السياسات المصرية تجاه غزة وسيناء بين التدمير والتجويع
تاريخ النشر: 8th, June 2025 GMT
مع اقتراب سفينة "مادلين" التي تحمل نشطاء من دول غربية في محاولة لكسر الحصار المفروض على غزة، يفرض عنوان هذا المقال نفسه، ومع تلك اللحظات الفارقة، تتضح أكثر ملامح السياسات المصرية تجاه قطاع غزة وسيناء. ولكن من أين بدأت هذه السياسات؟ وما هي تداعياتها على المنطقة؟
تدمير الأنفاق وعزل غزة
منذ عام 2013، أطلقت الحكومة المصرية حملة مكثفة لتدمير الأنفاق التي كانت تربط قطاع غزة بسيناء، وقد كانت بمثابة شريان حياة لسكان غزة.
وادعت السلطات المصرية استخدام الأنفاق لتهريب السلاح وتسلل عناصر مسلحة إلى شمال سيناء منه، لكن السياسات المتبعة أثارت تساؤلات وضعت مصر في خانة الاتهام، وقد كان بالإمكان إيجاد حلول تحقق التوازن بين الحفاظ على الأمن الذي ادعته مصر؛ وترك الأنفاق لتخفيف الأعباء والحصار عن سكان غزة.
المنطقة العازلة وتهجير سكان رفح
أحد أبرز الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية كان إقامة "منطقة عازلة" على الحدود مع قطاع غزة، امتدت في بعض المناطق حتى 5 كيلومترات. أسفرت هذه السياسة عن تهجير آلاف العائلات قسرا من مدينتي رفح والعريش، ودمرت مئات المنازل. ورغم أن الهدف المعلن من هذه الخطوة كان "مكافحة الإرهاب"، فإن طريقة تنفيذها أدت إلى تفكك المجتمعات المحلية في تلك المناطق، وأحدثت أزمات طويلة الأمد. إذ لم تقتصر هذه الإجراءات على تهجير السكان، بل تمت دون تعويضات مناسبة أو توفير بدائل سكنية لائقة، ما جعل الأمر يزيد تعقيدا.
الإغلاق المتكرر لمعبر رفح
يعد معبر رفح المنفذ البري الوحيد تقريبا لسكان غزة إلى العالم الخارجي، وهو خارج سيطرة الاحتلال الإسرائيلي. لكن السلطات المصرية تقوم بشكل متكرر بإغلاقه لفترات طويلة، مما يزيد من تعقيد الوضع الإنساني في القطاع. هذا الإغلاق أسهم في تعطيل وصول المساعدات الإنسانية، وتسبب في تأخير علاج الجرحى، بل أدى في بعض الأحيان إلى وفاة البعض بسبب تأخرهم في الوصول إلى المستشفيات.
ورغم أن الحكومة المصرية تُبرر إغلاق المعبر بالاعتبارات الأمنية، فإن الواقع يشير إلى أن هذه الإجراءات أصبحت في كثير من الأحيان أداة ضغط سياسي أكثر منها تدابير أمنية. هذا يعزز التساؤلات حول دوافع إغلاق المعبر، ويثير شكوكا حول دور مصر كجزء من الحصار المفروض على غزة.
مصر وتعطيل دخول الوقود والمساعدات
من بين الإجراءات التي أثارت الكثير من الجدل، كان تعطيل دخول الوقود والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة من قبل السلطات المصرية، حتى وقت الحرب. طوال فترات طويلة، عرقلت مصر دخول الوقود اللازم لتشغيل محطات الكهرباء والمستشفيات في القطاع، فضلا عن تعطيل مرور الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية والأدوية. وعلى الرغم من أن هذا الإجراء تم تبريره في بعض الأحيان بالأسباب الأمنية أو اللوجستية، إلا أن الواقع يشير إلى أن هذه السياسات قد كانت جزءا من لعبة سياسية تهدف إلى الضغط على المقاومة الفلسطينية في غزة، خاصة حركة حماس.
