غزة- تُمسك النازحة آمنة الصرفندي بهاتف محمول في يديها، وتشير إلى صورة يعود تاريخها لبضعة أيام سبقت اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتختصر من خلال ملامحها التي تبدلت كليا وجسدها الهزيل، أثر النزوح والجوع عليها.

وعلى كرسي بلاستيكي صغير داخل صف مدرسي تقيم فيه وعائلتها (9 أفراد)، جلست الصرفندي (62 عاما)، وروت للجزيرة نت بقهر شديد كيف بدّلت الحرب أحوالها.

وتقول "مات زوجي، ومنذ إجبارنا على مغادرة مدينة رفح، نزحنا 5 مرات. نهرب من مكان إلى آخر بحثا عن الأمان والطعام، ولا نجدهما".

على إثر العملية العسكرية الواسعة في رفح التي بدأت في 6 مايو/أيار من العام الماضي، نزحت الصرفندي مع أهالي المدينة والنازحين فيها، وقد سوّت قوات الاحتلال منزلها في "مخيم يبنا" المحاذي للحدود مع مصر، بالأرض، كما هو حال أغلبية المنازل في هذه المدينة الصغيرة.

النازحة آمنة الصرفندي خسرت 26 كيلوغراما من وزنها وتغيرت ملامحها وفتكت بها الأمراض (الجزيرة) حياة بائسة

عايشت الصرفندي الكثير من الأحداث خلال 6 عقود مضت من حياتها، غير أنها تحسم بأنه "لم يمر بنا أسوأ من هذه الحرب"، ومن بين شهورها الطويلة تقول إن "الأيام الحالية هي الأكثر قسوة ومرارة، ولا نعرف من أين سيأتينا الموت، بالجوع أو بصاروخ وقذيفة".

حال هذه المرأة ينسحب على زهاء مليونين و200 ألف فلسطيني، يعصف بهم الجوع نتيجة الحصار المشدد وإغلاق الاحتلال المعابر ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية منذ 2 مارس/آذار الماضي، وتبع ذلك استئنافه للحرب في 18 من الشهر ذاته، على نحو أشد فتكا وعنفا.

إعلان

وأدخل الاحتلال، مساء أمس الأربعاء، نحو 90 شاحنة تحمل مساعدات إنسانية، هي الأولى منذ أكثر من شهرين، وتقول هيئات محلية ودولية إنها لا تفي باحتياجات السكان الهائلة.

"والله لو كان بيد إسرائيل لقطعت عنا الهواء"، تضيف الصرفندي التي انخفض وزنها من 76 إلى 50 كيلوغراما وباتت لا تقوى على الحركة والمشي إلا بالاتكاء على عكاز.

وهي تعاني من مرض الضغط، وقبل بضعة أيام سقطت على الأرض وخارت قواها وأصيبت بشرخ في قدمها، من قلة الطعام. ولم تكن قد تناولت في ذلك اليوم سوى بضع معالق صغيرة من الأرز، حصلت على صحن صغير منه من تكية خيرية، تناولته مع عائلتها الكبيرة ولم يشبع منه أحد.

وحتى هذه التكية أغلقت أبوابها منذ يومين لعدم توفر المواد الغذائية، وللسبب ذاته اضطرت الكثير من التكايا إلى الإغلاق على مستوى القطاع في الآونة الأخيرة.

أمنيات البسطاء

هذه التكية كانت بالنسبة للصرفندي وعائلتها، وأُسر كثيرة نازحة، الملاذ الوحيد للحصول على وجبة طعام، في ظل توقف الهيئات المحلية والدولية عن توزيع المساعدات الإنسانية، والارتفاع الهائل في أسعار الخضراوات والمواد الغذائية الشحيحة في الأسواق.

لا يتوفر الطحين لدى عائلة الصرفندي منذ أسابيع، واضطرت إلى صناعة الخبز باستخدام العدس والمعكرونة حتى نفدت ولم تعد تعلم كيف تتدبر شؤونها. وتتساءل المرأة الأرملة بحرقة والدموع تحتبس في مقلتيها "من وين نجيب 100 شيكل (نحو 28 دولارا) ثمن كيلو الطحين؟".

ويصنع كيلو الطحين نحو 10 أرغفة من الخبز، بالكاد تكفي وجبة واحدة لأسرتها، وكان سعره قبل تشديد الحصار لا يزيد عن 3 شواكل (أقل من دولار).

