دوام الحال من المحال
تاريخ النشر: 16th, June 2025 GMT
سعيد بن سالم البادي
دوام الحال من المحال حكمةٌ تتجاوز جغرافية المكان وحدود الزمان تتردد على ألسنة النَّاس، جملة قصيرة في بنائها الحرفي لكنها حكمة عميقة في مضمونها تختزل جوهر التغيير في الحياة من حيث استمرارية الأحوال على ما ولدت عليه، هذه المقولة العربية الأصيلة، التي تعني حرفيًا أن استمرارية الحال على ما هو عليه مستحيلة فهي ليست مجرد عبارة تُقال، بل هي فلسفةٌ الحياة التي تعلمنا أن كل شيء في الوجود خاضعٌ للتغيير والتحول سواء لأحسن مما وجد عليه أو لأسوأ مما كان عليه في بداية وجوده.
إن هذه الحكمة تذكرةٌ بأن الثبات الوحيد في الكون هو التغيير ذاته وأنه حتمية كونية كما أنها تجسد فهمًا عميقًا لطبيعة الوجود فالكون في حركةٍ دائمةٍ، والكواكب تدور، والليل يتبعه النهار والفصول السنوية تتعاقب، وكل كائنٍ حيٍّ يمر بمراحل النمو والازدهار والضعف والقوة؛ فهذه الديناميكية قاعدة تحكم كل ما حولنا في الوجود.
كما تُعد هذه الحكمة مصدر إلهامٍ للتعامل مع تقلبات الحياة فالسعادة لا تدوم إلى الأبد، وكذلك الحزن قد يتبعه سرور والنجاح قد يتبعه تعثر، والضعف قد يتحول إلى قوة فإدراك هذه الحقيقة يجب أن يمنح الإنسان منظورًا متوازنًا، فلا يغرق في بحر اليأس عند الشدائد، ولا يطغى عليه الغرور عند الرخاء.
وهذا يذكرنا بقول الإمام الشافعي- رحمة الله عليه- في هذه الأبيات المنسوبة إليه:
الدهر يومان ذا أمن وذا خطر // والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
فالبيتان يلخصان فلسفة عميقة حول طبيعة الزمن والحياة فهما يدعوان إلى الواقعية والاتزان في التعامل مع الأحداث وتقلبات الأيام والحياة؛ فالسعادة لا تدوم، وكذلك الشقاء وعلى الإنسان أن يكون مستعدًا لكلتا الحالتين وأن يتعلم التعامل مع ظروف الحياة المختلفة بحكمة وفي ذلك دعوة التكيف وعدم اليأس عند الشدائد، وعدم الغرورعند الرخاء.
فكما تجد حكمة دوام الحال من المحال وأبيات الشافعي صدىً في العديد من جوانب الحياة كالأزمات الاقتصادية والازدهار والصعود والهبوط في الأسواق وكذا في السياسة فالحكومات في تغير دؤوب ، والأنظمة تتحول فلا توجد قوة سياسية تدوم إلى الأبد دون تغيير أو تحدٍ فإنا نجد ذلك ينطبق على الكيان الصهيوني الغاصب لأرضنا فلسطين المحتلة التي يعيث فيها فسادًا وقتلًا للأبرياء الذين يجاهدون لأجل استرداد وتحرير أرضهم السليبة فإن هذا الكيان لا محالة زائل كما بشرنا به الله تعالى في نصوص القرآن الكريم ويجب علينا أن نُوقن بهذه الحقيقة القرآنية التي تحتم تأكد زواله طال عمر هذا الكيان أو قصر وعلينا أن نثق بأنَّ الله سيغير الأحوال وسينصر المسلمين مهما علت وتكبرت إسرائيل فالإيمان الراسخ بقدرة الله تعالى على تغيير الأحوال ونصرة عباده المؤمنين هو الركيزة الأساسية التي يجب أن نستند إليها في مواجهة التحديات الراهنة، لا سيما في ظل ما نشهده من جبروت وتكبر الكيان الإسرائيلي.
وقد شاهدنا تاريخيًا أن كل قوة تكبرت وتجبرت وظنت نفسها فوق كل حساب، كان مصيرها الزوال. وإسرائيل ليست استثناءً من هذه القاعدة الربانية. فمهما علت وتكبرت، فإن نهايتها السقوط والزوال إلى مزبلة التاريخ كغيرها من القباب التي ظنت أنها ستطاول السماء وهم يعلمون ذلك الزوال ويتحدث عنه علماؤهم والمفكرون منهم. وهذه سنة الله في الكون دلت عليها آيات القرآن الكريم وسار عليها التاريخ البشري.
