سلط موقع "ديفيزا أونلاين" الضوء على تحول روسيا من الهزائم الميدانية إلى بناء "جيش من الطائرات المسيّرة القاتلة"، بعد الدروس القاسية التي تلقتها في أوكرانيا منذ 2022.

وقال الموقع إن موسكو أنشأت نظاما متكاملا لتطوير وتدريب واستخدام الطائرات المسيرة يشمل المصانع والجامعات والمختبرات العسكرية، ما أدى إلى تعديل أكثر من 450 دليلا تكتيكيا وإطلاق فرع عسكري جديد مخصص للأنظمة غير المأهولة عام 2025 تحت اسم قوات الأنظمة غير المأهولة.



وقال، في تقرير ترجمته "عربي21"، إنه ابتداء من عام 2022، وبعد الانطلاقة الصادمة والفاشلة لغزو أوكرانيا، شرعت روسيا في مبادرة منهجية لفحص خبرتها القتالية، واستخلاص الدروس منها، وتقاسمها مع قواتها المسلحة، ففي مطلع عام 2023، كانت موسكو قد شيّدت بهدوء منظومة تعلّم معقّدة تشمل القاعدة التصنيعية للدفاع، والجامعات، والعسكريين على امتداد سلسلة القيادة بأكملها.

واليوم، تعمل القوات المسلحة التابعة للكرملين على إضفاء الطابع المؤسسي على معارفها، وإعادة مواءمة مُنتجي القطاع العسكري-الصناعي ومنظمات البحث والتطوير لدعم متطلبات الحرب، عبر ربط الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا بموارد الدولة.

وقد تجسّد هذا الجهد في بلورة تكتيكات جديدة لاعتمادها في ساحة المعركة، جرى تقنينها في برامج تدريب وأدلة قتالية، وبالتوازي مع ذلك في اختبار وإنتاج أسلحة أعلى أداء وأكثر اتساقا مع تلك التكتيكات.

درس ساحة المعركة

وأكد الموقع أنه عند هذه المرحلة من الصراع، باتت الدروس المستفادة عنصرا لا يمكن لأيٍّ من القوات المنتشرة على الأرض أن تتجاهله، وسيكون ذلك دليلا على الحماقة إن حدث، ولهذا السبب، ومن الجانب الروسي، تنظّم المنطقة العسكرية الجنوبية في روسيا بصورة دورية اجتماعات تُشرك عسكريين من القوات الجو-فضائية والجيش، ومتخصصين في الحرب الإلكترونية، وموظفين مدنيين من القطاع العسكري-الصناعي، بهدف عرض الخبرات المتراكمة في الميدان ومناقشة التحسينات التقنية الواجب إدخالها والإجراءات المطلوب تطبيقها، والموجّهة خصوصا إلى تحييد ذلك المكوّن الذي أصبح أساسيا في القتال، والمتمثّل في الطائرات المسيرة (يو إيه في) المعادية.

ففي مؤتمر عُقد عام 2023 واستضافته أكاديمية المدفعية الروسية، اجتمع عسكريون وخبراء آخرون لمراجعة تكتيكات المدفعية ودمج الطائرات المُسيّرة في استخدام نيران الإسناد، وخلال ثلاث سنوات فقط، أدخلت روسيا أكثر من 450 تعديلا مؤقتا على أدلة القتال، وليس هذا فحسب؛ إذ شدّد القادة العسكريون على أنه من المرجّح أن تُراجَع هذه الأدلة مراجعة شاملة بالكامل بعد انتهاء الحرب.

وأضاف الموقع أن هذه التحديثات تُسهم في تفسير سبب مواجهة الأوكرانيين صعوبات أكبر خلال العام ونصف العام الماضيين؛ ففي عامي 2022 و2023، كان بإمكان الأوكرانيين ضرب مراكز القيادة والمخزونات وخطوط الإمداد الروسية بقدر من السهولة نسبيا؛ ولا تزال الصور التي لا تُنسى لجنودٍ روس يستسلمون وهم يظهرون أمام طائرة مُسيّرة أوكرانية ماثلة في الأذهان، إذ كانوا يدركون أنهم بفضل تلك الطائرة المُسيّرة نفسها سيغدون أهدافا سهلة.

لكن اليوم، أصبحت التدابير الإلكترونية المضادة والدفاعات الصاروخية المعدّلة الروسية أكثر تعقيدا بالنسبة لقوات كييف، كما أن الهجمات الروسية بالطائرات المُسيّرة والصواريخ باتت هي الأخرى أكثر اتساعا وتعقيدا.

