سالم بن سويلم بن سالم الهنائي **

 

في عالم تتسارع فيه التحولات الاقتصادية والسياسية وتتشابك فيه الأزمات العالمية، لم يعد نجاح الدول رهينًا بالقوة فقط، بل أصبح مرهونًا بنوع خاص من القيادة تلك التي تجمع بين الرؤية الإستراتيجية والحكمة الأخلاقية في آنٍ واحد، وتطورت بإستراتيجيات محكمة الأبعاد عابرة الجهود العالمية كمبادرة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بحلول عام 2030، وتهدف هذه المبادرة إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة SDGS.

وتعتمد المبادرة على القيادة الاستراتيجية؛ لتعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات في مجالات عدة، مثل: منتدى الاقتصاد العالمي World Economic Forumوكذلك التعليم والصحة والبيئة، ويعمل المنتدى على تعزيز القيادة الإستراتيجية من خلال مبادرات مثل: "المبادرة العالمية للقيادة "Global Leadership Initiative" التي تهدف إلى تطوير قادة قادرين على التعامل مع التحديات العالمية المعقدة.

وعلى المستوى العلمي فيما تم ذكره تتواصل جهود ومقدرات علماء وخبراء القيادة الإستراتيجية وإدارة التغيير أمثال جون كوترJohn Kotter الذي قدم نموذجا تغييرا في كتابه Leading Change 1996 لإيجاد حالة استعجالية للتغيير وصولا إلى ترسيخ التغيير في الثقافة المؤسسية، وغيره من الذين أكدوا على التعليم المستمر، وأهمية الرؤية المشتركة والتفكير لتحقيق النجاح الإستراتيجي؛ التزامًا بالقيم الأخلاقية في القيادة الناجحة.

وتأسيسًا على ذلك نستعرض بعضا من النظريات العلمية والجهود العالمية التي تفسر القيادة الإستراتيجية والحكيمة في قيادة المنظمات والمجتمعات نحو النجاح ومن أبرز هذه النظريات العلمية:  

نظرية القيادة التحويلية: تركز هذه النظرية على قدرة القائد على إلهام وتحفيز الأتباع لتحقيق أهداف إستراتيجية طويلة المدى؛ ففي عام 1978 قدمها جيمس ماكجريجور بيرنز James MacGregor Burns وطورها لاحقًا Bernard Bass فالقيادة التحويلية تعتمد على الرؤية المشتركة، والتأثير على الأفراد لتحقيق التغيير الإيجابي.

نظرية القيادة الخادمة: قدم هذه النظرية روبرت غرينليف Robert Greenleaf، وهي تركز على القيم الأخلاقية والتعاطف والرعاية، مما يجعلها مرتبطة بشكل وثيق بالقيادة الحكيمة مؤكدة على أن دور القائد هو خدمة الآخرين؛ لتحقيق إمكاناتهم الكاملة.

نظرية القيادة التكيٌُفية: وتركز هذه النظرية على قدرة القائد في التعامل مع التحديات المعقدة والمتغيرة من خلال التكيف والتعلم المستمر، وقد قدمها رونالد هيفيتز Ronald Heifetz في كتابه Leadership Without Easy Answers (1994)، وتعتبر هذه النظرية أساسية في القيادة الإستراتيجية في البيئات الديناميكية.

نظرية القيادة الأصيلة: قدمها بيل جورج Bill George، في كتابهAuthentic Leadership" " عام 2003، وتعتبر هذه النظرية أساسًا للقيادة الحكيمة التي تعتمد على النزاهة والشفافية، وتؤكد على أهمية أن يكون القائد صادقًا مع نفسه ومع الآخرين، وأن يعكس قيمه الشخصية في قيادته.

ولعله من المفيد أن نؤكد أن القيادة الإستراتيجية تقوم على تحديد الاتجاهات طويلة المدى، واتخاذ القرارات التي تحقق الأهداف كالتخطيط الاستراتيجي، وإدارة التغيير، وتحقيق التوازن بين المصالح المختلفة، والتزامن مع القيادة الحكيمة التي تركز على الحكمة في اتخاذ القرارات، مع مراعاة القيم الأخلاقية والمصلحة العامة، وتعتمد على الرؤية الثاقبة والتوازن بين المصالح الفردية والجماعية، والتي هي من أهم العناصر التي تسهم في تحقيق التقدم والازدهار للدول والمجتمعات.