فمهما بلغت قوة إسرائيل وتعاظمت سطوتها وعزتها، فإنها تبقى في نهاية المطاف كسابقاتها قوة بشرية محدودة، لا تقف في وجه إرادة الله القاهِرة.
فتاريخ الأمم والشعوب يشهد على أن الدوائر تدور، وأن العزة والذل لا يدومان لأحد. فكثير من القوى التي بدت عاتية في زمنها قد انهارت وتلاشت، بينما بقيت الشعوب المؤمنة صامدة بفضل توكلها على خالقها والله سبحانه وتعالى بيده مقاليد السماوات والأرض يورث الأرض لمن يشاء، وهو القادر على قلب الموازين في طرفة عين فإن وعده بالنصر للمؤمنين حق، وقد تجلى هذا في كثير من المواقف الحاسمة في تاريخ الإسلام وفي المواجهات بين الحق والباطل.
وحقيقة زوال إسرائيل تثبتها حقائق كثيرة منها نصوص القرآن الكريم فيرى بعض الباحثين والمفكرين مثل الشيخ أحمد ياسين رحمة الله عليه أن القرآن الكريم يشير إلى زوال إسرائيل في عام 2027. وهناك كتب نُشرت مثل "زوال إسرائيل 2022، نبوءة أم صدف رقمية".
ومن الحقائق التي تثبت زوال إسرائيل أيضًا النبوءات التاريخية السائدة بين الإسرائليين أنفسهم وتداولها بينهم والتي تشير إلى أن أي كيان سياسي يهودي لم يستمر لأكثر من 80 عامًا في التاريخ وهو ما يثير المخاوف في إسرائيل لا سيما وأن عمرها الغاصب لفلسطين قد تجاوز الـ 75 عامًا من تأسيسها في عام 1948.
كما يدرك كثير من الصهاينة أنفسهم قبل إقامة الدولة الغاصبة أن حلم المشروع الصهيوني قد يتحول إلى كابوس عليهم في نهايته وهو أمر حاضر في الأدبيات الإسرائيلية ونرجو من الله أن يكون ذلك قريبًا بإذنه تعالى.
وقد يرى البعض أن موازين القوى المادية تميل لصالح إسرائيل، وقد يصاب البعض باليأس أو الإحباط. ولكن الإيمان الحقيقي يتجاوز هذه النظرة السطحية. فنحن كمسلمين نؤمن بالغيب، ونعلم أن هناك تدبيرًا إلهيًا أعلى من كل المخططات البشرية.
الصبر الجميل والثقة المطلقة بأن النصر قادم لا محالة هما من أهم الأدوات التي يجب أن نتسلح بها، ولكن يجب أن يكون الصبر مقرونًا بالعمل الجاد، والسعي الدؤوب، والأخذ بالأسباب المتاحة والعمل على بناء القوة التي تجعل العدو يهاب الأمة الإسلامية.
ومن الأدوات التي يجب أن نعتمد عليها أيضًا هي بناء قوتنا بأنفسنا وأن نعمل على صنع السلاح في مصانعنا وبأيدي أبنائنا وكوادرنا التي تجيد المهن والتصنيع والعلوم والتكنولوجيا التي تعيننا على الاعتماد على الذات ولا نركن إلى الاعتماد على الغير من عدونا الذي لا يرسل لنا إلا الفتات من الأسلحة المنتهية صلاحيتها وغير قابلة للاستعمال بالنسبة له فبذلك نستطيع أن ندافع عن أنفسنا من منطلق القوة والتمكين والثقة بالذات.
ولنا خير المثال في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المواجهة الحالية التي تدور بينها وبين هذا الكيان الغاصب، فلو لم تعتمد الجمهورية الإسلامية على ذاتها في تصنيع الأسلحة وتوفير التقنية التي تحتاجها، لما دخلت في المواجهة بكل عزة وقوة وتفوق واقتدار.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
العميد سريع: عملياتنا الجوية ضدّ إسرائيل لن تتوقف حتى رفع الحصار عن غزة
أعلنت جماعة “أنصار الله” اليمنية، مساء أمس الأربعاء، تنفيذ هجمات بطائرات مسيرة على هدف وصفته بـ”الحساس” بالإضافة إلى مواقع عسكرية أخرى في إسرائيل.