من التجريب إلى سلاح إستراتيجي جديد

وأشار الموقع إلى أنه في 6 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلن وزير الدفاع أندريه بيلوسوف إنشاء فرع جديد من القوات المسلحة الروسية متخصص في الحرب باستخدام الطائرات المسيرة (يو إيه في)، وأُعلن دخوله الخدمة رسميا في نوفمبر/تشرين الثاني 2025: قوات الأنظمة غير المأهولة، ويضم هذا التشكيل القيادي المستقل المُستحدث عدة وحدات تعمل بمُسيّرات جوية وبرية وبحرية.

غير أنها لا تعمل بشكل مستقل، بل تُدرَج تحت إمرة أو السيطرة التكتيكية للوحدات العسكرية التي يتعيّن عليها دعمها، ويعود إنشاء وحدات عسكرية منفصلة للطائرات المُسيّرة إلى أواخر يناير/كانون الثاني 2025، مع تقديم أول فوج للطائرات المُسيّرة في عرض يوم النصر بموسكو لعام 2025.

وبما أن الحديث يدور حول «خبرات تراكمت في الميدان»، فإنه ينبغي أن نُرجِع قصة تطوّر الطائرات المُسيّرة الروسية إلى الأنشطة الرائدة لشركة عسكرية خاصة (بي إم سي) شديدة الخصوصية: ذئاب القيصر (تسارسكي فولكي)، المملوكة للسياسي والمدير الروسي دميتري روغوزين، وقد شغل روغوزين منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع من عام 2011 إلى عام 2019، وكان سفير الاتحاد الروسي لدى الناتو من عام 2008 إلى عام 2011، وشغل منصب المدير العام لوكالة الفضاء "روسكوسموس" من عام 2018 إلى عام 2022 - وهو جانب ذو أهمية خاصة في هذا التحليل -.

أما ذئاب القيصر، الناشطون في أوكرانيا، فقد شاركوا في العمليات إلى جانب وحدات «الجمهوريات» المعلنة من جانب واحد في دونباس: كتيبة صوماليا، وفرقة عمّال المناجم؛ ولواء كالميُوس؛ واللواء الدولي بياتناشكا.

ولفت الموقع إلى أنه في 2022، وخلال قصفٍ في منطقة دونيتسك، أُصيب روغوزين بجروح بالغة، وبعد نقله لإجراء عملية جراحية في موسكو، حيث أُزيلت شظية من عموده الفقري، عبّر في مقابلة عن رغبته في الانتقام، وهي رغبة يمكن تحقيقها بفضل المكانة «المميّزة» الناجمة عن خلفيته السابقة في روسكوسموس.

وبين الموقع أنه في 2023 عاد روغوزين إلى خط التماس لاختبار طائرات مسيرة (يو إيه في) جديدة ضد دبابات أبرامز وليوبارد، وهذه الطائرات المُسيّرة، من طراز بي إيه إس-80، تُعد جزءا من منظومات الأسلحة المركّبة على النظام الروبوتي ماركر، وتستطيع هذه الطائرات المُسيّرة رصد الأهداف المعادية بصورة ذاتية بفضل «قواعد البيانات الإلكترونية» المثبّتة على ماركر—والتي تُدرَج فيها تسليحات الخصم—ثم اختيارها بوصفها أهدافا عالية القيمة عبر منحها أولوية، وأخيرا إصابتها.

وبين الموقع أن السمات المميّزة لأنشطة هؤلاء المرتزقة أنهم يؤدون دور الخبراء التقنيين في جانبَي تطوير أسلحة جديدة وتجريبها، وفي تكوينٍ بشري يتألف من تقنيين ومستشارين عسكريين، يمتلكون خبرة ميدانية تراكمت منذ ذلك الوقت عبر تعاونٍ وثيق مع وحداتٍ منخرطة في القتال:

ووفقا للموقع، فإنه بالنظر إلى الخصائص التي تميّزها، يُشار إلى هذه الشركة العسكرية الخاصة (بي إم سي) أيضا بوصفها «المركز التقني-العسكري ذئاب القيصر»، وخلاصة الأمر أن بي إم سي جمعت عددا من المصممين الذين يعملون مع شركات خاصة، والمنخرطين في تطوير تقنيات مبتكرة في مجال الطائرات المسيرة (يو إيه في) والاتصالات، بهدف تحسين قدرات الوحدات الروسية التي تقاتل في أوكرانيا.

