روما- كانت أعين إيطاليين كثر تترقب السماء ومعها أضواء مطار مالبينسا في ميلانو ومطار فيوميتشينو بروما، لتحتضن عشرات النشطاء الإيطاليين العائدين من أسطول الصمود العالمي لكسر حصار غزة، بعد الإفراج عنهم من إسرائيل، قادمين منها على متن طائرات الخطوط التركية، بعد رحلة من مطار إيلات إلى إسطنبول، ثم رحلتين إلى إيطاليا.

وصول نشطاء أسطول الصمود كان لحظة احتفال ودموع، حيث رفع المستقبِلون الأعلام الفلسطينية ولافتات كتب عليها "لا يمكن إيقاف الريح.. فلسطين حرة".

وتداخلت الهتافات مع التصفيق، والعناق بين العائلات والأصدقاء والناشطين، في مشهد يعكس الفرح والحزن معا، تقاسمه إيطاليون في "ليلة بيضاء" أثناء استقبال نشطاء الصمود.

رفضوا التوقيع

من بين هؤلاء كان الإيطالي من أصل مغربي ورئيس اتحاد الجاليات الإسلامية، ياسين لفرم، الذي استقبل بحشد من المتضامنين في مالبينسا بميلانو، بينما وصلت مجموعات أخرى إلى فيوميتشينو في روما، لتكتمل عودة 18 ناشطا من أصل 26 أفرج عنهم.

في حين بقي 15 ناشطا آخر في الأسر الإسرائيلي، بسبب رفضهم التوقيع على وثيقة الإفراج الطوعي، وذلك تضامنا مع زملائهم الذين لا يحملون جوازات سفر غربية، كحال كثيرين، منهم البارزان في الوفد المغاربي: التونسي وائل نوار عضو القيادة العامة لأسطول الصمود العالمي، والمغربي عزيز غالي نائب رئيس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، اللذان تعاملت معهما القوات الإسرائيلية بشكل مختلف مقارنة مع باقي النشطاء المغاربيين بالنظر إلى مواقفهما وموقعيهما القياديين، بحسب مصدر مطلع من أسطول الصمود للجزيرة نت.

ومن ضمن النشطاء المحتجزين الذين فضلوا عدم التوقيع على الإفراج الطوعي، كان الشاب الثلاثيني الإيطالي من أصل مغربي عبد الرحمن أماجو، رئيس المنظمة العالمية "أكشن إيد"، فرع إيطاليا، الذي ظل طيلة مشوار أسطول الصمود العالمي تجاه غزة، على اتصال مباشر مع الجزيرة نت، يُقربها من يوميات الرحلة بالصورة والفيديو والصوت، حيث ظل الاتصال معه حتى قبل نصف ساعة من السطو على قارب "باوالا أونو" الذي كان من قادته.

الناشط ياسين لفرم أدلى بشهادته حول انتهاكات إسرائيل أمام الصحفيين والمستقبلين بمطار مالبينسا بميلانو (الجزيرة)قبل السجن وبعده

ولحظة الاحتفال بالنشطاء المحررين، لم ينس الحضور مأساة باقي الإيطاليين المحتجزين، إذ وقف ياسين لفرم كمحام، يترافع أمام عدسات كاميرات الصحافة، وشاشات الهواتف وهي تبث وصوله، مدافعا عن زملائه.

إعلان

ويروي ما يعيشونه انطلاقا من تجربته، وما عاشه في السجون الإسرائيلية "هناك نشطاء آخرون معزولون عن العالم، لا يعلمون بأننا قد وصلنا، يجب أن نمارس ضغطا كبيرا على الحكومة الإيطالية وعلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- لتحرير مواطنينا.

ويضيف لفرم "إنهم محتجزون في أحد أسوأ السجون شمال إسرائيل، على بعد 10 كيلومترات فقط من حدود غزة، إنه السجن نفسه الذي يُحتجز فيه الأطفال الفلسطينيون من غزة".

ولم تكن معاناة نشطاء أسطول صمود العالمي لفك الحصار على غزة فقط في زنازين السجن، بل كانت امتدادا لمعاناة بدأت منذ اللحظة الأولى على متن أسطول الصمود، حيث استولى الجنود الإسرائيليون على القوارب واعتقلوا النشطاء بالقوة، في انتهاك صارخ للمياه الدولية والقوانين الدولية، بحسب بيانات جمعيات قانونية اطلعت عليها الجزيرة نت.

