د. محمد بن عوض المشيخي **

 

تعيش أُمة المليارين مُسلم ضعفاً غير مسبوق أكثر من أيَّ وقت مضى عبر تاريخها الطويل الذي يزيد عن أربعة عشر قرناً؛ إنها بحق أيام صعبة وفيها إذلال لكرامة الإنسان العربي وخاصة الأطفال والنساء في فلسطين المُحتلة، وعلى وجه الخصوص في قطاع غزة الذي يتعرَّض لمحرقة القرن الحادي والعشرين بما تحمله هذه الكلمة من معنى، وذلك من الصهاينة المجرمين وأعوانهم من بعض الأنظمة المحسوبة على الأمة العربية بالاسم ولكنها تصطف مع المجرمين من قتلة الأطفال؛ بل وتستقبل العصابة المتطرفة التي تحكم فلسطين المحتلة بالأحضان دون خجل.

تكشف لنا الوقائع التاريخية مصير من يخون الأوطان ويصنع المؤامرات عبر التاريخ القديم منه والمعاصر بداية من الأحداث الكبرى المتمثلة في سقوط الخلافة الإسلامية في بغداد وقبل ذلك استرجاع القدس الشريف من الصليبين المعتدين من الفرنجة على يد البطل صلاح الدين الأيوبي؛ وصولا إلى المرحلة الحالية المتمثلة في الدول الاستعمارية التي زرعت الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي، ثم تجنيد العملاء والمرتزقة من بعض العرب لمساندته لتكريس احتلاله والعمل معه بلا خجل على الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني. هؤلاء الخونة مكانهم مزبلة التاريخ وهذا قدر ومصير لا مفر منه لمن يخون أبناء جلدته ولو بعد حين.

هذه المُقدمة للتأكيد هنا بأنَّ استشهاد الطفلة يقين حمادة، التي تبلغ من العمر 11 ربيعًا فقط في مخيم دير البلح وسط غزة بقصف المخيم وهدمه على رؤوس الأطفال والنساء أثناء الليل، ما كان له أن يحدث لو لا تخاذل الأشقاء وجيران الجنب عن إنقاذ الشعب الفلسطيني من المجازر الصهيونية وجرائم التجويع، التي استمرت أكثر من 600 يوم، على الرغم من امتلاك الجيوش العربية أفضل الأسلحة وأحدث الطائرات المقاتلة التي يفترض لها أن تمنع الإبادة الجماعية لأبناء القطاع المُحاصر، من خلال منع تحليق الطيران الصهيوني فوق القطاع لحماية المدنيين، كما إن هناك دولًا إسلامية تملك ترسانة نووية مثل باكستان، وكذلك تركيا التي تعد من الدول الكبرى في تصنيع الأسلحة ووجود جيش قوى ومزود بأسلحة متطورة على أعلى مستوى في العالم، ولكن لم يحرك أحد ساكناً غير إصدار بيانات الإدانة مثلها مثل الجامعة العربية، وكأن الموت الجماعي للشعب الفلسطيني لا يهم أحد منا.

لقد هزَّت جريمة استهداف "يقين" بدم بارد من الجيش الصهيوني الذي يتفنن في قتل أطفال فلسطين لكونها أصغر مؤثرة في وسائل التواصل الاجتماعي العالم من أقصاه إلى أقصاه؛ إذ وصفته الصحافة الدولية بأنها جريمة العصر التي لا تغتفر. لما لا و"يقين" لم تكن الضحية الأولى ولا هي بالأخيرة؛ بل هناك أكثر من 17 ألف شهيد من أطفال غزة، ولكن اشتهرت يقين بدورها الإعلامي المؤثر على منصة انستجرام من خلال حسابها الشخصي الذي يُعبر عن الأحداث اليومية في المخيمات ودعوتها عبر تلك المنصة إلى التبرع للأيتام الذين استشهدت أمهاتهم وآباؤهم في المجازر التي شهدتها غزة الصامدة؛ وبالفعل هي لم تكن مجرد طفلة، بل استطاعت يقين التي تميزت بالشجاعة أن ترسم الابتسامة على أقرانها من خلال كاميرا هاتفها التي تسطر رسالتها اليومية إلى الناس وسط جحيم ما يحدث في القطاع من حرب  مدمرة، إذ كانت ناشطة اجتماعية ولها مكانة في قلوب الشعب الفلسطيني، بل ينتظرها الملايين حول العالم، ولكن قدرها أن تقتلها قذائف الغدر والدمار التي تأتي من الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية؛ على الرغم من صغر سنها ووجودها في خيام اللاجئين؛ ومن أهم ما تقوم به هذه الطفلة التي أحبها الجميع حول العالم وأصبحت أيقونة غزة من خلال دعوتها للأمل والصمود في الأرض ومواجهة القتل العشوائي بالصبر والثبات؛ بل وبالابتسامة العريضة التي أدركت أنها منتظرة دورها من الجيش الجبان الذي وصفه رئيس الحزب الديمقراطي الإسرائيلي (يائير غولان) بأنَّه جيش يمارس "هوية قتل أطفال فلسطين".