وقد اختبر هؤلاء منتجاتهم على خط الجبهة الذي يعمل فيه «لواء الاقتحام» التابع للفيلق الأول للجيش في دونيتسك، ويُعد روغوزين منسّق «لواء الاقتحام الروسي التطوعي» ويتصدر هرم "بي إم سي"، بينما يُقال إن الشريحة العملياتية المنتمية إليها—والمكوّنة من أفراد مشاركين مباشرة في القتال—تخضع لقيادة قائد يُشار إليه باللقب بايثون.



وأوضح الموقع أنه في اجتماع عُقد في 12 يونيو/حزيران 2025 لمراجعة المعايير الرئيسية لبرنامج التسلّح الحكومي للفترة 2027-2036، شدّد الرئيس فلاديمير بوتين على الأهمية ذات الأولوية للتطوير السريع للقطاع العسكري للأنظمة غير المأهولة.

وبعد خمسة أشهر تماما، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن العقيد سيرغي إشتوغانوف، نائب رئيس قوات الأنظمة غير المأهولة (في بي إس)، أن هذا الفرع المستقل الجديد من القوات المسلحة أصبح يعمل بكامل طاقته.

وبحسب ما ورد في الموقع، يكاد هذا الفرع يطابق نظيره الذي أنشأته أوكرانيا العام الماضي، إلى حدّ أنه يحمل التسمية نفسها؛ فقد انخرط الأوكرانيون — متقدّمين على خصومهم الروس — بعمق في تجريب الطائرات المُسيّرة واستخدامها على نطاق واسع، تحديدا لتعويض عامل النقص المتمثّل في محدودية الموارد البشرية والمادية المتاحة لهم في القتال.

وأكد الموقع أن كييف لم تستقبل إنشاء قوات الأنظمة غير المأهولة (في بي إس) الروسية على نحوٍ جيد، مُبدية قدرا كبيرا من القلق، كما صرّح العقيد إشتوغانوف نفسه بأن في بي إس تُجري اختبارات قتالية سواء بالطائرات المُسيّرة، أو بأنظمة الحرب الإلكترونية (إي دبليو)، وتمثّل الحرب الإلكترونية التهديد الرئيسي للطائرات المُسيّرة، وتتواصل بلا انقطاع على كلا الجانبين الدراسات الرامية إلى تحسين فاعلية هذه الأنظمة لصالح وحداتها، وكذلك أنظمة الدفاع في مواجهة قدرات الخصم.

وذكر الموقع أن استمرار توافر الطائرات المُسيّرة على نحوٍ دائم يُعدّ أمرا أساسيا للحفاظ على الجاهزية التشغيلية الكاملة لـقوات الأنظمة غير المأهولة (في بي إس)، وهي طائرات لا يمكن بدورها الاستغناء عن تزويدها بالمكوّنات اللازمة لتجميعها. ولهذا الغرض تؤدي الصين دورا محوريا، إذ نجد في الإنتاج الروسي طائرات مُسيّرة مُركّبة بالكامل من مواد صينية.

أما في ما يتعلّق بالكوادر التي سيُعتمد عليها في تشغيلها، فينصبّ الاهتمام على مشغّلين يمتلكون مستوى جيدا من الخبرة، أي قدامى محاربين صقلوا قدراتهم في مناطق العمليات، مع السعي—في المقابل—إلى تجنّب إشراكهم قدر الإمكان في القتال المباشر. وهو هدفٌ ليس سهل التحقيق. ومن ضمن مهام هذا الطاقم أنه يتولى مسؤولية التدريب وتوفير التجهيزات لمشغّلي الطائرات المُسيّرة، فضلا عن تحليل سير القتال والبحث والتطوير لأنظمة جديدة.

وأفاد الموقع أنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، قُدِّر حجم هذا الفرع بنحو 10.000-20.000 رجل، تتراوح مهامهم من اختصاصيي إطلاق طائرات شاهد المُسيّرة بعيدة المدى، إلى طيّاري الطائرات المُسيّرة الذين يهاجمون العدو بطائرات مُسيّرة انتحارية من نوع إف بي في ويعملون أقرب إلى خط التماس(26).

