ذاكرة النقصان.. توثيق روايات أهل غزة عن الإبادة الجماعية
تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT
الثورة / خليل المعلمي
يعتبر كتاب «ذاكرة النقصان.. روايات أهل غزة عن الإبادة» هو الكتاب الأول الذي يحمل بين طياته توثيقاً مكتوباً لقصص وحكايات تلك الحرب الماحقة التي يعيشها القطاع منذ السابع من أكتوبر 2023م، التي غيرت المنطقة بأسرها، للروائية السورية سمر يزبك الصادر عن دار الآداب.
وأهم ما يسجله الكتاب شهادات يرويها أناس من لحم ودم، عاشوا ما لا يمكن تصوره، وما يشعر المرء أنه يتعذر كتابته أو التعبير عنه وإيجاد لغة توازيه، يمكنها التعبير عنه.
إنها مهمة شاقة، بل هي نوع من التحدي أن تتمكن من نقل ما لا ينقل، ووصف ما يفوق القدرة على الوصف، لذلك هي محاولة شجاعة، أن تحاول كاتبة أن تسجل ما ترويه ألسن أناس عاشوا آلاماً ليس لها اسم أو معادل في الكلام.
لقد استغلت الروائية “سمر يزبك” فرصة وجودها في الدوحة عند وصول جرحى من غزة مع عائلاتهم لتلقي العلاج، حيث تجمع الناجون من الموت، بينهم مبتورو أطراف وأصحاب حالات صحية خطيرة، فلم ينقل إلى خارج غزة في ذلك الوقت إلا ذوو الإصابات البالغة، حيث يبلغ عدد الواصلين مع عائلاتهم 2500 شخص.
جرائم جماعية
ما لا يمكن تخيله بالنسبة للكاتبة هو أنها أمام جرائم جماعية تقررها الخوارزميات بمفردها، أي أن لحظة التردد الإنساني لم تعد ممكنة أو حتى محتملة، أضف إلى ذلك الطائرات المسيَّرة التي يروي عنها الشهود الغزيون ما يثير الفزع، «هذه الكائنات الخرافية القاتلة تدخل البيوت، غرف النوم، تقف على رؤوس الأطفال، تصدر التعليمات، تطلق النار على الرأس، تأخذ بصمة العين تطلق النار على العين، ترافق أرتال النازحين والمجبرين على الرحيل من بيوتهم”.
تبدأ غالبية شهادات المستجوبين الذين خصص الكتاب لكل منهم صفحات تتسع لشيء من ألمه في يوم السابع من أكتوبر، هكذا يروي الشهود (الضحايا) كيف عاشوا تلك اللحظات المباغتة، قبل أن يغوصوا في قص تفاصيل الجحيم الذي سكب عليهم، وما عاشوه من تهجير وإصابة وموت لأحبتهم، حيث أن مجموع هذه القصص التي يرويها أصحابها، تجعلك تعيش جهنم غزة وكأنك فيها.
يكتشف القارئ أن لقطات الكاميرات التي تصور الموت على الهواء مباشرة، كانت عاجزة عن قول القصص الإنسانية أو أن تجعله يفهم عمق التراجيديات الأسرية، وأن هذا التصوير المستمر للموت الجماعي أفقد الفجيعة الفردية حقها في أن تكون حاضرة، ومروية ومسموعة، وكأنما ضجيج المجازر خسف حق الإنسان في أن يكون إنساناً يستحق الرحمة.
مهدت الكاتبة للشهادات بمقدمة سكبت فيها خلاصة ما جال في خاطرها، وهي تجمع القصص من على ألسن المصابين، حاولت أن تتحدث عن جوامع مشتركة للذين تحدثت معهم، وجدت أنهم لم يذكروا في كلامهم حماس أو القضية الفلسطينية، كانوا يتحدثون عن أنفسهم كأناس مدنيين مسالمين عن أجسادهم التي تمزقت، كانوا يبوحون بصدق وعفوية، ويرغبون بأن يسمع العالم حكايتهم، جملة يرددونها: “لقد كنا نعيش الحرب منذ عقود، والآن نحن نعيش فعل إبادة”.
