غزة .. أيقونة الصمود ومرآة الخذلان
تاريخ النشر: 11th, June 2025 GMT
تستمر غزة، هذه البقعة المباركة من أرض فلسطين، في كتابة فصول جديدة من الصمود الأسطوري في وجه آلة القتل والدمار الإسرائيلية. تحت قصف متواصل وحصار خانق، يسطر أهلها أروع قصص البطولة والتضحية، مؤكدين للعالم أجمع أن الإرادة أقوى من الحديد والنار، وأن الحق يعلو ولا يُعلى عليه.
في الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة العدوان على غزة، وتُرتكب أبشع الجرائم بحق المدنيين العزل، يقف العالم – إلا قلة قليلة – موقف المتفرج العاجز، بل إن بعض الأنظمة العربية والإسلامية تمارس صمتًا مطبقًا يكاد يرقى إلى التواطؤ.
إن غزة ليست مجرد قطعة أرض محتلة، بل هي ضمير الأمة الحي، هي الاختبار الحقيقي لمدى تمسكنا بقيمنا ومبادئنا. أطفال غزة، بنظراتهم الثابتة وعزيمتهم التي لا تلين، يوجهون إلينا سؤالًا قاسيًا: أين أنتم؟ أين نصرتكم؟ أين غيرتكم على حرماتنا ودمائنا؟
لقد سقطت أقنعة كثيرة في معركة غزة. انكشف زيف الشعارات البراقة عن حقوق الإنسان والقانون الدولي، وتبدت حقيقة القوى التي تدعم الاحتلال وتمنحه الغطاء السياسي والعسكري لمواصلة جرائمه. كما انكشف ضعف الأنظمة التي تدعي تمثيل شعوبها، وعجزها عن اتخاذ موقف حازم يردع العدوان ويحمي المقدسات.
لكن في المقابل، أضاءت غزة لنا طريق العزة والكرامة. رأينا فيها نماذج فريدة من الصمود والإيمان، رجالًا ونساءً وأطفالًا يرفضون الاستسلام والخنوع، ويقدمون أرواحهم فداءً للوطن والقضية. رأينا كيف يمكن للإرادة الصلبة والإيمان العميق أن يتغلبا على أعتى الترسانات العسكرية.
إن غزة اليوم ليست بحاجة إلى دموعنا وكلماتنا الرنانة فحسب، بل هي بحاجة إلى فعل حقيقي، إلى تحرك جاد على كافة الأصعدة. هي بحاجة إلى ضغط شعبي ورسمي يجبر العالم على التحرك لوقف هذه المجزرة. هي بحاجة إلى مقاطعة حقيقية للكيان المحتل وداعميه. هي بحاجة إلى موقف عربي وإسلامي موحد وقوي يعيد للقضية الفلسطينية مكانتها في صدارة الأولويات.
إن صمود غزة هو رسالة واضحة لأمتنا: لا تيأسوا، فالحق سينتصر مهما طال الظلام. إن التخاذل ليس قدرًا، وإن النهوض ممكن إذا صدقت النوايا وعزمت العزائم. غزة تعلمنا أن القوة الحقيقية تكمن في الإيمان بالحق والوقوف بثبات من أجله، وأن التضحيات مهما عظمت هي الثمن الضروري لنيل الحرية والكرامة.
فلنجعل من غزة أيقونة للوحدة والعمل، ومرآة تعكس خذلاننا وتقصيرنا، ودافعًا قويًا لنا للتحرك وتغيير هذا الواقع المرير. لنتذكر دائمًا أن التاريخ لا يرحم المتخاذلين، وأن الأجيال القادمة ستسألنا: ماذا فعلتم لغزة؟ وماذا قدمتم لفلسطين؟ فليكن جوابنا مشرفًا يليق بتضحيات أهلها وصمودهم الأسطوري.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
نشطاء أسطول الصمود الإيطاليون: إسرائيل عاملتنا كإرهابيين
روما- كانت أعين إيطاليين كثر تترقب السماء ومعها أضواء مطار مالبينسا في ميلانو ومطار فيوميتشينو بروما، لتحتضن عشرات النشطاء الإيطاليين العائدين من أسطول الصمود العالمي لكسر حصار غزة، بعد الإفراج عنهم من إسرائيل، قادمين منها على متن طائرات الخطوط التركية، بعد رحلة من مطار إيلات إلى إسطنبول، ثم رحلتين إلى إيطاليا.
