بوابة الفجر:
2025-08-02@22:48:11 GMT

مؤمن الجندي يكتب: حسين أبو كف

تاريخ النشر: 15th, June 2025 GMT

في لحظات بعينها، لا تكون المعركة بينك وبين خصمٍ أمامك، بل بينك وبين نفسك بين ما تعرف أنه صواب، وما تخشاه أن يكون خطأ، بين ما تريده فعلًا، وما تخشى عواقبه.

مؤمن الجندي: "sense" التوقيت مؤمن الجندي يكتب: ظل البقاء

هي لحظات قصيرة لا تُقاس بالثواني، بل تُقاس بما تتركه من أثر.. لحظات يصمت فيها العقل، ويعلو فيها صوت القلب، أو العكس.

في كرة القدم، كما في الحياة، لا يُخلّد المترددون، ولا تُكتب الأساطير على أبواب الانتظار.. من يملك الفرصة ولا يلتقطها، كمن أغمض عينيه أمام الشمس ثم تساءل: لماذا لم يرَ النور؟

وهكذا، وقف (حسين أبو كف) عفوًا حسين الشحات لاعب الأهلي! عند مفترق اللحظة واختار الصمت في وقت كان يحتاج إلى صيحة هدف.

لقد تذكرت ما فعله الفنان نور الشريف في فيلم "شحاتة أبو كف"، حين دخل إلى الملعب متعثّر الخطى، وكأن العشب غريب عليه، وكأن الكرة كائن هلامي لا يُمسَك ولا يُفهَم، وكأن عينيه لا ترى إلا ظلالًا تتراقص… لا فارق عنده بين المرمى والمدرجات، ولا بين الكرة والهواء.

كأن قدميه تسيران على أرضٍ لا يحبّها، وعيناه تبحثان عن شباكٍ ليست في الملعب، وروحه تلعب مباراةً في عالمٍ آخر لا يشبه كرة القدم.

هكذا شعرتُ وأنا أشاهد حسين أبو كف في آخر مباراة له، وكأن الموهبة هجرت جسده، أو كأن قلبه لم يعد ينبض باسمها.

مؤمن الجندي يكتب: حسين أبو كف

ولعل ما فعله الشحات في آخر ثانية من المباراة الافتتاحية لكأس العالم للأندية بأمريكا 2025، كان غريبًا عليه وعلينا… هجمة مرتدة، كأنها مكتوبة في سيناريو درامي، الكرة بين أقدام لاعبي الأهلي تنساب كالماء، تصل إلى حسين أمام منطقة الجزاء، وبلمسة واحدة كان بإمكانه أن يدوّن اسمه في التاريخ… لكنه قرر ألا يفعل شيئًا.

توقف، كأن قدميه أثقلتهما الذكريات، أو كأن الزمن توقف عند لحظة تردد.. نظر حوله، ثم قرر أن يترك الكرة للخصم! لحظة خرس فيها المعلّق، وصمت فيها المدرج، وابتلعت فيها الكرة كل ما تبقّى من حلم الهدف.

كرة القدم ليست مجرد مهارة، بل لحظة قرار، واختبار شجاعة، واختزال لكل سنوات التدريب في ثانية.. نعم، تعتمد على الموهبة، والتوفيق، وعدم الطمع… لكن حسين، في تلك اللحظة، ضرب بكل هذا عرض الحائط، وكأنه انفصل عن نفسه، أو خانته نفسه.

ربما كان يبحث عن تمريرة أجمل… أو خاف أن يُتهم بالأنانية.. أو لم يرَ المرمى أصلًا. وربما لم يعد يرى نفسه لاعبًا قادرًا على الحسم. اللاعب الذي كان يومًا ما أحد صُنّاع المجد، بات مترددًا، قلقًا، وكأن بينه وبين الكرة خصام لا يُحل.

هذه اللحظة كشفت ما هو أعمق من خطأ في الملعب.. كشفت ارتباكًا داخليًا، أزمة ثقة، أو لحظة صراع بين صوت العقل وصوت الغريزة.. لاعب كبير لا يخطئ في التمرير، لكنه قد يخطئ في فهم نفسه.

في كرة القدم، لا يُغفر التردد أمام المرمى، ولا تُمنح الفرص مرتين.. والجماهير – بطبعها العاطفي – لا تَفهم أن أقدام اللاعبين لا تتحرك دائمًا بأوامر المدرب، بل أحيانًا بأوامر القلب.

ربما سيبقى هذا الموقف في سجل الشحات مع جماهير الأهلي وربما، لو قرأ ما كُتب عنه في اليوم التالي، سيتمنى أن يعود بالزمن ليصوّب الكرة لا القرار.. لكن الحقيقة الأهم، أن كرة القدم، كما الحياة، لا تكتب المجد إلا لمن امتلك الجرأة على الحسم.

في النهاية، ليست كل الهزائم في الملاعب، بعضها يسكن في الداخل.. التردد، الخوف، انتزاع الثقة، كلّها خصوم لا تُرى، لكنها قادرة على إسقاط أعظم الموهوبين، وفي الحياة، كما في كرة القدم، القرار الحاسم في لحظة واحدة، قد يغيّر كل شيء.