قوات الأنظمة غير المأهولة تدخل الحرب

الوحدات التي تُعدّ حاليا جزءا من قوات الأنظمة غير المأهولة (في بي إس) هي التالية:

– مركز روبكون للتقنيات المتقدمة غير المأهولة

– الفوج السابع للاستطلاع-الهجوم المستقل للأنظمة غير المأهولة

– الفوج 75 المستقل للأنظمة غير المأهولة

– الفوج 77 المستقل للأنظمة غير المأهولة

– اللواء المستقل للطائرات غير المأهولة "غروم "كاسكاد""

– مركز بارس-سارمات للأغراض الخاصة (سابقا: مفرزة المتطوعين بارس-سارمات)، وعلى رأسه نجد اسما مألوفا: دميتري روغوزين.

وأوضح الموقع أنه يجدر التوقّف عند الوحدة التي يمكن اعتبارها «قاطرة» مشروع قوات الأنظمة غير المأهولة (في بي إس) برمّته: مركز روبكون للتقنيات المتقدمة غير المأهولة، الذي أُنشئ في أغسطس 2024 بتوجيه من وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف. وكان الهدف الرئيسي للمركز إعداد مدرّبين على درجة عالية من التأهيل في مجال الطيران غير المأهول، بهدف نقل خبراتهم إلى أفراد الوحدات العسكرية الجديدة.

وإضافة إلى ذلك، يعمل المركز على إعداد مشغّلي الطائرات المسيرة (يو إيه في) لاستخدامهم في العمليات القتالية، سواء بصورة فردية أو ضمن فرق. كما يطوّر المركز ويختبر أنظمة طائرات مُسيّرة متقدمة وآليات تطبيقها، ويجري أبحاثا في مجال الذكاء الاصطناعي ويستكشف كيف يمكن توظيفه في الأنظمة الروبوتية. وحتى شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2025، يُقدَّر أن قوام هذه الوحدة يبلغ نحو 5.000 رجل.

ويُرجَّح – وفقا للموقع – أن مقر روبكون يقع داخل قاعات العرض في باتريوت بارك ضمن مقاطعة موسكو، ويقودها عقيد الحرس سيرغي بودنيكوف، الرئيس السابق لأركان اللواء التاسع لمدفعية الحرس. ويتم اختيار المجنّدين في موسكو قبل توزيعهم على الفرق المعنية للتدريب.

وقد نُشرت الوحدة في البداية في مقاطعة كورسك، حيث أدّت دورا مهما في قطع طرق الإمداد الأوكرانية، ما ساعد القوات الروسية على دفع العدو خارج المنطقة. كما يمكن لـروبكون الاستفادة من قدرات عالية في مجال سيغ إنت، بما يتيح لها تحديد مواقع الطائرات المُسيّرة الأوكرانية ومشغّليها واستهدافهم، وصولا إلى تدمير ما يصل في بعض المناطق إلى 70% من مواقع الطائرات من دون طيار (يو إيه في).

ومنذ يناير/كانون الثاني 2025، عملت روبكون في اتجاهات بيلغورود وكوبيانسك وبوكروفسك وخاركيف وفوهليدار وفي جنوب دونيتسك. ومنذ مايو 2025، عملت أساسا في مقاطعة دونيتسك، دعما للهجوم الروسي. وأخيرا، أنواع الطائرات المُسيّرة التي تستخدمها الوحدة:

ولفت الموقع إلى أن المدرّبين الروس قد بدأوا باستخدام الطائرات المُسيّرة ليس فقط في أنشطة الاستخبارات وفي الهجمات على الأهداف، بل أيضا لمراقبة تدريب الجنود، بما يتيح لهم لاحقا تقييم ومناقشة نجاحات الوحدات وإخفاقاتها على نحوٍ أفضل. أمّا تطوّر العقيدة، فهو موجّه بقوة نحو تحييد التهديدات التي تستهدف الهجمات المدرّعة واسعة النطاق، ولذلك يُعد هذا الجانب أولوية مطلقة للبحث والتطوير في المجال الحربي. ومن المرجّح أن تنظر القوات المسلحة الروسية بصورة متزايدة إلى رفع إنتاج الأنظمة غير المأهولة، التي ستدمج ضمن قوتها العسكرية لمنحها أفضلية مقارنة بـناتو.

