1- من بين الإشكالات التي قد يواجهها خريج الجامعات التي تتبع نظامًا تدريسيًا صارمًا عدمُ قبوله في بعض الوظائف الحكومية التي تشترط معدلات عالية نسبيًا قد تصل إلى 3.0 فأعلى، وهي معدلات لا يتمكن معظم الطلبة من تحقيقها؛ لأسباب مختلفة.
يتفاجأ الطالب وهو يقدِم كشوفات درجاته للمنافسة على وظيفة ما أن معدله يُعد منخفضًا إذا ما قورن بمعدلات طلبة آخرين أتوا من جامعات أو كليات خاصة الدراسة فيها أقل صرامة، وتُغدق على طلبتها درجات عالية؛ لأسباب تسويقية.
إشكالية أُخرى قد تواجه خريج هذه الجامعات، وهي عدمُ قبوله لإكمال الدراسات العليا، وأهمها الماجستير؛ للسبب ذاته، فيما تكون أبوابها مُشرّعة لمن جاءوا بمعدلات عالية من جامعات أو كليات لا تُركّز كثيرًا على التعليم النوعي بقدر ما تهتم بكيفية تحقيق الاستمرارية، وجذب أكبر عدد ممكن من الطلبة عبر منح الدرجات بلا ضابط قانوني أو أكاديمي.
وإذا كانت هناك فكرة يمكن طرحها في هذه المساحة فهي مطالبة الجهات الحكومية والقطاع الخاص الراغبة في توظيف مخرجات نوعية، بإخضاع المتقدم للوظيفة لاختبارات عملية ونظرية تقيس مستوى يمكُّنه من التخصص الذي سيعمل به مستقبلًا؛ فمعدلات بعض المؤسسات التعليمية الخاصة خادعة لا تدل بالمطلق على جودة مخرجاتها.
2- تعثّر بعض الطلبة المتفوقين من خريجي الدبلوم العام في الدراسة الجامعية، بسقوطهم نفسيًا أو دراسيًا - خاصة في الفصول الأولى - يحتاج إلى وقفة حقيقية، ودراسة جادة من قِبل المؤسسات التعليمية، والجهات ذات العلاقة بمتابعة الصحة النفسية للطلبة.
يصطدم بعض الطلبة والطالبات القادمين من محافظات بعيدة عن المركز في اليوم الأول بأجواء جديدة تختلف عنها في سنوات دراسة ما قبل الجامعة. يأتي على رأسها طبيعة الدراسة، وبيئة التعليم المختلط، والتفاوت في إجادة اللغات، والقدرات المادية لكل طالب.
أعرف طلبة وطالبات اضطُروا إلى ترك مقاعدهم في جامعات وكليات مختلفة بسلطنة عمان؛ بسبب معاناتهم من إشكالات نفسية كالقلق والاكتئاب نتيجة صدمة الأجواء الجديدة، والخوف من الفشل، وآخرين أُعيدوا من بعثاتهم خارج سلطنة عمان؛ بسبب قسوة الاغتراب، وعدم القدرة على التفاعل والاندماج في المجتمعات «المختلفة» التي وجدوا أنفسهم مجبرين على التعامل معها.
إن تقصير الجهات المسؤولة عن الدعم النفسي بعدم متابعة هؤلاء الطلبة الذين -وهذا مؤسف- جُلّهم من المتفوقين غير القادرين على التأقلم مع البيئات الجامعية الجديدة - كفيل بعدم الاستفادة منهم بما يُحقق تطلعات الطالب وأسرته المستقبلية أولًا، وبما يخدم مصلحة بلاده ثانيًا.
النقطة الأخيرة..
يقول فرويد: «إن كثيرًا من الصدمات ما يكون لها أثر شديد، فتؤدي إلى كوارث نفسية. والتفسير لهذه الكوارث أن العقل عجز عن تحمُّل عبئها الثقيل، فانهار تحت الضغط العنيف وضاع».
عُمر العبري كاتب عُماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
«الأرشيف والمكتبة الوطنية».. نشر الوعي وتعزيز ثقافة الأرشفة
هزاع أبو الريش (أبوظبي)
تبرز المؤسسات الوطنية التي تصون الذاكرة وتحفظ المعرفة بوصفها ركائز الاستدامة المعرفية. وفي طليعة هذه المؤسسات في دولة الإمارات، يأتي الأرشيف والمكتبة الوطنية، كمنارة للذاكرة التاريخية، وشريك محوري في بناء مستقبل مؤسسي قائم على الدقة، والمعلومة الموثوقة، والتقنيات المتقدمة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي.