أما الأطفال والشباب فكانوا الأكثر صمتاً، يعجزون عن إيجاد الكلمات المناسبة، طفل مراهق اسمه عبدالله (13) سنة، احترقت عائلته أمامه وهو يركب حافلة الأونروا، قال إنه ليس طفلاً، وإن غزة ليس فيها أطفال، لأنهم لا يذهبون إلى المدرسة كما أترابهم، ولا يعيشون بين عائلاتهم، غالبية من تحدثت يزبك معهم يصرون على أن يخرجوا صور عائلاتهم قبل أن يختفوا من الوجود، ويتحدثوا عنهم ويخاطبوهم كما لو كانوا لا يزالون بينهم.
شهادات دامية
الشهادات دامية، والقارئ لا يمكن أن يخرج من الكتاب كما كان قبل أن يقرأه، نحن لسنا أمام حرب، ونحن نقرأ نتأكد أن كل واحد من الذين يتحدثون، كأنما كان مستهدفاً لذاته، أو أنه يجب أن يموت إن لم يكن بالقصف، ففي المستشفى بسبب تكدس الجرحى، وإن لم يكن بذلك فبسبب نقص الدواء أو الأطباء، وإن نجا فسيجد نفسه مضطراً لأن يحمل جراحه ويمشي إلى مكان آخر لأن القصف يبقى يطارده من خيمة إلى مدرسة، إلى طريق، حتى يتمكن منه.
خالد أبو سمرة -30- سنة، طبيب في مستشفى الشفاء، يخبرنا عن أهوال ما عاشه، رحلة يصعب وصفها أو قراءتها، يروي “أبو سمرة” أنه منذ لحظات القصف الأولى وقبل أن يعرف الأطباء حقيقة ما يحدث حولهم كانت الإصابات المميتة تأتي من كل أنحاء القطاع، والمستشفى يتكدس فيه المصابون.
ويضيف: “منذ اليوم الأول انتهكوا كل الحدود، وكل قوانين حقوق الإنسان ودعنا زميلنا المسعف طارق في الساعات الأولى، قتلوه وهو يؤدي واجبه”، قصفوا مدرسة وسط مدينة غزة سوق شعبية شمال القطاع، قصفوا كل شيء وأي شيء، كانت آلة القتل الإسرائيلية تعمل على مدار الساعة، والجرحى يصلون إلى المستشفى على مدار الساعة، كان مجمع الشفاء حاجز الدفاع الوحيد تقريباً عمن يسعفه الحظ وينجو من المجازر، ومع ذلك حوصر المستشفى وقصف واستهدفت أقسامه بما فيها العناية المركزة ومرضاها، كنا نصرخ أمام العالم كله، أن الجيش الإسرائيلي يقتحم مستشفى الشفاء بمرضاه ونازحيه السبعين ألفاً، لكن تركنا وحدنا، لم يكن من جدوى لاستغاثاتنا.
يروي الطبيب تفاصيل مروعة، ويصل إلى عبارة يكررها الناجون وكأنها لازمة “الموت رحمة”، ويكمل: “هذا ما كنت أقوله لنفسي في كل مرة نرفع فيها جهاز التنفس عن أحد أسلم الروح لقد قرأت كثيراً عن أطباء في حروب سابقة في هذا العالم أعطوا مرضاهم حقنة الموت الرحيم، في كل مرة أنظر في عيون الأطباء الذين كانوا في المستشفى أشعر كما لو أننا أقسمنا جميعاً أن نتشبث بأرواح مرضانا حتى آخر نفس، فجميعنا نعرف ما انتهى إليه مرضى هذا المستشفى وأطباؤه، لكن نكتشف أن من بقي حياً وخرج، شاهد ما لا يمكن تخيله من عذاب، إما بسبب حمم من السماء أو انتقام الجنود الإسرائيليين على الأرض.
