الخرطوم- بعد أكثر من عامين من اندلاع الحرب في السودان، لا يزال الانقسام والاستقطاب السياسي يُخيِّم على المشهد الداخلي، ويتوقع مراقبون أن يسعى رئيس الوزراء كامل الطيب إدريس المعين حديثًا، إلى توافق بين الفرقاء يسهم في حل الأزمة بالبلاد كما فعل سابقا، رغم صعوبة ذلك.

ولم يكن الموظف الأممي كامل إدريس معروفا في الأوساط السياسية في بلاده، إلا بعد قيادته مبادرة للتوسط في الأزمة السودانية منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث جمع في جنيف بين الشيخ حسن الترابي عرّاب نظام حكم الرئيس السابق عمر البشير والراحل الصادق المهدي زعيم حزب الأمة، وأبرز معارضي الحكومة آنذاك ولم يحقق اللقاء اختراقًا سياسيًا.

ثم قاد إدريس مساعي لتحقيق مصالحة بين الفرقاء السودانيين عبر خطوات لبناء الثقة وإصلاح المناخ السياسي قبل أن يترشح لرئاسة السودان عام 2010.

تحالفات متحركة

ورحّبت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية بتعيين إدريس رئيسًا للوزراء، وعدت ذلك خطوة لاستعادة النظام الدستوري والحكم الديمقراطي في السودان، كما رحّبت به القوى السياسية المساندة للجيش.

وبذَل الاتحاد الأفريقي جهودًا لتقريب مواقف الفرقاء السودانيين للتوافق على ترتيبات لعقد مؤتمر حوار سوداني- سوداني، لكن 3 جولات من مشاورات شملت الكتل والقوى السياسية لم تحقق تقدمًا.

إعلان

كما استضافت القاهرة مؤتمرًا للقوى السودانية في يوليو/تموز الماضي، ضم أطراف المشهد السياسي تحت سقف واحد لأول مرة، وصدر بيان في نهاية المؤتمر تحفّظت عليه بعض القوى.

اجتماع الأمانة العامة والآلية السياسية لتحالف "صمود" برئاسة حمدوك في كمبالا  (الصحافة السودانية)

 

وساعدت ديناميات الحرب في تفكيك التحالفات وبناء أخرى جديدة، حيث تكتلت القوى المساندة للجيش في تحالف ضم قوى سياسية ومجتمعية عقد في بورتسودان في فبراير/شباط الماضي، وتبنّى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وثيقة مشروع وطني أقرّها المؤتمر.

وأدى تبني فصائل الجبهة الثورية وشخصيات، في تحالف تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)، تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع إلى حل التحالف وميلاد تكتل جديد في 10 فبراير/شباط الماضي تحت اسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) واختار عبد الله حمدوك رئيسا له.

وفي المقابل، اختارت قوات الدعم السريع وفصائل عسكرية وتنظيمات سياسية تحالفا جديدا نشأ في العاصمة الكينية نيروبي في فبراير/شباط الماضي، وأطلقت عليه اسم "تحالف السودان التأسيسي" وأقرت تشكيل حكومة موازية.

الحوار والتوافق

وعقد تحالف "صمود" اجتماعا للأمانة العامة والآلية السياسية في العاصمة الأوغندية كمبالا برئاسة حمدوك اختتِم أمس السبت، وأقرّ الاجتماع رؤية تمنح الأولوية لإيقاف الحرب.

وقال في بيان له إن "السعي لتحقيق الشرعية من قبل سلطة بورتسودان والتنافس عليها بتشكيل حكومات بواسطة الدعم السريع وحلفائه، أمر لا يخاطب الأولويات ولا يستجيب إلى احتياجات السودانيين".

كما قرر الاجتماع التواصل مع كافة الأطراف لإطلاق عملية سياسية عبر مائدة مستديرة تقود إلى توحيد المواقف لإيقاف الحرب واعتماد خيار الحوار، والتوافق على مشروع وطني يطوي صفحة الحروب ويحافظ على وحدة السودان ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية.

إعلان

ويرى عضو الأمانة العامة لتحالف "صمود" ياسر عرمان، في منشور له، أن تعيين كامل إدريس على أساس الوثيقة الدستورية الجديدة يجعل منه موظفًا عند العسكر ولا سلطة له، "وهو ليس برئيس وزراء مدني بل هو رئيس وزراء حرب" على حد تعبيره.

