منظمة العنف، والاستبداد، والانتقام بالحرب على المدنيين والثورة
تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT
منظمة العنف، والاستبداد، والانتقام بالحرب على المدنيين والثورة
وجدي كامل
تمثل الحرب الحالية في السودان ذروة نزعة التضليل التاريخي والإعلامي والثقافي. بشاعتها على الأرض لا تخفى، ويومياتها الدامية شاهدة، بينما يروج إعلام الحكومة – حكومة “الأمر الواقع” – لرواية مضادة: عن حرب في نهايتها، وانتصارات وشيكة، وزيارات ميدانية لرئيس وزراء بورتسودان، الذي شاهدناه يتلقى التهاني ويتبادل التحايا مع المواطنين، وكأنه يحتفل بمناسبة سعيدة خاصة لا تهم احدا سواه، ولا يعرف الناس عنها شيئًا.
وراء هذا المشهد، تتكشف الحقيقة. فالحرب تُدار عسكريًا ومدنيًا بواسطة تنظيم الإخوان المسلمين. هذا التنظيم الذي بدد أموال الناس، ورهن موارد البلاد، وباع أملاكها، وكاد أن يقتل ثلث سكانها فقط كي يحكم، ولا يتعرض لاي مساءلة قانونية عن جرائمه.
اللجوء إلى الحرب ليس جديدًا على هذا التنظيم. فمنذ نشأته، ظل في مواجهة دائمة مع التيارات الثقافية والسياسية السائدة في السودان، رافضًا الحوار، ومفضّلًا تصفية الخصوم بالعنف. من المطالبات بفرض الدستور الإسلامي، إلى المواجهات الطلابية، إلى تمرير قوانين سبتمبر 1983، ثم انقلاب 30 يونيو 1989… العنف ظل حلاً استراتيجيًا.
لقد بدأت تلك المرحلة التراجيدية بحرب الجنوب، التي وُظِّفت لقمع المطالب السياسية والثقافية والاقتصادية، باستخدام شعارات دينية زائفة، وتضليل بالدين لخدمة أهداف سلطوية.
ثم جاءت حرب دارفور عام 2003، لتكشف الوجه الحقيقي مجددًا بتفكيك النسيج الاجتماعي، وإعادة تشكيل الخريطة السكانية، ونهب موارد الذهب واليورانيوم والنحاس. انها حرب لإعادة إنتاج السلطة على حساب المجتمعات المحلية.
أما الحرب الراهنة، فهي حرب انتقام مباشر من ثورة ديسمبر 2018. عندما أسقط الشعب رأس النظام، وزجّ بعدد من رموزه في السجون، وبدأت لجنة إزالة التمكين بتفكيك المنظومة الاقتصادية الفاسدة… هنا بدأ الرد.
ورغم أن الحرب تبدو على السطح صراعًا بين الجيش والدعم السريع، إلا أنها أعمق من ذلك. لقد صُوِّبت نيرانها نحو المدنيين وتحالفاتهم السياسية. هدفها إفشال الانتقال الديمقراطي، من خلال تحالفات ضمّت اللجنة الأمنية، والحركات المسلحة، وقوى سياسية متربصة بالثورة، تمارس الاتجار في سوق السياسة.
نجحت اللجنة الأمنية، في البداية، في إخفاء أجندتها: إعادة إنتاج النظام القديم. ثم جاءت لحظة الانتقام الكبرى عبر مجزرة الاعتصام، ثم تفجير الحرب من قلب العاصمة، في الأحياء السكنية والمناطق الحيوية. النتيجة: قتل، تشريد، نزوح، ونهب.
وبينما تغيب الإحصاءات الدقيقة، فإن مشاركة القوى الأمنية والعسكرية تمثل امتدادًا مكشوفًا للنظام السابق، الذي لم يُخفِ تهديده باستخدام القوة حتى قبل اندلاع الحرب.
ولتعميق مشروع الانتقام، جرى توظيف قسط من الأموال المنهوبة لبناء سردية إعلامية خبيثة، تقسّم الرأي العام، وتفكك القوى المدنية. تم استخدام أدوات استخباراتية وإعلامية متقدمة لترويج رواية “حرب الكرامة” ضد الدعم السريع، رغم أن الأخير صنيعة النظام نفسه، استخدمه لقمع الشعب من قبل.
لقد أضاعت قوى الثورة فرصة ثمينة. غابت الإدارة الموحدة، وضعف التنسيق، ولم تستطع أن تقضي على هذه المنظومة الأخطر على استقرار السودان. منظومة هي التهديد الأكبر أمام قيام دولة مدنية ديمقراطية حديثة.
