راشد الفزاري

في بيئات العمل يتوقع الموظفون أن تكون العلاقات مبنية على الاحترام والتقدير، وأن يكون التواصل هو الجسر الذي يربط بين الأفكار والإنجازات، لكن في بعض الأحيان يتسلل الصمت العقابي إلى المشهد، ليصبح أداة يستخدمها بعض المسؤولين لمُعاقبة موظفيهم بطريقة غير مباشرة، إنه ليس مجرد غياب للكلمات؛ بل هو تجاهل متعمد يولّد شعورًا بالاغتراب والقلق ويترك آثارًا نفسية قد تدوم طويلًا.

الصمت العقابي هو نوع من العقاب النفسي والسلوك السلبي الذي يمارسه البعض كوسيلة لإظهار القوة أو الانتقام دون مواجهة مباشرة، ويتجسد هذا الصمت في تجاهل الموظف عمدًا وكأنَّ وجوده لا قيمة له، ويتوقف المسؤول عن التواصل اللفظي مع الموظف سواء في الاجتماعات أو في المحادثات اليومية، مما يخلق شعورًا بالنبذ وعدم التقدير، وبعض المسؤولين يعتقدون خطأً أن هذا الأسلوب يُعزز هيبتهم، متجاهلين أنَّ الصمت العقابي ليس فقط تصرفًا غير مهني، بل هو انتهاك لكرامة الموظف وحقه في بيئة عمل صحية.

قد لا يدرك الموظف في البداية أنه ضحية للصمت العقابي، لكن سرعان ما تتضح الأعراض التي تتراوح بين الانقطاع المفاجئ عن التواصل لأيام أو أسابيع أو حتى أشهر، والتجاهل المتعمد في الاجتماعات واللقاءات والمغادرة دون إبلاغ الآخرين، بالإضافة إلى عدم الاستجابة لمحاولات الحوار والتواصل، وقد يتحدث المسؤول مع الآخرين بينما يتجاهل الموظف بشكل واضح مما يضاعف الإحساس بالإقصاء، وهذه السلوكيات تزرع الشك في النفس وتغذي الشعور بعدم الأمان الوظيفي، مما يترك الموظف في حالة من الإحباط والتوتر المستمر.

تلجأ بعض القيادات إلى الصمت العقابي كرد فعل على تصرفات لا تتماشى مع توقعاتهم، قد يكون السبب تأخر في أداء المهام أو مواجهة علنية لتوجيهات المسؤول أو خلافات شخصية، أو حتى مجرد نقص في مهارات التواصل لدى القائد، وفي بعض الأحيان يكون الصمت العقابي ناتجًا عن نقص في النضج العاطفي لدى المسؤول، حيث يستخدم التجاهل كأداة للسيطرة بدلاً من حل المشكلات بشكل حضاري، ومن المثير للقلق أن بعض المسؤولين لا يدركون أن هذا التصرف يكشف عن ضعف في القيادة ويعكس عدم قدرتهم على التعامل مع المواقف المهنية بطريقة راقية.

وقد يترك الصمت العقابي آثارًا نفسية عميقة قد تمتد لتشمل الجانب المهني والشخصي للموظف، ليشعر الموظف تدريجيًا بأنه غير مرئي وغير مهم، مما يؤدي إلى انخفاض حاد في الثقة بالنفس وتراجع في الأداء، وفي بيئة العمل قد ينتقل الشعور بعدم الأمان إلى باقي الفريق، مما يخلق بيئة عمل سامة لا تشجع على الإبداع أو الابتكار، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات الاستقالة والبحث عن أماكن عمل أكثر دعمًا وتقديرًا، والأسوأ من ذلك أن الموظف يبدأ في التشكيك في كفاءته المهنية، مما يزيد من الضغوط النفسية ويؤثر سلبًا على جودة الحياة.

نصيحتي إذا كنت ضحية للصمت العقابي، فإن الخطوة الأولى هي فهم مشاعرك وتحديد مدى تأثير السلوك عليك. هل هو سلوك متكرر؟ وهل يستهدفك بشكل خاص؟ بعد ذلك، حاول التواصل بحكمة مع المسؤول في وقت مناسب، واختر كلماتك بعناية، على سبيل المثال يمكنك أن تقول: "لاحظ أن التواصل بيننا قل في الفترة الأخيرة، وأود أن أفهم السبب حتى أتمكن من تحسين تفاعلي".

وإن لم تجد استجابة حاول استخدام وسائل تواصل بديلة، سواء عبر البريد الإلكتروني أو من خلال زملاء آخرين، ومن المهم أن تحافظ على هدوئك وثقتك بنفسك، وأن تستمر في أداء مهامك بمهنية رغم الصعوبات، ولا تسمح لهذا السلوك بأن يؤثر على صحتك النفسية أو يعوق تطويرك المهني، لذا ركّز على تعزيز مهاراتك واستثمر وقتك في التعلم والنمو وتذكر أن الصمت العقابي مشكلة تتعلق بالمُعاقِب وليس بالمُعاقَب.