وصول نشطاء أسطول الصمود كان لحظة احتفال ودموع، حيث رفع المستقبِلون الأعلام الفلسطينية ولافتات كتب عليها "لا يمكن إيقاف الريح.. فلسطين حرة".
وتداخلت الهتافات مع التصفيق، والعناق بين العائلات والأصدقاء والناشطين، في مشهد يعكس الفرح والحزن معا، تقاسمه إيطاليون في "ليلة بيضاء" أثناء استقبال نشطاء الصمود.
رفضوا التوقيع
من بين هؤلاء كان الإيطالي من أصل مغربي ورئيس اتحاد الجاليات الإسلامية، ياسين لفرم، الذي استقبل بحشد من المتضامنين في مالبينسا بميلانو، بينما وصلت مجموعات أخرى إلى فيوميتشينو في روما، لتكتمل عودة 18 ناشطا من أصل 26 أفرج عنهم.
في حين بقي 15 ناشطا آخر في الأسر الإسرائيلي، بسبب رفضهم التوقيع على وثيقة الإفراج الطوعي، وذلك تضامنا مع زملائهم الذين لا يحملون جوازات سفر غربية، كحال كثيرين، منهم البارزان في الوفد المغاربي: التونسي وائل نوار عضو القيادة العامة لأسطول الصمود العالمي، والمغربي عزيز غالي نائب رئيس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، اللذان تعاملت معهما القوات الإسرائيلية بشكل مختلف مقارنة مع باقي النشطاء المغاربيين بالنظر إلى مواقفهما وموقعيهما القياديين، بحسب مصدر مطلع من أسطول الصمود للجزيرة نت.
ومن ضمن النشطاء المحتجزين الذين فضلوا عدم التوقيع على الإفراج الطوعي، كان الشاب الثلاثيني الإيطالي من أصل مغربي عبد الرحمن أماجو، رئيس المنظمة العالمية "أكشن إيد"، فرع إيطاليا، الذي ظل طيلة مشوار أسطول الصمود العالمي تجاه غزة، على اتصال مباشر مع الجزيرة نت، يُقربها من يوميات الرحلة بالصورة والفيديو والصوت، حيث ظل الاتصال معه حتى قبل نصف ساعة من السطو على قارب "باوالا أونو" الذي كان من قادته.
ولحظة الاحتفال بالنشطاء المحررين، لم ينس الحضور مأساة باقي الإيطاليين المحتجزين، إذ وقف ياسين لفرم كمحام، يترافع أمام عدسات كاميرات الصحافة، وشاشات الهواتف وهي تبث وصوله، مدافعا عن زملائه.
إعلانويروي ما يعيشونه انطلاقا من تجربته، وما عاشه في السجون الإسرائيلية "هناك نشطاء آخرون معزولون عن العالم، لا يعلمون بأننا قد وصلنا، يجب أن نمارس ضغطا كبيرا على الحكومة الإيطالية وعلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- لتحرير مواطنينا.
ويضيف لفرم "إنهم محتجزون في أحد أسوأ السجون شمال إسرائيل، على بعد 10 كيلومترات فقط من حدود غزة، إنه السجن نفسه الذي يُحتجز فيه الأطفال الفلسطينيون من غزة".
ولم تكن معاناة نشطاء أسطول صمود العالمي لفك الحصار على غزة فقط في زنازين السجن، بل كانت امتدادا لمعاناة بدأت منذ اللحظة الأولى على متن أسطول الصمود، حيث استولى الجنود الإسرائيليون على القوارب واعتقلوا النشطاء بالقوة، في انتهاك صارخ للمياه الدولية والقوانين الدولية، بحسب بيانات جمعيات قانونية اطلعت عليها الجزيرة نت.
ويصف ياسين ما جرى بمرارة على مسمع، الأمينة العامة للحزب الديمقراطي المعارض، إلي شلاين، التي استقبلته في المطار، ويقول "هناك انتهاك صارخ لكل المعايير الإنسانية، لقد اختُطفنا في قلب البحر، حيث اقترب منا الجنود الإسرائيليون واقتادونا بالقوة نحو ميناء أسدود، والأسطول لم يرتكب أي خرق للقانون الدولي، كان في المياه الدولية، ومع ذلك عوملنا وكأننا إرهابيون".
توثيق آخر
ودعمت شهادة الصحفي الإيطالي لورينزو داغوستينو، الذي عاش تفاصيل العملية بنفسه، ما رواه ياسين، وقال "كان من سوء حظي أن أمرّ بمرحلة التفتيش الحدودي أمام الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير نفسه، الذي جاء ليلتقط صورة سيلفي معنا، وهو يصفنا بالإرهابيين".
