جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-27@17:15:52 GMT

بوهيمية عاشق

تاريخ النشر: 31st, May 2025 GMT

بوهيمية عاشق

 

 

عائض الأحمد

في عالمٍ يركض خلف القوالب والنُسَخ المكرّرة، يظهر "البوهيمي" كتَمَرُّدٍ ناعمٍ على السائد، كقصيدةٍ لا تعترف بالعناوين. يأخذك إلى الصور المباشرة، ينقلك إلى الحدث دون مقدمات، يهب كريشةٍ تسكنها رياح الحرية. هو ليس غريبًا عن الزمان، لكنه يختار ألا ينتمي إلا لنفسه. لا يكتب سطرًا إلا بلون روحه، ولا يسكن إلا في الأماكن التي تفتح نوافذها على الضوء والفوضى والعطر القديم.

يستحسن الغريب في أفعاله، ويتلذّذ بالنظر إلى تفاصيلها الصغيرة التي يُغضّ الطرف عنها، فتجدها أوسع في قلبه وعينيه.
لا يعترف بالإطارات، يُفضِّل أن يعيش على حافة التفاصيل، يتذوّق القهوة المُرَّة كما يتذوّق الألم، ويضحك بعينٍ ترى الجمال في التشققات. في سكناته قصة، وفي مشيته لحن، وفي فوضاه ترتيبٌ خاصٌّ لا يفهمه إلا من يحمل شتاتًا مشابهًا في روحه.
هو ذلك العاشق الذي لا يُحب وفق القواعد، ولا يُهدي وردةً في وقتها، ولا يطلب الحب بنُسخته المعتادة. إنه ذاك الذي يُحب بعشوائية، بعفوية، بحريةٍ خاليةٍ من التقاليد. لا يكتب رسائل الحب المُنمَّقة، بل يرسمها على جدران قلبه، ويخطّها بقلمه الخاص، أو يوشوش بها نسائم الصباح، أو يُخبرك بها في لحظة صمتٍ لا تحتمل التفسير. يُباغتك بأفعاله، فلم يكن المستحيل جاره، بل يسخر منه إن أوقفه متسائلًا: "ماذا تريد؟".
يمزقه الشغف، ويحرقه الماء، ويتوق دائمًا إلى اللقاء الذي لا يشبه لقاءً سابقًا. يعشق التفاصيل الصغيرة، يُفتن بنظرةٍ عابرة، ويُغرم بكلمةٍ خرجت منك دون انتباه. لا يشتري الهدايا... هو الهدية. لا يَعِدُ بالخلود، لكنه يمنحك لحظةً صادقةً تساوي دهرًا. لا يراك لحظاتٍ إلى زوال، بل حكايةً يريد أن يعيشها بكل فصولها، دون مللٍ أو تخطيط. يُحيطك حبًّا، ويرمقك بعينيه المشتعلتين دفئًا، ويهمس لك: "أنتِ حبيبتي، وهذا أنا".

لها:
أنتِ لستِ في حياته محطة... بل طريقٌ لا يمله، وإن ضلّ.

شيءٌ من ذاته:
يخشى القيود، لا لأنه يهرب من الالتزام، بل لأنه لا يريد أن يُحبَّك ضمن حدود.

نقد:
جميلٌ في نقائه، لكنه قد يُتعب قلبًا يبحث عن طمأنينة.

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ما الذي يعنيه لنا التغير الديموغرافي؟

طالعتنا بعض الإحصاءات الرسمية بمؤشرات أولية لانخفاض أعداد المواليد الجدد في سلطنة عُمان، حيث أظهرت النشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن الوطني للإحصاء والمعلومات انخفاضًا بنسبة 0.8% في مجمل أعداد المواليد الأحياء المسجلين حتى نهاية يونيو 2025 مقارنة بشهر يونيو من العام 2024. ومن قبله أفادت إحصاءات المركز بتراجع في أعداد المواليد الجدد في سلطنة عمان في عام 2024 مقارنة بعام 2023 بانخفاض قدره نحو 2.2%. ولا شك أن القراءة الديموغرافية المنهجية تقتضي تفصيلًا أكثر لهذه النسب والأرقام من ناحية، وقياسها عبر فترات طويلة أوسع، وتتبع كافة المؤشرات الديموغرافية الأخرى المتصلة بها من نسب خصوبة، ومن هجرات عمالية، ومن أعداد للزيجات والطلاقات الجديدة، ومن مؤشرات صحية مرتبطة بالحالة الإنجابية، إلا أن هذه المؤشرات كفيلة على الأقل كمدخل أن تعطينا مؤشرًا (أوليًا) لمناقشة قضية محتملة من قضايا التحول الاجتماعي الرئيسية في المجتمع العُماني.