وقال المتحدث العسكري باسم الجماعة، العميد يحيى سريع، في بيان عبر منصة “إكس”، إن سلاح الجو المسيّر التابع لـ”أنصار الله” نفذ ثلاث عمليات عسكرية نوعية استهدفت ثلاثة أهداف للجيش الإسرائيلي باستخدام خمس طائرات مسيرة.
وأضاف أن العملية الأولى استهدفت هدفًا حساسًا في منطقة يافا المحتلة بطائرتين مسيرتين، فيما استهدفت العملية الثانية هدفًا عسكريًا في عسقلان المحتلة بطائرتين أيضًا، بينما استهدفت العملية الثالثة هدفًا عسكريًا في منطقة النقب المحتلة بطائرة مسيرة واحدة.
وأكد العميد سريع أن العمليات حققت أهدافها بنجاح، مشددًا على أن عمليات الجماعة لن تتوقف إلا بوقف العدوان على قطاع غزة ورفع الحصار عنه.
يأتي هذا الهجوم بعد يوم واحد من إعلان “أنصار الله” استهداف مطار بن غوريون في تل أبيب بصاروخ فرط صوتي من نوع “فلسطين 2″، كما سبق ذلك هجوم يوم الجمعة الماضي على هدف حساس في منطقة بئر السبع بصاروخ مماثل، بالإضافة إلى قصف ثلاثة أهداف حيوية في إيلات وعسقلان والخضيرة جنوب حيفا بطائرات مسيرة.
وكان زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي قد كشف في وقت سابق أن قواته أطلقت منذ نوفمبر 2023 أكثر من 1679 صاروخًا وطائرة مسيرة وزورقًا حربيًا على إسرائيل والسفن المرتبطة بها وبالولايات المتحدة وبريطانيا.
وفي 9 يوليو الجاري، أعلنت الجماعة استهداف السفينة التجارية “إترنيتي سي” في البحر الأحمر أثناء توجهها إلى ميناء إيلات في إسرائيل، ما أدى إلى إغراقها.
ويأتي ذلك بعد يومين من إعلان استهداف السفينة “ماجيك سيز”، مبررة هذه العمليات بأنها جزء من حظر دخول السفن إلى موانئ إسرائيل، تأييدًا للفصائل الفلسطينية في قطاع غزة ضد الجيش الإسرائيلي.
وتشن “أنصار الله” هجمات مستمرة على إسرائيل والسفن المرتبطة بها والولايات المتحدة وبريطانيا في البحر الأحمر منذ نوفمبر 2023، ردًا على الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة.
وتسيطر جماعة “أنصار الله” منذ سبتمبر 2014 على غالبية محافظات وسط وشمالي اليمن، بينها العاصمة صنعاء، في حين يقود تحالف عربي بقيادة السعودية عمليات عسكرية في البلاد منذ مارس 2015 لاستعادة تلك المناطق.
الحوثيون يوجهون تحذيراً شديد اللهجة للسعودية وأبوظبي ويؤكدون مراقبة مؤامراتهما
وجه حزام الأسد، عضو المكتب السياسي لحركة “أنصار الله” (الحوثيين) في اليمن، تحذيراً شديد اللهجة إلى كل من السعودية والإمارات، مؤكداً أن “أعينهم لا تغفل عن مؤامراتهما”.
ونشر الأسد رسالة عبر منصة “إكس” (تويتر سابقاً) قال فيها: “صواريخنا مشرعة في وجه العدو الصهيوني، لكن أعيننا لا تغفل عن مؤامرات أبوظبي والرياض”.
وحذر من أن “أيّ تحرّك لأدواتكم في الداخل تحت عناوين المعاناة التي أنتم سببها بعدوانكم وحصاركم، سيُواجَه بضربات حيدرية منكَلة”، مضيفاً: “لا أمن ولا حصانة لمن يخدم نتنياهو. خسئتم يا أدعياء العروبة والإسلام!”.
يأتي هذا التصعيد في ظل استمرار النزاع المسلح في اليمن وتبادل التصريحات بين حركة “أنصار الله” والدول المتورطة في الحرب، وسط تحذيرات مستمرة من تصاعد العمليات العسكرية.