الفرص محدودة

وعن فرص تحقيق توافق بين القوى السياسية، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم الصديق، أن تحقيق توافق كلي بين الفرقاء السياسيين صعب، لأن روح التنافس السياسي سائدة وراجحة، والأهم وضع القضايا الوطنية الكبرى في صدارة الاهتمامات ومشاركة الجميع وفق طاقاتهم ومنظورهم.

ويقول الصديق للجزيرة نت إن التحدي هو مقدرة رئيس الوزراء إدريس على تقديم خطة جامعة تتوافق عليها القوى السياسية والمجتمعية.

ويقترح أن يطرح إدريس برنامج وخطة عمل ودعوة الجميع للمشاركة فيها، تشمل وحدة واستقرار البلاد وإعادة الإعمار وعودة النازحين واللاجئين وإعلاء مؤسسات العدالة والقانون قبل الذهاب إلى انتخابات تحتكم فيها القوى السياسية للشعب.

أما الباحث والمحلل السياسي خالد سعد، فيرى أن فرصة إدريس لتحقيق توافق وطني محدودة ما لم يتمكن من تجاوز التصورات حول كونه طرفا سياسيا وليس غطاء لمشروع عسكري تديره القيادة العسكرية بشكل مستقل أو بتحالف سياسي.

ويقول سعد للجزيرة نت إن تاريخ إدريس كوسيط بين الفرقاء لا يمكن الاعتماد عليه نتيجة لحدوث متغيرات عميقة في المشهد، أبرزها أن التسوية صارت مرتبطة بوقف الحرب، كما تزداد الاستقطابات وتتعمق الانقسامات، حيث تصنع الحرب دينامية جديدة تجعل الأطراف أكثر تمسكًا بمواقفهم وأقل استعدادا لتقديم تنازلات.

ويذهب إلى أن الطرف المتقهقر عسكريًا في الحرب يتمترس في مواقفه خشية فقدان توازن القوى في المساومات السياسية، ويبحث عن بدائل سياسية، كما ظهر في نشأة تحالف "تأسيس" الذي يعكس تشكل قوى سياسية مرتبطة بالحرب، مما يعقّد المشهد السياسي ويضيف أبعادا جديدة لأي تسوية مستقبلية.

إعلان

ورغم ذلك، يعتقد الباحث سعد أن لرئيس الوزراء الجديد فرصة بناء ثقة عبر إثبات حياده ووقوفه بمسافة واحدة من الأطراف السياسية في تشكيل حكومته، أو ممارسته السلطوية وإيجاد نقطة انطلاق في ظل انسداد الأفق السياسي، وربما من خلال التركيز على قضايا إنسانية وتغيير الخطاب السياسي والإعلامي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات القوى السیاسیة بین الفرقاء رئیس ا

إقرأ أيضاً:

كيف أطال نتنياهو بقاءه السياسي عبر المماطلة في إنهاء العدوان على غزة؟

يسعى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى إطالة أمد الحرب في غزة للحفاظ على منصبة السياسي وحكومته لأطول مدة ممكنة بطرق متعددة.

ونشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا طرحت خلاله الطريقة التي أطال فيها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الحرب في غزة كي يبقى في الحكم وكشف التحقيق عن اللقاءات السرية وتجاهل المعلومات السرية.

وقدمت الصحيفة التحقيق بأنه القصة الداخلية لحسابات رئيس الوزراء الاحتلال الإسرائيلي بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، فبعد 6 أشهر من بدء الحرب في قطاع غزة، كان نتنياهو يستعد لإيقافها وكانت المفاوضات جارية مع حماس من أجل وقف إطلاق نار ممتد، وكان مستعدا للموافقة على تسوية، وقد أرسل مبعوثا لنقل موقف إسرائيل الجديد إلى الوسطاء المصريين، وفي اجتماع في نيسان/أبريل 2024 بوزارة الدفاع في تل أبيب، كان عليه إقناع حكومته بالموافقة.

وأضاف التحقيق أن نتنياهو أبقى الخطة خارج جدول أعمال الاجتماع المكتوب، وكانت الفكرة هي الكشف عنها فجأة، مما يمنع الوزراء المعارضين من تنسيق ردهم.

وكشف التحقيق أن الاقتراح المطروح كان يهدف إلى وقف حرب غزة لستة أسابيع على الأقل، وأن يتيح فرصةً للتفاوض مع حماس بشأن هدنة دائمة، وكان من الممكن إطلاق سراح أكثر من 30 أسيرا لدى حماس خلال أسابيع. وإطلاق سراح المزيد حال امددت الهدنة.