ومن هذا المنطلق، فإن القيادة الإستراتيجية الحكيمة لها دور محوري في تشكيل مسار التنمية، خصوصًا في العهد المتجدد لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- يحفظه الله ورعاه- والتي تتميز بالتركيز على الإصلاحات الاقتصادية والإدارية كقوة إستراتيجية في إدارة الموارد، وتحقيق التوازن، اعتمادًا على قياس المؤشرات الأربعة الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية والمالية، والتي كانت من أبرز المبادرات:                                                           

- تعزيز الحوكمة والشفافية في القطاع العام.

- دعم التعليم والابتكار من خلال إنشاء مراكز بحثية وتطويرية.

ورؤية "عُمان 2040" تعتمد على مبادئ القيادة الإستراتيجية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في السلطنة، وتهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز الابتكار، وبناء القدرات البشرية وتحسين جودة الحياة لبناء مجتمع معرفي، فلو أخذنا أنموذجا من تلك الإستراتيجيات: الأكاديمية السلطانية للإدارة والتي تعمل على إعداد قادة الغد؛ لمواكبة التطور التكنولوجي وتعزيز الابتكار من خلال برامج تدريبية وبحثية متخصصة في القيادة، والإدارة لمختلف القطاعات، منها: برنامج السياسات العامة، والتخطيط الاستراتيجي، والبرنامج الوطني لتطوير القيادات واستشراف المستقبل، والجدير بالذكر هناك مراكز متخصصة في الأكاديمية كمركز تطوير القيادات، ومركز الإدارة المحلية، ومركز الجاهزية للمستقبل.                                              

وفي هذا الإطار ومع وجود التحديات والتغيرات الاقتصادية العالمية وتبعاتها على الاقتصاد في الدول بات من الضروري الحاجة إلى بناء الثقة بين القيادة والمجتمع، وتعزيز المشاركة المجتمعية، مما ينتج عن فرص الاستفادة من الموارد البشرية والطبيعية لتحقيق التنمية المستدامة، لتعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات في مجال القيادة الإستراتيجية؛ لبناء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار.                    

ولعله من المفيد أن نؤكد مدى العلاقة بين القيادة الإستراتيجية والقيادة الحكيمة، حيث لابد من بيان أن التعلم على التفكير الإستراتيجي هي الرؤية، وتحديد الأهداف الرئيسة التي يجب تحقيقها، ومن انعكاسات ذلك التفكير يجب علينا أن نتعلم كيفية وضع أهداف واضحة ومحددة؛ لتوظيف وتطوير استراتيجيات فعالة؛ حيث إن القيادة الإستراتيجية والقيادة الحكيمة مفهومان مترابطان في عالم الأعمال الحديث، فهما ثقافة تنظيمية مشتركة يشيران إلى القدرة على التوجيه وتوجيه الآخرين بطريقة ملهمة وفعالة، وهما مفتاح النجاح في أي مجال من مجالات صناعات القرار في الحياة.                                    

وتتكامل القيادة الإستراتيجية والحكيمة في تحقيق الأهداف التنموية، بينما تركز القيادة الإستراتيجية على التخطيط والتنفيذ، وتضيف القيادة الحكيمة البعد الأخلاقي والاجتماعي، وتتجسد هذه العلاقة في القيادة حيث تم الجمع بين الرؤية الإستراتيجية والحكمة في اتخاذ القرارات.                         

خلاصة القول.. إنَّ القادة يتمتعون بالرؤية والحكمة والقدرة على توجيه الآخرين نحو الهدف المشترك، ويُعد التعلم من القادة العظماء أمرًا ضروريًا لتطوير مهارات القيادة الحكيمة في العصر الحديث.

**********

المصادر

 المراجع العربية:

1. وزارة الإسكان والتخطيط العمراني (2021).

2. رؤية عُمان 2040. مسقط.

3. الأكاديمية السلطانية للإدارة. (2023).

4. العريمي، (2020). قيادة جلالة السلطان قابوس: دراسة في الإنجازات والتحديات. مجلة الدراسات العُمانية.

 

المراجع الإنجليزية

1.Bass, B. M., & Avolio, B. J. (1994). Improving Organizational Effectiveness through Transformational Leadership. Sage Publications.
2. Greenleaf, R. K. (1977). Servant Leadership: A Journey into the Nature of Legitimate Power and Greatness. Paulist Press.
3. Heifetz, R. A. (1994). Leadership Without Easy Answers. Harvard University Press.
4. Kotter, J. P. (1996). Leading Change. Harvard Business Review Press.
5. Senge, P. M. (1990). The Fifth Discipline: The Art and Practice of the Learning Organization. Doubleday.
6. Covey, S. R. (1989). The 7 Habits of Highly Effective People. Free Press.
7. United Nations. (2015). Transforming our world: the 2030 Agenda for Sustainable Development. United Nations Publications.
8. World Economic Forum. (2022). Global Leadership Initiative. Retrieved from
www.weforum.org
9. Bill & Melinda Gates Foundation. (2023). Annual Report. Retrieved from www.gatesfoundation.org
 

** باحث في القيادة والاقتصاد

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

سفير الهند بالقاهرة: الشراكة الإستراتيجية بين مصر والهند غنية بالفرص

أبدي السفير سوريش ك ريدي سفير الهند بالقاهرة عن سعادته بالعودة للقاهرة  كسفير لبلاده فى مصر، مشيرا إلي أنه يضطلع الي العمل على تعزيز الشراكة الاستراتيجية القوية بين الهند ومصر.

