د. إبراهيم بن سالم السيابي

تُعد الرياضة اليوم من أدوات القوى الناعمة الأكثر تأثيرًا في بناء المُجتمعات وتعزيز مكانة الدول؛ فهي لم تعد مجرّد نشاط ترفيهي أو وسيلة لقضاء وقت الفراغ؛ بل أصبحت صناعة قائمة بذاتها ترفد الاقتصاد الوطني وتؤثر في السياسات والاستراتيجيات العامة، وتُسهم في تشكيل صورة الدول على الساحة الدولية.

ويشهد قطاع الرياضة في سلطنة عُمان اهتمامًا بالغًا من القيادة الرشيدة، وفي مقدمتها صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب، الذي يقود برؤية طموحة تطوير هذا القطاع الحيوي، بهدف الارتقاء به إلى آفاق جديدة تتواكب مع تطلعات رؤية "عُمان 2040".

وفي ظل هذه الرؤية الواعدة، تبرز فكرة طموحة يمكن أن تكون واقعية، وهي تحويل الأندية العُمانية إلى مؤسسات صغيرة ومتوسطة. وقد تبدو الفكرة غير تقليدية، لكنها تمثل تحولًا جوهريًا في طريقة إدارة الأندية؛ حيث تستند إلى إعادة هيكلة هذه الكيانات لتعزيز استقلالها المالي والإداري، وجعلها مؤسسات قائمة على مبادئ العمل المؤسسي الحديث، ولا يهدف هذا المقترح إلى التغيير الشكلي؛ بل إلى بناء نموذج مُستدام يضمن استمرارية الأندية وتعزيز دورها الثقافي والرياضي والاجتماعي.

ويُعد فهم الواقع الحالي للأندية العُمانية ضرورة مُلحَّة قبل الشروع في هذا التحول؛ فالكثير من هذه الأندية تُعاني من ضعف في الموارد المالية، واعتماد شبه كلي على الدعم الحكومي وبعض الداعمين، إلى جانب وجود مشكلات إدارية تتمثل في غياب الخطط الاستراتيجية، والاعتماد على العمل التطوعي غير المتخصص، كما تعاني بعض الأندية من محدودية البنية التحتية والتجهيزات، وهو ما يعيق تحقيق طموحاتها وتوسيع خدماتها للمجتمع.

من هنا تبرز أهمية إدارة التغيير كأداة محورية لضمان نجاح عملية التحول، ويجب أن يكون هذا التغيير مدروسًا ومبنيًا على مراحل، مع إشراك جميع أصحاب العلاقة؛ بدءًا من إدارات الأندية، مرورًا بالأعضاء والجماهير، وانتهاءً بالجهات الحكومية والخاصة الداعمة، كما ينبغي تعزيز الوعي بفوائد هذا التحول، وتقديم برامج تدريب وتأهيل للعاملين في الأندية لمساعدتهم على التكيف مع النموذج الجديد.

الهدف الأساسي من هذا التحول- إضافة الى الأهداف المتعلقة ببناء كيانات إدارية يمكن أن تطبق عليها مبادئ الحوكمة (الشفافية، المساءلة، العدالة، الاستقلالية والمسؤولية)- يتمثل في تمكين الأندية من توليد مصادر دخل ذاتية تُسهم في تقليل الاعتماد على الدعم الحكومي، الذي غالبًا ما يكون محدودًا وغير مستدام، كما يفتح الباب أمامها للاستثمار في مجالات متعددة، مثل التسويق الرياضي، وتنظيم الفعاليات، وإقامة الشراكات مع القطاع الخاص، وبهذا يمكن تعزيز مكانتها وتستطيع المنافسة في كافة المجالات، وكذلك تقديم خدماتها وتوسيع دورها في المجتمع، لتصبح أكثر فاعلية وقدرة على التأثير محليًا وإقليميًا.

من جهة أخرى، سيسهم هذا التوجه في خلق فرص عمل حقيقية للشباب العُماني في مختلف التخصصات وخاصة تلك المتعلقة بالجوانب الرياضية، من خلال توظيفهم وتمكينهم في قطاعات الإدارة الرياضية، والتسويق، والاتصال المؤسسي، وإدارة المشاريع، وغيرها من المجالات المرتبطة بالرياضة الحديثة، وبمرور الوقت، ستجذب هذه الأندية الكفاءات الوطنية، مما يرفع من مستوى الأداء الإداري ويُسهم في إعداد جيل جديد من المتخصصين في المجال الرياضي.

وتبنِّي نموذج الإدارة المؤسسية، سيُمكِّن الأندية من وضع خطط استراتيجية واضحة، وتحديد أهداف قابلة للقياس، وتقييم الأداء بشكل دوري، مما يرفع من جودة العمل ويُعزز القدرة على التنافسية والابتكار، كما إن هذا التحول سيسهم في تحسين جودة الخدمات الثقافية، الرياضية والاجتماعية التي تقدمها الأندية، وبالتالي رفع مستوى الوعي الثقافي، ورفع الصحة العامة، وتحفيز المجتمع على ممارسة الرياضة كنمط حياة.

