«كشَّافة التكنولوجيا» ومشهد جديد في منظومات الابتكار
تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT
جمعينا نتذكر الأنشطة الكشفية التي كانت أهم مصادر التعلم بالممارسة، ولا تخلو ذكريات أيام المدرسة منها. ومع التطورات الهائلة في العلوم والمعرفة تعود الطريقة الكشفية؛ لتلهم العملية الابتكارية أيضاً، وتتموضع بين أهم الفاعلين في منظومات الابتكار. إذ يؤدي «كشّافة التكنولوجيا» دوراً رئيسياً في تقليص الفارق الزمني بين التقدم التكنولوجي، ومجالات تطبيقه، واكتساب القيمة الاقتصادية.
في الواقع تُثبت لنا منظومات الابتكار باستمرار بأنها جزء أصيل من حياة الإنسان، والاقتصاد، وبذلك هي تتأثر وتستفيد من جميع التجارب الإنسانية. ففي بيئة تتزايد فيها التعقيدات التكنولوجية، وعولمة البحث، والتطوير، والابتكار، تتزايد كذلك أهمية إزالة الحدود بين مختلف المهارات، والمعارف، وتمكين الاستفادة من الخبرات العديدة والمتنوعة التي لم يظن أحد يوماً بأنها قد تحمل إسهامات قيَّمة في الابتكار. إذن دعونا نتوقف هنا عند أهم المهارات المرتبطة بالأنشطة الكشفية، والتي تسهم بشكل مباشر في دعم وتمكين منظومات الابتكار. فمنتسبو الكشافة يطورون مهاراتهم عن طريق التعلم التطبيقي الذاتي، والكشَّاف يتحدى قدراته وينميها باستمرار، وهي مهارة أساسية لجميع الفاعلين في الابتكار. وإذا تأملنا واقع التحديات التي تواجه العملية الابتكارية نجد أن الصعوبة الحقيقية تكمن في نقل التكنولوجيا من الجهات المنتجة للمعرفة، والتقنيات إلى الصناعة، والمؤسسات الإنتاجية؛ ولذلك سعت منظومات الابتكار إلى هيكلة وسطاء المعرفة لدعم النقل الفعال للتكنولوجيا، فظهرت أشكال مختلفة من مكاتب نقل التكنولوجيا، وكذلك تُطلق المؤسسات البحثية مسارات الزمالة الصناعية؛ لضمان الانتقال السلس للمعرفة بين القطاعين الأكاديمي والصناعة، ولكن الأثر الفعلي لتطبيق هذه الحلول أظهر فجوات عديدة.
ومن أجل فهم ومعالجة هذه المعضلة لا بد أولاً من الإشارة إلى النقطة الحاسمة التي أدت إلى عدم كفاءة وسطاء المعرفة التقليديين، وأسهمت بالتالي في التقليل من العوائد التقنية، والاقتصادية، والتجارية، والاجتماعية المتوقعة من نقل التكنولوجيا؛ حيث تتطلب ترجمة الابتكارات إلى منتجات أو خدمات ناجحة تجاريًا درجة متوازنة من الجاهزية المشتركة بين التكنولوجيا من جهة، والقدرة الاستيعابية للسوق من جهة أخرى. وتحديد هذه الجاهزية توجب مستويات عالية من رأس المال المهاري، والاجتماعي اللذين يمثلان محددات بالغة الأهمية لنجاح عملية نقل التكنولوجيا، مع الأخذ في الاعتبار أن دور وسطاء المعرفة يجب ألا يقتصر على تحقيق استفادة الطرف المتلقي وحسب، وإنما يتجاوز ذلك إلى الإلمام بمتطلبات جميع الجهات المستفيدة، ثم توجيه منتجي المعرفة لإعادة صناعة المعرفة المطلوبة، وهذه العملية تعرف رسمياً باسم التدفق العكسي للمعرفة. ولكن تحقيق هذه الميزة غير متاحة لدى مكاتب نقل التكنولوجيا بحكم طبيعة مهامها التي تعمل بشكل خطي في التشبيك بين القطاعات الأكاديمية والبحثية والقطاع الصناعي.