محمد فادي صالح -25 سنة- أصيب في شمال غزة، وهو بالقرب من منزله بشظايا صاروخ نقل بصندوق سيارة مع آخرين، إلى مستشفى كمال عدوان الذي ليس فيه دواء ولا بنج ولا حتى معدات تشخيص، لذا حملوه إلى المستشفى الإندونيسي، هناك كانت الأمور أشد سوءاً لا مولدات، ولا كهرباء والصورة التي أجريت له بشق الروح لم تفسر الشلل الذي يعاني منه، بعدها نقل إلى مستشفى الشفاء وهو ينزف، وضعوا أنبوباً في صدره لتفريغ الدم الداخلي، لكن صورة مقطعية كانت لازمة لفهم سبب الشلل بقي إجراؤها مستحيلاً.
هاجم الإسرائيليون المستشفى، وطالبوا بإخلائه وقصفوا قسم الولادة، بعد ساعات من الرعب جاء عمه واضطر وهو مشلول لأن يسير معه نصف ساعة كي يستقلان سيارة إلى البيت، بعد 15 يوماً نقل خلالها، هرباً من القصف من بيت إلى بيت وهو محموم ومشلول، تمكن الصليب الأحمر من إيصاله إلى مستشفى كمال عدوان ومن ثم مستشفى ناصر لكن حتى المسكن لم يكن متوفراً لإسكات الألم الرهيب الذي يعاني منه، أصيب بجلطة بسبب عدم وجود عناية، إذ إن غاية ما توفر له هو المضاد الحيوي، لكن الأمر لم ينته هنا فقد جاء الجيش الإسرائيلي وطلب إجلاء المرضى وترك من لا يستطيعون الحركة دون مرافقين.
احتل الجنود المستشفى و”جاء جندي إسرائيلي نحوي، فقلت له بهدوء: إنني مجرد جريح مشلول، لم يكتف بضربي، بل هددني بالاغتصاب”، ويروي هذا المصاب عظائم ما تعرض له هو وبقية المصابين: “كنت هناك في قلب الجحيم، عندما اقتحم الإسرائيليون المستشفى برفقة كلابهم المدربة، وأفلتوها علينا، الزنانة تحوم فوقنا، تهددنا بمزيد من القصف، بينما الاعتداء الجسدي واللفظي كان مزيداً من التحرش والإذلال والتهديد المستمر بالاغتصاب، الأمر لم ينته هنا بالطبع.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
قطر تمول تحويل مستشفى بالقدس إلى مؤسسة طبية أكاديمية
وقّع صندوق قطر للتنمية اتفاقية تمويل بقيمة 6.95 ملايين دولار أميركي مع مستشفى القديس يوسف في القدس الشرقية، بالشراكة مع الوكالة الفرنسية للتنمية (AFD)، بهدف دعم خطة تحويل المستشفى إلى مؤسسة طبية أكاديمية.
وتهدف الاتفاقية -وفقا للصندوق- إلى الارتقاء بجودة الرعاية الصحية وتوسيع برامج التدريب السريري في أحد أبرز المرافق الطبية الفلسطينية في مدينة القدس.
وأوضح الصندوق عبر حسابه على منصة "إكس" أن المشروع سيُسهم في تحسين الخدمات الصحية المقدمة لأكثر من 10 آلاف و500 مستفيد سنويا، من خلال تعزيز البنية التعليمية للمستشفى، ورفع كفاءة كوادره الطبية، وتمكينه من أداء دور محوري في تدريب الكفاءات الصحية الفلسطينية.
وشهد توقيع الاتفاقية رئيس مجلس إدارة صندوق قطر للتنمية الشيخ ثاني بن حمد آل ثاني، بحضور كل من المدير العام لصندوق قطر للتنمية فهد بن حمد السليطي، والمدير العام للمستشفى جميل كوسا، والمدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية ريمي ريو، وذلك على هامش منتدى الدوحة 2025.