وأشار التحقيق أنه كان من الممكن أن يتوقف دمار غزة، حيث كان نحو مليوني شخص يحاولون النجاة من الهجمات اليومية، وكان إنهاء الحرب سيزيد من فرص التوصل إلى اتفاق سلام تاريخي مع السعودية، أقوى دولة في العالم العربي.


وتابع التحقيق أن القيادة السعودية أبدت سرا استعدادها لتسريع محادثات السلام مع إسرائيل، شريطة توقف الحرب في غزة، كان من شأن تطبيع العلاقات بين الحكومتين السعودية والإسرائيلية، وهو إنجاز استعصى على كل زعيم إسرائيلي منذ تأسيس دولة الاحتلال عام 1948، أن يضمن مكانة إسرائيل في المنطقة، ويضمن إرث نتنياهو على المدى الطويل.

وأردف التحقيق أنه في المقابل فالهدنة كانت ستأني بثمن باهظ على نتنياهو، وهو انهيار ائتلافه المتطرف الذي يطالب بإدامة الحرب حتى يتم احتلال غزة وإعادة الاستيطان، وهدد هذا الائتلاف بإسقاط الحكومة، مما يعني انتخابات جديدة لا يضمن نتنياهو الفوز بها، إلى جانب اتهامات الفساد التي تلاحقه.

وأضاف التحقيق أنه رغم استعداد نتنياهو للمضي في الهدنة إلا أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش قاطع الجلسة قائلا: "أريدك أن تعلم أنه إذا طُرح اتفاق استسلام كهذا، فلن يكون لديك حكومة"، "لقد انتهت الحكومة"، وفي تلك اللحظة، اضطر رئيس الوزراء للاختيار بين فرصة الهدنة وبقائه السياسي، فاختار نتنياهو البقاء، ووعد سموتريتش بأنه لا توجد خطة لوقف إطلاق النار، ومع تقدم نقاش مجلس الوزراء، انحنى نتنياهو بهدوء على مستشاريه الأمنيين وهمس بما بدا جليا لهم حينها: "لا تعرضوا الخطة".

ومن ناحية أخري أكد التحقيق أنه رغم ما حققه نتنياهو في حرب الـ 12 يوما ضد إيران، إلا أن ما ينتظر نتنياهو في أعقاب هذا هو قرار مصيريٌ أكثر بشأن حرب غزة، ولقد سوى الصراع معظم الأراضي بالأرض وأسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 55,000 شخصا، بالإضافة إلى العديد من المدنيين، منهم ما يقرب من 10,000 طفلا دون سن الحادية عشرة.

وقال معدوا التحقيق أنه حتى وإن نجحت المفاوضات أخيرا في إيقاف الغارات الإسرائيلية خلال الأيام المقبلة، فإنها بالفعل أطول حرب شديدة الشدة في تاريخ إسرائيل - أطول من الحروب التي أحاطت بتأسيسها عام 1948، وأطول من حرب يوم الغفران التي دافعت عن حدودها عام 1973، وأطول بكثير، بالطبع، من حرب الأيام الستة بين العرب وإسرائيل عام 1967.


وتابع التحقيق أنه مع استمرار الحرب تراجع التعاطف الدولي مع الاحتلال الإسرائيل حيث تواجه إسرائيل اتهامات إبادة جماعية في غزة أمام محكمة العدل الدولية، وفي أمريكا أدى فشل الرئيس جو بايدن في إنهاء الحرب إلى انقسام الحزب الديمقراطي، وساهم في إثارة الاضطرابات التي أعادت الرئيس ترامب إلى السلطة، أما في إسرائيل، فاقمت الحرب المطولة الخلافات الحادة حول أولويات البلاد، وطبيعة ديمقراطيتها، وشرعية نتنياهو كزعيم.

وتساءلت الصحيفة: "لماذا، بعد مرور ما يقرب من عامين لم تصل الحرب إلى نهاية حاسمة بعد؟ لماذا رفضت إسرائيل مرارا فرص خفض التصعيد، وبدلا من ذلك وسعت طموحاتها العسكرية إلى لبنان وسوريا والآن إلى إيران؟ لماذا استمرت الحرب، حتى مع استهداف قيادة حماس ودعوة المزيد من الإسرائيليين إلى وقف إطلاق النار؟" ومع أن الكثير من الإسرائيليين يتهمون حماس بأنها أطالت الحرب ورفضت الاستسلام، لكن يعتقد الكثيرون بشكل متزايد أن إسرائيل كان بإمكانها إبرام صفقة مبكرة لإنهاء الحرب، ويتهمون نتنياهو، الذي يتمتع بالسلطة المطلقة على الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية، بمنع التوصل إلى تلك الصفقة.

