إيران تتهم العراق وأمريكا بدعم الهجمات الإسرائيلية .. تفاصيل
تاريخ النشر: 15th, June 2025 GMT
اتهمت الحكومة الإيرانية العراق والولايات المتحدة الأمريكية بالضلوع في الهجمات التي شنتها إسرائيل على أراضيها خلال اليومين الماضيين، محذرة من تداعيات خطيرة إذا استمر التصعيد العسكري في المنطقة.
وأعلن نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون القانونية والدولية، كاظم غريب آبادي، أن طهران تحمل الحكومة العراقية المسؤولية الكاملة عن استغلال أجواء العراق من قبل الطائرات الإسرائيلية لتنفيذ ضربات على الأراضي الإيرانية، مشيراً إلى أن العراق، رغم ظروفه الأمنية، يبقى دولة ذات سيادة ومسؤول أمام القانون الدولي عن حماية مجاله الجوي.
وكشف المسؤول الإيراني عن أن بعض الهجمات الأخيرة التي استهدفت مواقع داخل إيران انطلقت من الأراضي العراقية، مؤكداً إجراء اتصالات دبلوماسية عاجلة بين وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره العراقي فؤاد حسين لبحث هذه التطورات.
وأوضح أن بغداد قدمت بالفعل شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي احتجاجاً على خرق سيادتها الجوية ودعت المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في مواجهة هذه الانتهاكات.
وشدّد غريب آبادي على أن بلاده تتابع المسار الدبلوماسي بدقة لكنها لن تتهاون في الدفاع عن أمنها القومي وستتصدى لأي اعتداء على سيادتها مهما كانت الجهة المنفذة له.
إسرائيل تواصل الهجمات وتستهدف البنية التحتية للطاقةشنّت إسرائيل، أمس السبت، لليوم الثاني على التوالي، غارات جوية عنيفة ضد أهداف في إيران، حيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الحملة العسكرية ستتواصل وتتصاعد بشكل أكبر في المرحلة المقبلة.
وأكد نتنياهو في رسالة مصورة أن إسرائيل وجهت ضربات أعاقت البرنامج النووي الإيراني لسنوات، مضيفاً أن الجيش يدمر حالياً قدرة طهران على تصنيع الصواريخ الباليستية، متوعداً النظام الإيراني بأن ما شعروا به حتى الآن لا يقارن بما سيحدث في الأيام المقبلة.
وتعد الهجمات الأخيرة أولى الغارات التي تستهدف قطاع النفط والغاز الإيراني بشكل مباشر، حيث أفادت وكالة تسنيم الإيرانية باندلاع حريق في جزء من حقل "بارس الجنوبي"، وهو أكبر حقل غاز في العالم قبالة سواحل محافظة بوشهر. وأدى هذا التطور إلى مخاوف من تعطيل صادرات الطاقة في المنطقة، ما دفع بأسعار النفط للارتفاع بنحو تسعة بالمئة.
ارتفاع أعداد الضحايا وتعليق المحادثات النوويةأعلنت طهران أن الهجمات الإسرائيلية خلفت حتى الآن نحو 78 قتيلاً في اليوم الأول، بينهم 29 طفلاً، بالإضافة إلى عشرات آخرين في اليوم الثاني بعد تدمير مبنى سكني من 14 طابقاً في العاصمة الإيرانية. وأظهرت مشاهد بثها التلفزيون الإيراني حجم الدمار الهائل وسقوط الأسر ضحية تحت الأنقاض.
في المقابل، ردت إيران مساء الجمعة بهجوم صاروخي واسع أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة العشرات في إسرائيل. وسمعت صفارات الإنذار في عدة مناطق، وسط إطلاق متبادل لصواريخ اعتراضية لصد الهجمات القادمة من طهران.
بالتزامن مع التصعيد العسكري، أعلنت سلطنة عمان عن تعليق جولة المحادثات النووية التي كانت مقررة الأحد في أراضيها، في ظل تدهور الأوضاع الأمنية. وأكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن استمرار الهجمات الإسرائيلية يجعل استئناف المفاوضات غير مبرر في الوقت الراهن.
الولايات المتحدة تبارك الهجمات وتحذر طهرانوفي موقف داعم لإسرائيل، أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالضربات الإسرائيلية محذراً من أن القادم سيكون أسوأ في حال رفضت إيران تقليص برنامجها النووي بشكل كبير، وهو المطلب الذي كانت واشنطن تضغط من أجل تحقيقه عبر المفاوضات النووية المؤجلة.
من جانبه، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاً مطولاً مع ترامب دام 50 دقيقة، أعرب خلاله عن قلقه من تصاعد التوتر في الشرق الأوسط، مطالباً بضرورة العودة إلى مسار المفاوضات، وهو ما أيده ترامب لاحقاً في تصريحاته.