ومن هنا بدأ البحث عن المهارات المثالية لوسطاء المعرفة بعيداً عن الهياكل المؤسسية الرسمية. وإذا أسقطنا متطلبات النقل الفعال للتكنولوجيا على سياقات التجارب الحياتية المختلفة نجد أن مهارات الكشافة تتطابق مع هذه المتطلبات؛ فالهدف العملي من نقل التكنولوجيا هو التسويق للابتكارات، وإيصالها إلى الجهات المستفيدة، ثم تحليل مستوى جاهزية الطلب على هذه الابتكارات، وإيصال الفرص إلى الجهات المنتجة. وهذه الأدوار تضمن فعالية نقل التكنولوجيا من خلال اعتماد مقاييس النتائج، ومعايير المرونة والتكيف في مرحلة ما قبل إنتاج التكنولوجيا وما بعدها. وهذا أمر لافت للنظر؛ لأنه حتى في غياب وحدات نقل التكنولوجيا داخل الجامعات، والمؤسسات البحثية، والابتكارية نجحت الجهود الابتكارية في استحداث قنوات أخرى لنقل المعرفة إلى الصناعة، مثل توظيف خريجي الكليات العلمية المشاركين في المشاريع البحثية، أو إيفاد الباحثين من ذوي الخبرة العالية إلى الشركات التكنولوجية، والقطاع الصناعي.
وهنا يأتي دور كشافة التكنولوجيا الذين يمثلون شريحة المبتكرين الشباب، والذين يمكنهم تحقيق فوائد التدفق العكسي للمعرفة الناتجة عن التفاعل بين جانب العرض والطلب، وبذلك تكتسب هذه العملية دوراً معززاً لاستمرار بناء المعرفة، والتقنيات الجديدة. وقد بادرت العديد من الدول ذات التصنيف العالي في مؤشر الابتكار العالمي - مثل ألمانيا وسنغافورة - إلى إدماج كشافة التكنولوجيا ضمن الفاعلين في منظومات الابتكار، وذلك ضمن عملية أطلق عليها اسم «رادار التكنولوجيا». وتمكنت هذه الدول من تحقيق نتائج ملموسة في تعزيز الابتكارات الموجهة لحل تحديات الصناعة. ولا يُشترط أن يضم كشَّافة التكنولوجيا أفراداً قد انتسبوا فعلياً للنشاط الكشفي أثناء فترة التعليم المدرسي، وإنما القصد تأسيس جيل جديد من وسطاء المعرفة بحيث يمتلك المهارات الحياتية المعقدة للكشافة، والتي تتضمن قدرات التواصل، والاعتماد على النفس، واتخاذ القرار المناسب دون الحاجة إلى التوجيه المستمر، والتكيف مع التغييرات، والإصرار الإيجابي في مواصلة المحاولات لتحقيق الأهداف والمهام المتوقعة. وفي المجمل يتحلى كشافة التكنولوجيا بنفس سمات ومهارات الكشافة، ولكن في سياق التحديد المبكر للتقنيات، والاتجاهات التكنولوجية التي تحل التحديات القائمة في القطاع الصناعي، ثم تقدير المخاطر، وتعريف الفرص الاستراتيجية، وإمكانات الاستثمار في مخرجات الابتكارات.
تتطلب الأهمية المتزايدة لتوظيف المعرفة العلمية، والابتكارات التكنولوجية في الإنتاج والاقتصاد استحداث أدوات جديدة لبناء علاقات أوثق بين الأوساط الأكاديمية، والصناعة. وتأتي الاستعانة بكشَّافة التكنولوجيا في مقدمة هذه الأدوات التي تمنح أدواراً مركزية للمبتكرين الناشئين الذين يمتلكون مهارات الكشافة، بالإضافة إلى تفوقهم العلمي والتقني، وهذا بحد ذاته يمنح المرونة للجهات المنتجة للتقنيات في استقطاب هؤلاء الكشَّافة، والاستفادة من مهارات كامنة، ولكن في ذات الوقت مصيرية لإنجاح عملية نقل التكنولوجيا، وتتطلب الاستعانة بكشافة التكنولوجيا إتاحة مجموعة من الحوافز؛ مثل المشاركة في مشروعات تطويرية، أو تقاسم المنافع من المخرجات الابتكارية. كما أن وجود كشافة التكنولوجيا في المشهد الابتكاري سوف يسهم في تأصيل مهارات العمل الكشفي ضمن أدوار الفاعلين في منظومات الابتكار، والتجسير بين منتسبي الأنشطة الكشفية في المراحل التعليمية المبكرة، وبين اختيار التخصصات العلمية والهندسية في المستقبل، وخلق توقعات واقعية لأدوار غير تقليدية في نقل المعرفة، وريادة الأعمال العلمية والتكنولوجية.