ولفهم دور نتنياهو في إطالة أمد الحرب، تحدثت الصحيفة مع أكثر من 110 مسؤولا في إسرائيل والولايات المتحدة والعالم العربي، وقد التقى جميع هؤلاء المسؤولين، من مؤيدين ومنتقدين، برئيس الوزراء أو راقبوه أو عملوا معه منذ بداية الحرب، كما راجعت الصحيفة عشرات الوثائق، بما في ذلك محاضر اجتماعات الحكومة، والاتصالات بين المسؤولي وسجلات المفاوضات وخطط الحرب وتقييمات الاستخبارات وبروتوكولات حماس السرية ووثائق المحاكم، وللأسباب الواضحة، فقد أطال نتنياهو الحرب خدمة لمصلحته السياسية الشخصية.

وأضاف الصحيفة أنه سواء اعتقدوا ذلك أم لا، فقد اتفق كل من تحدثت إليهم على أمر واحد: إن امتداد الحرب وتوسعها كانا في صالح نتنياهو، وعندما بدأت الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، بدا أنها ستنهي مسيرة نتنياهو السياسية، وكان التوقع العام أن الحرب ستهدأ في أوائل عام 2024، وأن ائتلاف نتنياهو سينهار، وسيحاسب قريبا على الفشل الأمني الذريع.

وأشارت الصحفية إلى أن نتنياهو استغل الحرب لتحسين حظوظه السياسية، في البداية لمجرد البقاء، ثم لتحقيق النصر بشروطه الخاصة، بعد ما يقرب من عامين، لا يزال يواجه اتهامات خطيرة بالفساد، لكن لديه فرصة جيدة لحكم إسرائيل حتى الانتخابات العامة المقرر إجراؤها بحلول تشرين الأول/أكتوبر 2026، عندما سيكون عمره 77 عاما - ومن المرجح أن يفوز بها.

ومهما كانت دوافع نتنياهو الأخرى غير البقاء في السلطة إلا أن تحليل الصحيفة قاد إلى ثلاثة استنتاجات حتمية، ففي السنوات التي سبقت الحرب، ساهم نهج نتنياهو تجاه حماس في تقوية الحركة، مما أتاح لها المجال للاستعداد سرا للحرب. في الأشهر التي سبقت تلك الحرب، أدى سعي نتنياهو لتقويض القضاء الإسرائيلي إلى تعميق الانقسامات العميقة أصلا داخل المجتمع الإسرائيلي وإضعاف جيشه، مما جعل إسرائيل تبدو ضعيفة وشجع حماس على الاستعداد لهجومها.


وتابع التحقيق أنه بمجرد بدء الحرب، غلبت على قرارات نتنياهو أحيانا الحاجة السياسية والشخصية بدلًا من الضرورة العسكرية أو الوطنية فحسب، وكشف تحقيق الصحيفة أن قرارات نتنياهو أثناء الحرب، أمد القتال في غزة أكثر مما رأته القيادة العسكرية الإسرائيلية العليا ضروريا.

وأكد التحقيقي أن ذلك يعود جزئيا إلى رفض نتنياهو، قبل سنوات من 7 تشرين الأول/أكتوبر، الاستقالة عند اتهامه بالفساد، وهو قرار أفقده دعم المعتدلين في إسرائيل، بل وحتى بعض اليمين الإسرائيلي، وفي السنوات التي تلت محاكمته التي لا تزال جارية، والتي بدأت عام 2020، بنى نتنياهو أغلبية هشة في البرلمان الإسرائيلي من خلال تحالفاته مع أحزاب اليمين المتطرف.