إسرائيل تهدد طهران برد أعنف وإيران تلوح بإغلاق مضيق هرمزهدد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بحرق طهران بالكامل في حال واصل المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي إطلاق الصواريخ باتجاه الجبهة الداخلية الإسرائيلية، في وقت حذرت فيه طهران من أنها سترد باستهداف القواعد العسكرية التابعة لحلفاء إسرائيل في المنطقة إذا استمر الدعم العسكري ضدها.
وفي تصعيد إضافي، لوح الجنرال الإيراني وعضو مجلس الشورى إسماعيل كوثري بإمكانية إغلاق مضيق هرمز، المعبر الحيوي لنفط الخليج، ضمن خيارات الرد المتاحة أمام طهران.
تصاعد القلق بين المدنيين في إسرائيل وإيرانشهدت تل أبيب وعدة مدن إسرائيلية حالة من الخوف والترقب بعد موجات القصف المتبادل. وأمضى العديد من السكان ليلتهم في الملاجئ تحسباً لأي هجوم جديد. وفي طهران، عاش السكان ساعات من الرعب جراء الغارات التي دمرت منازلهم بشكل مفاجئ خلال الليل.
وفي بيان مصور، وصف الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوج الأوضاع بأنها مفترق طرق تاريخي، مشدداً على أن هذه المعركة ليست معركة إسرائيل وحدها، بل معركة كل من يسعى إلى السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
وأعلنت منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية الحقوقية أن الحكومة في تل أبيب اختارت الحرب بدلاً من استنفاد الحلول الدبلوماسية، وهو ما يعرض المنطقة بأكملها لخطر الانفجار الواسع.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: إيران العراق إسرائيل طهران قصف إيران إيران وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
الصراع الاستخباراتي بين إيران وإسرائيل
في لحظة فارقة على خارطة الصراع المعاصر، نفّذت إيران عملية استخباراتية عاجلة، ومفاجِئة، وحاسمة، عملية لم تعد مجرد إنجاز تقني أو ترويج إعلامي، بل نقطة تحوّل استراتيجي تُعيد رسم معادلات النفوذ والقدرة على الضرب ضد خصمها اللدود إسرائيل. ما أعلنته إيران من نقل مئات آلاف الوثائق السرية من داخل مرافق إسرائيل الحساسة، وبث مقاطع من داخل مواقع لم تكن لتُعرض للعامة أبدا، وتفعيل شبكة عملاء داخل إسرائيل يعملون لصالح إيران؛ لم يكن مجرد تصريح؛ بل هو إعلان صعود قوة استخباراتية قادرة على تحويل المعلومات إلى سلاح يغيّر نتائج الحروب.
الوثائق التي أُحضرَت إلى قلب إيران لم تكن أوراقا عادية؛ بل كانت شَرَكات معلوماتية كاملة: خرائط تشغيلية، وسجلات فنية، وقوائم بالعاملين والروابط، وملفات تقنية تضبط إيقاع تشغيل المنشآت الحيوية مواقع وتفاصيل منشآت عسكرية ونووية. تحويل هذا الكمّ من البيانات إلى إحداثيات تنفيذية أعطى القيادة العسكرية لإيران قدرة لم تكن متاحة في السابق وهي القدرة على استهداف دقيق، وتصغير هامش الخطأ، وزيادة فاعلية الضربات لتصل إلى قلب البنى الحيوية للخصم بأقل تكلفة ممكنة. هذا التحول ليس تكتيكا عابرا؛ إنه تغيير معمّم في مفهوم القوة.
ما يعزز هذه المعادلة هو الاعتراف الرسمي بأن إيران لم تكتفِ بالحصول على المعلومات، بل شاركتها مع وحداتها القتالية في حرب حزيران/ يونيو الأخيرة مع تل أبيب؛ إحداثياتٌ مُحدّدة، وجداول زمنية فعلية، ومشاهد داخلية تُسهِم في وضع خطة ضربات مفصّلة. إن وجود إحداثيات دقيقة يعني أن الزمن الذي كان يفصل بين جمع المعلومة وتنفيذ الضربة قد تقلّص إلى درجات قريبة من الصفر، ما يجعل الاستجابة المضادة للخصم شبه مستحيلة إذا لم يملك درعا استباقيا فعّالا وحقيقيا.
ومن زاوية أخرى، لعبت الشبكة البشرية دورا مهما. فالعملاء داخل إسرائيل يعملون ليلا ونهارا لمصلحة إيران، وهم ليسوا مجرد ناقلين لمعلومات سطحية، بل مُعطّون للمفاتيح التشغيلية مثل خرائط داخلية، طرق إدخال معدات، أسماء مُحدّدة لوحدات وموظفين حاسمين. هذه الشبكات البشرية، قلبت موازين الاستخبارات التقليدية: فجأة، لم تعد البيانات تُستخرج بالقوة التكنولوجية فقط، بل عبر قنوات محلية قادرة على فتح أبواب لا تستطيع التكنولوجيا وحدها تجاوزها.