ويصف ياسين ما جرى بمرارة على مسمع، الأمينة العامة للحزب الديمقراطي المعارض، إلي شلاين، التي استقبلته في المطار، ويقول "هناك انتهاك صارخ لكل المعايير الإنسانية، لقد اختُطفنا في قلب البحر، حيث اقترب منا الجنود الإسرائيليون واقتادونا بالقوة نحو ميناء أسدود، والأسطول لم يرتكب أي خرق للقانون الدولي، كان في المياه الدولية، ومع ذلك عوملنا وكأننا إرهابيون".

توثيق آخر

ودعمت شهادة الصحفي الإيطالي لورينزو داغوستينو، الذي عاش تفاصيل العملية بنفسه، ما رواه ياسين، وقال "كان من سوء حظي أن أمرّ بمرحلة التفتيش الحدودي أمام الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير نفسه، الذي جاء ليلتقط صورة سيلفي معنا، وهو يصفنا بالإرهابيين".

ويضيف "هذا الأمر أثار حقد حراسه أكثر، فاستغلوا الموقف ليشدّوا القيود البلاستيكية على أيدينا بأقصى قوة ممكنة، وتُركنا 4 ساعات في البرد القارس، مع تشغيل المكيّف على أقصى درجة، ونحن لا نرتدي سوى قمصان خفيفة بعد أن أجبَرونا جميعا على خلع ملابسنا".

وأكد داغوستينو، وهو يشارك شهادته مع زملائه وأصدقائه في المطار حين وصوله، على "سلسلة متواصلة من الإهانات: لا يُسمح بالنوم داخل السجن، فكل ساعتين يقتحمون الزنازين، يوقظوننا بالقوة ويُسقطوننا من الأسرة".

وتستمر المشاهد المروعة بحسب رواية الصحفي الإيطالي "زنازين مكتظة، ونوم على الأرض أو على فرش مشتركة، وإطلاق الكلاب، وتوجيه أشعة الليزر نحو أجساد المحتجزين، ونقل مستمر من زنزانة إلى أخرى لتعذيبهم نفسيا".

هذا كله كان جزءا من التجربة التي عاشها ياسين وزملاؤه، والتي يراها امتدادا لـ"إهانة كرامة الإنسان تحت ذرائع الأمن، بينما الأسطول كان في المياه الدولية".

إيلي شلاين الأمينة العامة للحزب الديمقراطي خلال استقبالها لياسين لفرم أثناء وصوله بمطار مالبينسا (الجزيرة)تضامن أكبر

وتصاعدت موجة من التضامن مع النشطاء الـ15 الآخرين المحتجزين بسجون إسرائيل، عبر تدوينات تضامنية، ووقفات احتجاجية لعائلات وأصدقاء المعنيين، متوقع تنظيمها خلال الأحد القادم، والتي من المنتظر أن تأخذ طابعا شعبيا مع بداية الأسبوع لممارسة الضغط على حكومة جورجا ميلوني للتدخل.

إعلان

"مواطنونا المحتجزين في إسرائيل لا يعلمون أننا عدنا، ويجب أن نستمر في التحرك حتى يعودوا إلى بيوتهم"، يقول ياسين لفرم الذي نبّه إلى معاناة زملائه من التنقل بين الزنازين في الليل والنهار كوسيلة تعذيب نفسي، وأن "هذا الوضع ما زال مستمرا مع المحتجزين".

كان الشاب الأربعيني لفرم، يخاطب الناس عن معاناة أصدقائه، لكن غزة أخذت القسط الأكبر، حينما كان يتوقف متحدثا بين الفينة والأخرى في بهو مطار مالبينسا، يتوسط أهله وأصدقاءه، ويمضي نحو سيارة العائلة، بعينين تتلألآن بالقلق والحزم، وقد أحاطت به دموع العائلات وتمنياتهم بعودة النشطاء المحتجزين، وأبدى شعورا بالمسؤولية تجاههم قائلا "علينا مواصلة الحراك حتى يعودوا جميعا، فليس لأيٍّ منا جريمة تُذكر".