وكشف التحقيق أن ذلك أبقاه في السلطة، لكنه ربط مصيره بمواقفها المتطرفة، سواء قبل الحرب أو بعدها، وقد أبطأ نتنياهو، وتحت ضغوط من حلفائه في الائتلاف، مفاوضات وقف إطلاق النار في لحظات حاسمة، مضيعا نوافذ كانت حماس أقل معارضة فيها للاتفاق، لقد تجنب التخطيط لانتقال السلطة بعد الحرب، مما جعل من الصعب توجيه الحرب نحو نهاية اللعبة، ولقد واصل الحرب في نيسان/ أبريل وتموز/يوليو 2024، حتى عندما أخبره كبار الجنرالات أنه لا توجد ميزة عسكرية أخرى للاستمرار.
وقال كاتبوا التحقيق أنه عندما بدا أن الزخم نحو وقف إطلاق النار ينمو، نسب نتنياهو أهمية مفاجئة إلى الأهداف العسكرية التي بدا في السابق أقل اهتماما بالسعي إليها، مثل الاستيلاء على مدينة رفح الجنوبية واحتلال الحدود بين غزة ومصر لاحقا، وعندما تم التوصل أخيرا إلى وقف إطلاق نار ممتد في كانون الثاني/يناير، انتهك الهدنة في آذار/مارس جزئيا للحفاظ على سلامة ائتلافه.

وتابع التحقيق أن ثمن التأخير كان باهظا: فمع مرور كل أسبوع كان التأخير يعني موت مئات الفلسطينيين ورعب آلاف آخرين، كما أدى إلى وفاة ثمانية أسرى آخرين على الأقل في الأسر، مما عمق الانقسامات في إسرائيل بين من سعوا إلى صفقة لإطلاق سراح الأسرى قبل كل شيء، ومن اعتقدوا أن الحرب يجب أن تستمر حتى تدمير حماس.

وقد أدى ذلك إلى تأخير الصفقة السعودية، وشوه صورة إسرائيل في الخارج، ودفع المدعين العامين في المحكمة الجنائية الدولية إلى المطالبة باعتقال نتنياهو، لكن بالنسبة لنتنياهو، كانت المكافآت الفورية مهمة، فقد عزز سيطرة على الدولة الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى خلال فترة ولايته التي استمرت 18 عاما كرئيس للوزراء، ونجح في منع تحقيق حكومي كان من شأنه أن ينظر في مسؤوليته، قائلاً إن التداعيات يجب أن تنتظر حتى تنتهي حرب غزة، حتى مع إقالة أو استقالة وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس جهاز المخابرات الداخلية وعدد من كبار الجنرالات.

وبحسب التحقيق وبينما يحضر المحكمة ثلاث مرات أسبوعيا لمحاكمته بتهم الفساد، تتجه حكومته الآن لإقالة النائب العام التي تشرف على هذه المحاكمة كما عزز استمرار الحرب ائتلافه، ومنحه الوقت للتخطيط لهجومه على إيران وتنفيذه. والأهم من ذلك، كما يشير حتى أقوى مؤيديه، أنه أبقاه في منصبه. يقول سروليك إينهورن، الخبير الاستراتيجي السياسي وأحد أفراد الدائرة المقربة من نتنياهو: "حقق نتنياهو عودة سياسية لم يظن أحد، ولا حتى أقرب حلفائه، أنها ممكنة".

وكشف التحقيق أن قيادة نتنياهو أعادت، خلال حرب مطولة مع حماس وهجوم جريء على إيران، رسم الخريطة السياسية، وهو الآن في وضع قوي للفوز بالانتخابات مجددا، وأشارت الصحيفة إلى تقارير أمنية عن المخاطر التي تواجه إسرائيل قبل هجمات 2023، وهي تعود إلى تموز/يوليو من ذلك العام.

وعندما شعر هرتسي هاليفي، القائد العام للجيش الإسرائيلي، بالكارثة، حاول التواصل مع نتنياهو، في محاولة لم تعلن عنها سابقا لحث رئيس الوزراء على قراءة نتائج التقرير الأمني. وكان هاليفي ومسؤولون كبار آخرون، بمن فيهم وزير الدفاع، قد قدموا نتائج مماثلة لنتنياهو في الأشهر والأسابيع السابقة، دون جدوى.

ومن ناحية أخرى كشف التحقيق أن نتنياهو علم بهجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر لأول مرة في ذلك الصباح الساعة 6:29 صباحا، عندما أيقظته مكالمة واتساب من جيل، كبير مستشاريه العسكريين وكانت محادثة قصيرة، وبينما دوّت صفارات الإنذار في الخلفية، أخبر جيل نتنياهو أن حماس شنت للتو هجوما، وطلب من رئيس الوزراء أن يهز نفسه ويستيقظ، ووعده بمعاودة الاتصال بعد بضع دقائق - هذه المرة من هاتف نتنياهو المشفر.