د. جميلة الهنائية باحثة في سياسات العلوم والتكنولوجيا والابتكار.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: نقل التکنولوجیا الفاعلین فی
إقرأ أيضاً:
أسهم أوروبا تنخفض والآسيوية تتباين بضغط من تراجع أسهم شركات التكنولوجيا
"وكالات": انخفضت الأسهم الأوروبية قليلا اليوم عند الفتح بضغط من تراجع أسهم شركات التكنولوجيا بعد توقعات ضعيفة لنتائج أوراكل الأمريكية مما طغي على أثر تصريحات لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) جاءت أقل تشددا من المتوقع.
وهبط المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.3 %. كما تراجعت كبرى بورصات المنطقة أيضا وهبط المؤشر فاينانشال تايمز في لندن 0.1 % وكاك الفرنسي بالنسبة ذاتها.
ونزل قطاع التكنولوجيا 0.9 % مع هبوط سهم ساب الألمانية 2.5 %، وذلك إثر توقعات من أوراكل الأمريكية الأربعاء بأن تأتي المبيعات والأرباح أقل من تقديرات المحللين، كما رفعت الشركة من تقديراتها لحجم الإنفاق.
كما ضغط سهم ساب على المؤشر الألماني إذ جددت نتائج أوراكل المخاوف المتعلقة بالمبالغة في تقييم شركات التكنولوجيا وأرباحها بعد استثمارات ضخمة في الذكاء الاصطناعي.
وفاق تأثير ذلك ما حققه اجتماع البنك المركزي الأمريكي من ارتياح بسبب تحذيره من أثر المزيد من عمليات خفض الفائدة في الأمد القريب لحين اتضاح وضع سوق العمل وهي تصريحات اعتبرها المستثمرون أقل ميلا للتشديد النقدي مما كان متوقعا.
نزل سهم دليفري هيرو خمسة بالمئة بعد أن خفض سيتي جروب توصيته للسهم إلى "بيع" بعد أن ارتفع نحو 14 % الأربعاء.
لكن سهم دراكس المدرجة في لندن زاد 2.2 % بعد أن توقعت الشركة تحقيق أرباح سنوية عند الحد الأعلى من توقعات السوق كما ارتفع سهم مجموعة آر.إس 3 % وتصدر الأسهم الرابحة على المؤشر ستوكس 600 بعد رفع جيه.بي مورجان تصنيفه للسهم.
تباين الأسهم الآسيوية
في حين تباينت مؤشرات الأسهم الآسيوية بعدما اقتربت بورصة "وول ستريت" الأمريكية مجددا من أعلى مستوى لها على الإطلاق عقب قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض سعر الفائدة الرئيسي.
وتراجعت العقود الآجلة للأسهم الأمريكية، فيما استقرت أسعار النفط دون تغيير تقريبا.
وكان خفض الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة متوقعا على نطاق واسع، لكن تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول عززت الآمال في إجراء المزيد من التخفيضات في عام .2026
ومع ذلك، شهدت بعض شركات التكنولوجيا في آسيا تراجعات حادة بعدما أعلنت شركة "أوراكل"، الرائدة في قطاع الذكاء الاصطناعي، عن أرباح جاءت أقل من المتوقع.
وتراجع مؤشر نيكي 225 الياباني بنسبة 1% ليصل إلى 50087.11 نقطة، متأثرا بتراجع سهم شركة "سوفت بنك جروب"، عملاق التكنولوجيا والاتصالات والمستثمر الرئيسي في الذكاء الاصطناعي، بنسبة 6.8 %.
وارتفع مؤشر هانج سنج القياسي في هونج كونج بنسبة طفيفة بلغت 0.1% ليصل إلى 25564.87 نقطة، فيما تراجع مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 0.5% ليصل إلى 3882.72 نقطة.
وبعد ثلاثة أيام من التراجع، ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز/إيه إس إكس 200 الأسترالي بنسبة 2.0% ليصل إلى 8596.40 نقطة، مدعوما بأداء قوي لأسهم الذهب والتعدين.
وتراجع مؤشر كوسبي في كوريا الجنوبية بنسبة 0.3% ليصل إلى 4121.68 نقطة.
وتراجع مؤشر تايكس التايواني بنسبة 1.3%، فيما سجل مؤشر سينسكس الهندي ارتفاعا طفيفا.
وفي بورصة "وول ستريت"، أنهت الأسهم تداولات أمس الأربعاء على صعود، حيث ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.7% ليصل إلى 6886.68 نقطة، ليقترب من أعلى مستوى له على الإطلاق الذي سجله أواخر أكتوبر الماضي.
كما ارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 1% ليصل إلى 48057.75 نقطة، فيما ارتفع مؤشر ناسداك المركب بنسبة 0.3% ليصل إلى 23654.16 نقطة.