التحول الديموغرافي في ذاته لا يمكن أن يخرج من قائمة الـ (5 – 10) تحولات كبرى عالمية Mega-trends تؤثر بطريقة هيكلية على مستقبل المجتمعات سواء في حالة نموها الاقتصادي، أو استقرارها الاجتماعي، أو قدرتها على استدامة الإنتاجية، أو وفاء دولها بالالتزامات تجاه الأجيال بما في ذلك نظم التقاعد والحياة الاجتماعية. تشير دراسة موسعة أجرتها شركة McKinsey & Company حول مسائل التغير الديموغرافي في العالم (طبقًا لتصنيف الاقتصادات العالمية) إلى مجموعة من الحقائق الملفتة، لعل من أهمها أن كبار السن سيشكلون ربع الاستهلاك العالمي بحلول عام ٢٠٥٠، وفي هذه الحالة قد تحتاج أنظمة التقاعد في بعض الاقتصادات الكبرى إلى توجيه ما يصل إلى 50% من دخل العمل لتمويل زيادة بمقدار مرة ونصف في الفجوة بين إجمالي استهلاك كبار السن ودخلهم، ومن النتائج التي تشير لها الدراسة أن الشباب قد يرثون نموًا اقتصاديًا أقل، ويتحملون تكلفة زيادة عدد المتقاعدين، بينما يتآكل التدفق التقليدي للثروة بين الأجيال.

هذه النتائج قد تختلف من سياق إلى آخر حسب طبيعة المرحلة الديموغرافية التي يمر فيها المجتمع، ولكننا نتحدث اليوم عن حالة اشتباك عالمي لا يمكن فيها عزل نتائج الحالة الديموغرافية لاقتصاد ما عن بقية الاقتصادات الأخرى، فمعادلة العرض والطلب وقضايا الاستهلاك العالمي ترتبط بشكل أصيل بطبيعة التركيب الديموغرافي للمجتمعات، ولذا يشار دائمًا في سياق التوقعات العالمية إلى أن القارة الإفريقية ستتحول إلى أكبر سوق لـ (الاستهلاك العالمي الشاب) لأنها وفقًا لتوقعات الأمم المتحدة، «ستضيف 1.3 مليار نسمة إلى سكان العالم بحلول 2050، أي أكثر من نصف النمو السكاني العالمي». وسيكون ذلك مدفوعًا لديها بموجات تحضر عالية وطلب متزايد على التقانة وأشكال الإنتاجية الناشئة.

أين نقف في سلطنة عُمان من حالة التحول الديموغرافي؟ بربط المؤشرات المتعددة في هذا السياق تتموضع سلطنة عُمان بين مرحلتين تاريخيتين في الانتقال الديموغرافي وهي (المرحلتان الثانية والثالثة)، ولتبسيط ملامح هذا التموضع فإنه يتسم بانخفاض (نسبي) مستمر في معدلات الخصوبة الكلية، قد يكون غير متسارع ولكنه يتصف بالاستمرارية، إلى جانب تباطؤ (نسبي) في أعداد المواليد الجدد، بالإضافة إلى عدم استقرار في أعداد الوفيات، هذه المرحلة قد تمهد للدخول للمرحلة الثالثة التي تتسم بوضوح ما يُعرف بـ (النافذة الديموغرافية)، وبداية وضوح التغيرات في الهيكل العمري وتأثيرها على تركيب المجتمع. هذه المرحلة هي مرحلة (السياسات الاستباقية) بامتياز، فكلما استطاعت الدول في هذه المرحلة إدارة عملية التحول عبر سياسات سكانية وديموغرافية واضحة، استطاعت تحييد الآثار العكسية لهذه المرحلة على استقرارها الاجتماعي ونموها الاقتصادي وديمومة مواردها. ما الذي يجب أن ننتبه إليه في سياق المجتمع في عُمان نتيجة هذا التحول؟ والإجابة ثلاث تداعيات مهمة: تناقص قوة العمل المحلية على المدى البعيد (10 - 15) عامًا، التأثير على الاستهلاك في السوق نتيجة شيخوخة السكان وضعف الطلب العام، الضغط على استدامة نظم الحماية الاجتماعية ومهددات استدامة مصادر تمويلها الأساسية (الاشتراكات).