للتواصل مع الكاتب الصحفي مؤمن الجندي اضغط هنا

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: حسين الشحات الأهلي انتر ميامي كاس العالم للاندية أمريكا مؤمن الجندی کرة القدم

إقرأ أيضاً:

د. عبدالله الغذامي يكتب: مثل شجرة سقطت في غابة

مثل شجرة سقطت وسط غابة ولم يسمع أحد بسقوطها فهل نقول إنها سقطت..!! وهذا تساؤل يشيع ثقافياً بصفته الافتراضية عن الصوت الذي يحدث حقيقة ولكنه لا يصل إلى سمع أحد، وبما أنه حدث عملياً، فهل عدم سماعه يخرجه عن معنى المتحقق أي لم يحدث، وقد حضرت المقولة عندي حين غردت بتغريدة حبرتها بعناية لكنها لم تحظَ بأي رد فعلٍ، لا اتفاقاً ولا اعتراضاً ولا تعليقاً ولا تدويراً ولا تفضيلاً، فوجدت نفسي دون تفكير أندفع لحذف التغريدة رغم قناعتي بمنطقها وسلامتها الأخلاقية والمعرفية، ولكنها أضحت عندي مثل شجرة سقطت في غابة ولم يسمع أحدٌ دويها فهي إذن لم تكن!!. وكل فعل أو قول لا يحدث أي تفاعل فهو بحكم العدم، فهل أعدمت تغريدتي لهذا السبب، وهل منصة (إكس) غابةٌ تستطيع كتم أي صوت وتعتقل رحلته حتى لا يمكننا سماعه أم أني صرت أطلب رضا الناس أو أصبحت هشاً أمام التجاهل، فانتقمت من كلمة كشفت لي هشاشتي، أم أن الوضع أرقى من ذلك وأنني شجاعٌ لدرجة الاعتراف بسخافة تصرفي ضد تغريدة لا ذنب لها غير أنها لم تستثر أي صوتٍ وكأنها لا تستحق ألفاظها بما أنها معنى لم يتصنع في أذهان الآخرين ولم يلفت نظر ولا سمع أحد.
ولا شك أن هناك أشياء للنسيان ولا ترقى للتذكر ولن يبكي عليها أحد، وكل ما يدخل للنسيان ولا يملك القابلية للخروج منه فهو إذن غير موجود، والنسيان الإيجابي لا يحدث إلا لموجود يتمرد على البقاء مكشوفاً فيتدثر بالنسيان بانتظار ذهن ما ليلتقطه ويخرجه من غيابة الجب أو مغارة السجن، وإذا خرج حينها ملك خزائن الأرض كما كانت قصة سيدنا يوسف عليه السلام الذي كان لابد أن يمر بتجربة النسيان ليخرج سيداً على من رموه في البئر.
وفي النهاية أعجب من نفسي إذ تذكرني بالقول عن شجرة الغابة التي حضرت لتشرح لي حقيقة سفك دم تغريدتي ولكن الذاكرة ذاتها تبخل عليَّ بمعرفة سر صنيعي الذي ليس من طبعي ولا من سلوكي، فهل تمارس الذاكرة محوها الخاص فتبقي لنا شيئاً وتطمس أشياء، ومن ثم تضعنا في حرج بين وبين، وهذه لعبة لا تتم برغبة منَّا وإنما فقط نقع فيها ونظل نخجل منها في حالات العلاقات العامة وفي حالة العلم والمعرفة.
هي إذن لعبة التذكر والنسيان وتبادل أدوارهما علينا ونحن دوماً مادة هذه اللعبة وفضاؤها المفتوح. تماماً كحال الشجرة التي ربما كانت تحاول لفت نظرنا إليها لكنها أخطأت نظرنا ومسامعنا معاً فخرجت من الوجود الفعلي والوجود الذهني كذلك، وكذا هي حال المحو حين يقتل الفكرة واللفظ معاً، وتبقى حسرة الروح التي لا تتجسد في جسم يسمح لها بأن تتحرك وتفعل.
أما تغريدتي تلك فستظل الموؤودة التي من غير ذنب قُتلت. وحالها كحال الشجرة الضائعة بين السقوط والعدم التي هي جملة ثقافية تغري الباحثين، ولكنها جملةٌ تائهة فهي منسوبة لجورج بيركلي ولكنها ليست موجودةً في أي كتاب من كتبه، وكأن الجملة مخترعٌ ثقافي انتسبت تعسفاً لشخص لم يقلها، وإن كانت تشبه أفكاره، ولذا فهي مثل تغريدة لم يسمع بها أحد فحذفها صاحبها بما إنها لم تدخل فضاء الإدراك.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: شرائح القراءة د. عبدالله الغذامي يكتب: هل تسكننا الأماكن أم نسكنها؟

مقالات مشابهة

  • اتحاد الكرة ينعي محمد أبو النجا حارس وادي دجلة
  • اتحاد الكرة ينعى بونجا حارس مرمى وادي دجلة ومنتخب المحليين
  • فيديو الجندي الأسير لدى القسام يثير ضجة في إسرائيل
  • المجالي يكتب : من هو معالي ابو الحسن يوسف العيسوي
  • الإعلام الغربي والإبادة: مسألة فيها نظر
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: مثل شجرة سقطت في غابة
  • أيمن حسين يوقع رسمياً مع الگرمة قادماً من الدوري القطري
  • الأديب هيثم حسين يكتب الوجع بشفافية وعمق الجرح
  • إطلاق حملة أثر الجندي لزراعة الأشجار في الأنبار تخليداً لمواقف الجيش العراقي
  • د. هاني العدوان يكتب ..