لا تعاشر إلا من يزيدك إشراقًا!
تاريخ النشر: 15th, June 2025 GMT
صالح بن سعيد بن صالح الحمداني
في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتلاشى فيه الحدود بين العالمين الواقعي والافتراضي تبقى العلاقات الإنسانية واحدة من أثمن الكنوز التي يمتلكها الإنسان، فبقدر الأشخاص الذين يحيطون بك تتلون حياتك وتُثْرى تجاربك، من هنا تبرز أهمية حسن اختيار من نصاحب والحرص على أن نُعاشر من يزيد حياتنا حياة لا من يثقلها ويطفئ بريقها.
في خضم صخب الحياة اليومية وتعقيداتها تتشكل شخصياتنا وتتبلور أرواحنا من خلال أولئك الذين نصطفيهم لمرافقتنا في رحلتنا، فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يتأثر بمن حوله؛ بل إن جودة حياته وسعادته ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالدوائر الاجتماعية التي ينتمي إليها، ومن هنا تأتي الحكمة العميقة التي تقول: "عاشر من يزيد حياتك حياة."
حين نتحدث عن الصحبة لا نعني مجرد أشخاص نتبادل معهم أطراف الحديث؛ بل أولئك الذين تنبض قلوبنا بالطمأنينة عند لقائهم الذين نخرج من صحبتهم بشعور أفضل وإلهام أعمق وطاقة إيجابية متجددة، هؤلاء الذين يجعلوننا نرى الدنيا بألوان أجمل ويؤمنون بقدراتنا حين نشك بأنفسنا.
الصحبة الصالحة تشبه الماء العذب تسقي أرواحنا وتمنحنا أسباب البقاء في أحلك الظروف، فهم من يشجعوننا على فعل الخير ويذكروننا بأحلامنا عندما نكاد ننساها ويحملون عنّا أثقال الحياة دون أن نطلب.
تأثير المحيطين علينا أكبر مما نظن وتشير العديد من الدراسات النفسية إلى أن المشاعر معدية وأننا نتأثر تلقائيًا بمزاج من نصاحبهم فإذا قضيت وقتك مع متشائمين ساخطين فستجد نفسك مع الأيام تتبنى نظرتهم السوداوية دون أن تشعر، وعلى العكس إذا أحطت نفسك بأشخاص متفائلين وحيويين وطموحين فإنَّ عدوى الإيجابية ستصيبك حتمًا.
بل ذهب بعض الباحثين إلى القول إن اختيار الأصدقاء قد يكون أكثر أهمية من اختيار شريك الحياة لأننا نقضي وقتًا أطول معهم ولأنهم يؤثرون على قراراتنا المصيرية مثل مسار حياتنا المهني ومستوانا التعليمي، وحتى نمط حياتنا الصحي.
ولو سألنا أنفسنا من هم الذين يزيدون حياتك حياة؟ وما هي صفاتهم، حتماً ستكون الإجابة هم أولئك الذين يؤمنون بنا حتى حين نشك في أنفسنا يرون فينا ما لا نراه ويذكروننا بقيمتنا حين تخوننا ثقتنا، ويلهموننا بإنجازاتهم وأخلاقهم، يحفزوننا لنكون نسخة أفضل من أنفسنا دون أن يحبطونا أو يقللوا من أحلامنا، هم يدفعوننا للأمام لا يسمحون لنا بالركود أو الاستسلام؛ بل يشجعوننا على السعي والمضي قدمًا مهما تعثرنا.
يحترمون اختلافنا لا يحاولون أن يشكلوننا على صورتهم، بل يحتفون بتفردنا ويحتضنون اختلافنا، يمنحوننا طاقة إيجابية نشعر بعد الحديث معهم أن همومنا خفّت وأن الحياة أبسط مما كنا نظن؛ بل هم أولئك الذين يدافعون عنا في غيابنا ويحموننا دون أن نعلم بتلك الحماية والدفاع عنَّا في ظهر الغيب، أولئك الذين يرفعون أكف الدعاء لله في ظهر الغيب ويربطون أسماءنا بأسمائهم بالدعاء والتضرع لله، فما أعظمهم وأعظم وفاءهم.
ومن هذا المنطلق فإنَّ اختيار من يصاحبنا ليس أمرًا اعتباطيًا؛ بل هو قرار بالغ الأهمية يحتاج إلى وعي وتبصر.
اسأل نفسك مع كل علاقة جديدة هل أشعر بالارتياح بعد لقاء هذا الشخص؟ وهل يساعدني على التطور أم يثقل كاهلي؟ هل يحترم حدودي وأحلامي؟ هل يُعزز من تقديري لذاتي أم يهدمه؟
فإذا وجدت أن علاقتك بشخص ما تستنزفك أكثر مما تغذيك فربما حان الوقت لإعادة تقييم مكانه في حياتك.
على الجانب الآخر يجب أن نحذر من العلاقات التي تستنزف طاقتنا وتضعف عزيمتنا وتغرس فينا الشك والخوف، هؤلاء الذين يستهينون بمشاعرنا، يستهزئون بطموحاتنا، أو يدفعوننا إلى طرق لا تشبهنا، هم عبء ثقيل على قلوبنا لا يجب أن نحمله، وإن الحفاظ على مسافة صحية من العلاقات السامة هو حق من حقوقنا، بل هو ضرورة لحماية سلامنا الداخلي.