ويضيف واصفا المحاكمات التي أجريت لهم "لقد خضعنا لمحاكمات صورية، وضعونا في غرفة صغيرة أمام قاض، وفي نهاية الجلسة لم يكن هناك أي عدل أو إنصاف، فقط محاولة شرعنة للاعتقال التعسفي والنقل القسري".

نائب إيطالي مفرج عنه بعد مشاركته بأسطول الصمود: قُصـــفنا ولم تحمنا جوازاتنا #الجزيرة_مباشر pic.twitter.com/jt2wdGVRVy

— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) October 4, 2025

بين فرح العودة وألم غياب باقي النشطاء، يُلح كثير من النشطاء العائدين كما هو حال ياسين على "إبقاء البوصلة موجهة نحو غزة أولا قبل أسطول الصمود العالمي"، الذي دعمه الإيطاليون كأيقونة احتجاجية تمثل مجتمعا حيا يصرخ في وجه حكومته والمجتمع الدولي معا.

بل إن هناك مواعيد وفعاليات احتجاجية مبرمجة في الأيام والأسابيع القادمة حول غزة، من طرف إيطاليين، وكأنهم يقولون للعالم إن "الحرية ليست مجرد وصول نشطاء إلى المطار، بل هي فعل متواصل للمطالبة بحقوق من لا صوت لهم من الفلسطينيين في غزة وباقي الأراضي المحتلة"، يقول الطالب أندريا لومباردو للجزيرة نت.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: غوث حريات دراسات أسطول الصمود العالمی

إقرأ أيضاً:

سنابل الصمود .. كيف حول الشعب اليمني ’’الزراعة’’ إلى سلاح لمواجهة العدوان والحصار

بين التراب والسنابل، بين الأرض واليد اليمنية الصامدة، يُكتب فصل جديد من فصول الصمود في مواجهة العدوان والحصار، في تلك الحقول الممتدة من الجوف إلى صعدة، ومن عمران إلى ذمار، تتنفس الأرض حياةً رغم كل ذلك القصف الهمجي، وتزداد عزيمة الإنسان اليمني على مواجهة كل محاولات التجويع والإخضاع، الحبوب التي تُزرع اليوم ليست مجرد غذاء، بل سنابل رسالة وطنية، كل حبة فيها تحكي قصة إرادة لا تنكسر، وحلم أمة في الاعتماد على ذاتها، ورؤية قيادة ربانية جعلت من الزراعة خط الدفاع الأول عن الحياة والكرامة.

يمانيون / قصة صمود

 

رؤية قيادية تحوّل الفكر إلى فعل

كان توجيه قيادة المشروع القرآني أحد أهم عوامل الانطلاقة العملية لهذا المسار، فقد أكد الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه على أهمية الاعتماد على الذات والتوجه نحو الاكتفاء حيث قال: ( لا بد لهذه الأمة أن تتجه نحو الاكتفاء الذاتي، لتعتمد على نفسها في مجال غذائها فتهتم بالزراعة تهتم بالتصنيع، في كل المجالات، تهتم بالتصنيع العسكري، تهتم بالتصنيع في مختلف الأشياء التي يحتاجها الناس لتكون بمستوى المواجهة) ،

وقد أعادت توجيهات السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله هذه الرؤية إلى صلب العمل، حيث تم تبني خطة واضحة لتطوير الإنتاج الزراعي في كل المحافظات، وتعزيز الاكتفاء الذاتي، خصوصًا في الحبوب والبقوليات، والتي تمثل العمود الفقري للأمن الغذائي الوطني، حيث أكد السيد القائد منذ وقت مبكر على أهمية هذا الأمر ومن أهم ما قاله في هذا السياق في ضوء المحاضرة الرمضانية ’’22’’ 1442هــ ، : ( الجانب الزراعي هو العمود الفقري للاقتصاد، وإذا اهتممنا به، فنحن نبني اقتصادنا على نحوٍ صحيح، ونحقق لأنفسنا الاكتفاء الذاتي في قوتنا الضروري، فيما يعتبر له أهمية كبيرة جداً على مستوى أمننا، على مستوى كرامتنا، أن نعيش بكرامة، ألَّا يتحكم بنا أعداؤنا فيما يدخل إلينا من غذاء، ننتج هذا الغذاء، ونحقق الاكتفاء الذاتي فيه.
من الخطأ الاستراتيجي، حتى عند الدول غير المسلمين، أن يعتمد الإنسان على الاستيراد لاحتياجاته الأساسية، عندنا في البلد لو نأتي إلى قائمة الاستيراد، تجد أنهم يستوردون كل شيء: الحبوب بكل أنواعها، الفواكه بكل أنواعها، الخضروات، حتى الثوم، والبصل، والبطاط، وغير ذلك، يستوردونه من الخارج، الزنجبيل، كل التفاصيل هذه تستورد من الخارج، وهذا خطأ فادح جداً، إذا قمنا بإنتاجها فسنعيش بكرامة، سنحقق لأنفسنا الاستقلال، سنفقد العدو ورقة ضغط علينا، لا يضغط علينا بقوتنا، بطعامنا، باحتياجاتنا الأساسية)