إغلاق المعابر أو تقليص الكميات التي تدخل من الوقود والمساعدات، كان له تأثير كارثي على الوضع الإنساني في القطاع، الذي يعاني أصلا من حصار خانق. ولكن ما زاد من تعقيد هذه السياسة هو توقيت هذا التضييق، الذي غالبا ما تزامن مع فترات الحرب، حيث كان يُفهم على أنه محاولة للضغط على المقاومة الفلسطينية، لابتزازها لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية. هذا السلوك يثير تساؤلات كبيرة حول مدى التزام مصر بحقوق الإنسان فضلا عن دور الوساطة، ويضع علامات استفهام حول إذا ما كان النظام المصري قد استخدم معاناة المدنيين الفلسطينيين كوسيلة للضغط على خصومه السياسيين في غزة.
في النهاية، يعد هذا النوع من السياسات انتهاكا صريحا للمبادئ الإنسانية الأساسية، ويؤكد أن استخدام المعابر وموارد الحياة الأساسية كأدوات للابتزاز السياسي يؤدي إلى مزيد من المعاناة ويساهم في تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة.
مصر.. وسيط في النزاع أم شريك في الحصار؟
تجد مصر نفسها في موقع معقد: فهي تلعب دور الوسيط الرئيس بين حماس والاحتلال، لكنها في الوقت نفسه تُعد جزءا من الحصار المفروض على غزة. ورغم أن الاحتلال الإسرائيلي يتحمل المسؤولية الرئيسية في فرض الحصار، فإن دور مصر في إغلاق المعبر وتدمير الأنفاق يعني أنها تُسهم في تشديد الخناق على غزة أيضا.
إن السياسات التي اتبعتها مصر، من تدمير الأنفاق إلى تهجير السكان وإغلاق المعابر، تطرح تساؤلات مشروعة حول تورط مصر في جريمة "الإبادة الجماعية" في غزة.
ضرورة مراجعة شاملة للسياسات
وإذا كانت مصر تريد الابتعاد عن اتهامات المشاركة في جرائم الإبادة والتهجير القسري، عليها أن تبدأ بتغيير سياساتها بشكل جذري. وعليها فتح معبر رفح بشكل منتظم ودائم، لتسهيل مرور المساعدات الإنسانية، وتيسير وصول المرضى والجرحى إلى العلاج. وأيضا إعادة سكان سيناء المهجّرين قسريا من رفح والعريش كما وعدت، وبالتأكيد الضغط بشكل فعال على الاحتلال الإسرائيلي لرفع الحصار عن غزة ووقف حرب الإبادة.
إن مصر، بتاريخها وثقلها الإقليمي، قادرة على أن تلعب دورا بارزا لحل القضية الفلسطينية، لا أن تكون جزءا من منظومة الحصار والعقاب الجماعي. ومن مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية، بل وأمنها القومي، أن تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، وأن تتجنب تكرار منطق القمع والعزل تحت شعار الأمن.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الحصار غزة المصرية معبر مصر غزة حصار معبر قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة مقالات صحافة سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاحتلال الإسرائیلی قطاع غزة على غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
مظاهرات كسر الصمت.. فلسطينيو 48 يرفضون حرب الإبادة والتجويع في غزة
القدس المحتلة- شهدت بلدات عربية داخل الخط الأخضر نهاية الأسبوع تظاهرات واحتجاجات شارك فيها مئات الفلسطينيين في الداخل، استجابة لدعوة "لجنة المتابعة العليا" واللجان الشعبية والقوى السياسية والطلابية.
تأتي هذه المظاهرات في ظل حملة قمعية غير مسبوقة، طالت نحو 3 آلاف من فلسطينيي 48 منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعرضوا لاعتقالات أو تحقيقات أو وجهت لهم لوائح اتهام، إضافة للاعتقالات الإدارية والاعتداءات الجسدية، وتجريم العمل السياسي، في محاولة لإرهاب المجتمع وردعه عن أي نشاط مناهض للحرب.