أبل تستهدف تصنيع معظم أجهزة أيفون المخصصة لأمريكا في الهندآبل تخطط لتجميع هواتف آيفون الأمريكية في الهند بدلا من الصين

وأكد سفير الهند بالقاهرة إلي الشراكة الاستراتيجية القوية بين الهند ومصر تعد شراكة غنية بالفرص ومجزية للطرفين.

وكان قد وصل إلى القاهرة كسفير للهند لدى جمهورية مصر العربية في 23 مايو 2025.
انصم السفير سوريش ريدي إلى السلك الدبلوماسي الهندي في عام 1991، وقد خدم في القاهرة ومسقط وأبو ظبي وإسلام آباد، كما شغل منصب سفير الهند لدى كل من العراق ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والبرازيل. 

كما عُين السفير ريدي مبعوثًا خاصا من قبل حكومة الهند إلى العراق في الفترة من يونيو إلى ديسمبر 2014، حيث تولى معالجة جميع القضايا المتعلقة بسلامة ورفاه وإجلاء المواطنين الهنود.

وفي وزارة الخارجية، شغل مناصب حساسة ومهمة، بما في ذلك رئيس مكتب وزير الدولة للشؤون الخارجية، وكان منخرطًا في العمل مع الدول المجاورة في مهام متعددة، شملت منصب مسؤول المكتب/مدير/مدير عام.

كما أسس وترأس أول إدارة للعلاقات الاقتصادية متعددة الأطراف مع الآسيان، وفي هذا الدور، عمل على تعزيز التعاون مع الآسيان وقمة شرق آسيا، كما تولى متابعة القضايا المتعلقة بمنتدى آسيا-أوروبا (ASEM)، ومؤتمر حوار التعاون الآسيوي (ACD)، ومنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC).

ترأس السفير ريدي إدارة العلاقات الاقتصادية متعددة الأطراف في وزارة الخارجية من ديسمبر 2018 حتى يناير 2020، وكان نائب شيربا الهند في مجموعة العشرين (G20)، ومجموعة السبع (G7)، والبريكس (BRICS)، ومجموعة إبسا (IBSA).

شغل منصب سفير الهند لدى البرازيل

ومنذ يناير 2020، عُين وكيلا مساعدا (لشؤون أوروبا)، حيث كان مسؤولاً عن تنسيق علاقات الهند مع أوروبا وآسيا الوسطى.
ومنذ سبتمبر 2020 وحتى وقت قريب، شغل منصب سفير الهند لدى البرازيل، وقد شارك بنشاط في رئاسة الهند لمجموعة العشرين في عام 2023، تلتها رئاسة البرازيل في عام 2024، وقبل مغادرته، كان يعمل عن كثب مع البرازيل خلال رئاستها الموسعة لمجموعة البريكس في عام 2025.

طباعة شارك مصر والهند سفير الهند بالقاهرة سفير الهند بمصر الهند ومصر

مقالات مشابهة

  • انطلاق أعمال إعداد الإستراتيجية العربية للأمن السيبراني بمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب
  • تؤثر على الرؤية.. "الأرصاد" ينبه من رياح شديدة على حائل
  • والي النيل الأبيض:المسيرات التي يطلقها العدو نحو المرافق الإستراتيجية والخدمية لن تزيدنا إلا قوة ومنعة وتماسكا
  • بعد ثبوت الرؤية.. دار الإفتاء: غدا الأربعاء أول شهر ذي الحجة
  • الطقس اليوم: عاصفة ترابية تجتاح البلاد وتحجب الرؤية تمامًا
  • "منظومة إجادة" من منظور علمي.. بين الرؤية والتأمل (1-4)
  • نواف سلام: دبي مدينة الرؤية والطموح كما أرادها محمد بن راشد (فيديو)
  • نائب أمير الشرقية: القيادة الرشيدة تؤمن بأن الاستثمار في المواطن هو الأساس لتحقيق التنمية المستدامة
  • سفير الهند بالقاهرة: الشراكة الإستراتيجية بين مصر والهند غنية بالفرص