واختتم تقريره بالتأكيد على أن الخبراء الروس يقيّمون كيفية نشر أنظمة لاتخاذ القرار والتخطيط، وكذلك أنظمة تسليح قائمة على الذكاء الاصطناعي يمكن أن تصبح متاحة بحلول مطلع سنوات الثلاثينيات. كما يدرسون كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي في الصواريخ فرط الصوتية، وأنظمة الدفاع الجوي، والطائرات المُسيّرة لتحسين أدائها. وهم يقيّمون أيضا كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسرّع تنفيذ المهام التحليلية وأن يميكن الأوامر. ورغم أن هذا المجال يُعد أولوية وطنية، فإن الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي مرتفعة الكلفة، ولذلك ما تزال حتى الآن محدودة نسبيا، وهو ما يقيّد قدرات روسيا على المدى القصير.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة دولية صحافة إسرائيلية صحافة دولية روسيا الطائرات المسيرة روسيا اوكرانيا طائرات مسيرة صحافة دولية صحافة دولية صحافة دولية صحافة دولية صحافة دولية صحافة دولية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة نوفمبر تشرین الثانی الطائرات المسیرة الذکاء الاصطناعی القوات المسلحة الموقع أنه الموقع أن فی القتال من القوات الثانی 2025 طائرات م بی إم سی فی بی إس فی مجال من عام التی ت أنه فی

إقرأ أيضاً:

المقاومة بين ضغط العدو وصمت القريب

 

 

 

أحمد الفقيه العجيلي

 

تبدو المفارقة في المشهد العربي اليوم لافتة: فبعض الأنظمة تبدو أكثر تشددًا تجاه حركات المقاومة مما هي عليه القوى الكبرى نفسها. ولا يرتبط الأمر بخلاف سياسي محدود؛ بل بتراكم تاريخي وتعقيدات تتداخل فيها هواجس الأمن الداخلي، وتحولات الإقليم، ومحاولات إعادة بناء الأولويات بعيدًا عن القضية الفلسطينية.

حركات المقاومة- وفي مقدمتها حماس- تمثل نموذجًا حساسًا لدى عدد من الأنظمة. فهي قوى شعبية تمتلك خطابًا مؤثرًا، وحضورًا ميدانيًا متماسكًا، وقدرة على الاستمرار رغم الظروف القاسية.

هذا النموذج يُثير مخاوف متوارثة من انتقال "عدوى القوة الشعبية" إلى الداخل، كما حدث حين ألهبت ثورات الخمسينيات مشاعر الشعوب العربية، أو عندما فجّرت انتفاضة 1987 موجة تعاطف وضغط شعبي هزّت المنطقة بأكملها. لذلك تصبح هذه الحركات هدفًا مزدوجًا: تُحارَب من الاحتلال لأنه يراها خصمًا مباشرًا، وتتحفظ عليها بعض الأنظمة لأنها تمثل نمطًا لا ترغب في رؤيته يتكرر.

الأحداث الأخيرة كشفت هذه المعادلة بوضوح؛ فبعد طرح "خطة ترامب"، التي تكشف عن ثغرة قاتلة: غياب الضمانات الحقيقية لوقف الخروقات الإسرائيلية. هذه الخطة لم تُبنَ على أساس موازين قوى متكافئة أو حقوق ثابتة؛ بل اعتمدت في جوهرها على أجندة أمريكية- إسرائيلية تهدف إلى تصفية المقاومة ونزع سلاحها أولًا، دون إلزام الاحتلال بضوابط ردع فعالة لوقف الاستيطان أو الاغتيالات أو التعدي على المقدسات.

وبالتالي تجعل تركيزها كله على مطالبة المقاومة بالتنازل، دون وضع آليات عقابية لإلزام الطرف الإسرائيلي.

والأدهى، أن دور الوسطاء العرب والدوليين يظل في الغالب ضعيفًا وغير فعّال عند وقوع الخروقات الإسرائيلية الكبرى؛ فبدلًا من ممارسة ضغط حقيقي لفرض عقوبة على العدو، تقتصر ردود فعلهم غالبًا على بيانات حذرة أو متابعة للمشهد، ما يضعهم في موقع "المراقب" بدلًا من "الضامن الفعّال". هذا الضعف في آليات الضمان يرسخ الانطباع بأن أي تسوية تُطرح، هي بالأساس إطار قابل للتلاعب من قبل الاحتلال، يتيح له استخدام الوقت لصالحه للمزيد من القضم والتمدد.

التاريخ القريب يدل على أن أي تسوية لا تنطلق من الإرادة الفلسطينية تتحول إلى إطار قابل للتلاعب. حدث ذلك في كامب ديفيد، وفي أوسلو، ويتكرر اليوم مع خطة ترامب. فالاحتلال يملك القدرة على إعادة تفسير البنود واستخدام الوقت لصالحه، بينما تكتفي الأطراف العربية المعنية بمتابعة المشهد أكثر مما تُسهم في تشكيله.