وتحوّلت مداخل بلدات عربية وشوارعها الرئيسية إلى نقاط احتجاج حملت رسائل ضد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وضد سياسة الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج التي يتعرض لها الفلسطينيون هناك.
"كسر الخوف"ورفع المتظاهرون الأعلام السوداء ولافتات تحمل صور أطفال قضوا جوعا، إلى جانب شعارات تدين الاحتلال وتستنكر استمرار العدوان والحصار، أبرزها: "التجويع جريمة حرب" و"لا للإبادة الجماعية" و"افتحوا المعابر" و"نجوع ونعرى ولكن لا نركع" و"الحرب دمار للإنسانية".
وفي مشهد رمزي مؤثر، قرع المحتجون الأواني تعبيرا عن الغضب بسبب منع إدخال الغذاء إلى غزة، مرددين هتافات تطالب بإنهاء الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية فورا، وأخرى تندد بسياسات الحكومة الإسرائيلية واستمرارها في خنق القطاع.
ووَّثقت الجزيرة نت عبر تقرير ميداني أجواء هذه المظاهرات، التي اعتبرت نقطة تحول في مسار الحراك داخل أراضي 48، لا سيما بعد شهور من القمع والملاحقات التي استهدفت كل من عبر عن موقف سياسي أو إنساني تجاه الحرب على غزة.
وتحدث المشاركون عن "محطة كسر الخوف"، واعتبروها انطلاقة ضرورية نحو توسيع رقعة الاحتجاجات وتعزيز صوت الداخل الفلسطيني في وجه السياسات الإسرائيلية القمعية.
إعلانورغم القبضة الأمنية المشددة، يرى منظمو الحراك أن هذا النشاط يشكل خطوة أولى نحو تحرك شعبي أوسع، يعيد إلى فلسطينيي الداخل دورهم التاريخي كجزء لا يتجزأ من النضال الفلسطيني.
وأكد مشاركون للجزيرة نت على أهمية "كسر الصمت"، وخلق أدوات نضال جديدة تتجاوز الخوف، وتُراكم خطوات نضالية على الأرض، نصرة لغزة ورفضا للتمييز والعنصرية والإبادة الجماعية.
وبهذا المشهد، يُفتح باب جديد أمام الداخل الفلسطيني لتثبيت حضوره كقوة حية في مواجهة الحرب الإسرائيلية، وكشريك أصيل بمقاومة مشاريع الإبادة، عبر فعل شعبي منظم يعيد الاعتبار لصوت الجماهير وحقها في التعبير والاحتجاج.
يقول رئيس اللجنة الشعبية في مدينة "باقة الغربية" الشيخ خيري إسكندر، إن هذه التحركات والاحتجاجات تأتي "في لحظة فارقة، تعكس كسر حاجز الخوف الذي فرض بالقوة منذ بدء معركة "طوفان الأقصى"، حيث عمدت المؤسسة الإسرائيلية لقمع أي تعبير عن التضامن مع غزة، بالاعتقالات والملاحقات وتكميم الأفواه.
وأوضح أن الموجة الاحتجاجية الراهنة تُمثِّل امتدادا طبيعيا لمسار طويل من النضال الذي خاضه فلسطينيو الداخل منذ النكبة 1948، بوجه سياسات الإقصاء والتهميش ومحاولات محو الهوية الوطنية.
ولفت إلى أن فلسطينيي الداخل، الذين واجهوا لعقود طويلة الحكم العسكري، ومشاريع الأسرلة، وقوانين التمييز العنصري، يجددون اليوم حضورهم السياسي والإنساني برفضهم الصريح لسياسات الحرب والتجويع والإبادة التي تُمارَس بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وأشار إلى أن أبناء الداخل الفلسطيني دفعوا أثمانا باهظة خلال هذه الحرب، لمجرد تعبيرهم عن مواقف إنسانية ووطنية مناهضة للعدوان، إذ واجهوا حملات قمع واعتقالات وتحريض ممنهج.