بمنهجية علمية، ورؤية تشاركية، يعزّز الأرشيف والمكتبة الوطنية دوره الحيوي في دعم منظومة المعرفة الوطنية، من خلال تنظيم الوثائق، واعتماد الأرشفة المؤسسية الحديثة، واستثمار التقنيات الذكية. كل ذلك وفق أطر قانونية وتشريعية واضحة، تنسجم مع القانون الاتحادي للأرشيف واللائحة التنفيذية الملحقة به.
يؤكد الدكتور حمد عبدالله المطيري، مدير إدارة الأرشيفات في الأرشيف والمكتبة الوطنية، في حديثه لـ«الاتحاد»، أهمية الاستمرار في حفظ التاريخ الوطني، لضمان استدامة الملفات الأرشيفية كمصدر معرفي للمستقبل، ويضيف: «نشجع المؤسسات على تنظيم أرشيفها لتيسير الوصول إلى المعلومة بدقة، سواء لمتخذي القرار أو الباحثين أو لأي فرد يسعى إلى معلومة موثوقة».
ويشير المطيري إلى تبني الأرشيف والمكتبة الوطنية خطة استراتيجية تمتد من 2024 حتى 2027، تقوم على إجراء دراسات تفصيلية سنوية تقيس مدى التزام مؤسسات الدولة ببنود القانون، وتحدد سبل تطوير الأداء ورفع مستوى الامتثال للمعايير الأرشيفية.
بيانات موثوقة
يرى المطيري أن الذكاء الاصطناعي، رغم قدراته الهائلة، لا يمكن أن يعمل بكفاءة دون تغذيته بمعلومات وبيانات أرشيفية موثوقة فيقول: «إذا لم تكن البيانات مطابقة للمعايير المعتمدة، فإن الناتج سيكون مضللاً، ولن يخدم الهدف الأسمى، وهو إتاحة معلومات دقيقة تمثل ذاكرة الوطن».
كما أوضح المطيري أن هناك تفاوتاً في تطبيق القانون الاتحادي بين مختلف الجهات، وهو ما يتطلب مزيداً من التنسيق والدعم والتشخيص السنوي للوقوف على التحديات والفرص.
وأشار إلى أنالقانون الاتحادي للأرشيف واللائحة التنفيذية الملحقة به قدما تفصيلاً دقيقاً لآليات التعامل مع الوثائق، من حيث الحفظ، الإتلاف، أو التنظيم المؤسسي، بما يسهم في حماية الإرث المؤسسي والوطني معاً.
وتابع: «نقوم بالتأكد من توفر الخصائص الأساسية في كل جهة، مثل وجود فريق مؤهل، أدوات إدارية، سياسات وتشريعات واضحة، ومستودعات مهيأة مادياً ورقمياً لحفظ الملفات، بما يحدد مصير الوثيقة ويدعم استمراريتها».
مسؤولية مشتركة
وفي معرض حديثه عن التحول الرقمي، شدد المطيري على أهمية الوثائق الإلكترونية، مشيراً إلى تحوّل إنتاج البيانات من البشر إلى الآلات عبر الذكاء الاصطناعي وأنظمة التشغيل الذكية.
وأضاف: «نحن ننتج المعرفة اليوم بشكل آلي، لذا فإن ضمان موثوقيتها مسؤولية جماعية، تبدأ من المؤسسات وتصل إلى الأفراد، وينبغي علينا جميعاً تبني هذه التقنيات بشكل إيجابي يخدم المجتمع والتاريخ الوطني».
واختتم المطيري حديثه بالتأكيد على أن الكثير من المؤسسات بدأت تطبيق أنظمة تقنية متوافقة مع متطلبات القانون، بينما لا تزال أخرى بحاجة إلى تطوير، قائلاً: «السبيل الوحيد لضمان استدامة الأرشيف الوطني هو تطبيق القانون بدقة، ونحن في الأرشيف والمكتبة الوطنية مستمرون في التواصل مع جميع المعنيين، لنشر الوعي وتعزيز ثقافة الأرشفة بوصفها الذاكرة الحيّة للوطن».
ذكاء المستقبل
بهذا الدور المتكامل، يجسّد الأرشيف والمكتبة الوطنية فلسفة الدولة في تحويل المعرفة إلى قوة، والتاريخ إلى منصة لبناء الغد. فالأرشيف لم يعد خزينة صامتة، بل أصبح شريكًا نشطًا في صياغة المستقبل، وصون الحقيقة، ودعم القرار.. وما يُبنى على ذاكرة راسخة، لا يمكن أن يُهدم.