ويبقى السؤال: هل يمكن لمثل هذه الخطط أن تنجح؟ التجربة تشير إلى أن نجاحها يتطلب قبولًا فلسطينيًا واسعًا، وهو ما لم يتحقق، خصوصًا أن الخطة بُنيت على منطق أحادي يجعل "الحل" أقرب إلى إعادة ترتيب الاحتلال بلغة سياسية ناعمة. وهكذا تبقى المقاومة- رغم اختلاف تقييم أدائها- الطرف الوحيد الذي يتحرك على قاعدة الفعل لا البيانات.

بحسب ما أتابعه من قراءات وتحليلات، فإن فرص نجاح أي خطة لا تُلزم الاحتلال بقواعد واضحة وتضمن الحد الأدنى من الحقوق، ستظل ضعيفة. فالخطة التي تستند على الضغط على المقاومة دون ردع الاحتلال، تشبه محاولة بناء بيتٍ على أرض رخوة؛ أول هبّة ريح تكشف هشاشته.

ولعل العدو يدرك- قبل غيره- أن كسر حماس ليس سهلًا؛ فالمقاومة التي صمدت تحت الحصار، وتحت النار، وتحت كل حملات التشويه، ليست مجرد تنظيم؛ إنها حالة وعي تشكّلت عبر عقود من الجراح والأمل. وهذا ما يجعل بعض الأنظمة أكثر حذرًا… وربما أكثر عداءً.

في الجوهر، الموقف المتشدد تجاه المقاومة لا يرتبط بقيم سياسية بقدر ما يرتبط برغبة عدد من الأنظمة في طيّ صفحة الصراع، أو على الأقل تحييده عن حساباتها الجديدة. لكن وجود مقاومة فاعلة يعيد تذكير الجميع بأن الملف لم يُغلق، وأن أي ترتيب لا يأخذ حقوق الفلسطينيين بجدية لن يعيش طويلًا.

لهذا تبدو المفارقة مفهومة: تُنتقد المقاومة لأنها ترفض التكيف مع المعادلات الجديدة، ولأن استمرارها يربك خطاب “الاستقرار بأي ثمن”. أما الاحتلال، فاعتاد أن يجد من يخفف عنه عبء الانتقاد، حتى وهو يمضي في خروقاته يومًا بعد يوم.

ولذلك، كلما اشتد الهجوم على حماس… ازددتُ يقينًا أن ما يؤلم خصومها ليس فعلها، بل ثباتها.

وما يزعجهم ليس قوتها، بل قدرتها على النجاة. وما يخيفهم ليس خطابها؛ بل الأمل الذي تبقيه حيًا في قلوب الناس.

هذه الصورة ليست تحليلًا سياسيًا بقدر ما هي قراءة واقعية لمشهد يتكرر عبر العقود: حين يتراجع الصوت الرسمي، تظل القوى الشعبية- مهما اختلفت التقديرات حولها- هي الكف التي تمنع سقوط القضية بالكامل.

في النهاية.. يظل الثابت أن من يحمل البندقية ومن يرفض الانحناء هو الأكثر استهدافًا. أما من يفاوض بلا أوراق قوة، أو يساير الرياح حيثما هبّت، فلن يكون موضع قلق لأي أحد.

مقالات مشابهة

  • الكرملين يحذر أوروبا.. مصادرة الأصول الروسية ستواجه برد قاس
  • المقاومة بين ضغط العدو وصمت القريب
  • ترامب: يجب إجراء انتخابات في أقرب وقت بأوكرانيا
  • البورصة توقع غرامات بـ170 ألف جنيه على 13 شركة مخالفة
  • “جبار” المصري.. مصر تكشف عن سلاح انتحاري مدمر (صور)
  • «حاملة الطائرات التي لا تغرق: إسرائيل، لماذا تخشى السعودية أكثر مما تخشى إيران؟»
  • وزير التجارة يوافق على قواعد المستفيد الحقيقي
  • أونروا: إسرائيل طرف في اتفاقية امتيازات الأمم المتحدة التي تنص على حرمة المقار الأممية
  • ضفدع لا يخاف الزنابير القاتلة.. كيف يلتهمها بعد أن تلسعه مرارا؟