الحب في زمن التوباكو (12)
تاريخ النشر: 11th, June 2025 GMT
مُزنة المسافر
كانت اللافتة على المسرح تقول: المكان مُغلق ليس بسبب عيد الفصح، أو شيء من هذا القبيل، نحن فقط في حالة تبديل للمواهب الصاعدة.
غضب الجميع، حين كتب خورخيه كلمة موهبة صاعدة، وقد كنتُ نجمة أَعبُر باسمي أي سماء، لقد نسي خورخيه منتج الأسطوانات المطولة أن الحاكي أو الجرامافون صار لا يصدح إلا بصوتي في البلدة، وأن قلبي الموجوع من إهاناته المتكررة قد صار يثور، خصوصًا حين أطفئوا النور.
قال أحد الجمهور: أين النور؟ خذ يا خورخيه هذا الحذاء لوجهك القبيح، المليء بالبثور.
حصل خورخيه على ضربات متكررة من الجمهور الغاضب، ويا ليته لم يوجه الكلام المباشر لأحدهم وصدح خورخيه: نحن في حالة حزن، لقد سقط زميلنا للتو، ونحن نؤدي في المسرح.
ماتيلدا: توقفتُ أنا عن الغناء، وبقيتُ أمارسُ الصمت لوهلةٍ، لم يُصدِّق الجمهور أن أحدهم قد سقط، خصوصًا أن سقوطه كان في الكواليس، لا يعرف الجمهور ولا يميز من هم فريق الكواليس، وتألمتُ أكثر حين عرفت أنه الغلام الجديد بيدرو الذي حصل للتو على هذه المهنة، لا بُد أن يأخذه أحدهم في عجل إلى المشفى، حمله الرجال بعيدًا عنا، بيدرو المسكين، يشعر بالأنين، سمعت من الرجال أنه الآن في أفضل حال، وأنه بالطبع سيكون بخير، وأن سبب سقوطه كان أنه تحمس كثيرًا حين كان يؤدي الراقصون السامبا، وكان المسرح كرنفالًا ملونًا رائعًا، يعج باللحن والأنوار.
كنتُ في داخلي، أتألم لما حدث للمسرح فجأة، لكن الأمور تحدث. قال خورخيه بهدوء كبير، فهو الذي يديره، ويتولى أموره، وقدمت باقة ورد جميلة لبيدرو الغلام الذي أراد أن يعود لاحقًا لكن لن يكون في الكواليس، طلب مني أن يقدمني للجمهور مثل باقي النجوم.
وكما شهدنا بعدها أن الجمهور لم يرحم خورخيه، وكان يشوه سمعته، ويطلق الإشاعات، ويخبر أنه يدفن المواهب، وأنه رجل كاذب، وأن المسرح بحاجة إلى منتج جديد، واضطر هنا خورخيه أن يعتزل قليلًا النور والأضواء، ويجعلني أتولى الحديث مع الجمهور، وأن يقدمني بيدرو بلباقة بالغة للجمهور، ويتفنن في تقديمي ويخبرهم أنني نجمة كبيرة، وكانت هذه بداية البروباغندا التي تخصني، لقد أطلق عليَّ لقب النجمة الرومانسية.
هل كنتُ رومانسية أكثر من اللازم؟
هل كنتُ متألقة، متوهجة كما هي أنوار المسرح؟
هل كنت أحلم أم أنا الآن أسرح؟
هل يسعى الجمهور لأن يصعد المسرح ليغني معي؟
لقد كان بيدرو مُحقًا! الجمهور كان بحاجة فقط إلى البروباجندا، والدعاية اللازمة لكسب القلوب، وكم هي ودودة تلك القلوب؟ ومُحبَّة لما نفعل، وكم كنتُ أسأل ما الذي يجعلهم يرددون الأغنيات والكلمات، هل هي حلوة للغاية، حلوة لدرجة أن نُردِّدها ونُكرِّرها ونُخبرها للأصدقاء والأحباء؟!