خلاصة القول نستطيع أن نفهم أن الحياة قصيرة وأثمن من أن نضيعها مع من يقللون من قيمتها، ونصنع حولنا دائرة من الأحباب والأصدقاء الذين يضيفون إلى حياتنا نورًا وفرحًا، ولا تخجل من أن تكون انتقائيًا فالقليل من الأصدقاء الحقيقيين أفضل من كثير من الصحبة الزائفة.
عاشر من يُذكرك بقدرتك على الحلم، من يحترم حريتك، من يجعل من وجوده مصدر راحة لا عبئا، اختر رفاقك كما تختار الهواء الذي تتنفسه نقيًا، صافيًا، ضروريًا للحياة.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
“فك شفرة حياتك”.. فتاة تثير تفاعلاً بادعاء غير مسبوق عن شات جي بي تي
أثار مقطع فيديو تم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي موجة واسعة من التفاعل، بعد أن ظهرت فيه فتاة تشجّع المتابعين على تجربة استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي “شات جي بي تي” لتحليل ما يُعرف بـ”رقم مسار الحياة”، عبر كتابة جملة محددة له وطلب تحليل بناءً على تاريخ الميلاد.
وطلبت الفتاة من المستخدمين دخول الدردشة الخاصة بالذكاء الاصطناعي، وإعطائه أمر بتحليل رقم مسار الحياة، وبناء على التحليل، يُعطى أمر آخر بفك شفرة الحياة مع التحليل العميق، معبرة عن دهشتها من النتيجة الدقيقة لهذه الأوامر.
ما هو “رقم مسار الحياة”؟
رقم مسار الحياة هو مفهوم شائع في علم الأرقام (Numerology)، ويعتمد على إجراء عمليات حسابية بسيطة على تاريخ الميلاد للوصول إلى رقم يُعتقد أنه يكشف عن السمات العامة للفرد وصفاته الشخصية ومسار حياته.
ورغم أن هذا المجال يُصنَّف علمياً ضمن ما يُعرف بـ”العلوم الزائفة”، إلا أن الكثيرين يجدون فيه جانباً من الفضول الشخصي أو التسلية، خصوصاً مع وجود أدوات ذكية مثل ChatGPT تعيد صياغته بطريقة حديثة تُشعر المستخدم بأنه يتلقى تحليلاً شخصياً “عميقاً”.
ومن الناحية التقنية، تعتمد أدوات مثل ChatGPT على تحليل الأنماط اللغوية والنصوص السابقة، ولا تمتلك وعياً بشرياً أو إدراكاً فعلياً للمحتوى، وبالتالي فإن ما تنتجه من تحليلات لا يعكس معرفة بالشخص، بقدر ما هو توليد ذكي لمخرجات لغوية مدروسة على مستوى النمط، لكنها لا تمثّل تحليلاً نفسياً حقيقياً.
تفاعل واسع وانقسام في الرؤية
وحظي الفيديو بانتشار واسع خلال ساعات من نشره، وسط انقسام واضح في ردود الفعل، فبينما اعتبره كثيرون تجربة مسلية خفيفة لا تخلو من الفضول البشري لفهم الذات، أبدى آخرون تحفظهم على مثل هذه الدعوات، خصوصاً في ظل تنامي الاعتماد غير الواعي على الذكاء الاصطناعي في تقديم إجابات “مُخصّصة” رغم أنه لا يملك إدراكاً فعلياً أو معرفة شخصية بالمستخدمين.
البعض تعامل مع الفكرة بوصفها نوعاً من التجربة الاجتماعية الجديدة، بينما أثار الفيديو قلقاً لدى فئة أخرى من المستخدمين الذين نبّهوا إلى مخاطر مشاركة البيانات الشخصية، حتى تلك التي تبدو غير حساسة مثل تاريخ الميلاد، خاصة إذا ما تكررت عبر أدوات وتطبيقات متعددة.
بين التسلية والخصوصية: أين نقف؟
ورغم طبيعة الفيديو التي تبدو مرحة وتحفيزية، إلا أن ما أثاره من ردود فعل يعكس حاجة مجتمعية ملحّة للتمييز بين التفاعل الآمن مع التكنولوجيا، والانخراط المفرط الذي قد يفضي إلى تقديم معلومات شخصية دون وعي كافٍ بالمخاطر.
ويرى مختصون في أمن البيانات أن تعوّد المستخدمين على تسليم بياناتهم بشكل غير محسوب -حتى لو كانت مجرد تواريخ- يشكّل أحد أبرز التحديات الأخلاقية في عصر الذكاء الاصطناعي المفتوح للجميع، كما يُعرض هذه البيانات للاستغلال والسرقة بسهولة.
من ناحية أخرى، وبرغم انتشار محتوى علم الأرقام عبر المنصات الرقمية واعتباره لدى البعض وسيلة لاكتشاف الذات أو التنبؤ بالمسارات الشخصية، إلا أن مختصين يُحذرون من الانسياق وراء الاعتقاد بأنه يكشف المستقبل أو يستطلع الغيب.
فبحسب المراجع العلمية والدينية، لا يستند هذا المجال إلى أي منهج تجريبي موثوق، ويُصنَّف ضمن “العلوم الزائفة” التي تفتقر إلى الدقة والمرجعية.