وقّع صندوق قطر للتنمية اتفاقية منحة بقيمة 6.95 مليون دولار أمريكي مع مستشفى القديس يوسف، بالتعاون مع الوكالة الفرنسية للتنمية، وذلك على هامش منتدى الدوحة 2025. وتهدف الاتفاقية إلى دعم تحويل المستشفى إلى مؤسسة طبية أكاديمية، بما يعزّز جودة الخدمات الصحية ويُوسّع برامج التدريب… pic.twitter.com/PLQUgrCn3f
— Qatar Fund For Development صندوق قطر للتنمية (@qatar_fund) December 8, 2025
ليست المرة الأولىمن جانبه، قال المدير العام لمستشفى مار يوسف (الفرنسي) جميل كوسا -في حديثه للجزيرة نت- إن الاتفاقية مع صندوق قطر للتنمية تتضمن توسعة المستشفى، بحيث يساهم الصندوق في بناء وتجهيز طابق من أصل 5 طوابق ستستخدم كمواقف سيارات بسعة نحو 250 سيارة، بالإضافة لبناء وتجهيز طابق كامل من البناية الجديدة التي ستضم 6 طوابق.
إعلانوأضاف كوسا أن الصندوق سيتولى بناء وتجهيز طابق فحوصات الرنين المغناطيسي (MRI)، بالإضافة لترميم وتحديث قسم العمليات الجراحية القائم في المستشفى.
وأشار إلى أنه من المتوقع أن يرتفع عدد العاملين في المستشفى إلى نحو 900 موظف بفضل التوسعة التي سيوفرها تمويل المشروع، مقارنة بـ430 موظفا يعملون فيه حاليا.
وأكد مدير عام المستشفى أن هذه ليست المرة الأولى التي تدعم بها قطر المستشفى الفرنسي، إذ موّل الأمير تميم بن حمد آل ثاني الجزء الأكبر عند بناء قسمي الولادة والطوارئ عام 2014، وكان للدعم القطري آنذاك الحصة الأكبر بالمشروع، واليوم تُفتح صفحة تعاون جديدة من خلال الصندوق.
ومن المتوقع -وفقا لمدير المستشفى- أن يبدأ العمل بالمرحلة الأولى من المشروع والتي تمولها قطر مطلع أبريل/نيسان المقبل.
ويُعد مستشفى القديس يوسف -المعروف أيضا بالمستشفى الفرنسي أو الفرنساوي- واحدا من أبرز المستشفيات العاملة في القدس الشرقية، ومن أصل 6 مؤسسات طبية فلسطينية أساسية تخدم المدينة.
ويقع المستشفى في حي الشيخ جراح، ويعمل منذ تأسيسه عام 1956 كمؤسسة غير ربحية أسستها راهبات مار يوسف.
ويملك المستشفى -وفقا لموقعه الإلكتروني- خصوصية فريدة بكونه المستشفى الكاثوليكي الوحيد في القدس الشرقية.
ويقدّم المستشفى خدماته لكافة سكان مدينة القدس، إضافة إلى المرضى القادمين من الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يجعله ركيزة مركزية في منظومة الرعاية الصحية الفلسطينية بالمدينة.
وتأتي هذه الاتفاقية في سياق الدعم الإنساني المستمر الذي تقدمه دولة قطر للشعب الفلسطيني، ولا سيما في ظل التحديات الإنسانية المتفاقمة في الأراضي الفلسطينية، حيث تسعى الدوحة إلى تعزيز الأمن الإنساني وتوفير الخدمات الأساسية للفئات الأكثر تضررا.
وكانت قطر مولت عبر صندوق قطر للتنمية تزويد مستشفى أوغستا فكتوريا (المطّلع) في القدس بجهاز المُسارِع الخطّي المزود بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ما أتاح بدء علاج مرضى الأورام بالإشعاع من محافظات الضفة الغربية.
ويستقبل المستشفى يوميا ما بين 80 و90 مريضا يخضعون لجلسات علاجية مختلفة بفضل هذا التطور الطبي.
وسبق أن أعلنت دولة قطر عبر صندوقها للتنمية تسيير مساعدات إنسانية عدة، وذلك في إطار الجهود المستمرة لدعم الشعب الفلسطيني، ولا سيما منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ومنذ تأسيسه قدّم صندوق قطر للتنمية أكثر من 7 مليارات دولار لدعم مشاريع في أكثر من 100 دولة، مركّزا على قطاعات التعليم والصحة والتمكين الاقتصادي والمساعدات الإنسانية، إلى جانب أولويات مثل الأمن الغذائي والتكيف مع التغير المناخي والبنية التحتية المستدامة.