ورغم أن هذا التحول يبدو طموحًا، إلّا أنه قابل للتنفيذ من خلال مراحل تدريجية مدروسة، تبدأ بتطبيق النموذج على عدد محدد من الأندية كنموذج تجريبي. ويمكن للجهات المختصة بدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أن تؤدي دورًا كبيرًا في إنجاح هذه التجربة، من خلال المساعدة في أيجاد شراكات مع مؤسسات القطاعين العام والخاص أو من خلال تقديم الدعم الفني والاستشاري والمالي، كخدمات الاحتضان أو حتى منح التسهيلات التمويلية عند الحاجة، وكذلك وزارة العمل يمكنها تبني الفكرة من خلال إيجاد فرص العمل في هذه الأندية التي ستصبح مؤسسات عن طريق المشاريع التي تديرها في هذا الشأن مثل التدريب المقرون بالتوظيف، بغرض التخفيف على هذه المؤسسات في بداية إنشائها من عبء مصاريف التشغيل.

في الختام.. لا بُد لنا من تبنِّي سياسة التغيُّر والخوض في غمارها وعدم إطلاق الأحكام سلفًا؛ لأن تحويل الأندية العُمانية إلى مؤسسات صغيرة ومتوسطة يُعد خطوة محورية نحو تطوير قطاع الثقافة والرياضة في السلطنة ودمجه ضمن منظومة الاقتصاد الوطني، كما يُسهم هذا التحول في توفير فرص عمل، وتعزيز التنافسية، ورفع مكانة سلطنة عُمان على المستويات الإقليمية والدولية، وتبقى هذه الخطوة جزءًا لا يتجزأ من رؤية "عُمان 2040"، التي تهدف تمكين الشباب وتحقيق تنمية شاملة ومستدامة في جميع القطاعات؛ بما فيها القطاع الرياضي.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

توقيع أقصى عقوبة.. الفيفا يحذر الأندية من الكباري

كشف الإعلامي خالد الغندور، عن موقف الاتحاد الدولي لكرة القدم اتجاه بعض الأندية التي تتبع نهج محدد في ضم اللاعبين.

وكتب خالد الغندور عبر فيسبوك: “الفيفا يحذر من الكباري التي تستعملها بعض الأندية لإنتقال لاعب من نادي لآخر وتوقيع اقصي عقوبة علي هذه الأندية التي تستعمل الكباري”.

إمام عاشور الأفضل.. تعليق مثير لـ رضا عبد العال على هدف مرموش ضد بورنموثوائل جمعة يكشف كواليس انضمامه للأهلي بعد توقيعه للزمالكمكافأة كبيرة.. الزمالك يحفز لاعبيه قبل نهائي الكأس أمام بيراميدزمحمد مكي: تدريب المقاولون العرب مسئولية.. ودعم الإدارة سر الصعود

وقال خالد الغندور إن النادي الأهلي اقترب من إتمام التعاقد مع عمر فايد، لاعب فريق فناربخشه التركي، لتدعيم صفوف الفريق خلال فترة الانتقالات الصيفية المقبلة.

وأضاف الغندور، خلال برنامج "ستاد المحور": "عمر فايد انتهت إعارته مع فريق بيرشوت البلجيكي، والذي وجّه الشكر للمدافع المصري بعد انتهاء فترة إعارته".

وتابع: "الأهلي أنهى الاتفاق مع اللاعب الشاب، لكنه ينتظر الضوء الأخضر من المدير الفني الجديد خوسيه ريبيرو لإتمام الصفقة رسميًا".

واختتم: "فناربخشه أبلغ وكيل اللاعب ببدء البحث عن عروض جديدة له".

طباعة شارك خالد الغندور الفيفا الاتحاد الدولي لكرة القدم فترة الانتقالات تدعيم صفوف الفريق

مقالات مشابهة

  • اليوم العالمي للموارد البشرية 2025.. ما بعد الاحتفاء
  • إنفانتينو يلمح لإمكانية مشاركة رونالدو في مونديال الأندية
  • الاتحاد الأفريقي للتايكوندو يعلن تنظيم بطولة الأندية في مالي
  • توقيع أقصى عقوبة.. الفيفا يحذر الأندية من الكباري
  • «غذاء القابضة» تستخدم تقنيات SAP بمجال الذكاء الاصطناعي لتعزيز التحول الرقمي
  • «كشف الثغرات» لتعزيز الأمن السيبراني في المؤسسات الحكومية
  • غذاء القابضة تستخدم الذكاء الاصطناعي في التحول الرقمي
  • إسرائيل تخطط للسيطرة على 75% من القطاع لإنشاء "غزة صغيرة"
  • رحيل ومحاكمة ومرض .. 3 أزمات تحيط بنجم الأهلي قبل مونديال الأندية