في سياق إقليمي تتزايد فيه التحديات المرتبطة بإدارة الموارد المائية والتغير المناخي، تنطلق في الثامن عشر من يونيو 2025 فعاليات المنتدى الإقليمي الثالث لأصحاب المصلحة المبتكرين، المنعقد في نيروبي، كينيا، بتنظيم من المكتب الإقليمي الفني لحوض النيل الشرقي (ENTRO). ويأتي هذا الحدث الحيوي تحت عنوان “التعاون في حوض النيل من أجل التكيف مع تغير المناخ (NCCR)”، ليؤسس لمسار أكثر عمقاً وفعالية في الحوار بين مختلف مكونات النسيج السياسي والاجتماعي والإعلامي لدول حوض النيل الشرقي.

يمثل هذا المنتدى فرصة استراتيجية لإعادة تعريف أطر التعاون الإقليمي، في ظل توترات مائية متزايدة وسياقات مناخية متغيرة تفرض على دول الحوض تجاوز المواقف التقليدية لصالح نماذج أكثر ابتكاراً في العمل المشترك. ويُنتظر أن يشارك السودان، إلى جانب دول الحوض الأخرى، في هذا الحدث، باعتباره أحد الفاعلين المحوريين في ملف النيل، بحكم موقعه الجغرافي وأدواره التاريخية في المفاوضات المتعلقة بمياهه.

المنتدى هذه المرة يعمل بطريقة مبتكرة إلى جانب النخب السياسية التقليدية، يسعى إلى توسيع قاعدة الحوار من خلال إشراك فئات جديدة، ذات تأثير نوعي، تشمل: القيادات الدينية من الديانتين الإسلامية والمسيحية، الدبلوماسيين السابقين ممن راكموا خبرات طويلة في إدارة ملفات النيل، الصحفيين من المؤسسات الإعلامية المؤثرة، إضافة إلى البرلمانيين الذين يملكون سلطة التشريع والرقابة. هذه المقاربة الجديدة تعكس توجهاً نحو خلق خطاب عام مشترك يدعم الرؤية التعاونية، ويقلل من التوترات الناتجة عن سوء الفهم أو نقص المعلومات.

كذلك يهدف المنتدى إلى تحقيق جملة من الأهداف السياسية والتنموية الدقيقة، من أبرزها: ترسيخ الحوار القائم على الحقائق، لتجاوز النزاعات الخطابية التي طالما عطلت فرص التفاهم الإقليمي. بجانب تعزيز الوعي الجماعي ببرامج مبادرة حوض النيل (NBI) وبرنامج العمل الإنمائي للنيل الشرقي (ENSAP)، وتوسيع دائرة الفهم حول أدوارهما الحيوية في دعم التنمية المستدامة والتعامل مع آثار تغير المناخ. كذلك إلى كسب التأييد السياسي والإعلامي لصالح المشاريع الإقليمية المشتركة، وخلق بيئة من التفاهم حول التحديات والمصالح المتقاطعة.

ايضاً من الاهداف المهمة التي لفت نظر الخبرات والمراقبين هي تحويل المعلومات الفنية إلى معرفة سياسية قابلة للتوظيف في صنع القرار، سواء في المجالات البيئية، أو المائية، أو الجيوسياسية. هذا يمكن من إعادة بناء الثقة بين دول الحوض، بهدف تجاوز حالة الجمود في المفاوضات، وتهيئة الظروف للتوصل إلى توافقات شاملة بشأن القضايا العالقة.

إن تنظيم هذا المنتدى في هذا الظرف الإقليمي الدقيق يعكس إدراكاً متنامياً لدى الجهات المعنية بضرورة الانفتاح على أطراف جديدة في الحوار، والابتعاد عن الحلقات المغلقة التي أدت في السابق إلى تعثر العديد من المبادرات. كما يُعد مؤشراً على رغبة متزايدة في إدماج البعد المجتمعي والديني والإعلامي في مسارات التعاون الرسمي، بما يشكل دعماً سياسياً وشعبياً لأي اتفاقات مستقبلية.

بالتالي، لا يقتصر المنتدى على كونه فعالية تبادلية للأفكار، بل يُعتبر منصة استراتيجية لإعادة صياغة سردية حوض النيل من منظور تشاركي، يقوم على إدراك أن الأمن المائي والمناخي لا يمكن أن يتحقق بمنأى عن التعاون الحقيقي والنية السياسية الصادقة.