وفي الختام؛ يبدو لي أنَّ الأمة في نوم عميق، من الصعب تجد من يصحيها من سباتها الطويل؛ فالمتنفِّذون فيها وأصحاب القرار لا يشبعون من الأموال والمناصب والقصور، فهم يفضلون الذل والإهانة على الوقوف في وجه الأعداء والدفاع عن شرف الأمة، واختم هنا ببيت شعر للزهراء السقطرية التي تقول: "يا لا الرجال أغيثوا كل مسلمة // ولو حبوتم على الأذقان والركب".

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الصفدي: العالم يصمت على جرائم غزة والأردن ماضٍ بدعمه للشعب الفلسطيني

صراحة نيوز-  أكد رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي أن ما يشهده قطاع غزة من قتل وتجويع يمثل واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ الحديث، في ظل صمت دولي مريب، مشيرًا إلى أن ممارسات الاحتلال تعكس وجهًا وحشيًا يمزق القيم الإنسانية وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.

جاء ذلك خلال رعاية الصفدي، اليوم الإثنين، لورشة العمل التي نظّمها مركز مسارات الأردنية للتنمية والتطوير بعنوان: “الأطر القانونية للتغير المناخي والانتقال الطاقي في الأردن”.

وشدد الصفدي على أن الأردن، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، سيظل ثابتًا في موقفه الداعم للحق الفلسطيني، ومواصلاً تقديم الإغاثة لأهل غزة، والعمل من أجل وقف الحرب، ورفض أي إجراءات أحادية في الضفة الغربية. واعتبر أن استمرار هذا العدوان يهدد بإغراق المنطقة بالفوضى.

وفيما يتعلق بمحور الورشة حول التغير المناخي، أكد الصفدي التزام الأردن، بقيادة جلالة الملك، برؤية استراتيجية نحو مستقبل أخضر، مضيفًا أن مجلس النواب يرى في التشريع أداة أساسية لتحقيق هذا التحول، ما يستدعي تطوير منظومة القوانين لمواكبة التغيرات المناخية وخدمة الأجيال القادمة.

وأوضح أن التغير المناخي لم يعد قضية نظرية، بل واقع يفرض تحديات مباشرة على موارد البلاد، وعلى رأسها المياه والطاقة، مما يؤثر على الأمن الغذائي والصحي والاقتصاد الوطني، خاصة في ظل التحديات البيئية والاقتصادية التي يواجهها الأردن. ورغم محدودية الموارد، أشار الصفدي إلى أن الأردن يظل من الدول السباقة في تبني نهج متوازن وشامل في التعامل مع قضايا المناخ والطاقة.

وبيّن أن الانتقال الطاقي لا يقتصر على استبدال مصادر الطاقة التقليدية بالنظيفة، بل يتطلب تشريعات داعمة تُشجع الاستثمار، وتوفر الحوافز، وتضمن العدالة، وتحقق أمنًا طاقيًا واقتصاديًا متكاملًا.

 

مقالات مشابهة

  • حبيبنا وزعيم العالم.. فيلم تسجيلي عن دعم مصر المستمر للشعب الفلسطيني
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • أكاذيب الكيان الصهيوني التي لا تنتهي
  • رئيس الوزراء الفلسطيني: نؤكد أهمية حشد مزيد من الاعترافات بدولة فلسطين
  • ضياء رشوان يدعو لعدم الانسياق وراء الحملات التي تستهدف دور مصر المحوري في دعم الشعب الفلسطيني
  • رئيس الوزراء الفلسطيني: مؤتمر "حل الدولتين" يجب أن ينهي الظلم الذي لحق بالفلسطينيين
  • رئيس الوزراء الفلسطيني: ندعم جهود الوساطة التي تبذلها مصر وقطر والولايات المتحدة بغزة
  • ترامب: أنقذت العالم من 6 حروب.. وسأقلل مهلة الـ 50 يوما التي منحتها لبوتين
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • الصفدي: العالم يصمت على جرائم غزة والأردن ماضٍ بدعمه للشعب الفلسطيني