ونظرت الصرفندي نحو زاوية الغرفة وأشارت إلى قاعدة حديدية صغيرة وآثار رماد ونار، وإلى جانبها أواني قديمة وبضع أكواب زجاحية، وقالت "حتى كاسة الشاي بطلنا قادرين نعملها ونشربها، ومين بيقدر يشتري كيلو السكر بـ120 شيكل (نحو 33 دولارا)".

إعلان

وتراكمت الديون على هذه النازحة التي اضطرت لشراء دواء والقليل من الطعام، وتخشى أن تموت قبل أن تتمكن من سدادها، ووضعت رأسها بين كفيها وهي تتمتم بصوت منخفض "هذه ليست حياة.. والله الموت أرحم لنا من هذه العيشة".

النازح باسل البريم لا يجد طعاما مناسبا لطفله حمزة المصاب بإعاقة ذهنية (الجزيرة) نازحون بالشوارع

وفي الشارع الملاصق لجدار المدرسة ذاتها، افترشت عائلات نازحة من بلدات شرق خان يونس الأرض والتحفت السماء بعدما أجبرها الاحتلال على النزوح القسري من مناطق بني سهيلا، والقرارة، وعبسان الكبيرة، وعبسان الجديدة، ولم تجد لها مأوى في المدارس المكتظة ومنطقة المواصي التي تعج بآلاف الخيام.

منذ الاثنين الماضي، يعيش باسل البريم وأسرته (5 أفراد) في هذا الشارع، وقد نزحوا من بلدة بني سهيلا بالقليل من الأمتعة حملوها على أكتافهم، وقطعوا مسافة تزيد عن 5 كيلومترات سيرا، لندرة وسائل المواصلات وارتفاع أجرة النقل.

لدى البريم (52 عاما) ابن يعاني من إعاقة ذهنية، ويقول للجزيرة نت "ابني حمزة عمره 10 أعوام ولا يمكنه المشي بشكل طبيعي، واضطررت للتبديل بينه وبين الأمتعة، أضعها جانبا وأسير به لـ200 متر، وأضعه وأعود لجلب الأمتعة، وهكذا طوال الطريق". ويؤكد أن هذه هي تجربة النزوح الأصعب من بين مرات كثيرة لم يعد يحصيها، لأنها تتقاطع مع مجاعة شديدة وعدم توفر الطعام.

وفقد البريم عمله مع اندلاع الحرب وليس له دخل يعتاش وأسرته منه، ويشعر بعجز يعتصر قلبه وهو مكبل اليدين أمام أطفاله الذين يتضورون جوعا، ولا يمتلك ثمن رغيف خبز يشتريه لهم، وقد ارتفع سعره من شيكل إلى 5 شواكل (دولار ونصف الدولار).

ولحمزة حكاية معاناة مختلفة، فهو يحتاج إلى أطعمة خاصة غير متوفرة في الأسواق جراء الحصار، ويضطر والده إلى إطعامه ما يتوفر حتى تدهورت حالته الصحية، وفقد نحو 10 كيلوغرامات من وزنه.

شوقية البريم نازحة مع عائلتها من بلدة بني سهيلا وتواجه الموت والجوع في الشارع (الجزيرة)

وعلى مقربة منا، كانت النازحة شوقية البريم تستمع إلى حوارنا، وطلبت أن تشارك الجزيرة نت حكايتها، وأصرت وكأنها وجدت من تلقي بثقلها عليه، وتقول "عمري (66 عاما) وأعاني من أمراض مزمنة، فشل كلوي وسكري وضغط، ومنذ ليلتين أنام وعائلتي (10 أفراد) هنا في الشارع، بلا فرشة أو غطاء أو طعام".

إعلان

قطعت البريم وعائلتها أكثر من 5 كيلومترات سيرا على الأقدام من بلدة بني سهيلا حتى مجمع ناصر الطبي في غرب خان يونس، وانهارت عدة مرات خلال الطريق وسقطت أرضا.

هذه هي تجربتها العاشرة في النزوح، وتتفق مع غيرها أنها "الأصعب والأشد قسوة"، وتبكي على حال أحفادها الصغار وهم يصرخون من الجوع، ووالدهم العاطل عن العمل يقف عاجزا لا يملك من أمره شيئا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات بنی سهیلا

إقرأ أيضاً:

مكتبة مصر الجديدة تستضيف حفل توقيع "للنساء حكايات" لسمية زكريا

نظمت مكتبات جمعية مصر الجديدة، برئاسة الدكتورة سهام الجوهري، سلسلة من الفعاليات الثقافية المتنوعة خلال شهر ديسمبر، تشمل ندوات فكرية، حوارات أدبية، أنشطة تفاعلية، ورحلات تعليمية وترفيهية. 