اليوم، بعد اتساع الخراب، تتعالى الأصوات المطالبة بوقف الحرب. ولكن وقف الحرب لا يكفي. لا بد من إعادة تعريفها: هذه ليست مجرد حرب بين جيشين، بل حرب انتقام من الحاضر، ومحاولة لإلغاء التاريخ، وتشويه المستقبل. وقف الحرب يجب أن يقترن بتجريم قانوني لهذا التنظيم، حتى لا يُلدغ السودان مرة أخرى من نفس الجُحر.
إن أي توافق سياسي في سودان المستقبل يجب أن يُبنى على رفض قاطع ليس فقط للتنظيم الاخواني فقط، بل لثقافة اللعب بالدين كورقة سياسية. السياسة يجب أن تقوم على المصالح الوطنية، التنمية، والعقلانية، لا على الاستغلال الديني والتضليل الأخلاقي.
ولتكون الأفكار مشروعًا قابلًا للتطبيق في ظروف سلمية مدنية، علينا:
تفكيك الشبكات الاقتصادية السرية:لا يكفي إسقاط النظام سياسيًا؛ لا بد من تفكيك البنى الاقتصادية التي أنشأها: من الشركات الواجهة، والمنظمات الخيرية الزائفة، إلى العلاقات البنكية المشبوهة. هذا يتطلب أجهزة رقابة قوية، وقضاء مستقل، ومخابرات مالية متقدمة.
استرداد الأموال المنهوبة:عبر لجان قانونية، واتفاقيات دولية (مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد)، وملاحقة الأموال المهربة والمجمّدة بالخارج، بمساعدة دعم قانوني دولي فعّال.
إعادة هيكلة الاقتصاد السوداني:عبر تقليص سيطرة التنظيمات السياسية على القطاعات الإنتاجية، وتقوية القطاع العام، ودعم الشركات الصغيرة والمبادرات المحلية المستقلة، مع شفافية مالية تجاه اقتصاديات الأحزاب.
إصلاح المؤسسات المالية:مراجعة دور البنوك في غسل الأموال والتمويل السياسي، وتطبيق حوكمة صارمة وفقًا لمبادئ الشفافية الدولية (مثل FATF).
تحصين المستقبل:بوضع قوانين تمنع احتكار الدين أو الاقتصاد من قبل أي جهة سياسية. وهذا يتطلب تفعيل قوانين تضارب المصالح، وتوسيع دور الإعلام الاستقصائي والمجتمع المدني في كشف الفساد.
سياسيًا، لا يمكن الحديث عن دولة مدنية ديمقراطية دون تفكيك أدوات الهيمنة الاقتصادية والتنظيمية لأي تيار يستخدم الدين كسلاح.
وأخيرًا، يتبدى الخطر الأكبر في النسيان، سواء أكان نسيانًا ذاتيًا أو بفعل التضليل الإعلامي. لا بد من نشر الوعي، وتوثيق جرائم الفساد المالي، وكشف كيف ارتبط المال بالاستبداد.
ان الشعب الذي يعرف كيف يُموَّل الاستبداد، يعرف كيف يُقاومه ويطيح بأركانه، ويبطل مفعول ثقافته.
الوسومالإخوان المسلمين الحرب السودان الشبكات الاقتصادية السرية المؤسسات المالية ثورة ديسمبر 2018 حرب دارفور حكومة الأمر الواقع رئيس وزراء بورتسودان هيكلة الاقتصاد السوداني وجدي كاملالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإخوان المسلمين الحرب السودان المؤسسات المالية ثورة ديسمبر 2018 حرب دارفور حكومة الأمر الواقع رئيس وزراء بورتسودان
إقرأ أيضاً:
حفتر .. التورط في حرب السودان
دعم المليشيا ومصر أبرز المتأثرين
حفتر .. التورط في حرب السودان
خبير عسكري: نجل حفتر أبرم اتفاقيات تهدف لخوض الحرب مع مليشيا الدعم السريع
أمدرمان: الهضيبي يس- الوان
دخلت ليبيا على خط الحرب السودانية قبل أيام عقب مشاركة مجموعة مسلحة تتبع للقائد العسكري خليفة حفتر، حيث هاجمت تلك القوة المدججة بالسلاح أحد نقاط الارتكاز الحدودية التي تجمع مابين السودان، مصر، ليبيا. الأمر الذي وصف من قبل الحكومة السودانية بالتعدي السافر وانتهاك القانون الدولي باعتبار ماحدث تدخل مباشر في شؤون السودان ووقوف مع مليشيا حملت السلاح ضد الدولة وقامت بانتهاك حقوق المواطنين وتدمير المرافق.