ويضيف "هذا الأمر أثار حقد حراسه أكثر، فاستغلوا الموقف ليشدّوا القيود البلاستيكية على أيدينا بأقصى قوة ممكنة، وتُركنا 4 ساعات في البرد القارس، مع تشغيل المكيّف على أقصى درجة، ونحن لا نرتدي سوى قمصان خفيفة بعد أن أجبَرونا جميعا على خلع ملابسنا".
وأكد داغوستينو، وهو يشارك شهادته مع زملائه وأصدقائه في المطار حين وصوله، على "سلسلة متواصلة من الإهانات: لا يُسمح بالنوم داخل السجن، فكل ساعتين يقتحمون الزنازين، يوقظوننا بالقوة ويُسقطوننا من الأسرة".
وتستمر المشاهد المروعة بحسب رواية الصحفي الإيطالي "زنازين مكتظة، ونوم على الأرض أو على فرش مشتركة، وإطلاق الكلاب، وتوجيه أشعة الليزر نحو أجساد المحتجزين، ونقل مستمر من زنزانة إلى أخرى لتعذيبهم نفسيا".
هذا كله كان جزءا من التجربة التي عاشها ياسين وزملاؤه، والتي يراها امتدادا لـ"إهانة كرامة الإنسان تحت ذرائع الأمن، بينما الأسطول كان في المياه الدولية".
وتصاعدت موجة من التضامن مع النشطاء الـ15 الآخرين المحتجزين بسجون إسرائيل، عبر تدوينات تضامنية، ووقفات احتجاجية لعائلات وأصدقاء المعنيين، متوقع تنظيمها خلال الأحد القادم، والتي من المنتظر أن تأخذ طابعا شعبيا مع بداية الأسبوع لممارسة الضغط على حكومة جورجا ميلوني للتدخل.
إعلان"مواطنونا المحتجزين في إسرائيل لا يعلمون أننا عدنا، ويجب أن نستمر في التحرك حتى يعودوا إلى بيوتهم"، يقول ياسين لفرم الذي نبّه إلى معاناة زملائه من التنقل بين الزنازين في الليل والنهار كوسيلة تعذيب نفسي، وأن "هذا الوضع ما زال مستمرا مع المحتجزين".
كان الشاب الأربعيني لفرم، يخاطب الناس عن معاناة أصدقائه، لكن غزة أخذت القسط الأكبر، حينما كان يتوقف متحدثا بين الفينة والأخرى في بهو مطار مالبينسا، يتوسط أهله وأصدقاءه، ويمضي نحو سيارة العائلة، بعينين تتلألآن بالقلق والحزم، وقد أحاطت به دموع العائلات وتمنياتهم بعودة النشطاء المحتجزين، وأبدى شعورا بالمسؤولية تجاههم قائلا "علينا مواصلة الحراك حتى يعودوا جميعا، فليس لأيٍّ منا جريمة تُذكر".
ويضيف واصفا المحاكمات التي أجريت لهم "لقد خضعنا لمحاكمات صورية، وضعونا في غرفة صغيرة أمام قاض، وفي نهاية الجلسة لم يكن هناك أي عدل أو إنصاف، فقط محاولة شرعنة للاعتقال التعسفي والنقل القسري".
نائب إيطالي مفرج عنه بعد مشاركته بأسطول الصمود: قُصـــفنا ولم تحمنا جوازاتنا #الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/jt2wdGVRVy
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 4, 2025
بين فرح العودة وألم غياب باقي النشطاء، يُلح كثير من النشطاء العائدين كما هو حال ياسين على "إبقاء البوصلة موجهة نحو غزة أولا قبل أسطول الصمود العالمي"، الذي دعمه الإيطاليون كأيقونة احتجاجية تمثل مجتمعا حيا يصرخ في وجه حكومته والمجتمع الدولي معا.
بل إن هناك مواعيد وفعاليات احتجاجية مبرمجة في الأيام والأسابيع القادمة حول غزة، من طرف إيطاليين، وكأنهم يقولون للعالم إن "الحرية ليست مجرد وصول نشطاء إلى المطار، بل هي فعل متواصل للمطالبة بحقوق من لا صوت لهم من الفلسطينيين في غزة وباقي الأراضي المحتلة"، يقول الطالب أندريا لومباردو للجزيرة نت.