موقف عظيم يشهد على توحيد الصفوف.. مشعر عرفات.. قلب الحج النابض
تاريخ النشر: 5th, June 2025 GMT
البلاد – عرفات
في مشهد إيماني مهيب تهفو له قلوب المسلمين حول العالم، توافدت جموع حجاج بيت الله الحرام صباح اليوم التاسع من ذي الحجة إلى مشعر عرفات، لأداء الركن الأعظم من أركان الحج، وسط أجواء روحانية تغمرها الطمأنينة والخشوع. وفي هذا اليوم الذي يُعد ذروة مناسك الحج، ارتفعت أصوات التلبية والدعاء والتكبير، فيما بُذلت جهود متكاملة من الجهات المختصة لتيسير الحركة وضمان سلامة ضيوف الرحمن، ليقفوا على صعيد عرفات المبارك، يرجون من الله القبول والمغفرة في هذا اليوم؛ الذي تتنزل فيه الرحمات وتُغفر فيه الذنوب.
ويُعدُّ مشعر عرفات من أهم المشاعر المقدسة، وأبرز محطات الحج، بل هو الركن الأعظم الذي لا يصح الحج إلا بالوقوف فيه، كما جاء في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم: “الحج عرفة”؛ إذ يقف فيه الحجاج في يوم غدٍ التاسع من شهر ذي الحجة، في مشهد إيماني مهيب، يوحد فيه ضيوف الرحمن مشاعرهم وقلوبهم متجردين لله- سبحانه وتعالى.
ويقع المشعر على بُعد نحو 18 كم2 من المسجد الحرام، و10 كم2 من مشعر منى، و6 كم2 من مشعر مُزدلفة، وَيقرب طول وعرض مشعر عَرفة ميلين، وهو سَهل مُنبسط مُحاط بسلسلة من الجِبال على شكل قوس، ويتسم بهدوئه وروحانيته التي تميّزه عن غيره من المشاعر؛ إذ لا تُقام فيه إقامة دائمة أو مبيت دائم، ويكون وقت الوقوف فيه من بعد زوال شمس يوم التاسع إلى فجر اليوم العاشر.
ويحمل مشعر عرفات رمزية دينية عظيمة، حيث وقف عليه النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، وخطب خطبته الشهيرة التي أرست فيها المبادئ الكبرى لحقوق الإنسان، وأعلن فيها تمام الدين بقوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا)، وهو ما يجعل من هذا المشعر موضعًا ذا بُعد إيماني وتشريعي في الوجدان الإسلامي.
ويتجلى في يوم عرفة أعظم مظاهر المساواة والتجرد من الفوارق بين البشر، حيث يتساوى الجميع في اللباس والدعاء والتضرع، ويتّجهون نحو الله- تعالى- في موقف جامع تُرفع فيه الأيدي وتُسكب فيه العبرات، راجين عفوًا ورحمة وغفرانًا.
وعبر قرون طويلة، كان مشعر عرفات يشهد تجمع الحجاج في ظروف مختلفة من حيث السبل والخدمات، حيث كانت تنصب الخيام المؤقتة، ويستخدم الحجاج وسائل تنقل تقليدية للوصول إلى المشعر، ما جعل المشقة جزءًا من الرحلة الروحية، قبل أن تشهد العقود الأخيرة نقلة تطويرية غير مسبوقة.
وحظي مشعر عرفات باهتمام خاص ضمن المشاريع الكبرى، التي تنفذها حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله- وذلك ضمن رؤية المملكة 2030، الرامية إلى تعزيز جودة الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن.
واستهدفت “كِدانة” تظليل وتطوير 85 ألف متر مربع من ساحة مسجد نمرة، وتظليلها بـ320 مظلة، و350 عمود رذاذ، وتشجير المنطقة؛ ما يسهم في إثراء تجربة ضيوف الرحمن، كما حددت مساحة 60 ألف متر مربع لتظليل وتبريد المسارات بمشعر عرفات، وتزويدها بمراوح رذاذ لتقليل تأثير حرارة الشمس المباشرة.
وتشهد ساحة عرفات وجودًا ميدانيًا مكثفًا للجهات الحكومية من مختلف القطاعات الأمنية والطبية والبلدية، حيث يتم تشغيل مستشفى جبل الرحمة، وعدد من المراكز الصحية والنقاط الإسعافية المنتشرة في نطاق المشعر، لاستقبال الحالات الطارئة وتقديم الرعاية الفورية.
كما تم دعم المشعر بأنظمة إلكترونية لمراقبة الحشود والتحكم بالحركة، إلى جانب توزيع فرق للتوعية والإرشاد، وتوفير ترجمة فورية بـ34 لغة لخطبة عرفة، فضلًا عن توظيف تطبيقات ذكية تساعد الحاج في تحديد موقعه ومعرفة مواعيد التفويج والانتقال.
ويتوسط مشعر عرفات جبل الرحمة، الذي يُعدُّ معلمًا بارزًا وذا رمزية خاصة؛ إذ ورد في الأحاديث أنه الموضع الذي وقف فيه النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- واشتهر بعدة أسماء منها: جبل الدعاء، لدعاء كثير من الحجاج المسلمين عليه في ذلك اليوم العظيم، وجبل الموقف: لوقوف النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذا المكان في حجة الوداع.
ويجسد مشعر عرفات في كل عام مشهدًا فريدًا لوحدة الأمة الإسلامية، وهوية مكانية ذات قدسية راسخة، تتجلى فيها المقاصد الكبرى للحج، ويتجدد فيها عهد المملكة وقيادتها بخدمة الإسلام والمسلمين، من خلال تسخير الإمكانات والقدرات كافة لخدمة ضيوف الرحمن.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم ضیوف الرحمن مشعر عرفات
إقرأ أيضاً:
مشعر منى يشهد توافد حجاج بيت الله الحرام لقضاء يوم التروية في أجواء إيمانية.. صور
مكة المكرمة
بدأ ضيوف الرحمن منذ ساعات الصباح الأولى اليوم الأربعاء التوافد إلى مشعر منى، لقضاء يوم التروية الموافق الثامن من شهر ذي الحجة، في انطلاقة شعائر الحج، وسط أجواء إيمانية خاشعة وتنظيم ميداني محكم من مختلف الجهات المعنية.
وتعمل القطاعات الأمنية والصحية والخدمية بتناغم تام لتيسير حركة الحجاج وتنقلاتهم، من خلال خطط ميدانية مدروسة تهدف إلى تأمين سلامتهم وتوفير أقصى درجات الراحة لهم. وشهدت المشاعر المقدسة مشاهد إيمانية مؤثرة، مع ترديد الحجاج للتلبية والتكبيرات، في أجواء يملؤها السكون والسكينة.
ومن المقرر أن يبيت الحجاج في منى حتى فجر يوم غدٍ الخميس، قبل أن يتوجهوا إلى صعيد عرفات الطاهر لأداء الركن الأعظم من مناسك الحج.
ويُعد يوم التروية من السنن النبوية العظيمة التي يحرص الحجاج على الالتزام بها، تأسّيًا بالنبي محمد ﷺ، حيث يتزودون فيه بالراحة والطمأنينة استعدادًا لباقي المناسك.
ويشهد موسم الحج هذا العام تنظيمًا رفيعًا واهتمامًا استثنائيًا بكافة التفاصيل، في صورة تعكس حجم الجهود الكبيرة التي تبذلها حكومة المملكة العربية السعودية لخدمة ضيوف الرحمن وتوفير كل ما يضمن أداء مناسكهم بأمن ويسر وطمأنينة.