بينما لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يوجه فيها السودان أصابع الإتهام إلى ليبيا بالتدخل في شؤونه، ففي شهر سبتمبر من العام 2023 أكدت الحكومة وقتها مشاركة جنود ليبيون في القتال مع الدعم السريع بالعاصمة الخرطوم مطالبة مؤسسات المجتمع الدولي التعامل بشكل جاد مع من أسمتهم بالمرتزقة بل وذهب أبعد من ذلك ووصف مايحدث يعتبر بالمهدد للسلم والأمن الدوليين جراء اتساع نطاق الحرب في السودان.
كذلك لم تخف بعض الدوائر الإقليمية مخاوفها تجاه توسع نطاق الحرب في السودان مما سيكون له تأثيرًا بالغًا على بعض دول الجوار ومن أبرزهم مصر، فقد أطلع مصدر موثوق (ألوان) على زيارة مرتقبة مطلع الاسبوع القادم لمستشار الشؤون الأمنية للرئاسة المصرية اللواء عباس كامل لمدينة بورتسودان من المتوقع أن يجري خلالها مباحثات مع المسؤولين السودانيين حول تطورات الأوضاع في المنطقة وأهم الملفات هي قضية التدخل الليبي في الشأن السوداني. وتتمثل تلك المخاوف في ازدياد حجم الأنشطة السالبة على متن الشريط الحدودي الذي يربط ما بين الدول الثلاث مما أدى إلى ازدياد عمليات بيع السلاح، والهجرة غير الشرعية، والمخدرات مما يشكل مهددًا حقيقيًا على السودان.
ويقول الخبير العسكري عبد المنعم عبد القادر أن الحرب في السودان بعد دخولها العام الثالث هناك بعض الأطراف الإقليمية والدولية التي تسعى لتنفيذ سيناريوهات محدودة النطاق خاصة وأن الهدف من توسعة نطاق الحرب قد يدفع المجتمع الدولي للتحرك وفرض مزيد من العقوبات والتهديد بفرض الوصاية لتحجيم دور الجيش.
كذلك تقليص أي دور محتمل لتطوير علاقات السودان الخارجية بما يحمله من أبعاد عسكرية، وسياسية تعزز موقف الدولة بإبرام مزيد من الصفات كما فعل مؤخرًا مع دول مثل تركيا، إيران، باكستان وغيرها من الدول.
وزاد عبد القادر: ووفقًا لما توفر من معلومات فإن من بات يقود صفقات الحرب ليس المشير خليفة حفتر إنما نجله صدام عقب زيارات قام بها مؤخرًا لكل من إيطاليا، الولايات المتحدة الأمريكية، الخليج العربي لكسب التأييد السياسي نحو خطوة متوقعة، مستغلًا في ذلك الأوضاع الداخلية التي يمر بها السودان بصورتها العسكرية. مؤكدًا أن ما يقوم به نجل حفتر – ماهو إلا محاولة للعب دور مخلب القط في المنطقة، مما سيكون له تأثير بالغ خلال الفترة المقبلة مالم يتم التنسيق المحكم وبشكل جيد مابين مصر، والسودان متوقعًا في الوقت نفسه بأن تقوم “القاهرة” بلعب دور لإثناء مجموعة المشير خليفة حفتر عن الخوض في الحرب السودانية.
ويشير الكاتب الصحفي عبدالناصر الحاج إلى خروج الحرب في السودان من دائرة التعاطي المحلي للإقليمي نظرًا لما باتت تحمله من تقاطعات لمصالح عدة دول منها حليفة للسودان وقد يطلب مساعدتها بشكل أكبر نسبة لتوسع رقعة المهددات. وهنا علينا الإقرار بأن تدخل “ليبيا” قد يطيل أجل الحرب في السودان مما يفاقم الأوضاع الإنسانية ويضاعف الوضع الاقتصادي والاجتماعي معًا، باعتبار انها قوات صممت في الأصل على عقد صفقات تحمل القتال دون أي عقيدة عسكرية وهو ماقامت به من قبل مع تشاد، والسودان الآن.
ويضيف الحاج: فالأمر أيضا يستدعي تحركًا سياسيًا من قبل الحكومة السودانية يتجاوز محطة الإدانات، فهناك كروت رابحة ما تزال بيد “السودانيين” للحد من نطاق حربهم أهمها إقامة تحالفات إقليمية ودولية وفقًا لصيغة مصالح جديدة تكفل اجهاض أي محاولات لتهديد الأمن القومي السوداني. لافتًا إلى أن علاقة “السودان” الآن توصف بالجيدة مع دول المعسكر “الشرقي” ولكن تحتاج للتوظيف والانتقال بها من محطة التعاطي الدبلوماسي لتبادل المصالح الاستراتيجية، وقطعًا لن يتأتى ذلك في ظل عدم اتخاذ قرار سياسي من قبل الحكومة نحو هذا الاتجاه بكلياته العسكرية والسياسية حفاظًا على آمنه الداخلي وموارده.