وتتنافس مكتبات الجمعية المختلفة، مثل مركز الطفل للحضارة والإبداع "متحف الطفل"، ومكتبة مصر الجديدة العامة، ومكتبات الطفل والمستقبل، لتقديم باقات ثقافية ممتعة تغطي مختلف الروافد الأدبية والثقافية.

وفي أولى هذه الفعاليات، استضافت مكتبة مصر الجديدة العامة اليوم الاثنين في تمام الساعة الخامسة مساءً، حفل توقيع ومناقشة المجموعة القصصية "للنساء حكايات" للمؤلفة سمية زكريا، وذلك بالتعاون مع دار "كتابنا".

وتجمع المجموعة بين الواقع والخيال، حيث تسلط الضوء على معاناة الإنسان، سواء كان رجلاً أو امرأة، مع ظروفه الحياتية المختلفة. وتتضمن المجموعة ثلاثين قصة قصيرة، تتناول مشاكل اجتماعية متنوعة دون إلقاء اللوم على أحد، مثل قصة الجد صابر الذي يعاني من فقدان حفيدته بسبب طلاق ابنه، والطفلة "شيتا" التي تعيش تحت وطأة زوجة أبيها، بالإضافة إلى حكاية البطل في "حقيبتي حبيبتي" الذي يتنقل بين بيئات مختلفة بسبب طلاق والديه.

يُذكر أن الكاتبة سمية زكريا مصرية أمريكية مقيمة بالولايات المتحدة، خريجة كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وحاصلة على دبلوم رعاية الطفل من الولايات المتحدة. صدر لها سابقًا مجموعتان قصصيتان هما "نزهة ليلية" و"هدية اسمها الحياة"، وحصلت على جوائز نجيب محفوظ للقصة القصيرة من وزارة الثقافة.

أسعار السلع التموينية لشهر ديسمبر 2025 الجيش الأوكراني: استهدفنا مواقع لإطلاق المسيرات الروسية في شبه جزيرة القرم "الداخلية" تكشف تفاصيل تعرّض طفل للاعتداء من زوجة والده قطاع المعالجات التجارية يعقد جلسة مشاورات مع مكتب الأمانة الفنية لمجلس التعاون الخليجي أوقاف البحيرة تعقد ندوة دينية بكلية الزراعة بجامعة دمنهور المنظمة الدولية للهجرة تنفذ جلسات توعوية حول "تغير المناخ والهجرة" دينا أبو الخير تحذر من إهمال تربية الصغار: عقوق الأبناء أشد من عقوق الآباء سر استبعاد محمد عبد المنعم من قائمة منتخب مصر في كأس الأمم أفريقيا ملتقى السياسات العامة ينظّم مؤتمره السنوي السادس حول قضايا سياسات الهجرة الاحتلال يقتحم بلدة قصرة جنوب نابلس وزير الخارجية يبحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين مصر وألمانيا رئيس جامعة المنوفية يصدر قرارات بتكليف مديرين عموم جدد لدعم العمل الإداري وتطوير الأداء المؤسسي تدريب 20 موظفًا للتعامل بلغة الإشارة وفوز 20 متسابقًا بمشروعات بحثية بمحافظة قنا "سكرين شوت مش دليل طلاق".. محامية تكشف مفاجآت عن أدلة الخيانة على السوشيال ماكرون يعلق على زيارة زيلينسكي إلى باريس وفاة المخرج علي سيد الأهل رئيس القناة الأولى السابق

مقالات مشابهة

  • “تجارة وصناعة غزة”: عدد الشاحنات التي تدخل القطاع لا يتجاوز 220 شاحنة يومياً
  • مكتبة مصر الجديدة تستضيف حفل توقيع "للنساء حكايات" لسمية زكريا
  • الاحتلال يقتحم بلدة قصرة جنوب نابلس
  • عاجل.. مراسل الجزيرة: قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف المناطق الشرقية من خان يونس داخل الخط الأصفر
  • الاتحاد الأوروبي: جنوب أوروبا معرض لخطر الحرب الهجينة التي تشنها روسيا
  • غارات إسرائيلية تستهدف مدينة رفح جنوب قطاع غزة
  • طيران الاحتلال يضرب غزة .. وقوات إسرائيلية تقتحم مناطق بالضفة الغربية
  • 70 ألف شهيد في غزة والاحتلال يقصف رفح وخان يونس
  • الاحتلال يعترف بقتل 3 أشخاص اجتازوا الخط الأصفر جنوب قطاع غزة
  • "حماس": أغلب الشاحنات التي تدخل غزة تجارية ولا تحمل مساعدات