بالنظر إلى #وجه_الحقيقة، فإن المنتدى الإقليمي الثالث لأصحاب المصلحة لا يُعد مجرد مساحة للحوار، بل يمثل محطة مفصلية في مسار بلورة رؤية مشتركة لمستقبل التعاون بين دول الحوض. ففي ظل التحديات الوجودية المتزايدة، بات من الضروري تبني نهج جديد يتخطى الجمود السياسي، ويعزز منطق التفاهم الإقليمي كخيار استراتيجي لا غنى عنه. وتأتي أهمية هذه الرؤية من قدرتها على التوفيق بين التباينات، وإبراز المصالح المتقاطعة بوصفها منطلقاً لتكامل المصالح. ومن هذا المنطلق، جاء حضور السودان في هذه الفعاليات إيماناً منه بأهمية الانخراط الفاعل في جهود بناء الثقة، وترسيخ أسس التعاون المشترك، من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وصون أمن شعوب الحوض واستقرارها ورفاهيتها.
دمتم بخير وعافية.

إبراهيم شقلاوي
الإثنين 16 يونيو 2025 م Shglawi55@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: حوض النیل دول الحوض

إقرأ أيضاً:

منتدى التعاون الصين أفريقيا يعمق عزلة البوليساريو

زنقة 20 | متابعة

في مؤشر جديد على انحسار حضورها على الساحة الدولية، غابت جبهة البوليساريو الانفصالية عن فعاليات الاجتماع الوزاري لمنسقي منتدى التعاون الصيني-الإفريقي، الذي احتضنته مدينة تشانغشا الصينية هذا الأسبوع، بمشاركة موسعة لـ 53 دولة إفريقية وأكثر من 30 ألف مشارك يمثلون حكومات ومؤسسات اقتصادية وتجارية من القارة.

ويأتي هذا الغياب في وقت شهد فيه المنتدى مشاركة مكثفة من قبل ممثلي 53 دولة إفريقية، إضافة إلى أزيد من 30 ألف مشارك في فعاليات الدورة الرابعة للمعرض الاقتصادي والتجاري الصيني-الإفريقي، ما يعكس مكانة هذا الحدث كمنصة أساسية للتعاون بين الصين والدول الإفريقية.

ويرى متابعون أن استبعاد الكيان الانفصالي من هذه التظاهرة الهامة يكرّس مسار العزلة الدبلوماسية التي باتت تواجهها البوليساريو، لا سيما في ظل توجه عدد من القوى الدولية والإفريقية إلى دعم سيادة المملكة المغربية على أقاليمها الجنوبية، واعتماد مقاربة عملية تقوم على الشراكة والتنمية في إطار احترام الوحدة الترابية للدول.

ويؤكد هذا المعطى مجددا أن المنتديات الدولية التي تجمع الدول ذات السيادة والمؤسسات الرسمية باتت ترفض منح أي مشروعية لكيانات غير معترف بها دولياً، مما يعمق من عزلة البوليساريو ويضعف تحركاتها على الصعيد الدبلوماسي.

مقالات مشابهة

  • عاجل- بدء جلسة مباحثات موسعة بين رئيسي وزراء مصر وصربيا بالقاهرة
  • إبراهيم الشاذلى يكتب: حين تُقاس المعارك بمدى النَفَس لا بوهج الضربة الأولى
  • الهنائية لـ"الرؤية": مشاركة "الكلية الحديثة" في "منتدى QS إفريقيا" نقطة انطلاق لتطوير علاقات أكاديمية دولية طويلة المدى
  • منتدى التعاون الصين أفريقيا يعمق عزلة البوليساريو
  • 3 متحدثين دوليين في "منتدى عُمان للرؤساء التنفيذيين".. 23 يونيو
  • أمير المنطقة الشرقية يرعى منتدى الصناعة السعودي 2025
  • منتدى الحماية الاجتماعية بصحار يستعرض فرص تمكين رواد الأعمال
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: حفتر وحسابات السودان الجديدة
  • «منتدى أبوظبي للسلم» يشارك في «قمة صياغة العالم 2025»