ولذا تصبح السياسات المطلوبة خلال المرحلة الحالية في تقديرنا خمس أساسية: السياسات الموجهة لتشجيع تكوين الأسرة وحماية الطفولة بما يضمن استدامة معدلات المواليد عند حدود معقولة وطبيعية بالنسبة للتغير الديموغرافي في المجتمع، وكذلك إعادة تشكيل السوق المحلية لتكون مهيئة لأنماط الطلب المتغيرة ولأنماط الاستهلاك المتغيرة، بما في ذلك وجود خدمات ومنتجات تتناسب مع فئة كبار السن، ومن السياسات المطلوبة كذلك تعديد مصادر تمويل أنظمة الحماية الاجتماعية وتعزيز استثمارات صناديقها لتكون أكثر استعدادًا لحالة من الضغط على مواردها بفعل تغيرات الهيكل العمري، إضافة إلى وجود سياسات تعليم و(تأهيل مهني) تهيئ قوة العمل الشابة الحالية للعمل في قطاعات إنتاجية مختلفة، ولقبول العمل في وظائف متعددة للمحافظة على دور قوة العمل المحلية في تحقيق النمو والإنتاج الاقتصادي، وتحييد الاعتماد الواسع على قوة العمل الأجنبية، ومن السياسات المطلوبة كذلك السياسات الصديقة للأسرة في محيط العمل والإنتاج والتي تتمحور حول تحقيق حياة متوازنة للمربين تساعدهم على الإيفاء بمتطلبات التنشئة الاجتماعية للأبناء من ناحية، ومتطلبات الإنتاج المهني من ناحية أخرى، وبما يضمن منظومة تنشئة متكاملة مدعومة من السياسات العامة على كافة المستويات.

إن نجاح السياسات السكانية يبقى مرهونًا بتوافر مجموعة متكاملة من المؤشرات مثل استقرار معدل الخصوبة الإجمالي على المستوى الوطني، وقياس معدلات مشاركة المرأة في العمل، ومستويات التحاق الأطفال ببرامج الطفولة المبكرة، والحد من نوعية المشكلات الأسرية الناجمة عن ظروف العمل غير المتوازنة، ومؤشرات الاستفادة من الحوافز الأسرية مثل إجازة الأبوة، إضافة إلى المؤشرات التعليمية للأبناء في مراحل التعليم المختلفة.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

مقالات مشابهة

  • روبيو: هذه ليست حرب ترامب، لكنه يريد لها أن تنتهي
  • رمضان السيد: جميع صفقات الأهلي «سوبر».. ومصطفى محمد لا يريد العودة لمصر
  • حماس: الاتفاق كان قريبا.. والاحتلال كان يريد السيطرة على 40% من القطاع وعدم الالتزام بوقف الحرب
  • ما الذي يعنيه لنا التغير الديموغرافي؟
  • مقرب من ويتكوف: “حماس” لم تطلب الكثير ونتنياهو لا يريد إنهاء الحرب
  • ما الذي يطبخه توماس باراك بين سورية ولبنان؟
  • مقتل شخص بغارة إسرائيلية.. الرئيس اللبناني: لا أحد يريد الحرب ونعالج ملف السلاح بواقعية
  • الطاقة النيابية:وزير الكهرباء فاشل وفاسد لكنه مدعوم من السوداني
  • هدف عراقي عالي القيمة.. من هو الحرداني الذي قضى بضربة أمريكية؟
  • حماس: ويتكوف خالف السياق الذي جرت فيه جولة المفاوضات الأخيرة تماما