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لم يخلع عباءته على مدى ربع قرن.. ما سر ولع يحيى الفخراني بالملك لير؟
ما يزال الملك لير يواصل تخليد غضبه ونزقه واستبداده وجنونه، بعد أن جعله وليام شكسبير يصرخ معبرا عن هذا كله، منذ عرض المسرحية "الاستثنائية بين مآسيه"، لأول مرة في 26 ديسمبر/كانون الأول عام 1606، من قِبَل فرقة شكسبير التمثيلية، أمام الملك جيمس الأول والبلاط الملكي في "وايت هول" بلندن.
ليتوالى تقديمها سنويا تقريبا على عدة مسارح حول العالم حتى يومنا هذا، لما تجسده من تفكك أسري ومشاكل عائلية، يكتوي بناره معظم سكان كوكب الأرض.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الممثلة المصرية وفاء عامر ترد على اتهامات الاتجار بالأعضاءlist 2 of 2ظهور استثنائي لفيروز في وداع نجلها زياد الرحبانيend of listكان آخرها مسرح "غيت" الأيرلندي، في الربع الأول من هذا العام. ثم المسرح القومي المصري، ومسرح "سان أنطون غاردن" في مالطا، في يوليو/تموز الماضي. وسوف تُقدم على مسرح "جامعة نوتردام" بهولندا، أواخر أغسطس/آب.
لكن تبقى للنسخة العربية من "الملك لير" قصة أخرى، ليس للعالمية التي لامستها فحسب، ولكن للأداء الأسطوري الذي توج به الفنان الكبير يحيى الفخراني مسيرته الفنية الحافلة.
"الملك لير" شهادة وصول الفخراني لذروة الممثل الناضجفما تزال مسرحية "الملك لير"، تُمثل أهمية كبيرة، كواحدة من "أكثر مآسي وليام شكسبير جرأة من الناحية النفسية، ناهيك عن صعوبة أدائها على المسرح"؛ كما يقول الممثل الأميركي المخضرم ستيفن أوليفر، الذي قدم العديد من الأدوار الشكسبيرية على مدى عقود.
وباعتبارها من أكثر أعمال شكسبير إثارة للمشاعر، فإن قوة مسرحية "الملك لير"، تمثل "ذروة مسيرة الممثل الناضج"، القادر على تجسيد شخصية ملك يبدو قويا، ولكنه مليء بالعيوب، ويدفعه كبرياؤه إلى اتخاذ قرارات متهورة؛ "ومن خلال المعاناة والجنون، يعرف التواضع، ويصل في النهاية إلى نوع من الخلاص المأساوي"؛ كما يقول كريس غات، مخرج النسخة المقدمة على مسرح "سان أنطون غاردن" في مالطا.
لذا، قال يحيى الفخراني في لقاء تلفزيوني على قناة "دي إم سي"، إنه يقدم شخصية "الملك لير" في هذه النسخة الثالثة من المسرحية، "وهو في سن لير الحقيقي"، خلافا للنسخة السابقة التي قدم فيها العرض وكان عمره حينها في الـ60. وأوضح أن هذا منحه الفرصة "ليعيش الحالة النفسية للشخصية بكل معاناتها وإرهاقها ومتعتها، مستفيدا من إتقانه للأحاسيس والمشاعر، كما أرادها كاتبها شكسبير".
إعلان نجم يضيء المسرح في الـ80 من عمرهأصبحت شخصية "الملك لير"، قاسما مشتركا يجمع بين النجم العالمي السير أنتوني هوبكنز، ونجم الدراما العربية، الفنان يحيى الفخراني؛ فهما الأكثر شبها بملامح لير الشكلية ومرحلته العمرية. لكن هوبكنز قدم الملك في فيلم تلفزيوني عام 2018، بوجه جليدي حاد، يعيش أجواء عسكرية صاخبة.
أما الفخراني، المولود بمصر في السابع من أبريل/نيسان 1945، فقد تقمص لير، ولبس عباءته، ووضع تاجه، وأمسك بصولجانه؛ وفي جولتين مسرحيتين تاريخيتين (2001، 2019) لم يسبقه إليهما أحد؛ قدم للوطن العربي أبا طاغية من نار، يتقلب بين نشوة الحيوية والعنفوان، وخيبة الانكسار والخذلان.