وشدد على أن كسر حاجز الخوف يمثل نقطة تحول مفصلية في المشهد، وأنه لا مجال بعد اليوم للصمت أمام مشاهد الموت جوعا، التي تطال الأطفال والنساء في غزة تحت حصار خانق وعدوان مستمر.
من جهته، قال الناطق باسم مؤسسة "أنصار الحق" للإغاثة، مآب غنايم، إن الحراك الشعبي لفلسطينيي 48 ليس وليد اللحظة، بل بدأ منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، لكنه وُوجه بقمع شديد من المؤسسة الإسرائيلية التي عملت على ترسيخ حالة من الخوف والترهيب ومنعت أي تعبير جماعي عن التضامن.
غير أن هذه الحالة -بحسب غنايم- تحطمت تحت وقع مشاهد الإبادة والتجويع التي تبث على الهواء مباشرة، وتكشف حجم الكارثة الإنسانية التي يواجهها سكان غزة، مبينا أن كسر حاجز الخوف تجلى بشكل واضح بأول حراك وحدوي وقطري شامل لفلسطينيي الداخل، الرافض لحرب الإبادة والتجويع.
وأوضح أن هذا التحرك جاء أيضا في لحظة سياسية فارقة، حيث بات واضحا للمجتمع الدولي أن الحرب على غزة فقدت مبرراتها المعلنة، ولم تعد وسيلة لاستعادة الأسرى الإسرائيليين، بل أداة يستخدمها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لضمان بقائه السياسي في سدة الحكم.
وأكد غنايم أن الفلسطينيين بالداخل تجاوزوا مرحلة الصمت، وخرجوا للتعبير عن صوت غزة، وشدد على أنه وبحكم موقعهم الجغرافي، سيكونون في الخط الأمامي لدعم غزة، سياسيا وميدانيا، عندما يفتح المجال لتقديم الإغاثة والمساعدة الإنسانية.
ووجه رئيس اللجنة الشعبية للدفاع عن الأرض والمسكن في أراضي الـ 48، أحمد ملحم، انتقادات لاذعة لبعض الأنظمة العربية والإسلامية، واتهمها بالتخاذل والصمت في مواجهة ما وصفه بـ"حرب الإبادة والتجويع" التي تمارس ضد قطاع غزة.
إعلانوأعرب عن استغرابه من غياب أي ضغط دبلوماسي جاد على إسرائيل لوقف العدوان، رغم المشاهد الصادمة التي تتوالى يوميا من القطاع، والتي توثق كارثة إنسانية غير مسبوقة.
وأكد أن مواقف بعض الحكومات العربية لا تعبر عن نبض شعوبها، التي تبدي تضامنا واسعا مع غزة، مشددا على أن الصمت الرسمي والتواطؤ الإقليمي يطيل أمد المعاناة، ويمنح غطاء سياسيا لاستمرار الحرب.
ودعا إلى تحرك عربي وإسلامي حقيقي، يجسد الحد الأدنى من المسؤولية تجاه شعب يُذبح جوعا وترتكب بحقه جرائم جماعية على مرأى ومسمع من العالم، مشيرا إلى أن أبناء الداخل الفلسطيني دفعوا ثمنا باهظا في مقابل تعبيرهم عن مواقفهم الإنسانية المناهضة للعدوان على غزة.
وختم مؤكدا أن هذا الحراك الشعبي لن يتوقف، وسيواصل تصعيده وتوسيع رقعته، حتى تتوقف حرب الإبادة والتجويع، داعيا الأمتين العربية والإسلامية إلى تحمل مسؤولياتهما والتحرك الفوري لوقف "الجريمة الإنسانية المتواصلة".