 

الجوف نموذجًا للصمود الزراعي

تُعدّ محافظة الجوف مثالًا حيًا على هذا الصمود، حيث تحولت خلال سنوات العدوان والحصار ، إلى واحدة من أهم المناطق المنتجة للحبوب في اليمن، تمتد آلاف الهكتارات المزروعة بالقمح والذرة والدخن، لتصبح حاملةً رسالة واضحة للعالم، أن اليمن قادر على توفير غذائه رغم الحصار.

 

توسيع الاكتفاء الذاتي في المحافظات الأخرى

لم يقتصر النجاح على الجوف، بل شمل محافظات عديدة مثل صنعاء ، عمران، صعدة، إب، وذمار، حيث تم إحياء المدرجات الزراعية القديمة، وتوسيع زراعة البقوليات مثل العدس والفاصوليا، إضافةً إلى الذرة والدخن، كما لعبت المبادرات المجتمعية دورًا مهمًا في تعزيز الإنتاج، وتحويل الزراعة إلى ثقافة عامة، يشارك فيها المجتمع كله لتقوية صمود الوطن.

الاعتماد على هذه المحاصيل لا يعزز الأمن الغذائي فحسب، بل يرسّخ أيضًا مفهوم السيادة الوطنية، ويجعل من اليمن أقل تأثرًا بالحصار وأساليب الحرب الاقتصادية، مؤكدًا أن الإرادة اليمنية لا تُقهر.

 

البعد المعنوي للصمود الزراعي

الزراعة في اليمن اليوم أصبحت رمزًا للكرامة الوطنية، فكل سنبلة قمح تُزرع، وكل محصول بقوليات يُحصَد، هو رسالة صمود لكل العالم، ومؤشر على أن الشعب اليمني قادر على مواجهة التحديات الاقتصادية بكل عزيمة، ويمثل نجاحًا أسطوريًا في زمن العدوان والحصار

 

الزراعة جبهة الصمود الحقيقية

اليوم، بين سنابل القمح وحصاد البقوليات، تتشكل واحدة من أبرز صور الصمود اليمني، التي تجمع بين التخطيط القيادي، والمبادرة الشعبية، والالتزام الوطني، الزراعة ليست مجرد إنتاج، بل معركة صمت منتصرّة على الحصار، ودرس عملي في الاعتماد على الذات، ورسالة قوة وكرامة ترفعها سنابل الأرض اليمنية كل موسم.

مقالات مشابهة

  • من هو رائد سعد القيادي في "حماس" الذي أعلنت إسرائيل اغتياله؟
  • من رجل القسام الثاني الذي اغتالته إسرائيل؟
  • إسرائيل اليوم: هؤلاء قادة حماس الذي ما زالوا في غزة
  • من هو رائد سعد الذي اغتالته إسرائيل بعد 35 عاما من المطاردة؟
  • نجا عدة مرات.. من هو رائد سعد الذي أعلنت “إسرائيل” اغتياله في غزة؟
  • سنابل الصمود .. كيف حول الشعب اليمني ’’الزراعة’’ إلى سلاح لمواجهة العدوان والحصار
  • تحالف أسطول الحرية يعلن خططًا لتوسيع رحلات كسر حصار غزة عام 2026
  • منظومة القمع المصري.. اختراق الحدود وملاحقة المعارضين بأي ثمن
  • أسطول الحرية يعلن أكبر توسّع في حملات كسر حصار غزة منذ تأسيسه
  • وفدا الحكومة والحوثيين يصلان مسقط لبدء محادثات إطلاق سراح المحتجزين