ليس هذا فحسب، بل يمكن القول إن الفخراني لم يستطع مقاومة حضور الملك لير في بعض أعماله الدرامية، ولو من بعيد. كما لم يستطع مقاومة العودة لارتداء عباءة لير وتاجه، ليقف على خشبة المسرح القومي، لتقديم نسخة ثالثة من "الملك لير"، من إخراج شادي سرور. ليكمل مشواره الأسطوري، من وجه يملأ الشاشة في الـ30 من عمره، إلى حضور يضيء المسرح في الـ80.
لماذا تمسك يحيى الفخراني بالملك لير؟تدور أحداث العرض المسرحي "الملك لير" حول الملك لير الذي قرر أن يوزع أملاكه على بناته الثلاث، ولأن ابنته الصغرى لم تشأ أن تنافقه فقد حرمها من نِعمه، وأثناء توزيعه للأملاك اشترط أن يقيم مع كل واحدة من بناته لفترة معينة، لكنّ ابنتيه الكبيرتين تقرران الاستيلاء على كل شيء وتطردان والدهما.
إذن التفكك الأسري، والتصدعات العائلية الناجمة عن نزق الآباء وعقوق الأبناء ومعارك الميراث؛ شكلت حجر الزاوية في تأثر وتمسك يحيى الفخراني بالملك لير؛ وهو الفنان المنغمس في مجتمعه العربي، ويرصد كيف أصبحت العلاقات الأسرية تمر بمرحلة خطيرة تهدد استقرار المجتمع، "بسبب الضغوط الاقتصادية، والتغيرات الاجتماعية والثقافية المتسارعة، التي ساهمت في تفكك الروابط العائلية، وتأجيج صراعات الأجيال".
وفي تفسيره للتمسك بالملك لير قرابة ربع قرن من الزمان، قال يحيى الفخراني في نفس اللقاء التلفزيوني، "إن الملك لير هو أنسب نص شكسبيري لمصر وللعالم العربي، وذلك لارتباطه بموروث ثقافي راسخ في مصر والعالم العربي، يتعلق بـ"علاقة الأب ببناته وسلطته عليهم". وأضاف أنه كل مرة قدم فيها الملك لير، كانت تُرفع لافتة "كامل العدد"، وهذا يدل على أن العرض "يمس الجمهور فعلا".
طيف الملك لير يحوم حول دراما الفخرانيتسلل طيف الملك لير بما يحمله من هموم العائلة ومشاكل التسلط والعدالة والخيانة، إلى الخط الدرامي في كثير من أعمال يحيى الفخراني بنسب مختلفة وفي مراحل مختلفة.
ففي مسلسل "الليل وآخره" الذي يُعد أحد أيقونات الفخراني، من تأليف محمد جلال عبد القوي وإخراج رباب حسين عام 2003، كان طيف الملك لير حاضرا من بعيد في الخلفية، فلم يكن رُحيّم أبا، لكنه كان أخا أكبر يتوقع من إخوته الطاعة والولاء والرضا عن كل ما يفعل، بعد أن ترك تعليمه وتفرغ لمساعدة الأب في تضخيم ثروته وتعليمهم حتى تبوؤوا مناصب جيدة.
لكنه يكتشف أن لهم وجهة نظر أخرى في حقه الشخصي في الحب، وحسابات مختلفة فيما يتعلق بأحقيتهم في الميراث؛ فزلزلته الصدمة، وثارت براكين الغضب بداخله، وانزلق نحو العصبية والعزلة.
إعلانأما في مسلسل "دهشة" الذي قام يحيى الفخراني ببطولته وأخرجه نجله شادي عام 2014، فقد كتبه عبد الرحيم كمال اقتباسا عن مسرحية الملك لير، وكان أداء الفخراني فيه متأثرا بالملك لير بشكل ملحوظ.
فالمسلسل تدور أحداثه حول الغدر والجحود والجشع وعقوق الوالدين؛ من خلال رجل ثري لديه 3 بنات، يقرر توزيع تركته عليهن وهو حي يرزق، قبل أن يكتشف أنه أوقع نفسه في ورطة لم تكن تخطر بباله، إذ بدأت بناته في تجاهله والتنكر له، ونأت كل منهن بنفسها ومالها الموروث عن والدها في شيخوخته.