وأضاف أنه بعد دقائق من بدء الحرب، كانت هذه أول إشارة إلى كيفية سعي نتنياهو لإطالة أمد بقائه السياسي، كان رؤساء الأجهزة الأمنية قد وجهوا له تحذيرا استراتيجيا للحرب، لكن نتنياهو حرص على التأكيد في هذه المكالمة المسجلة على أنها لا تتعلق تحديدًا بغزو مباشر من غزة، ولاحقًا في الحرب، اشتكى نتنياهو علنا من أنه استيقظ متأخرا جدا، وأنه لو كان قد تم تنبيهه في وقت أبكر، لكانت الكارثة قد تفادت.


والحقيقة هي أنه بمجرد استيقاظه، لم يكن له تأثير يذكر في ذلك الصباح على رد الفعل الأولي لإسرائيل. أدار غالانت، وزير الدفاع، وهاليفي، قائد الجيش، ترتيب المعركة الفوري على بعد عدة طوابق تحت مقر القيادة العسكرية في تل أبيب، في مركز قيادة تحت الأرض يُعرف باسم "الحفرة" والتي زارها نتنياهو بشكل وجيز في الساعة 10:00 صباحا. وكان أول قرار مهم لنتنياهو كهو إصدار أمر للجنرالات بقصف غزة بمستوى جديد من القوة.

وتقول الصحيفة إن من بين أسباب تردد الحكومة في الرد هي أن وزراء الحكومة أمضوا تسعة أشهر وهم يتجاهلون التهديدات الخارجية سعيا وراء أهداف داخلية مثيرة للجدل، واجه بعض الوزراء رعب اللحظة الراهنة حتى مع بروز عواقبها السياسية.

وجلس ياريف ليفين، وزير العدل ومهندس الإصلاح القضائي، على الدرج يبكي، وفقاً لشاهدين. فيما لخص سموتريتش الوضع قائلاً: "خلال 48 ساعة، سيطالبوننا بالاستقالة بسبب هذه الفوضى، وسيكونون على حق". وحتى في أسوأ أيامه السياسية، كان نتنياهو يرسم طريقه نحو البقاء السياسي، خلال الأيام الفوضوية التالية، صد الجيش هجوم حماس، وتعامل مع من تبقى من عناصرها، وبدأ التخطيط لغزو غزة. 

وفي الخلفية بدأ نتنياهو يخطط لضم حلفاء جدد من المعارضة، مثل بيني غانتس. خلال الأشهر الأولى من الحرب، كان بقاء نتنياهو مرهونا بتحقيق توازن شبه مستحيل، كان عليه أن يفعل ما يكفي لتهدئة بايدن، الذي كان دعمه الدبلوماسي ومساعدته العسكرية أساسيين لإطالة أمد المجهود الحربي الإسرائيلي، مع عدم بذل جهد يذكر لعزل اليمين المتطرف، الذي اعتمد عليه نتنياهو في مسيرته السياسية.

اتضح تحدي إرضاء الطرفين بعد منتصف ليل 17 تشرين الأول/اكتوبر، أي بعد عشرة أيام من الهجوم. في الطابق الرابع تحت مقر القيادة العسكرية في تل أبيب، كان نتنياهو عاجزا عن الاختيار بين رغبات وفد أمريكي، جالسا في غرفة تحت الأرض، ورغبات وزراء حكومته، الجالسين في غرفة أخرى قريبة.

مقالات مشابهة

  • مسؤولون اسرائليون .. نتنياهو تعمّد إطالة أمد حرب غزة وغلّب مصلحته السياسية والشخصية
  • كيف أطال نتنياهو بقاءه السياسي عبر المماطلة في إنهاء العدوان على غزة؟
  • كامل إدريس وزيرا للخارجية.. إلى حين
  • "تعمّد إطالة حرب غزة".. وسائل إعلام إسرائيلية: مصلحة نتنياهو السياسية تتجاوز توصيات الجيش
  • أبرزهم جبريل إبراهيم.. كامل إدريس يصدر قرارا بتعيين وزراء بـ”حكومة الأمل”
  • «الائتلاف الليبي للقوى السياسية والمهنية» يُعلن دعمه الكامل لمبادرة فريق الحوار والمصالحة السياسي
  • كامل إدريس يضع اللمسات الأخيرة لإعلان أربعة وزراء جدد
  • يبدو أن السيد كامل ومجموعته يتولوا ملف عودة قحت بطريقة ناعمة
  • الخلافات تشتعل في حزب الأمة مجددا.. والسبب كامل إدريس
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: دعوة كامل إدريس للحوار الوطني