسية التي كانت موجودة على الساحل السوري إلى معقل خليفة حفتر. في هذا الصدد يحمل إنشاء قاعدة معتن السرة الجوية في جنوب ليبيا عواقب وخيمة.
الانفصال الجنوبي في اليمن
على عكس ليبيا، تدخلت الإمارات في اليمن في مارس/آذار 2015، إلى جانب المملكة العربية السعودية، لدعم الحكومة المعترف بها دوليًا. كان الهدف هو احتواء ثم دحر الحوثيين الموالين لإيران، الذين كانوا على وشك الاستيلاء على البلاد بأكملها. تمكنت القوات الإماراتية، المنتشرة على الأرض، في غضون أشهر قليلة من تحرير عدن، التي كانت عاصمة اليمن الجنوبي من عام 1967 إلى عام 1990، قبل توحيد البلاد. قرر محمد بن زايد آنذاك المراهنة على الانفصاليين الجنوبيين، بدلاً من الموالين للحكومة، الذين اعتبرهم مرتبطين بشكل وثيق بالإسلاميين. نتج عن ذلك توترات قوية مع الحليف السعودي، لكن الإمارات فرضت خطها بسبب وجودها قوتها على الأرض.
هذه الانقسامات خدمت بطبيعة الحال الحوثيين، الذين عززوا منذ صنعاء قبضتهم على بقية البلاد. أدركت الإمارات هذا الفشل الجديد وسحبت قواتها من اليمن في فبراير /شباط 2020. ومع ذلك، استمرت في دعم الميليشيات الانفصالية في هجومها في صيف 2022 ضد المعسكر الحكومي. كما شجعت، على ساحل البحر الأحمر، في منطق خالص للثورة المضادة قوات طارق صالح، نجل الديكتاتور اليمني السابق علي عبد الله صالح، الذي تحالف مع الحوثيين قبل أن يقتلوه في عام 2017. وعلى الرغم من اتفاق الإمارات والسعودية على جلوس وكلائهما في المجلس الرئاسي القيادي، إلا أن الأمر لا يعدو كونه تجميعًا لإقطاعيات غير قادرة على تقديم بديل جدي للحوثيين.
مع ميليشيات الإبادة الجماعية في دارفور
جندت الإمارات العربية المتحدة في السودان- لتعبئتهم في اليمن- مرتزقة من قوات الدعم السريع، التي نشأت بدورها من الميليشيات المتورطة، منذ عام 2003، في الإبادة الجماعية في دارفور. قام قائد قوات الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم “حميدتي”، بتطوير عمليات تهريب مختلفة، خاصة الذهب، بين معقله في غرب السودان وسوق دبي الإماراتي. تعززت العلاقات بين محمد بن زايد وحميدتي لصالح الانقلاب الذي نفذه قائد قوات الدعم السريع وقائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح عبد الرحمن البرهان، في أكتوبر/تشرين الأول 2021 في الخرطوم. اتفقت الإمارات ومصر والسعودية على دعم الانقلابيين وإغلاق فترة ديمقراطية استمرت أكثر من عامين في السودان بوحشية.
انهار هذا التحالف الثوري المضاد في أبريل/نيسان 2023 عندما اشتبكت القوات الموالية للفريق أول البرهان و”حميدتي” في الخرطوم، ثم في بقية البلاد. استمرت الإمارات في تقديم دعم غير مشروط لـ “حميدتي”، بينما وقفت مصر إلى جانب الفريق أول البرهان وحاولت السعودية عبثًا التوفيق بين الانقلابيين. كما هو الحال في ليبيا، اتُهمت أبوظبي بانتهاك الحظر الدولي على توريد الأسلحة، حيث أكدت بلغاريا مؤخرًا أنها سلمت للإمارات آلاف القذائف التي عُثر عليها في أيدي قوات الدعم السريع. علاوة على ذلك، شجعت الإمارات “حميدتي” على إعلان حكومة منافسة لحكومة الفريق أول البرهان في أبريل/نيسان، مما يهدد السودان بالتقسيم، بينما تستمر المجازر التي ترتكبها قوات الدعم السريع وحلفاؤها في دارفور.
وهكذا، تبلغ المأساة السودانية ذروة الكارثة التي تمثلها استراتيجية الإمارات الانفصالية من حيث المعاناة الجماعية للسكان المتضررين وتفكك النظام الإقليمي.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق أخبار محليةالمتحاربة عفوًا...
من جهته، يُحمِّل الصحفي بلال المريري أطراف الحرب مسؤولية است...
It is so. It cannot be otherwise....
It is so. It cannot be otherwise....
سلام عليكم ورحمة الله وبركاتة...