النتيجة؟ حالة من الذعر الإداري داخل إسرائيل واعتقالات متواصلة بتهم "التعاون"، وتحقيقات موسّعة، وإجراءات أمنية مطوّلة تُكبد المؤسسة الاستخباراتية والأمنية الإسرائيلية تكاليف بشرية ومادية وتنظيمية هائلة. كل اعتقال وكل كشف داخلي هو بمثابة مؤشر على ضعف يُستغل سياسيا وإعلاميا. إيران، بعرضها للوثائق السرية، لم تنجح فقط في ضرب البنية التشغيلية؛ بل استطاعت أن تزجّ الرأي العام في دوامة الشك تجاه مؤسسات الخصم الأمنية، فتقوّض ثقة الجمهور وتزيد الضغوط السياسية على القيادة.
على مستوى الاستراتيجية، ما أظهرته إيران يفضي إلى ثلاثة نتائج قاطعة:
أولا، نقل اليد العليا: القدرة على جمع وتحليل وتحويل المعلومة إلى مخرجات تنفيذية منحت إيران اليد العليا في ميدان الاستخبارات.
ثانيا، تغيير أدوات الردع: الردع لم يعد يقتصر على التفوق التقليدي في الأسلحة أو القدرات الجوية؛ المعلومات التي تُترجم إلى ضربات دقيقة أصبحت عنصر ردع جديد وفعّال.
ثالثا، إعادة تعريف الأمن الداخلي: على من يُستهدف أن يعيد هندسة دفاعه من داخل المؤسسة نفسها، لا فقط من الحواجز الخارجية أو الحوافظ الإلكترونية.
أكثر ما يخيف إسرائيل في هذا السياق هو الفاعلية المتكاملة فعندما تتوافر المعلومة البشرية، والإمكانات السيبرانية، والقدرات التنفيذية على الأرض، تتلاشى الفوارق بين التخطيط والاستخدام. إيران لا تتباهى فقط بكثرة الوثائق؛ بل بالتكامل بين المعرفة والقدرة على الإجراء. وهذا ما يجعل إعلانها عن تقديم إحداثيات حساسة أثناء حرب حزيران/ يونيو الماضية بمثابة إعلان نية ملموس أن الأولوية لم تعد للوقاية وحدها، بل للقدرة على الضرب بدقة متناهية عندما تتوفر اللحظة المناسبة.
الآثار المباشرة على مضمار العمليات واضحة؛ منشآت كانت تُدار بمنطق الغموض والإنكار لم تعد محمية عمليا إذا وقعت إحداثياتها في يد إيران، شبكات الإمداد، ونظم الدعم الفني، والموارد البشرية الحساسة، كلها أهداف عرضة لإعادة هندسة الساحة بما يخدم الطرف الذي يملك المعلومات. وهذا يخلق ديناميكية جديدة: بدلا من الاشتباك التقليدي المباشر فقط، يبرز اشتباك معلوماتي -تشغيلي- نفسي يودي إلى نتائج استراتيجية بطيئة ولكنها حاسمة.
إن خطاب إيران، وعرضها الوثائقي المصاحب، ليس موجها ضد عدوّ واحد فقط؛ إنه إشارة إلى العالم بأسره بأن عصر المواجهات صار يعتمد على جودة وعمق الوصول المعلوماتي، وأن تملك قواعد بيانات تشغيلية وتحويلها بسرعة إلى ضربات فعلية هو ما يمنح السيادة الفعلية في ساحة المعركة المستقبلة. هذا التحوّل يفرض على الدول أن تعيد النظر في أولوياتها في حماية المصادر البشرية لا تقل أهمية عن حماية الشبكات السيبرانية، والتعامل مع العمليات الاستخبارية لم يعد وظيفة وزارة واحدة فقط، بل مهمة وطنية تتداخل فيها كل الأجهزة.
في الخلاصة، العملية التي نفّذتها إيران ليست مجرد فوز دعائي، فهي انقلاب في أدوات القوة. اليد العليا التي تتحدث عنها قيادة إيران ليست مجرّد مزحة أو تهويل؛ هي نتيجة لعملية استخباراتية متكاملة مكنت الدولة من تحويل المعرفة إلى فعل، والفعل إلى نتيجة سياسية وعسكرية ملموسة. في ميداني الاستخبارات والعمليات، الطرف الذي يحصد ويستثمر المعلومات هو الذي يملك اليوم مفتاح السيطرة ومن هذا المنظور، تقول قيادة إيران بوضوح بأن اليد العليا ليست بعد الآن مجرد ادّعاء، بل واقعٌ يفرض نفسه على موازين القوة المقبلة.