عائض الأحمد
في عالمٍ يركض خلف القوالب والنُسَخ المكرّرة، يظهر "البوهيمي" كتَمَرُّدٍ ناعمٍ على السائد، كقصيدةٍ لا تعترف بالعناوين. يأخذك إلى الصور المباشرة، ينقلك إلى الحدث دون مقدمات، يهب كريشةٍ تسكنها رياح الحرية. هو ليس غريبًا عن الزمان، لكنه يختار ألا ينتمي إلا لنفسه. لا يكتب سطرًا إلا بلون روحه، ولا يسكن إلا في الأماكن التي تفتح نوافذها على الضوء والفوضى والعطر القديم.
لا يعترف بالإطارات، يُفضِّل أن يعيش على حافة التفاصيل، يتذوّق القهوة المُرَّة كما يتذوّق الألم، ويضحك بعينٍ ترى الجمال في التشققات. في سكناته قصة، وفي مشيته لحن، وفي فوضاه ترتيبٌ خاصٌّ لا يفهمه إلا من يحمل شتاتًا مشابهًا في روحه.
هو ذلك العاشق الذي لا يُحب وفق القواعد، ولا يُهدي وردةً في وقتها، ولا يطلب الحب بنُسخته المعتادة. إنه ذاك الذي يُحب بعشوائية، بعفوية، بحريةٍ خاليةٍ من التقاليد. لا يكتب رسائل الحب المُنمَّقة، بل يرسمها على جدران قلبه، ويخطّها بقلمه الخاص، أو يوشوش بها نسائم الصباح، أو يُخبرك بها في لحظة صمتٍ لا تحتمل التفسير. يُباغتك بأفعاله، فلم يكن المستحيل جاره، بل يسخر منه إن أوقفه متسائلًا: "ماذا تريد؟".
يمزقه الشغف، ويحرقه الماء، ويتوق دائمًا إلى اللقاء الذي لا يشبه لقاءً سابقًا. يعشق التفاصيل الصغيرة، يُفتن بنظرةٍ عابرة، ويُغرم بكلمةٍ خرجت منك دون انتباه. لا يشتري الهدايا... هو الهدية. لا يَعِدُ بالخلود، لكنه يمنحك لحظةً صادقةً تساوي دهرًا. لا يراك لحظاتٍ إلى زوال، بل حكايةً يريد أن يعيشها بكل فصولها، دون مللٍ أو تخطيط. يُحيطك حبًّا، ويرمقك بعينيه المشتعلتين دفئًا، ويهمس لك: "أنتِ حبيبتي، وهذا أنا".
لها:
أنتِ لستِ في حياته محطة... بل طريقٌ لا يمله، وإن ضلّ.
شيءٌ من ذاته:
يخشى القيود، لا لأنه يهرب من الالتزام، بل لأنه لا يريد أن يُحبَّك ضمن حدود.
نقد:
جميلٌ في نقائه، لكنه قد يُتعب قلبًا يبحث عن طمأنينة.
رابط مختصر
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه
غزة - خاص صفا
"ناجية وحيدة"، لكن صدمة فقد عائلتها قبل نحو شهر، في وقت وضعت فيه حرب غزة أوزارها، جردتها من معاني الكلمة، وتعيش أوضاعًا صعبة، تتمنى فيها "اللحاق بهم.
الفتاة بتول أبو شاويش "20 عاما"، واحدة من آلاف الناجين الوحيدين لأسرة كاملة ارتقت بحرب غزة، لكنها تُسقى أضعافًا من كأس الفقد، لكونها استبعدته يومًا.
"أنا لستُ ناجية، أنا وحيدة وتمنيتُ لو أني ذهبتُ معهم"، تقول بتول لوكالة "صفا".
وتضيف "استشهدت أمي وأبي وإخوتي في قصف بجانب بيتنا في أبراج عين جالوت قبل شهر، وكنت معهم في نفس البيت".
ولكن دقيقة بين مغادرة "بتول" غرفة إخوتها نحو غرفتها، كانت فاصلًا بينها وبينهم، بين حياتها ومماتهم، رغم أن أنقاض البيت وقعت عليها هي أيضًا.
وتصف تلك اللحظات "كنت بجانب محمد وجميعنا بغرفة واحدة، ذهبت لأبدل ملابسي، وفي لحظة وجدت نفسي تحت الأنقاض".
ما بعد الصدمة
وانتشلت طواقم الدفاع المدني "بتول" من تحت جدارين، مصابة بذراعيها، وحينما استفاقت داخل المستشفى، وجدت عمها بجانبها.
سألت بتول عمها عن والديها وإخوتها، وعند كل اسم كان جوابه "إنا لله وإنا إليه راجعون".
لم تتمالك نفسها وهي تروي اللحظة "لم أستوعب ما كان يقوله عمي، لقد فقدتُ أهلي، راحت أمي رغم أنني كنت أدعوا دومًا أمامها أن يكون يومي قبل يومها".
"بتول" تعيش أوضاعًا نفسية صعبة منذ فقدت أسرتها، ويحاول عمها "رفعت"، أن يخفف عنها وطأة الفقد والصدمة.
"لحظات لم تكتمل"
يقول رفعت "40 عاما"، لوكالة "صفا"، إنها "ليست بخير، لا تعيش كأنها نجت، ولا تتوقف عن التساؤل لماذا لم تذهب معهم".
ويضيف "هي تؤمن بالأقدار، لكن أن يفقد الإنسان أهله وفي وقت هدنة، يعني مفروض أنه لا حرب، والقلوب اطمأنّت، فهذا صعب خاصة على فتاة بعمرها".
وسرق الاحتلال لحظات جميلة كثيرة من حياة "بتول"، لم تكتمل، كحفلة نجاح شقيقها "محمد" في الثانوية العامة.
يقول عمها "بتول بكر أهلها، وهي تدرس في جامعة الأزهر، رغم كل الظروف، وقبل استشهاد أخي وعائلته، احتفلوا بنجاح محمد، وكانوا ينوون تسجيله معها في الجامعة".
ومستدركًا بألم "لكن كل شيء راح، وبقيت بتول وحيدة تحاول أن تنهض من جديد، لكن ليس بعد".
ولم تقدر "بتول" على وداع أهلها من شدة صدمتها، وحينما وضعوها بين خمسة جثامين، تحدثت إليهم، سألتهم لما "رحلتم وتركتموني"، وما قبلت إلا جبين شقيقتها الصغيرة، أما أمها "فعجزت عن الاقتراب منها"، تردد بتول وهي تهتز من استحضار المشهد.
ويوجد في غزة 12,917 ناجيًا وحيدًا، تبقوا من أصل 6,020 أسرة أبيدت، خلال حرب الاحتلال على غزة على مدار عامين، فيما مسح الاحتلال 2700 أسرة من السجل المدني بكامل أفرادها، البالغ عددهم 8,574 شهيداً.