وأخيرًا.. ينبغي على القادة أن يدركوا أن التواصل الفعّال هو الأساس لبناء فرق عمل قوية، وأن استخدام الصمت كسلاح عقابي لا يُعبِّر عن قوة الشخصية؛ بل عن ضعف في إدارة العلاقات الإنسانية، ومن الضروري أن تُبنى العلاقات المهنية على الاحترام المتبادل والشفافية، وأن يُستبدل الصمت العقابي بأسلوب حواري يهدف إلى حل المشكلات بطرق حضارية، وتذكر أن صوتك له قيمة، فلا تترك الصمت يُعبِّر عنك، وتأكد أن الحوار البنّاء هو السبيل لتعزيز بيئة عمل صحية ومُحفِّزة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

«بيئة أبوظبي»: 7900 سلحفاة بحرية في مياه الإمارة

هالة الخياط (أبوظبي)

كشفت المسوحات الأخيرة التي أجرتها هيئة البيئة - أبوظبي عن وجود أكثر من 7900 سلحفاة بحرية في مياه الإمارة، مما يعكس نجاح الجهود المستمرة في حماية هذه الكائنات البحرية المهددة بالانقراض.
وأوضحت الدكتورة هند العامري، رئيس قسم تقييم وصون التنوع البيولوجي البحري بالإنابة، أن المسوحات بينت وجود أربعة أنواع من السلاحف البحرية في مياه إمارة أبوظبي، وتشمل السلحفاة الخضراء وسلحفاة منقار الصقر، وسلحفاة ضخمة الرأس، إضافة إلى سلحفاة ريدلي الزيتونية.
وبينت العامري لـ«الاتحاد» أن «الهيئة» تنفذ المسوحات بشكل دوري باستخدام تقنيات متقدمة، لرصد تحركات السلاحف وفهم سلوكها البيئي. كما تم توسيع نطاق هذه الدراسات لتشمل تقييم جودة المواطن الطبيعية، مثل الشعاب المرجانية والمسطحات العشبية البحرية، التي تُعد ضرورية لبقاء السلاحف.
وتقوم هيئة البيئة - أبوظبي، منذ عام 1999، بإجراء أبحاث وبرامج المراقبة لحماية السلاحف البحرية في أبوظبي، حيث نجحت في الحفاظ على استقرار أعدادها في المياه الإقليمية لإمارة أبوظبي.
وفي إطار جهود الحماية، تنفذ هيئة البيئة - أبوظبي برنامج لإعادة تأهيل السلاحف المصابة أو المريضة، حيث يتم علاجها في مراكز متخصصة قبل إعادتها إلى البحر. وقد تم مؤخراً إطلاق 220 سلحفاة بحرية على شواطئ جزيرة السعديات، بعد إعادة تأهيلها بنجاح في مرافق متخصصة، مثل مركز «ياس سي وورلد» للأبحاث والإنقاذ، و«ناشونال أكواريوم»، ومتحف اللوفر أبوظبي.
وتُعتبر زيادة أعداد السلاحف في مياه إمارة أبوظبي من 6000 سلحفاة سابقاً إلى 7900 سلحفاة حالياً، مؤشراً إيجابياً على فعالية السياسات البيئية المتبعة في الإمارة، وتؤكد أهمية استمرار التعاون بين الجهات المعنية والمجتمع المحلي للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري. كما تسلط الضوء على الدور الرائد لأبوظبي في مجال حماية الحياة البحرية على المستويين الإقليمي والعالمي.

دور حيوي
يشار إلى أن السلاحف البحرية تلعب دوراً حيوياً في النظام البيئي البحري، حيث تسهم في الحفاظ على توازن الشعاب المرجانية والمسطحات العشبية. لذا، فإن حمايتها تُعد جزءاً أساسياً من الجهود الرامية إلى تحقيق الاستدامة البيئية في المنطقة.
ويوفّر نشاط التعشيش والفقس المتزايد، الذي يتم تسجيله خلال المسوحات السنوية التي تنفذها «الهيئة»، دليلاً إضافياً على صحة وسلامة النظم البيئية البحرية في أبوظبي، مما يعزّز فعالية سياسات حماية وتأهيل البيئة البحرية الفعالة، التي تطبقها هيئة البيئة - أبوظبي والجهود التي تبذلها لإنشاء وإدارة المحميات الطبيعية من خلال شبكة زايد للمحميات الطبيعية، التي تضم 6 محميات بحرية تمثل 14% من مساحة البيئة البحرية بالإمارة، وتساهم في الحفاظ على عناصر التنوع البيولوجي، واستقرار الأنواع المهمة.

أخبار ذات صلة «أبوظبي للتراث» تكرم شركاء نجاح «ليوا للرطب» «ليوا للرطب» يسدل الستار على إحدى أنجح دوراته

مقالات مشابهة

  • اليمن صوت الإيمان والنصرة في زمن الصمت والخذلان
  • مساعدات دوائية عالقة في مطار بيروت.. من المسؤول؟
  • حين تكفّ هولندا عن الصمت.. إسرائيل كتهديد أمني رسمي
  • العلاوة الدورية.. بين التقييم والاستحقاق
  • جبران يوجه مكاتب التمثيل بالخارج بتوفير فرص عمل للشباب
  • مسؤول سوري: حكمت الهجري يطالب بمنطقة حكم ذاتي ومعبر مع الأردن
  • «بيئة أبوظبي»: 7900 سلحفاة بحرية في مياه الإمارة
  • العلاوة الدورية حق قانوني يعزز الاستقرار الوظيفي
  • مناقشة استراتيجيات التواصل الفعال والعمل الجماعي بمسندم
  • ما الذي يبحث عنه الجيل الجديد في بيئة العمل؟ مختص يوضح